147 ألف طلب، مدبولي يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال مايو    وزير التربية والتعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    وزيرة الهجرة: نساعد المصريين في الخارج على الاستثمار في مصر    شحاتة يختتم مشاركته في مؤتمر جنيف بلقاء مدير العمل الدولية    توقيع اتفاقيات تعاون بين مصر وأذربيجان    عاجل| رسائل هام من وزير المالية ل صندوق النقد الدولي    عمليات إنقاذ وتحذيرات وفيضانات جراء الأمطار الغزيرة في أستراليا    طائرات الاحتلال تشن سلسلة غارات عنيفة على مدينة غزة ومخيمات الوسطى    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    الرئيس السيسي ورئيس أذربيجان يشهدان مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات المشتركة    التعاون الدولي تعلن تفاصيل الملتقى الأول لبنك التنمية الجديد في مصر    كرة اليد، كارلوس باستور: ملتزم بتدريب منتخب مصر، والأهلي ليس خيارا    اقتراح بالشيوخ لحظر سير الكارو والتروسيكل في شوارع القاهرة    برقم الجلوس، نتيجة الشهادة الابتدائية الأزهرية عبر البوابة الإلكترونية    وكيل تعليم الدقهلية يجتمع برؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة    رئيس بعثة الحج الرسمية يناشد الحجاج المصريين بارتداء بطاقة «نسك» الذكية خلال موسم الحج    ب 2 مليون جنيه.. ضبط عدد من العناصر الإجرامية تخصصوا بتجارة المخدرات بالشرقية    بيتر ميمي يشهد تخريج الدفعة الخامسة من المدرسة العربية للسينما غدا    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتضي إتباع سنته    وزير التعليم العالي يزور أرض مستشفى بنها الجامعي الجديد (صور)    وزير الصحة يتفقد مستشفى وادي النطرون التخصصي بالبحيرة    بحضور المحافظ.. وزير التعليم العالي يزور أرض مستشفى بنها الجامعي الجديد    «الزراعة»: رفع درجة الاستعداد في 300 مجرز لاستقبال عيد الأضحى    «رجال الأعمال» تبحث تعزيز مشاركة القطاع الخاص في خطة وزارة الزراعة    حفظ التحقيقات حول وفاة نقاش بالمنيرة    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب سيارة بالبحيرة    كتائب القسام: تفجير حقل ألغام معد سابقا في قوة هندسية للاحتلال وإيقاعها بين قتيل وجريح شرق رفح    «الإسكان» تعلن موعد تلقي طلبات توفيق الأوضاع بشأن «الوادي الأخضر« و«6 أكتوبر»    نجيب الريحاني وجه باك أضحك الجماهير.. قصة كوميديان انطلق من كازينو بديعة وتحول منزله إلى قصر ثقافة    إصابة ميليك تفسد فرحة بولندا    وزير الأوقاف: جهود الوزارة في الحفاظ على السنة قديم وليس وليد اللحظة    بحضور السفير الفرنسي.. افتتاح المكتب الفرانكفوني بجامعة القاهرة الدولية ب 6 أكتوبر    وزيرة البيئة: نعمل على تشجيع الاستثمار في مصانع تدوير المخلفات    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    السير على خطى فابريجاس؟ رومانو: ليفركوزن يقترب من ضم مدافع برشلونة    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    بسبب ارتفاع درجات الحرارة.. تخفيض سرعة القطارات على معظم خطوط السكة الحديد    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    هل يجوز الادخار لحم الأضحية؟.. تعرف على رأي الإفتاء    أوكرانيا: عدد قتلى الجيش الروسي يصل إلى 517 ألفا و290 جنديا منذ بدء الحرب    نجم الأهلي يوجه رسالة قوية إلى محمد الشناوي    القاهرة الإخبارية: ليلة مرعبة عاشها نازحو رفح الفلسطينية بسبب قصف الاحتلال    فتح باب التقدم بمسابقة فتحى غانم لمخطوطة القصة القصيرة.. اعرف الشروط    أسعار الأسماك اليوم 8 يونيو بسوق العبور    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    «الصحة» تستعد لموسم المصايف بتكثيف الأنشطة الوقائية في المدن الساحلية    الجيش الأمريكي يدمر خمس مسيرات حوثية وصاروخين وزورق في اليمن    من جديد.. نيللي كريم تثير الجدل بإطلالة جريئة بعد إنفصالها (صور)    «اهدى علينا شوية».. رسالة خاصة من تركي آل الشيخ ل رضا عبد العال    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    حاول قتلها، زوجة "سفاح التجمع" تنهار على الهواء وتروي تفاصيل صادمة عن تصرفاته معها (فيديو)    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاشة الأدب.. سلمى مبارك تكتب عن لقاء النص والصورة
نشر في صوت البلد يوم 06 - 02 - 2017

يتأسّس كتاب النص والصورة، للدكتورة سلمى مبارك منذ عنوانه الفرعي “السينما والأدب في ملتقى الطرق” عند خلق مساحات للقاء بين السينما والأدب، وإن كانت تعترف منذ البداية بغياب أرضية نظرية تجمع بين الفنين، وهذا راجع إلى طبيعة حداثة فن السينما في مقابل عَراقة فن القول، علاوة على وجود ميراث فكري طويل رأى في الفن السابع حقلاً غير أهل لوضعه على قدم المساواة مع الأدب.
ومع هذه الإشكالية التي تعيها جيدًا المؤلفة تطمح في هذا الكتاب إلى إعادة رسم الحدود بين الفنيّن وخلق أرضية جديدة مشتركة مفتوحة على الجانبين تسمح بتداخل المفاهيم والأدوات، وقبلها تَسمح بالنظر إلى الفنيّن باعتبارهما شريكين في تاريخ تفاعليّ يجمعهما ويربط بينهما العديد من العلاقات غير النوعية.
تتطرق الكاتبة في مقدمتها المقتضبة إلى الموضوع الذي تطرحه مظهرة أهميته، وأهمية الاحتياج إلى المنهج المقارن لما يتيحه هذا المجال من حرية لا تُتاح لغيره من المجالات، وهو ما يُساهم في خلق مساحة رحبة للتقارب بين المجالين. كما تتطرّق لتاريخية العلاقة بين الأدب والفنون بصفة عامة وترجعها إلى نهاية ستينات القرن العشرين. والجدير بالذكر أن العلاقة بين الأدب والفن التشكيلي كانت تستحوذ على جل اهتمام الباحثين مقارنة بعلاقة الأدب والسينما التي كانت تدخل على استحياء.
محطات مشتركة
ينقسم الكتاب الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016، إلى ثلاثة أبواب يختص كلّ باب منها بشكل من أشكال العلاقة بين الأدب والسينما، ارتكز الجزء الأوّل من الكتاب على استعراض بعض المحطات في التاريخ المشترك بين الفنيّن منذ ظهور فن السينما في مصر، وقد اكتفت بثلاثة نماذج لإظهار التقاطع التاريخي بين الفنين، وفي المحطة الأولى أوقفتها على تأثير اختراع جهاز السينما على الأدباء في العالم، كما تعرض للردود المتباينة من قبل الكتاب، فجورجي زيدان يقف عند الدور التعليمي/التربوي لهذا الاختراع الجديد، أما عباس محمود العقاد فذهب إلى أهمية السينما الصّامتة في إخصاب الخيال وتنميته. أما طه حسين فله موقفان متنقاضان الأول عبّر عنه في حديث إذاعي مع المذيعة ليلى رستم، اتهم فيه السينما بإلهاء الجمهور وإفساد الأدب عندما ينتقل إليها عبر الاقتباس.
وفي المحطة الثانية تتوقف المؤلفة بالكامل عند تجربة نجيب محفوظ وكتابته التي تعد فصلاً مشتركًا بين الأدب والسينما، حيث تعدُّد الأدوار التي لعبها محفوظ في هذا الشأن بما تمثِّله السينما من تاريخ شخصي لنجيب محفوظ بدأت علاقته المبكرة في طفولته، ثم علاقته الوثيقة عبر الكتابة السينمائية فوجد فيها نوعًا من الكتابة البديلة، لكن أهم ما يميِّز تجربة محفوظ أنها تجمع بين الشقين الإبداعي والتقني، ويرجع الفضل إلى المخرج صلاح أبوسيف الذي علّمه كتابه السيناريو.
أما المحطة الثالثة فترصد لحالة الصحوة التي أطلقت عليها سينما جديدة رواية جديدة، وقد بدأت من جيل ستينات القرن الماضي حتى بداية تسعيناته، حيث شهدت هذه الفترة تحولات على الصعديْن الأدبي والفني.
السينما الجديدة التي تقصدها هي سينما نتاج من المخرجين ظهرت باكورة أعمالهم في ثمانينات القرن العشرين إلا أنهم كانوا تحت تأثير الإطار التاريخي لمصر ستينات القرن الماضي والظروف الاقتصادية لفترة سبعيناته، كما تميّزت هذه التجربة بأن مبدعيها من المخرجين تأثَّروا بالسينما الغربية وفقًا لدراستهم في الخارج أو اتصالهم بهذه النتاجات.
وقد تميّزت هذه المرحلة بتحرّر الكاميرا من الأستوديوهات وخرجت لشارع المدينة تتحسّس المكان بعين تسعى لاكتشافه في ظاهريته وبديهيته وحميميته، كما استخدم هؤلاء لغة سينمائية أكثر رهافة وأكثر تخففًا من قيود الحدوتة والتقاليد الحكائية، وعلى الخط ذاته يتقاطع كتاب جيل الستينات من القرن العشرين الذين ولدوا قبيل الحرب العالمية الثانية أو في أعقابها وتميزت كتاباتهم بأنها مغايرة للكتابة الواقعية.
ومع هذا التقارب البادي بين جيل السينمائيين والروائيين ورؤيتهم للفن بصفة عامة إلا أن هذا التقارب لم يثمر عن زيادة في الأعمال المقتبسة من الأعمال الروائية وأيضًا غياب تجارب المشاركة في الكتابة، بل سعت السينما في أحد اتجاهاتها للاستقلال عن الأدب، على نحو ما ظهرت في كتابات فايز غالي وبشير الديك. والملاحظة المهمة التي تسجلها المؤلفة أن الأدب على الرغم من كونه مصدرًا من مصادر الأدب إلا أنه بدا كمعوِّق لاستقلالية الفن السينمائي ولبحثه عن أدواته الخاصة.
السير أزمة وجودية
هناك جزء من الكتاب تتبع مفهوم الموازاة الذي يُعنى بتتبع علاقة التشابه بين عناصر بعيدة عن بعضها البعض يؤدِّي تجاورها إلى اكتشاف مساحات مشتركة، وتتناول في هذا الباب مبحثيْن الأوّل عن المدينة كمكان يوميّ في الأدب والسينما، تنحو المؤلفة في جزء كبير منحًى تاريخيًّا حيث تبرز علاقة المدينة بالأدب والسينما وقبلهما بالحداثة، كما تورد مشاهد ومقتطفات تبرز فيها الوعي المديني كما تجلّى في روايات نجيب محفوظ الواقعيّة وجمال الغيطاني ومحمود الورداني وإبراهيم أصلان، مقارنة بغياب هذا الوعى المدينيّ في رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل.
ومن هذا المهاد التاريخي تنطلق في الفصل الثاني، لتبرز علاقة الموازاة متخذة من نموذجي إبراهيم أصلان “مالك الحزين” و”الحرّيف” لمحمد خان، فتتخذ من موتيف السّير والسّائر، ليس بوصفه موضوعًا بقدر ما يشير إلى المعنى التشكيلي للكلمة حيث تشير إلى الوحدة البصرية المتكرِّرة. وهي التيمة المهيمنة على العملين الروائيّ والسينمائيّ بكثافة، حيث يتمّ توظيفه للتعبير عن أزمة وجودية تعيشها الشخصيات، ما يجمع بين العملين أن السير دائمًا تظهر الشخصية في عُزلة دائمة كما في شخصية فارس في “الحريف”، ويوسف النجار في “مالك الحزين” الذي يبدو مستغرقًا في أفكاره أثناء السير، كما أن الشيء الآخر الجامع بين العملين هو حالة التسليع حيث في “مالك الحزين” يصير الوطن والمقهى سلعة، وبالمثل في “الحريف” يصير الإنسان سلعة يباع ويشترى، وفي العملين يقف الأبطال عاجزين تتجاوزهم الأحداث وأيضًا تتجاوز المدينة بحركتها وتدفقها ولامبالاتها. كما تحل الوحدات السردية الصغرى محل السرديات الكبرى، وينتقل مركز الثقل من تصوير الوقائع اليومية العادية إلى التعبير عن العادي والبديهي مع تحميل التفاصيل الصغيرة الأزمات الوجودية.
وتبحث المؤلفة في لون شائع من العلاقة بين الأدب والسينما، ألا وهي علاقة الاقتباس، وهي العلاقة التي تشكل ملتقى طرق، وفضاءً للتبادل والجدل بين نصين يرتبط كل منهما بشبكة من العلاقات مع أعمال سابقة عليه ومعاصرة له تشكّل النوع الذي ينتمي إليه وتحدّد موقعه على خريطة المتخيّل المرتبطة بالنوع. وتناقش في تمهيد مستقل أهمّ الاتجاهات النقدية في تناول الاقتباس السينمائي عن الأدب، وتقصر دراستها التطبيقية على ثلاثة نماذج، الأوّل تعقد فيه مقارنة بين رواية “الحرام” ليوسف إدريس وفيلم “بركات” المأخوذ عنها من خلال تتبع عنصري الصوت والصمت وتعبير اللغة الأدبية والسينمائية عنهما، وكذلك الوظيفة السردية في دراما الفيلم والرواية.
فتقابل بين الأصوات من حيث ثنائية الحركة والسكون حيث أصوات الطبيعة تجمع بين الصوتين، كما لاحظت أن لحظات الوصف عند يوسف إدريس يُصاحبها سكون تتخلله أصوات الطبيعة. الملاحظ أن ظاهرة الصوت والصمت في الرواية ترتبط بثنائية القاهر والمقهور، وهذه الثنائية تتوه في الفيلم. وتخرج المؤلفة بملاحظة أن درجة تعامل الفيلم والرواية مع هذه الظاهرة مرتبط بالتعامل مع المادة القصصية والعناصر المكوّنة لها، فالصوت المنفرد في الرواية يعبر عن السلطة (سياسية أو أبوية) أما الصوت المنفرد في الفيلم هو صوت عزيزة وهو يُعبِّر عن ذات الشخصية في تذكرها لحياتها السابقة.
في جانب من بحثها تتخذ المؤلفة من “البوسطجي” ليحيى حقي نموذجًا لآليات القراءة في الفيلم والقصة، من خلال التركيز على عنصر الرسالة ووظيفتها السردية والتعبير الفني عنها في كل من العملين، فالرسالة تتحول إلى طبيعة مختلفة تصبح لدى قارئها الجديد قصة مسلسلة لها موقعها الجديد في شكل اتصالي مغاير ثلاثي الأبعاد يتكون من؛ الراوي/القارئ/النص حيث تتحوّل الرِّسالة إلى نصِّ روائيٍّ بالنسبة إلى البوسطجي.
مع الإشارة إلى أن التصوّر الذهني تنتج عنه قطيعة بين العالمين عالم المتخيل وعالم الواقع حيث يفشل عباس في كسر حدود المتخيل للبحث عن جميلة، يظهر التحول أيضًا في تعامل “عباس″ يحيي حقي مع الرسالة بمنطق التحليل النقدي فعباس ينظر للخطابات لا على أنها حودايت، وإنما يتمعن في جميع التفاصيل الكتابية وأنواع الخطوط ونوعية الورق والحبر المستخدم، والفراغات وكيفية استخدامها، فقراته للخطابات تتوازى مع قراءة الناقد الأدبي لبحث فهم الشخصيات، كما تنحرف قراءة الخطابات إلى زاوية أخرى تتصل بمتعة النص حيث يتحايل عباس بقراءة هذه الخطابات على الواقع الذي يعيشه.
المفاجأة الحقيقية في أن يتحول البوسطجي من قارئ أو شاهد إلى دور فاعل. في الجزء الأخير تتوقّف المؤلفة عند شكاوي الفصيح، حيث تتحول بردية في الأدب القديم إلى فيلم سينمائي كما فعل شادي عبدالسلام، هنا الاقتباس يتأتي بوصف عملية تشتبك فيها عناصر النص والسياق وبوصفه قراءة سينمائية حديثة لهذه القطعة الأدبية حوّلتها من حالة الثبات إلى حالة من الدينامية تُعيد بثَّ النص القديم وتجعل منه متنًا مفتوحًا على الزمن.
كاتب من مصر
يتأسّس كتاب النص والصورة، للدكتورة سلمى مبارك منذ عنوانه الفرعي “السينما والأدب في ملتقى الطرق” عند خلق مساحات للقاء بين السينما والأدب، وإن كانت تعترف منذ البداية بغياب أرضية نظرية تجمع بين الفنين، وهذا راجع إلى طبيعة حداثة فن السينما في مقابل عَراقة فن القول، علاوة على وجود ميراث فكري طويل رأى في الفن السابع حقلاً غير أهل لوضعه على قدم المساواة مع الأدب.
ومع هذه الإشكالية التي تعيها جيدًا المؤلفة تطمح في هذا الكتاب إلى إعادة رسم الحدود بين الفنيّن وخلق أرضية جديدة مشتركة مفتوحة على الجانبين تسمح بتداخل المفاهيم والأدوات، وقبلها تَسمح بالنظر إلى الفنيّن باعتبارهما شريكين في تاريخ تفاعليّ يجمعهما ويربط بينهما العديد من العلاقات غير النوعية.
تتطرق الكاتبة في مقدمتها المقتضبة إلى الموضوع الذي تطرحه مظهرة أهميته، وأهمية الاحتياج إلى المنهج المقارن لما يتيحه هذا المجال من حرية لا تُتاح لغيره من المجالات، وهو ما يُساهم في خلق مساحة رحبة للتقارب بين المجالين. كما تتطرّق لتاريخية العلاقة بين الأدب والفنون بصفة عامة وترجعها إلى نهاية ستينات القرن العشرين. والجدير بالذكر أن العلاقة بين الأدب والفن التشكيلي كانت تستحوذ على جل اهتمام الباحثين مقارنة بعلاقة الأدب والسينما التي كانت تدخل على استحياء.
محطات مشتركة
ينقسم الكتاب الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016، إلى ثلاثة أبواب يختص كلّ باب منها بشكل من أشكال العلاقة بين الأدب والسينما، ارتكز الجزء الأوّل من الكتاب على استعراض بعض المحطات في التاريخ المشترك بين الفنيّن منذ ظهور فن السينما في مصر، وقد اكتفت بثلاثة نماذج لإظهار التقاطع التاريخي بين الفنين، وفي المحطة الأولى أوقفتها على تأثير اختراع جهاز السينما على الأدباء في العالم، كما تعرض للردود المتباينة من قبل الكتاب، فجورجي زيدان يقف عند الدور التعليمي/التربوي لهذا الاختراع الجديد، أما عباس محمود العقاد فذهب إلى أهمية السينما الصّامتة في إخصاب الخيال وتنميته. أما طه حسين فله موقفان متنقاضان الأول عبّر عنه في حديث إذاعي مع المذيعة ليلى رستم، اتهم فيه السينما بإلهاء الجمهور وإفساد الأدب عندما ينتقل إليها عبر الاقتباس.
وفي المحطة الثانية تتوقف المؤلفة بالكامل عند تجربة نجيب محفوظ وكتابته التي تعد فصلاً مشتركًا بين الأدب والسينما، حيث تعدُّد الأدوار التي لعبها محفوظ في هذا الشأن بما تمثِّله السينما من تاريخ شخصي لنجيب محفوظ بدأت علاقته المبكرة في طفولته، ثم علاقته الوثيقة عبر الكتابة السينمائية فوجد فيها نوعًا من الكتابة البديلة، لكن أهم ما يميِّز تجربة محفوظ أنها تجمع بين الشقين الإبداعي والتقني، ويرجع الفضل إلى المخرج صلاح أبوسيف الذي علّمه كتابه السيناريو.
أما المحطة الثالثة فترصد لحالة الصحوة التي أطلقت عليها سينما جديدة رواية جديدة، وقد بدأت من جيل ستينات القرن الماضي حتى بداية تسعيناته، حيث شهدت هذه الفترة تحولات على الصعديْن الأدبي والفني.
السينما الجديدة التي تقصدها هي سينما نتاج من المخرجين ظهرت باكورة أعمالهم في ثمانينات القرن العشرين إلا أنهم كانوا تحت تأثير الإطار التاريخي لمصر ستينات القرن الماضي والظروف الاقتصادية لفترة سبعيناته، كما تميّزت هذه التجربة بأن مبدعيها من المخرجين تأثَّروا بالسينما الغربية وفقًا لدراستهم في الخارج أو اتصالهم بهذه النتاجات.
وقد تميّزت هذه المرحلة بتحرّر الكاميرا من الأستوديوهات وخرجت لشارع المدينة تتحسّس المكان بعين تسعى لاكتشافه في ظاهريته وبديهيته وحميميته، كما استخدم هؤلاء لغة سينمائية أكثر رهافة وأكثر تخففًا من قيود الحدوتة والتقاليد الحكائية، وعلى الخط ذاته يتقاطع كتاب جيل الستينات من القرن العشرين الذين ولدوا قبيل الحرب العالمية الثانية أو في أعقابها وتميزت كتاباتهم بأنها مغايرة للكتابة الواقعية.
ومع هذا التقارب البادي بين جيل السينمائيين والروائيين ورؤيتهم للفن بصفة عامة إلا أن هذا التقارب لم يثمر عن زيادة في الأعمال المقتبسة من الأعمال الروائية وأيضًا غياب تجارب المشاركة في الكتابة، بل سعت السينما في أحد اتجاهاتها للاستقلال عن الأدب، على نحو ما ظهرت في كتابات فايز غالي وبشير الديك. والملاحظة المهمة التي تسجلها المؤلفة أن الأدب على الرغم من كونه مصدرًا من مصادر الأدب إلا أنه بدا كمعوِّق لاستقلالية الفن السينمائي ولبحثه عن أدواته الخاصة.
السير أزمة وجودية
هناك جزء من الكتاب تتبع مفهوم الموازاة الذي يُعنى بتتبع علاقة التشابه بين عناصر بعيدة عن بعضها البعض يؤدِّي تجاورها إلى اكتشاف مساحات مشتركة، وتتناول في هذا الباب مبحثيْن الأوّل عن المدينة كمكان يوميّ في الأدب والسينما، تنحو المؤلفة في جزء كبير منحًى تاريخيًّا حيث تبرز علاقة المدينة بالأدب والسينما وقبلهما بالحداثة، كما تورد مشاهد ومقتطفات تبرز فيها الوعي المديني كما تجلّى في روايات نجيب محفوظ الواقعيّة وجمال الغيطاني ومحمود الورداني وإبراهيم أصلان، مقارنة بغياب هذا الوعى المدينيّ في رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل.
ومن هذا المهاد التاريخي تنطلق في الفصل الثاني، لتبرز علاقة الموازاة متخذة من نموذجي إبراهيم أصلان “مالك الحزين” و”الحرّيف” لمحمد خان، فتتخذ من موتيف السّير والسّائر، ليس بوصفه موضوعًا بقدر ما يشير إلى المعنى التشكيلي للكلمة حيث تشير إلى الوحدة البصرية المتكرِّرة. وهي التيمة المهيمنة على العملين الروائيّ والسينمائيّ بكثافة، حيث يتمّ توظيفه للتعبير عن أزمة وجودية تعيشها الشخصيات، ما يجمع بين العملين أن السير دائمًا تظهر الشخصية في عُزلة دائمة كما في شخصية فارس في “الحريف”، ويوسف النجار في “مالك الحزين” الذي يبدو مستغرقًا في أفكاره أثناء السير، كما أن الشيء الآخر الجامع بين العملين هو حالة التسليع حيث في “مالك الحزين” يصير الوطن والمقهى سلعة، وبالمثل في “الحريف” يصير الإنسان سلعة يباع ويشترى، وفي العملين يقف الأبطال عاجزين تتجاوزهم الأحداث وأيضًا تتجاوز المدينة بحركتها وتدفقها ولامبالاتها. كما تحل الوحدات السردية الصغرى محل السرديات الكبرى، وينتقل مركز الثقل من تصوير الوقائع اليومية العادية إلى التعبير عن العادي والبديهي مع تحميل التفاصيل الصغيرة الأزمات الوجودية.
وتبحث المؤلفة في لون شائع من العلاقة بين الأدب والسينما، ألا وهي علاقة الاقتباس، وهي العلاقة التي تشكل ملتقى طرق، وفضاءً للتبادل والجدل بين نصين يرتبط كل منهما بشبكة من العلاقات مع أعمال سابقة عليه ومعاصرة له تشكّل النوع الذي ينتمي إليه وتحدّد موقعه على خريطة المتخيّل المرتبطة بالنوع. وتناقش في تمهيد مستقل أهمّ الاتجاهات النقدية في تناول الاقتباس السينمائي عن الأدب، وتقصر دراستها التطبيقية على ثلاثة نماذج، الأوّل تعقد فيه مقارنة بين رواية “الحرام” ليوسف إدريس وفيلم “بركات” المأخوذ عنها من خلال تتبع عنصري الصوت والصمت وتعبير اللغة الأدبية والسينمائية عنهما، وكذلك الوظيفة السردية في دراما الفيلم والرواية.
فتقابل بين الأصوات من حيث ثنائية الحركة والسكون حيث أصوات الطبيعة تجمع بين الصوتين، كما لاحظت أن لحظات الوصف عند يوسف إدريس يُصاحبها سكون تتخلله أصوات الطبيعة. الملاحظ أن ظاهرة الصوت والصمت في الرواية ترتبط بثنائية القاهر والمقهور، وهذه الثنائية تتوه في الفيلم. وتخرج المؤلفة بملاحظة أن درجة تعامل الفيلم والرواية مع هذه الظاهرة مرتبط بالتعامل مع المادة القصصية والعناصر المكوّنة لها، فالصوت المنفرد في الرواية يعبر عن السلطة (سياسية أو أبوية) أما الصوت المنفرد في الفيلم هو صوت عزيزة وهو يُعبِّر عن ذات الشخصية في تذكرها لحياتها السابقة.
في جانب من بحثها تتخذ المؤلفة من “البوسطجي” ليحيى حقي نموذجًا لآليات القراءة في الفيلم والقصة، من خلال التركيز على عنصر الرسالة ووظيفتها السردية والتعبير الفني عنها في كل من العملين، فالرسالة تتحول إلى طبيعة مختلفة تصبح لدى قارئها الجديد قصة مسلسلة لها موقعها الجديد في شكل اتصالي مغاير ثلاثي الأبعاد يتكون من؛ الراوي/القارئ/النص حيث تتحوّل الرِّسالة إلى نصِّ روائيٍّ بالنسبة إلى البوسطجي.
مع الإشارة إلى أن التصوّر الذهني تنتج عنه قطيعة بين العالمين عالم المتخيل وعالم الواقع حيث يفشل عباس في كسر حدود المتخيل للبحث عن جميلة، يظهر التحول أيضًا في تعامل “عباس″ يحيي حقي مع الرسالة بمنطق التحليل النقدي فعباس ينظر للخطابات لا على أنها حودايت، وإنما يتمعن في جميع التفاصيل الكتابية وأنواع الخطوط ونوعية الورق والحبر المستخدم، والفراغات وكيفية استخدامها، فقراته للخطابات تتوازى مع قراءة الناقد الأدبي لبحث فهم الشخصيات، كما تنحرف قراءة الخطابات إلى زاوية أخرى تتصل بمتعة النص حيث يتحايل عباس بقراءة هذه الخطابات على الواقع الذي يعيشه.
المفاجأة الحقيقية في أن يتحول البوسطجي من قارئ أو شاهد إلى دور فاعل. في الجزء الأخير تتوقّف المؤلفة عند شكاوي الفصيح، حيث تتحول بردية في الأدب القديم إلى فيلم سينمائي كما فعل شادي عبدالسلام، هنا الاقتباس يتأتي بوصف عملية تشتبك فيها عناصر النص والسياق وبوصفه قراءة سينمائية حديثة لهذه القطعة الأدبية حوّلتها من حالة الثبات إلى حالة من الدينامية تُعيد بثَّ النص القديم وتجعل منه متنًا مفتوحًا على الزمن.
كاتب من مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.