الرئيس السيسي: سيناء بقعة غالية من أرض مصر المقدسة    سعر الدولار يواصل النزول أمام الجنيه اليوم 25-4-2024    أسعار الخضروات اليوم الخميس25-4-2024 في قنا    هل التوقيت الصيفي يجلب فوائد ملموسة لمصر؟    بث مباشر.. كلمة الرئيس السيسي بمناسبة الذكرى ال 42 لتحرير سيناء    الأوقاف الإسلامية: 700 مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى منذ ساعات الصباح    ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل مباريات اليوم الخميس 25- 4- 2024    حالة الطقس اليوم الخميس25-4-2024 في محافظة قنا    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    قيادي في حماس: إذا قامت دولة فلسطين مستقلة سيتم حل كتائب القسام    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ البنية الفوقية لمحطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    قطع المياه عن سكان هذه المناطق بالقاهرة لمدة 6 ساعات.. اعرف المواعيد    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    بسبب ماس كهربائي.. نشوب حريق بحوش في سوهاج    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مصنع بالوراق    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    كيفية الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الافتاء توضحها    6 كلمات توقفك عن المعصية فورا .. علي جمعة يوضحها    حكم الحج بدون تصريح بعد أن تخلف من العمرة.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    «الاتحاد الدولي للمستشفيات» يستقبل رئيس هيئة الرعاية الصحية في زيارة لأكبر مستشفيات سويسرا.. صور    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    إزالة 7 حالات بناء مخالف على أرض زراعية بمدينة أرمنت في الأقصر    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    عائشة بن أحمد تتالق في أحدث ظهور عبر إنستجرام    إعلام فلسطيني: شهيد في غارة لجيش الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: لا يوجد ضوء أخضر أمريكي بشأن اجتياح رفح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    فرج عامر يكشف كواليس «قرصة ودن» لاعبي سموحة قبل مباراة البلدية    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل يوسف الشاروني .. أحد أهم رواد القصة المصرية القصيرة
نشر في صوت البلد يوم 22 - 01 - 2017

«الكتابة الإبداعية تستمد مصداقيتها من واقع الأحداث ومن واقع حياة الناس، وتفقد أهم مقوماتها وهو الصدق إذا لم تأت معبرة عن قضايا المجتمع ومشكلاته». هكذا يرى أحد رواد القصة القصيرة المصرية والعربية (يوسف الشاروني 1924 2017) مهمة ومعنى أن تكون مُبدعاً أدبياً، ورغم بعض من تحفظات على إطلاق العبارات، إلا أن معظم الكتابات تأتي انعكاساً بشكل أو بآخر وفق المناخ السائد، ويصبح الصدق هو المعيار الوحيد للحالة الإبداعية. رحل الشاروني تاركاً العديد من الأعمال الإبداعية والنقدية، التي ربما لا يلتفت إليها الجيل الجديد، كما أنه كان سباقاً في فتح آفاق جديدة للقصة القصيرة، نهجاً تعبيرياً أكثر منه وقائعياً، ذلك في رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن، بدأها بالقصة القصيرة في الأربعينيات من القرن الفائت، ثم ما أطلق عليه «النثر الغنائي» في ديوانه (المساء الأخير) عام 1963 وهو ما عُرف في ما بعد بقصيدة النثر. أضافة إلى أعماله في النقد الأدبي، والتي بدأت في العام 1964. ويعد هذا المقال تحية سريعة إلى الرجل الذي رحل أمس الخميس في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير 2017.
بين محفوظ والشاروني
العبارة الشهيرة التي قالها يوماً نجيب محفوظ والتي أعادها يوسف الشاروني كثيراً، هي: «لقد انتهيت في القصة القصيرة بما بدأ به يوسف الشاروني». وهي إشادة بما يكتبه الرجل وما يخلقه من عالم قصصي مختلف، يمتلك جماليات الفن القصصي الخاص به. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل كان التجريب تجريباً في ظل الوقائع الحياتية هدفاً آخر، وقد تناول الشاروني شخصيتين من شخصيات محفوظ الشهيرة في «زقاق المدق»، وخلق منهما قصصاً تتراوح ما بين الترميز دون الاغتراب. وعن هذه التجربة يذكر الشاروني في إحدى محاوراته الصحافية «يمكن هنا أن ترى رؤية جديدة مختلفة وهذا ما يظهر في قصة (مصرع عباس الحلو) و(زيطة صانع العاهات) والشخصيتان عندما جلبتهما من (زقاق المدق) أصبح كل منهما بمفرده محوراً لقضية من القضايا نتجت من اختلاف زاوية الرؤية عندي عنها في رواية محفوظ، وقد خرجت مثلا من القصة الأولى بأن العالم كله مسؤول عن مصرع عباس الحلو، بما فيهم أقرب الناس إليه. وفي الثانية طالبت بإقامة تمثال ل (زيطة) على رأس زقاق المدق، لأنه يصنع التشوّه ليتكسب الفقراء عيشهم، بينما العالم غير السوي يقيم تماثيل لجنرالات صنعوا التشوّه على نطاق واسع ليزحموا العالم بالمعاقين».
الرؤى الكابوسية واللامعقول
تناول الراحل في العديد من أعماله القصصية عالماً كابوسياً يحيط بشخوصه، ويتحكم في مصائرهم، وهم وإن كانوا أسرى له، فبالضرورة ستأتي رؤيتهم وأفعالهم كرد فعل لهذا العالم. أسقف منازل واطئة يعيشون فيها، وتصبح أجسادهم المنحنية هي ما يملكونه في مواجهة هذا العالم، إضافة إلى نفسياتهم المشوّهة، فهم نتاج ما يحدث حولهم. وحول هذه الرؤية التي يصوغ من خلالها الشاروني عالمه اللامعقول هذا يقول «لم يعد اللامعقول بسبب داخلي مثل شخصيات إدغار آلن بو التي تكون على حافة الجنون أو اللاشعور، أو تعيش في جو أسطوري مثل القلاع الخالية والقصور القوطية ما يجعل رؤاها أقرب إلى الهذيان، بل انقلبت الآية اليوم، إذ أصبح الإنسان العادي يعيش في عالم غير عادي، وبدلاً من أن يكون تجاوز الواقع انعكاساً لرؤية إنسان شاذ لعالم سوي، أصبح اللامعقول انعكاساً للعالم الشاذ في رؤيا الإنسان السوي في حضارتنا، وهكذا لم يعد التمرد على الواقع نابعا من ذات إنسانية مريضة تبرره، بل واقعاً مريضا يدركه كل إنسان سوي».
من الواقع إلى التنبؤات
ووفق النهج الإبداعي الذي ينتهجه يوسف الشاروني ويحكم رؤاه الفكرية والفنية، تأتي بعض الأعمال في شكل التنبؤات بما سيحدث، نتيجة استقراء واعٍ بالتغيرات الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية والسياسية. وكما يؤكد هو نفسه دون تأويل أحد لهذه الأعمال قائلاً «عندي شعور بالأزمات التي تواجه المجتمع، أستطيع أن أتوقعها وأكتب عنها في قصصي، ومن ذلك قصة (الزحام) والتي تنبأت فيها بثورة يوليو/تموز 1952 وتحكي عن ساع يعمل في مكتب حكومي وهو فقير إلى الدرجة التي جعلته يرتق حذاءه أكثر من مرة، حتى أن آخر مرة ذهب فيها إلى الإسكافي أخبره أن حذاءه يجب أن يُستبدل بآخر، بعدها يعود إلى منزله وعندما يستقر في البيت يشعر أن حدثاً كبيراً سوف يحدث، حدثاً خطيراً وعظيماً سوف يغير حياته. الشيء نفسه حدث مع هزيمة 1967. ففي قصة (نظرية الجلدة الفاسدة) حاولت أن أشير إلى الإهمال الذي ينخر في المجتمع، وعدم قيام الموظفين بواجبهم، وحصولهم على مكافآت لأعمال لم يقدموها، وقد جعلتُ بطل القصة يقول في النهاية إنه لكي تطلق أي دولة في العالم قمراً صناعياً لا بد ان لا يضيع جردل أو مقشة من مخزن إهمالا أو سرقة، لأن المسؤول في المخزن ربما كان أخاً أو أباً أو قريباً لرائد فضاء قد يأتي في المستقبل. وما قصدته هو أن أشير إلى ضرورة أن تنتظم المجتمع حالة من الاتساق والوعي والنظام تشمل كل قطاعاته دون تفريق بينها في الأهمية. أما نصر اكتوبر/تشرين الأول 1973، فقد تنبأت قصة (الأم والوحش) بقدرتنا على تحقيق الانتصار على العدو الإسرائيلي، وفيها تصارع الأم الوحش وتتفوق عليه وتقتله في النهاية دفاعاً عن ابنها. وأخيراً روايتي الوحيدة (الغرق) التي تدور حول غرق السفينة سالم إكسبريس، وسميتها في الرواية المحروسة كنوع من السخرية، وهي لا تتحدث فقط عن غرق العبارة ولكنها تنبه وتحذر من غرق البلد إذا استمرت تصرفاتنا المتسببة التي نتج عنها الغرق من عبارات في البحر إلى معديات في النهر، إضافة إلى كوارث القطارات وانهيار العمارات وتصادم الشاحنات بالأتوبيسات، هذه التي نشرتها عام 2006 كانت نبوءة وتحذيراً بما وقع في نهاية كانون الثاني/يناير 2011 وأقصد بها وقائع ثورة 25 يناير». (بتصرّف من حوارات الشاروني)
بيبلوغرافيا :
يوسف الشاروني من مواليد 14 تشرين الأول/أكتوبر 1924، وتخرّج في قسم الفلسفة في كلية الآداب جامعة القاهرة في 1945.
الأعمال الإبداعية:
مجموعات قصصية: العشاق الخمسة، رسالة إلى امرأة، الزحام، حلاوة الروح، مطاردة منتصف الليل، آخر العنقود، الأم والوحش، الكراسي الموسيقية، الضحك حتى البكاء، أجداد وأحفاد. رواية بعنوان الغرق، وديوان بعنوان المساء الأخير، ومن السيرة الذاتية كتاب بعنوان ومضات الذاكرة.
الأعمال النقدية:
مع الرواية، من جراب الحاوي، دراسات في القصة القصيرة، دراسات في الأدب العربي المعاصر، القصة القصيرة نظرياً وتطبيقياً، الخيال العلمي في الأدب العربي المعاصر، الحكاية في التراث العربي، اللامعقول في الأدب المعاصر، القصة والمجتمع، القصة تطوراً وتمرداً، والآدان في مالطة.
الترجمات:
أوديب سينيكا، الآلية لصوفي تريدويل، ميدان باركلي لجون بولدستون، وهي نصوص مسرحية صدرت ضمن سلسلة المسرح العالمي في الكويت. إضافة إلى كتاب الخليج الفارسي لروبرت هاي، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة.
دراسات عن عالمه الأدبي:
يوسف الشاروني وعالمه القصصي لنعيم عطية 1994، معجم أسماء قصص يوسف الشاروني لمصطفى بيومي 1999، مدركات النفس والآخر في قصص يوسف الشاروني (رسالة دكتوراه) ، تأليف كيت دانيالز، وترجمة محمد الحديدي عام 2003.
المناصب والجوائز :
عمل كأستاذ غير متفرغ للنقد الأدبي في كلية الإعلام جامعة القاهرة بين عامي 1980 و1982، ثم عمل مستشارا ثقافيا في سلطنة عمان من 1983 حتى 1990. ترأس نادي القصّة في القاهرة بين عامي 2001 و2006، ثُم أصبح رئيساً شرفياً للنادي. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عام 1969، والجائزة نفسها في النقد الأدبي عام 1979، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2001، وجائزة العويس الثقافيّة عام 2007.
«الكتابة الإبداعية تستمد مصداقيتها من واقع الأحداث ومن واقع حياة الناس، وتفقد أهم مقوماتها وهو الصدق إذا لم تأت معبرة عن قضايا المجتمع ومشكلاته». هكذا يرى أحد رواد القصة القصيرة المصرية والعربية (يوسف الشاروني 1924 2017) مهمة ومعنى أن تكون مُبدعاً أدبياً، ورغم بعض من تحفظات على إطلاق العبارات، إلا أن معظم الكتابات تأتي انعكاساً بشكل أو بآخر وفق المناخ السائد، ويصبح الصدق هو المعيار الوحيد للحالة الإبداعية. رحل الشاروني تاركاً العديد من الأعمال الإبداعية والنقدية، التي ربما لا يلتفت إليها الجيل الجديد، كما أنه كان سباقاً في فتح آفاق جديدة للقصة القصيرة، نهجاً تعبيرياً أكثر منه وقائعياً، ذلك في رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن، بدأها بالقصة القصيرة في الأربعينيات من القرن الفائت، ثم ما أطلق عليه «النثر الغنائي» في ديوانه (المساء الأخير) عام 1963 وهو ما عُرف في ما بعد بقصيدة النثر. أضافة إلى أعماله في النقد الأدبي، والتي بدأت في العام 1964. ويعد هذا المقال تحية سريعة إلى الرجل الذي رحل أمس الخميس في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير 2017.
بين محفوظ والشاروني
العبارة الشهيرة التي قالها يوماً نجيب محفوظ والتي أعادها يوسف الشاروني كثيراً، هي: «لقد انتهيت في القصة القصيرة بما بدأ به يوسف الشاروني». وهي إشادة بما يكتبه الرجل وما يخلقه من عالم قصصي مختلف، يمتلك جماليات الفن القصصي الخاص به. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل كان التجريب تجريباً في ظل الوقائع الحياتية هدفاً آخر، وقد تناول الشاروني شخصيتين من شخصيات محفوظ الشهيرة في «زقاق المدق»، وخلق منهما قصصاً تتراوح ما بين الترميز دون الاغتراب. وعن هذه التجربة يذكر الشاروني في إحدى محاوراته الصحافية «يمكن هنا أن ترى رؤية جديدة مختلفة وهذا ما يظهر في قصة (مصرع عباس الحلو) و(زيطة صانع العاهات) والشخصيتان عندما جلبتهما من (زقاق المدق) أصبح كل منهما بمفرده محوراً لقضية من القضايا نتجت من اختلاف زاوية الرؤية عندي عنها في رواية محفوظ، وقد خرجت مثلا من القصة الأولى بأن العالم كله مسؤول عن مصرع عباس الحلو، بما فيهم أقرب الناس إليه. وفي الثانية طالبت بإقامة تمثال ل (زيطة) على رأس زقاق المدق، لأنه يصنع التشوّه ليتكسب الفقراء عيشهم، بينما العالم غير السوي يقيم تماثيل لجنرالات صنعوا التشوّه على نطاق واسع ليزحموا العالم بالمعاقين».
الرؤى الكابوسية واللامعقول
تناول الراحل في العديد من أعماله القصصية عالماً كابوسياً يحيط بشخوصه، ويتحكم في مصائرهم، وهم وإن كانوا أسرى له، فبالضرورة ستأتي رؤيتهم وأفعالهم كرد فعل لهذا العالم. أسقف منازل واطئة يعيشون فيها، وتصبح أجسادهم المنحنية هي ما يملكونه في مواجهة هذا العالم، إضافة إلى نفسياتهم المشوّهة، فهم نتاج ما يحدث حولهم. وحول هذه الرؤية التي يصوغ من خلالها الشاروني عالمه اللامعقول هذا يقول «لم يعد اللامعقول بسبب داخلي مثل شخصيات إدغار آلن بو التي تكون على حافة الجنون أو اللاشعور، أو تعيش في جو أسطوري مثل القلاع الخالية والقصور القوطية ما يجعل رؤاها أقرب إلى الهذيان، بل انقلبت الآية اليوم، إذ أصبح الإنسان العادي يعيش في عالم غير عادي، وبدلاً من أن يكون تجاوز الواقع انعكاساً لرؤية إنسان شاذ لعالم سوي، أصبح اللامعقول انعكاساً للعالم الشاذ في رؤيا الإنسان السوي في حضارتنا، وهكذا لم يعد التمرد على الواقع نابعا من ذات إنسانية مريضة تبرره، بل واقعاً مريضا يدركه كل إنسان سوي».
من الواقع إلى التنبؤات
ووفق النهج الإبداعي الذي ينتهجه يوسف الشاروني ويحكم رؤاه الفكرية والفنية، تأتي بعض الأعمال في شكل التنبؤات بما سيحدث، نتيجة استقراء واعٍ بالتغيرات الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية والسياسية. وكما يؤكد هو نفسه دون تأويل أحد لهذه الأعمال قائلاً «عندي شعور بالأزمات التي تواجه المجتمع، أستطيع أن أتوقعها وأكتب عنها في قصصي، ومن ذلك قصة (الزحام) والتي تنبأت فيها بثورة يوليو/تموز 1952 وتحكي عن ساع يعمل في مكتب حكومي وهو فقير إلى الدرجة التي جعلته يرتق حذاءه أكثر من مرة، حتى أن آخر مرة ذهب فيها إلى الإسكافي أخبره أن حذاءه يجب أن يُستبدل بآخر، بعدها يعود إلى منزله وعندما يستقر في البيت يشعر أن حدثاً كبيراً سوف يحدث، حدثاً خطيراً وعظيماً سوف يغير حياته. الشيء نفسه حدث مع هزيمة 1967. ففي قصة (نظرية الجلدة الفاسدة) حاولت أن أشير إلى الإهمال الذي ينخر في المجتمع، وعدم قيام الموظفين بواجبهم، وحصولهم على مكافآت لأعمال لم يقدموها، وقد جعلتُ بطل القصة يقول في النهاية إنه لكي تطلق أي دولة في العالم قمراً صناعياً لا بد ان لا يضيع جردل أو مقشة من مخزن إهمالا أو سرقة، لأن المسؤول في المخزن ربما كان أخاً أو أباً أو قريباً لرائد فضاء قد يأتي في المستقبل. وما قصدته هو أن أشير إلى ضرورة أن تنتظم المجتمع حالة من الاتساق والوعي والنظام تشمل كل قطاعاته دون تفريق بينها في الأهمية. أما نصر اكتوبر/تشرين الأول 1973، فقد تنبأت قصة (الأم والوحش) بقدرتنا على تحقيق الانتصار على العدو الإسرائيلي، وفيها تصارع الأم الوحش وتتفوق عليه وتقتله في النهاية دفاعاً عن ابنها. وأخيراً روايتي الوحيدة (الغرق) التي تدور حول غرق السفينة سالم إكسبريس، وسميتها في الرواية المحروسة كنوع من السخرية، وهي لا تتحدث فقط عن غرق العبارة ولكنها تنبه وتحذر من غرق البلد إذا استمرت تصرفاتنا المتسببة التي نتج عنها الغرق من عبارات في البحر إلى معديات في النهر، إضافة إلى كوارث القطارات وانهيار العمارات وتصادم الشاحنات بالأتوبيسات، هذه التي نشرتها عام 2006 كانت نبوءة وتحذيراً بما وقع في نهاية كانون الثاني/يناير 2011 وأقصد بها وقائع ثورة 25 يناير». (بتصرّف من حوارات الشاروني)
بيبلوغرافيا :
يوسف الشاروني من مواليد 14 تشرين الأول/أكتوبر 1924، وتخرّج في قسم الفلسفة في كلية الآداب جامعة القاهرة في 1945.
الأعمال الإبداعية:
مجموعات قصصية: العشاق الخمسة، رسالة إلى امرأة، الزحام، حلاوة الروح، مطاردة منتصف الليل، آخر العنقود، الأم والوحش، الكراسي الموسيقية، الضحك حتى البكاء، أجداد وأحفاد. رواية بعنوان الغرق، وديوان بعنوان المساء الأخير، ومن السيرة الذاتية كتاب بعنوان ومضات الذاكرة.
الأعمال النقدية:
مع الرواية، من جراب الحاوي، دراسات في القصة القصيرة، دراسات في الأدب العربي المعاصر، القصة القصيرة نظرياً وتطبيقياً، الخيال العلمي في الأدب العربي المعاصر، الحكاية في التراث العربي، اللامعقول في الأدب المعاصر، القصة والمجتمع، القصة تطوراً وتمرداً، والآدان في مالطة.
الترجمات:
أوديب سينيكا، الآلية لصوفي تريدويل، ميدان باركلي لجون بولدستون، وهي نصوص مسرحية صدرت ضمن سلسلة المسرح العالمي في الكويت. إضافة إلى كتاب الخليج الفارسي لروبرت هاي، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة.
دراسات عن عالمه الأدبي:
يوسف الشاروني وعالمه القصصي لنعيم عطية 1994، معجم أسماء قصص يوسف الشاروني لمصطفى بيومي 1999، مدركات النفس والآخر في قصص يوسف الشاروني (رسالة دكتوراه) ، تأليف كيت دانيالز، وترجمة محمد الحديدي عام 2003.
المناصب والجوائز :
عمل كأستاذ غير متفرغ للنقد الأدبي في كلية الإعلام جامعة القاهرة بين عامي 1980 و1982، ثم عمل مستشارا ثقافيا في سلطنة عمان من 1983 حتى 1990. ترأس نادي القصّة في القاهرة بين عامي 2001 و2006، ثُم أصبح رئيساً شرفياً للنادي. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عام 1969، والجائزة نفسها في النقد الأدبي عام 1979، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2001، وجائزة العويس الثقافيّة عام 2007.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.