تضم مصر القديمة بمدينة الفسطاط مجمعاً طبيعياً للاديان لا تفصل بينهم سوي امتار قليلة يمثل صورة تؤكد حواراً حقيقياً بين الثلاث اديان الاسلامي والمسيحي واليهودي فنجد مسجد عمرو بن العاص اول مسجد في مصر ، والكنيسة المعلقة، أقدم كنيسة وكاتدرائية في مصر . ولا يخلو المكان من معبد "بن عزرا " أهم المعالم اليهودية في مصر وكذلك المتحف القبطي فنرسم ملامح ملتقي الاديان خلال جولتنا في السطور التالية .. تم بناء جامع عمرو بن العاص عام 21 ه ، وهو أكبر وأقدم المساجد بإفريقيا، وقد شارك عدد من الصحابة في تصميمه أهمهم الصحابي الجليل "أبو ذر الغفاري"، ومسجد عمرو.. معروف ب "تاج الجوامع" و "الجامع العتيق" إذ تزامن إنشاؤه مع انتهاء عمليات الفتح الإسلامي لمصر وبناء مدينة الفسطاط عام 642 ميلادية والتي كانت مقراً لعاصمة مصر الإسلامية حيث يتكون جامع عمرو من مدخل رئيسي بارز يقع في الجهة الغربية للجامع الذي يتكون من صحن كبير مكشوف تحيط به اربعة اروقة ذات أسقف خشبية، اكبرها رواق القبلة ويتكون من 21 بائكة عمودية علي جدار القبلة، وتتكون كل بائكة من ستة عقود مُدببة مُرتكزة علي أعمدة رخامية، كما يوجد بجوار القبلة لوحتان ترجعان إلي عصر مُراد بك. ولم يقتصر النشاط في جامع عمرو بن العاص علي أداء الصلاة فقط. بل كان مسجداً جامعاً لامور الدنيا والدين، حيث كانت توجد به محكمة لفض المُنازعات الدينية، وبيت للمال، كما كانت تعقد فيه حلقات دروس لكبار العُلماء أمثال الإمام الشافعي والليث بن سعد، والعز بن عبد السلام. فيما يضم حصن بابليون كنيسة السيدة العذراء الشهيرة باسم "الكنيسة المُعلقة"، والتي تقع علي ارتفاع 13 متراً فوق سطح الأرض، ويرجع تاريخ إنشائها إلي القرن الخامس الميلادي، فهي إحدي أقدم كنائس مصر، وكانت في الأصل معبداً فرعونياً، وفي عام 80 ميلادية شيد الإمبراطور الروماني "تراجان" حصن بابليون الروماني علي أجزاء من المعبد، لاستخدامه في العبادة الوثنية، وعندما انتشرت المسيحية واعتنق الرومان المسيحية، تحوّل المعبد الوثني إلي أقدم كنيسة رومانية في مصر، بل وأقدم كاتدرائية ومقر للكرسي البابوي، وما زالت الشعائر الدينية تقام فيها لليوم. وتحتوي الكنيسة علي 120 أيقونة موزعة علي جدرانها وتحتوي بداخلها علي كنيسة أخري يصعد إليها من سلم خشبي وهي كنيسة مار مرقس، وتحتفظ بالطابع الإسلامي المُتمثل بالأرابيسك والهندسة الفاطمية المُميزة. كما تعد كنيسة "بربارة" إحدي أقدم وأجمل الكنائس، وقد شيدت في آواخر القرن الرابع عشر وكرست باسم القديسة بربارة، بالإضافة إلي كنيسة أبي سرجة والتي اختبأت في مغارتها العائلة المُقدسة مع بداية رحلتها في مصر، وكنيسة "قصرية الريحان" والتي أنشئت في بداية القرن الرابع الهجري في عهد الملك الحاكم بأمر الله، وتُعرف أيضاً باسم كنيسة السيدة العذراء. معبد بن عزرا ومن بين أثار مُجمع الأديان المعبد اليهودي، والذي كان في الأصل كنيسة ثم تحول إلي معبد في عهد أحمد بن طولون بعد أن اشترته الطائفة اليهودية وزعيمها في ذلك الوقت "إبراهام بن عزرا"، ولهذا يطلق عليه "معبد بن عزرا". ويعود تمسك اليهود بالاستحواذ علي المعبد لاعتقادهم بأن الصندوق الذي رمي فيه النبي موسي "عليه السلام" وهو طفل انتشل في هذه المنطقة. والمعبد أحد أهم المعالم اليهودية في مصر لأنه كان مركز حياة اليهود الثقافية والدينية في العصور الوسطي، إضافة إلي اكتشاف مجموعة "الجنيزا" في أواخر القرن التاسع عشر، وهي وثائق يهودية تغطي فترة العصور الوسطي، وتكشف مدي اندماج اليهود في الحياة العامة، عكس الاضطهاد الذي أنزله بهم الأوروبيون. أما علي الجانب الحديث في منطقة مُجمع الأديان فقد أنشئ حديثاً متحف لآثار القاهرة، ويقام علي مساحة 22 فداناً خلف حديقة الفسطاط، وهو متحف مُصغر داخل متحف الحضارة، يضم كل ما يتعلق بموضوعات ترتبط بالقاهرة في فترة ما قبل التاريخ، وحتي العصر الحديث، من كتابة وثقافة مادية وتراث شعبي، وتقوم فلسفته علي استغلال المنطقة الفريدة الواقع فيها بالقرب من مواقع الديانات الثلاث.