حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيتيل عدنان الدمشقية اليونانية في معرض باريسي
نشر في صوت البلد يوم 14 - 11 - 2016

برعاية وتنظيم معهد العالم العربي في باريس، وبالتعاون الوثيق مع غاليري ليلون، وغاليري كلود ليمون، وصفير زملر، تعرض الفنانة السورية-الأميركية إيتيل عدنان أعمالها للجمهور الباريسي، للمرة الأولى بمعرض فردي شامل. والمعرض الفردي هذا، والذي يستمر حتى نهاية العام الجاري، يقع عند تقاطع الصورة والنص، الكتابة والرسم، وهما طريقتا التعبير عن نفس اللغة، حيث تُقدّم في المعرض الذي صممه المفوض سيباستيان ديلو، العديد من الأعمال لها بالفرنسية والإنكليزية أدباً وشعراً ورسماً وتشكيلاً، ضمن أربعة محاور رئيسية هي:
النصوص العظمى: عن فتح القراءة ونهاية العالم العربي، وأهمية الكتابة في عمل الفنان والالتزام السياسي.
جبل تامالباي: الذي كانت تراه من شرفة منزل صديقتها في أميركا، وتتأرجح هذه اللوحات بين التجريد والتشكيل.
الجسور- المنفيين: حيث يعرض رحلاتها من نيويورك إلى بيروت، ومن سان فرانسيسكو إلى باريس، بأعمال مستوحاة من هذه الأرجاء.
عالم من الألوان والأصوات: تلك التي اكتشفتها من خلال الرسوم التي تُنقش على السجّاد.
المعرض يؤرخ لعقود من الإنتاج الفني والأدبي لهذه الفنانة المخضرمة، ويتنوّع بين الكتابة والرسم والطباعة على السجاد، ويضم مجموعة من المطويات “الأكورديون” على الطريقة اليابانية، مصوّرة وملونة بالباستيل، تجتمع الكلمة والصورة في تآلف وانسجام، أو تتلاعب فيها بالألوان على شكل سطور تُكتب ضمنها كلمات، بعضها حديث والبعض الآخر يعود إلى سبعينات القرن العشرين، ويضم كذلك رسوماً بريشتها عن الحرب والسّلم والحرية، إضافة إلى رسوم على الورق وعلى خامات مختلفة أخرى استقتها من فن تطريز السجاد الذي اكتشفته في مصر خلال أول زيارة لها في ستينات القرن الماضي، ومن بين المعروضات أيضاً قصيدة للشاعر العراقي بدر شاكر السياب كتبها لابنته، رسمتها بكلمات عربية مُلوّنة، فيها براءة وعفوية.
لا تُصنّف أعمال إيتيل ضمن مدارس ونظريات فنية، وهي أعمال مسافرة مثلها، في الزمان والمكان، من بيروت إلى باريس ثم نيويورك، وتجتمع في معرضها هذا لتضع حصيلة عقود من العمل والإبداع، وتصف هي إبداعها التشكيلي بأنه نوع من الشعر، شعر بصري، قادر على إيصال الصوت والمعنى.
وُزِّع المعرض كغرف، ففي الأولى توجد النهاية العربية، وفيها تسلط الضوء على الحروب ودائرة الموت المحيطة بالشرق الأوسط، والحلول الثورية والعسكرية، والسلام، وقبول الآخر.
وفي الثانية كانت الجبال الموضوع الأساس، الذي تعتبرها معجزة صغيرة من التوازن، وإعلان حب للكون، وفي الثالثة كان المنفيون هم الأبطال، من رحلة منفاها، وسفرها، بحثاً عن الذات، وفي الرابعة كانت عوالم الألوان والأصوات، ونسيج من الثقافات واللغات.
وعن أعمالها قال الكاتب والشاعر عيسى مخلوف “كل هذه الجبال والتلال والوهاد، البحار والخلجان والشواطئ، كلها، في عيني إيتيل عدنان، أشرعة لسفر ملون في الذات والطبيعة. يكفي أن تحمل بيدها أنابيب الألوان الزيتية، تضغط عليها بأصابعها، وتفرغ عيّنات منها فوق سطح القماشة، حتى تولد المفاجأة. المشهد الطبيعي في لوحتها مكتف بذاته ولا يحتمل عناصر أخرى. تغيب الشخوص كليا عن أعمالها. وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا ينظر إليها إلا من الخارج. وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلق في فضاءاتها”.
ولإيتيل العديد من الأعمال الأدبية، ونشرت عشرين كتاباً بالفرنسية والإنكليزية، شعراً ونثراً، وعن علاقة الكتابة بالفن والرسم عندها، قال مخلوف “تتحرّك لوحة إيتيل عدنان في موقع آخر غير الذي تتحرك فيه أعمالها الأدبية، بينما يحضر لبنان الحرب الأهلية في روايتها “الستّ ماري روز” (1977) أو في كتابها “يوم القيامة العربي” (1989)، وبينما تحضر أحداث التاريخ المعاصر في شعرها، من فلسطين ولبنان إلى سوريا والعراق، كاشفة عن وجه المبدعة الملتزمة، يغيب هذا المنحى بصورة عامة عن أعمالها الفنية. عندما ترسم، تنتصر لجانب آخر في نفسها، لوجه آخر من وجوهها، هو الوجه الذي يلتفت إلى الطبيعة وعناصرها، الوجه الذي يقبل بحب على العالم”.
لا يبدو على أعمال إيتيل التأثّر بالعمر، فهي ترسم بروح شابة مُتّقدة، وتكتب بنضارة ربيع العمر، وتقوم بالعملين معاً بحرية وانطلاق كعصفور يبحث عن حرية، وتُقدّم أعمالاً مسافرة، لا يُعكّرها الزمان، ولا الذاكرة.
ويقول مخلوف “تغيب الشخوص كلياً عن أعمالها، وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا يُنظر إليها إلّا من الخارج، وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلّق في فضاءاتها، وهذا ما يميّزها عن الحديقة الأوروبية أو الحديقة في الإسلام، كما عهدناها، مثلاً، في “جنّة العريف” في غرناطة، لا أثر لشيء في اللوحة من خارج المشهد إذن. لا شيء يعكّر صفوَ اللوحة حتى توقيع الفنانة.. وهل تحتاج اللوحة إلى توقيع ممّن تتماهى مع المشهد الذي ترسمه، وهو، على نحو ما، صورتها الشخصية”.
والشاعرة الفنانة إيتيل عدنان، وُلدت في بيروت عام 1925 من أب سوري دمشقي وأمّ يونانية، وعاشت ضمن تنوّع عرقي وثقافي سليم، وكان والداها يتكلمان مع بعضهما باللغة التركية، وأمها تتكلم معها باليونانية، وكان الناس في بيروت يتكلمون معها بالعربية، وفي مدرستها بالفرنسية، ودرست بالجامعة بالإنكليزية، فتحدثت كل هذه اللغات بطلاقة، وألّفت أولى قصائدها باللغة الفرنسية في سن العشرين، وصارت خريجة جامعات السوربون، ثم بيركلي وهارفارد، ودرّست الفلسفة من العام 1958 ولغاية العام 1972.
اشتركت بحملات في كاليفورنيا ضد حرب فيتنام، وحروب أخرى، كحرب الجزائر والحرب اللبنانية حيث كانت تقيم في لبنان في العام 1970، قبل أن تغادر إلى ولاية كاليفورنيا لتحصل على اللجوء هناك.
تنتمي عدنان إلى جيل لا يستطيع فصل السياسة وهموم البشر عن همّه الشخصي، فهي لم تتردد فيما مضى بتوجيه النقد للعالم العربي، في شعرها، الذي ينطق بلغة كونية فلسفية لا عرقية، وتتحدث عن كفاح الإنسان ضد الحروب والظلم، وفي لوحاتها، التي تصوّر فيها الجمال والسلام والتفاؤل، وكتبت رواية “الست ماري روز” (1977) باللغة الفرنسية عن الحرب الأهلية اللبنانية التي شهدتها، وفازت بجائزة جمعية الصداقة الفرنسية العربية، وأدانت الإمبريالية والوحشية في ديوانها “بحر وضباب”، وساندت الثورة الفلسطينية شعراً ورسماً، ومؤخرا عبّرت عن تأييدها للثورة السورية، لأجل تحول ديمقراطي يصون كرامة البشر وحرياتهم.
وتقول في لقاء سابق عن وضع العالم العربي “لقد كان العالم العربي برمَّته في أيدي أنظمة استبدادية، تُعتبر في غاية الفساد، ولا تريد الرحيل ببساطة، لأنَّها مترسِّخة في البنى الهيكلية وذلك أيضًا بسبب الدعم الذي تتلقاه من الخارج، وبناءً على ذلك فإنَّ المشكلة لها وجهان، إذ أنَّ كلَّ بلد لديه مشكلاته المحلية ويعتبر نفسه بالإضافة إلى ذلك معرَّضًا لتأثير القوى العالمية، وعلى سبيل المثال سوريا التي تحكمها حكومة فاسدة منذ أكثر من أربعين عامًا؛ كانت الأوضاع هناك على وشك التحسّن حيث قامت ثورة ما تزال مستمرة، ولكن النظام مع ذلك يرفض بشدة إجراء أيّ إصلاحات، روسيا والصين تساعدان النظام السوري، وصحيح أنَّ بإمكان الشعب السوري المسكين أن يثور على حكومة بلده، ولكنه لا يستطيع بمثل هذه السهولة أن يثور على روسيا والصين، ولذلك فإنَّ الدول العربية غير متحرِّرة لا من حكوماتها ولا من بقية حكومات العالم، وهذا وضع مأساوي”.
وقال عنها الشاعر الأميركي روبرت بلاي “إن موهبة الشاعر السويدي توماس ترانسترومر تكمن في إدراكه متى يتوقف عن الكتابة ليتردد صدى البلاغة في هوامش القصيدة، شأنها شأن النغمات الموسيقية، ويتراءى لي أن عدنان تَنعم بالموهبة نفسها، لا تصوغ المقطع الأخير كي يُعبِّر متعالياً عن حكمة أخلاقية، وإنما تتيح للقارئ فرصة لإتمام ذلك المقطع المتواري عمداً”.
خلال رحلة حياتها، ترجمت ونشرت في العديد من البلدان، كما عرضت أعمالها الفنية المختلطة في لندن ونيويورك، وفي متحف الفن الحديث في الدوحة بقطر، واقتنيت أعمالها في العديد من المتاحف، ومن كتبها الأخيرة “سماء بلا سماء”، و”باريس عندما تتعرى” و”قصائد الزيزفون”.
......
كاتب من سوريا
برعاية وتنظيم معهد العالم العربي في باريس، وبالتعاون الوثيق مع غاليري ليلون، وغاليري كلود ليمون، وصفير زملر، تعرض الفنانة السورية-الأميركية إيتيل عدنان أعمالها للجمهور الباريسي، للمرة الأولى بمعرض فردي شامل. والمعرض الفردي هذا، والذي يستمر حتى نهاية العام الجاري، يقع عند تقاطع الصورة والنص، الكتابة والرسم، وهما طريقتا التعبير عن نفس اللغة، حيث تُقدّم في المعرض الذي صممه المفوض سيباستيان ديلو، العديد من الأعمال لها بالفرنسية والإنكليزية أدباً وشعراً ورسماً وتشكيلاً، ضمن أربعة محاور رئيسية هي:
النصوص العظمى: عن فتح القراءة ونهاية العالم العربي، وأهمية الكتابة في عمل الفنان والالتزام السياسي.
جبل تامالباي: الذي كانت تراه من شرفة منزل صديقتها في أميركا، وتتأرجح هذه اللوحات بين التجريد والتشكيل.
الجسور- المنفيين: حيث يعرض رحلاتها من نيويورك إلى بيروت، ومن سان فرانسيسكو إلى باريس، بأعمال مستوحاة من هذه الأرجاء.
عالم من الألوان والأصوات: تلك التي اكتشفتها من خلال الرسوم التي تُنقش على السجّاد.
المعرض يؤرخ لعقود من الإنتاج الفني والأدبي لهذه الفنانة المخضرمة، ويتنوّع بين الكتابة والرسم والطباعة على السجاد، ويضم مجموعة من المطويات “الأكورديون” على الطريقة اليابانية، مصوّرة وملونة بالباستيل، تجتمع الكلمة والصورة في تآلف وانسجام، أو تتلاعب فيها بالألوان على شكل سطور تُكتب ضمنها كلمات، بعضها حديث والبعض الآخر يعود إلى سبعينات القرن العشرين، ويضم كذلك رسوماً بريشتها عن الحرب والسّلم والحرية، إضافة إلى رسوم على الورق وعلى خامات مختلفة أخرى استقتها من فن تطريز السجاد الذي اكتشفته في مصر خلال أول زيارة لها في ستينات القرن الماضي، ومن بين المعروضات أيضاً قصيدة للشاعر العراقي بدر شاكر السياب كتبها لابنته، رسمتها بكلمات عربية مُلوّنة، فيها براءة وعفوية.
لا تُصنّف أعمال إيتيل ضمن مدارس ونظريات فنية، وهي أعمال مسافرة مثلها، في الزمان والمكان، من بيروت إلى باريس ثم نيويورك، وتجتمع في معرضها هذا لتضع حصيلة عقود من العمل والإبداع، وتصف هي إبداعها التشكيلي بأنه نوع من الشعر، شعر بصري، قادر على إيصال الصوت والمعنى.
وُزِّع المعرض كغرف، ففي الأولى توجد النهاية العربية، وفيها تسلط الضوء على الحروب ودائرة الموت المحيطة بالشرق الأوسط، والحلول الثورية والعسكرية، والسلام، وقبول الآخر.
وفي الثانية كانت الجبال الموضوع الأساس، الذي تعتبرها معجزة صغيرة من التوازن، وإعلان حب للكون، وفي الثالثة كان المنفيون هم الأبطال، من رحلة منفاها، وسفرها، بحثاً عن الذات، وفي الرابعة كانت عوالم الألوان والأصوات، ونسيج من الثقافات واللغات.
وعن أعمالها قال الكاتب والشاعر عيسى مخلوف “كل هذه الجبال والتلال والوهاد، البحار والخلجان والشواطئ، كلها، في عيني إيتيل عدنان، أشرعة لسفر ملون في الذات والطبيعة. يكفي أن تحمل بيدها أنابيب الألوان الزيتية، تضغط عليها بأصابعها، وتفرغ عيّنات منها فوق سطح القماشة، حتى تولد المفاجأة. المشهد الطبيعي في لوحتها مكتف بذاته ولا يحتمل عناصر أخرى. تغيب الشخوص كليا عن أعمالها. وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا ينظر إليها إلا من الخارج. وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلق في فضاءاتها”.
ولإيتيل العديد من الأعمال الأدبية، ونشرت عشرين كتاباً بالفرنسية والإنكليزية، شعراً ونثراً، وعن علاقة الكتابة بالفن والرسم عندها، قال مخلوف “تتحرّك لوحة إيتيل عدنان في موقع آخر غير الذي تتحرك فيه أعمالها الأدبية، بينما يحضر لبنان الحرب الأهلية في روايتها “الستّ ماري روز” (1977) أو في كتابها “يوم القيامة العربي” (1989)، وبينما تحضر أحداث التاريخ المعاصر في شعرها، من فلسطين ولبنان إلى سوريا والعراق، كاشفة عن وجه المبدعة الملتزمة، يغيب هذا المنحى بصورة عامة عن أعمالها الفنية. عندما ترسم، تنتصر لجانب آخر في نفسها، لوجه آخر من وجوهها، هو الوجه الذي يلتفت إلى الطبيعة وعناصرها، الوجه الذي يقبل بحب على العالم”.
لا يبدو على أعمال إيتيل التأثّر بالعمر، فهي ترسم بروح شابة مُتّقدة، وتكتب بنضارة ربيع العمر، وتقوم بالعملين معاً بحرية وانطلاق كعصفور يبحث عن حرية، وتُقدّم أعمالاً مسافرة، لا يُعكّرها الزمان، ولا الذاكرة.
ويقول مخلوف “تغيب الشخوص كلياً عن أعمالها، وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا يُنظر إليها إلّا من الخارج، وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلّق في فضاءاتها، وهذا ما يميّزها عن الحديقة الأوروبية أو الحديقة في الإسلام، كما عهدناها، مثلاً، في “جنّة العريف” في غرناطة، لا أثر لشيء في اللوحة من خارج المشهد إذن. لا شيء يعكّر صفوَ اللوحة حتى توقيع الفنانة.. وهل تحتاج اللوحة إلى توقيع ممّن تتماهى مع المشهد الذي ترسمه، وهو، على نحو ما، صورتها الشخصية”.
والشاعرة الفنانة إيتيل عدنان، وُلدت في بيروت عام 1925 من أب سوري دمشقي وأمّ يونانية، وعاشت ضمن تنوّع عرقي وثقافي سليم، وكان والداها يتكلمان مع بعضهما باللغة التركية، وأمها تتكلم معها باليونانية، وكان الناس في بيروت يتكلمون معها بالعربية، وفي مدرستها بالفرنسية، ودرست بالجامعة بالإنكليزية، فتحدثت كل هذه اللغات بطلاقة، وألّفت أولى قصائدها باللغة الفرنسية في سن العشرين، وصارت خريجة جامعات السوربون، ثم بيركلي وهارفارد، ودرّست الفلسفة من العام 1958 ولغاية العام 1972.
اشتركت بحملات في كاليفورنيا ضد حرب فيتنام، وحروب أخرى، كحرب الجزائر والحرب اللبنانية حيث كانت تقيم في لبنان في العام 1970، قبل أن تغادر إلى ولاية كاليفورنيا لتحصل على اللجوء هناك.
تنتمي عدنان إلى جيل لا يستطيع فصل السياسة وهموم البشر عن همّه الشخصي، فهي لم تتردد فيما مضى بتوجيه النقد للعالم العربي، في شعرها، الذي ينطق بلغة كونية فلسفية لا عرقية، وتتحدث عن كفاح الإنسان ضد الحروب والظلم، وفي لوحاتها، التي تصوّر فيها الجمال والسلام والتفاؤل، وكتبت رواية “الست ماري روز” (1977) باللغة الفرنسية عن الحرب الأهلية اللبنانية التي شهدتها، وفازت بجائزة جمعية الصداقة الفرنسية العربية، وأدانت الإمبريالية والوحشية في ديوانها “بحر وضباب”، وساندت الثورة الفلسطينية شعراً ورسماً، ومؤخرا عبّرت عن تأييدها للثورة السورية، لأجل تحول ديمقراطي يصون كرامة البشر وحرياتهم.
وتقول في لقاء سابق عن وضع العالم العربي “لقد كان العالم العربي برمَّته في أيدي أنظمة استبدادية، تُعتبر في غاية الفساد، ولا تريد الرحيل ببساطة، لأنَّها مترسِّخة في البنى الهيكلية وذلك أيضًا بسبب الدعم الذي تتلقاه من الخارج، وبناءً على ذلك فإنَّ المشكلة لها وجهان، إذ أنَّ كلَّ بلد لديه مشكلاته المحلية ويعتبر نفسه بالإضافة إلى ذلك معرَّضًا لتأثير القوى العالمية، وعلى سبيل المثال سوريا التي تحكمها حكومة فاسدة منذ أكثر من أربعين عامًا؛ كانت الأوضاع هناك على وشك التحسّن حيث قامت ثورة ما تزال مستمرة، ولكن النظام مع ذلك يرفض بشدة إجراء أيّ إصلاحات، روسيا والصين تساعدان النظام السوري، وصحيح أنَّ بإمكان الشعب السوري المسكين أن يثور على حكومة بلده، ولكنه لا يستطيع بمثل هذه السهولة أن يثور على روسيا والصين، ولذلك فإنَّ الدول العربية غير متحرِّرة لا من حكوماتها ولا من بقية حكومات العالم، وهذا وضع مأساوي”.
وقال عنها الشاعر الأميركي روبرت بلاي “إن موهبة الشاعر السويدي توماس ترانسترومر تكمن في إدراكه متى يتوقف عن الكتابة ليتردد صدى البلاغة في هوامش القصيدة، شأنها شأن النغمات الموسيقية، ويتراءى لي أن عدنان تَنعم بالموهبة نفسها، لا تصوغ المقطع الأخير كي يُعبِّر متعالياً عن حكمة أخلاقية، وإنما تتيح للقارئ فرصة لإتمام ذلك المقطع المتواري عمداً”.
خلال رحلة حياتها، ترجمت ونشرت في العديد من البلدان، كما عرضت أعمالها الفنية المختلطة في لندن ونيويورك، وفي متحف الفن الحديث في الدوحة بقطر، واقتنيت أعمالها في العديد من المتاحف، ومن كتبها الأخيرة “سماء بلا سماء”، و”باريس عندما تتعرى” و”قصائد الزيزفون”.
......
كاتب من سوريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.