البابا تواضروس مهنأ بذكرى دخول المسيح مصر: تنفرد به الكنيسة الأرثوذكسية    منظمة الصحة العالمية ل«الوطن»: الأطقم الطبية في غزة تستحق التكريم كل يوم    «عالماشي» يتذيل قائمة إيرادات شباك التذاكر ب12 ألف جنيه في 24 ساعة    وزير الكهرباء ينيب رئيس هيئة الطاقة الذرية لحضور المؤتمر العام للهيئة العربية بتونس    «التموين» تصرف الخبز المدعم بالسعر الجديد.. 20 قرشا للرغيف    بدء تلقي طلبات المشاركة بمشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 1 يونيه 2024    «الإسكان»: تنفيذ 40 ألف وحدة سكنية ب«المنيا الجديدة» خلال 10 سنوات    نائب: الحوار الوطني يجتمع لتقديم مقترحات تدعم موقف الدولة في مواجهة التحديات    هل توافق حماس على خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة؟    الأردن يؤكد دعمه جهود مصر وقطر للتوصل إلى صفقة تبادل في أقرب وقت ممكن    استشهاد طفل فلسطيني بدير البلح بسبب التجويع والحصار الإسرائيلي على غزة    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 عناصر بارزة في حماس خلال عمليات الأسبوع الماضي    بث مباشر مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    «استمتعتوا».. تصريح مثير من ميدو بشأن بكاء رونالدو بعد خسارة نهائي كأس الملك    ميدو: استمتعوا بمشهد بكاء رونالدو    محافظ القليوبية يتفقد أولى أيام امتحانات الشهادة الثانوية الازهرية بمدينه بنها    ابتعدوا عن أشعة الشمس.. «الأرصاد» تحذر من موجة حارة تضرب البلاد    «التعليم» تحدد سن المتقدم للصف الأول الابتدائي    تعذر حضور المتهم بقتل «جانيت» طفلة مدينة نصر من مستشفى العباسية لمحاكمته    خبير: شات "جي بي تي" أصبح المساعد الذكي أكثر من أي تطبيق آخر    الزناتي: احتفالية لشرح مناسك الحج وتسليم التأشيرات لبعثة الصحفيين اليوم    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 بعد الإعدادية بجميع المحافظات    «الآثار وآفاق التعاون الدولي» ضمن فعاليات المؤتمر العلمي ال12 لجامعة عين شمس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    مشروبات تساعد على علاج ضربات الشمس    إنبي يخشى مفاجآت كأس مصر أمام النجوم    متحدث "الأونروا": إسرائيل تسعى للقضاء علينا وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين    اليوم| «التموين» تبدأ صرف مقررات يونيو.. تعرف على الأسعار    اليوم.. بدء التسجيل في رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لغات والمتميزة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 1 يونيو 2024    فتوح يكشف حقيقة دور إمام عاشور وكهربا للانتقال إلى الأهلي    مسيرة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة مجدل سلم جنوب لبنان    رئيسا هيئة الرعاية الصحية وبعثة المنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون    هل لمس الكعبة يمحي الذنوب وما حكم الالتصاق بها.. الإفتاء تجيب    بث مباشر من قداس عيد دخول العائلة المقدسة مصر بكنيسة العذراء بالمعادى    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم السبت 1 يونيو 2024    مفاجأة بشأن عيد الأضحى.. مركز الفلك الدولي يعلن صعوبة رؤية الهلال    شهر بأجر كامل.. تعرف على شروط حصول موظف القطاع الخاص على إجازة لأداء الحج    «إنت وزنك 9 كيلو».. حسام عبد المجيد يكشف سر لقطته الشهيرة مع رونالدو    سيول: كوريا الشمالية تشن هجوم تشويش على نظام تحديد المواقع    تقديم إسعاد يونس للجوائز ورومانسية محمد سامي ومي عمر.. أبرز لقطات حفل إنرجي للدراما    لسنا دعاة حرب ولكن    تطورات الحالة الصحية ل تيام مصطفى قمر بعد إصابته بنزلة شعبية حادة    دعاء التوتر قبل الامتحان.. عالم أزهري ينصح الطلاب بترديد قول النبي يونس    «دبحتلها دبيحة».. عبدالله بالخير يكشف حقيقة زواجه من هيفاء وهبي (فيديو)    لمواليد برج الجوزاء والميزان والدلو.. 5 حقائق عن أصحاب الأبراج الهوائية (التفاصيل)    ماهي ما سنن الطواف وآدابه؟.. الإفتاء تُجيب    «القضية» زاد الرواية الفلسطينية ومدادها| فوز خندقجي ب«البوكر العربية» صفعة على وجه السجان الإسرائيلي    مدرس بمدرسة دولية ويحمل جنسيتين.. تفاصيل مرعبة في قضية «سفاح التجمع» (فيديو)    عاجل.. طبيب الزمالك يكشف موعد سفر أحمد حمدي لألمانيا لإجراء جراحة الرباط الصليبي    "أزهر دمياط" يعلن مشاركة 23 طالبا بمسابقة "الأزهرى الصغير"    طبيب الزمالك: اقتربنا من إنهاء تأشيرة أحمد حمدي للسفر إلى ألمانيا    وزارة المالية: إنتاج 96 مليار رغيف خبز مدعم في 2025/2024    أ مين صندوق «الأطباء»: فائض تاريخي في ميزانية النقابة 2023 (تفاصيل)    أعراض ومضاعفات إصابة الرباط الصليبي الأمامي    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفوتوغرافي جعفر عاقل: الاحتفاء بالذاكرة الحميمية وتحقيق الإشباع البصري
نشر في صوت البلد يوم 22 - 09 - 2016

يجمع الفنان المغربي جعفر عاقل بين الممارسة الإبداعية والبحث والتنظير في مجال التصوير الفوتوغرافي، فهو مبدع للعديد من الأعمال التي شارك بها في معارض مختلفة، كما أنه مهتم بالمجال بحثا وتدريسا وتأليفا، إنه أستاذ باحث في الفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، وحاصل على دكتوراه في موضوع «السيرورة التواصلية في الإشهار التلفزي في المغرب جدلية الأيقوني واللفظي – مقاربة سيميائية -»، وصدر له سنة (2014) ألبوم فوتوغرافي تحت عنوان «الدار البيضاء باريس : تجوالات». وسنة (2015) عن منشورات «الفنك» صدر له مؤلَّف تحت عنوان «نظرة عن الصورة الفوتوغرافية في المغرب». وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي.
في هذا الحوار الذي أجري معه يحذّر جعفر عاقل من التوظيف السلبي للتطور التكنولوجي في التصوير الفوتوغرافي، ما قد يتسبب في «انزلاقات أخلاقية»، تؤدي إلى تشويه الموضوع المصوَّر وتضليل المتلقي والإساءة إلى الرسالة النبيلة لهذا الفن.
- ماذا يعني لديك الاحتفال، هذا العام، بمرور 177 عاما على اختراع التصوير الفوتوغرافي؟
إن هذا الحدث هو فرصة للتأمل والوقوف على إسهامات الفوتوغرافيا وإنجازاتها في الحياة المعاصرة، خاصة حضورها في المجال العلمي أو الفكري أو الاجتماعي أو الإعلامي أو الثقافي… الخ، لأنه لن يختلف اثنان في القول إنه مع قدوم الفوتوغرافيا وتوظيفها المكثف في مختلف المجالات، سيأخذ مفهوم «الحقيقة» معنى جديدا، سواء من خلال نوعية البراهين والحجج التي يقدمها هذا الوسيط، أو من خلال تأثيرها الملموس في طريقة إدراك الإنسان لمحيطه ولتمثلاته، خاصة لعلاقاته وسلوكاته الاجتماعية.
أعطي مثالا بالفوتوغرافيا الصحافية والقيمة المضافة التي أضافتها للمعلومة وللخبر الصحافي، فلولا العمل المهم للفوتوغرافي الصحافي، إنْ على المستوى التوثيقي أو الاستقصائي، ما كان للصحيفة أو المجلة الورقية والإلكترونية الأثر نفسه الذي بلغته اليوم من حيث وقعها على القرّاء. مسألة ثانية لابد من الإشارة إليها بخصوص هذه المناسبة، أي مرور 177 عاما على هذا الاختراع، هو أين نحن المغاربة من هذه الثقافة أو الحضارة البصرية؟ ما هي العلاقات التي نؤسسها مع صورنا وصور الآخر؟ ما هي إسهاماتنا المعرفية والفنية والجمالية في هذا الموضوع؟ ماذا أعددنا كاستراتيجيات لتحصين أو مقاومة هذا الزحف / الهجوم التقني والثقافي؟ وماذا هيّأنا كثقافة للحفاظ على إرثنا البصري؟ ألم يحن الوقت للتفكير في هذا الوسيط باعتباره أداة، ضمن أدوات أخرى، لاستنطاق ذاكرتنا وكتابة تاريخنا المعاصر؟
ثنائيات تجزيئية
- في نظرك، ما هي الحدود بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني؟
أظنّ أنه حان الوقت، على الأقل في مجتمعنا المغربي، لمناقشة هذا التقسيم الاعتباطي، وذلك حتى نتمكن من تجاوز هذه الذهنية التي تفكر بمنطق الثنائيات التجزيئية، لأنها طريقة لا تخدم بتاتا تطوّر المنجز الفوتوغرافي. أكثر من ذلك، مَن يعتقد بوجود حدود فاصلة بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني فهو غير ملمّ بجوهر الفعل الفوتوغرافي ولا بالخاصية المميزة للفوتوغرافيا، ذلك أن الصورة الفوتوغرافية هي كلّية يتقاطع فيها ما هو أخلاقي وتقني وجمالي، بمعنى أشمل جانب توثيقي وآخر تعبيري. فمن دون انصهار هذين المكونين في الصورة الفوتوغرافية الواحدة وبطريقة سلسة، يصعب على هذه الأخيرة تحقيق أهدافها بالشكل المرغوب فيه وأيضا بلوغ مقاصدها. ذلك أن قوة الصورة تقاس بتحقيق هذا الإشباع البصري وبدرجة كثافتها ودسامتها الفنية؛ وهذا يحتاج إلى الاستعمال الواعي لكل هذه المكونات والعناصر، وإلا ستتحول هذه الفوتوغرافيا إلى صور راكدة خالية من النتوءات، خاصة من الحس الفني الذي قد يرقى بها إلى مستوى استفزاز عين متلقيها.
- حسنًا، نودّ أن تبسط لنا الأسس النظرية لتجربتك الفنية في هذا المجال؟
في ما يخص تجربتي، فهي تمتحُ من مشارب متعددة وتجارب ثقافية مختلفة. وبحكم انتمائي لجيل تسعينيات القرن الماضي فقد تأثرت في بداياتي بمقاربات فوتوغرافيي النزعة الإنسانوية، إما من خلال مشاهدة إنتاجات ومعارض الفوتوغرافيين المحليين (أذكر على سبيل المثال لا الحصر: محمد بنعيسى، عبد الحميد الرميلي، داوود أولاد السيد، عبد الرزاق بنشعبان… وغيرهم) أو عبر الاتصال غير المباشر بأعمال هنري كارتيي بريسون، روبير فرانك. لقد كان هاجس توثيق الحياة المغربية في تفاصيلها اليومية هو المتحكم في رؤيتي للفوتوغرافيا. وككل تجارب جيلي، كانت ممارستنا تحتاج إلى تأطير نظري ولفعل تطبيقي لمنحها معنى وقيمة. فتولّدت فكرة الانخراط في «الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي» لصقل هذه التجربة من خلال الاحتكاك بفوتوغرافييها وفتح النقاش حول طرق انتقاء الموضوعات المطروقة في الحياة اليومية، وكيفية بناء وتأطير الصور الفوتوغرافية، والمسافات التي ينبغي تأسيسها مع الموضوع المصور وأسئلة أخرى أسهمت في تفتح تصوري وفهمي للفوتوغرافيا. لقد كان هذا اللقاء نقطة تحول مهمة في مساري وفترة مكنتني من البحث والتجريب عن فوتوغرافيا تستجيب لتطلعاتي. بعد ذلك، جاءت مرحلة الاهتمام بالكتب والدراسات النظرية (كتابات رولان بارت، ميشال بوافري، فروانسوا سولاج…) التي تتناول الجوانب الفنية والجمالية والتاريخية والفكرية للفوتوغرافيا عالميا. لتتطور، بعد ذلك، فتأخذ صيغة إنجاز بحوث جامعية تتوج بمنصب أستاذ للفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط من جهة، وبسلسلة معارض داخل المغرب وخارجه حول موضوع التحولات والتطورات التي تعرفها الفضاءات العمرانية المعاصرة مع محاولة إبراز تناقضاتها ومفارقاتها وهجانتها، وأيضا الاحتفاء بموضوع ذاكرة الأفراد والجماعات والأمكنة، خاصة الذاكرة الحميمية. إن انشغالاتي واهتماماتي الفوتوغرافية الحالية ليست سوى نتيجة طبيعية لهذا المخاض كله.
الكاميرا امتداد للجسد
- وماذا تمثل الكاميرا بالنسبة لك؟
إنها، بالنسبة لي، تعادل قيمة الفرشاة عند المُصوّر، وآلات الطرب عند الموسيقار، والقلم أو الحاسوب بالنسبة للكاتب. إننا لا يمكننا تصوّر وجود ملموس للحكايات والقصص التي يلتقطها الفوتوغرافي في غياب الحضور المادي لكاميراته والإمكانات التقنية والفنية التي توفرها له هذه الآلة الساحرة. بالطبع، هناك عناصر أخرى تسهم في هذه المعادلة وبدرجات مختلفة كتجربته الإنسانية، وتربيته الحسية ثم الذوقية، وأيضا ذاكراته التاريخية والثقافية، علاوة على الأسلوب الذي ينفرد به كل فوتوغرافي على مستوى التركيبات والتأليفات والتوليفات الفنية. لكن، بدون هذا الوسيط، يصعب الحديث عن الصورة الفوتوغرافية، بل أكثر من ذلك، إن الكاميرا هي امتداد لجسد الفوتوغرافي؛ إنها بمثابة عينه وقلبه وذهنه في الآن نفسه. إن العملية الإبداعية عند الفوتوغرافي سيرورة يتقاطع فيها المرئي بالشفهي والمقروء بالمسموع، لكن هذا لا يعني أن عنصر التقنية لا يتمتع هو الآخر بحضور أساس وحاسم.
- أي تحديات تطرحها الوسائل التكنولوجية الحديثة بالنسبة للتصوير الفني؟
تشكل الوسائل التكنولوجية الحديثة قيمة مضافة بالنسبة للفوتوغرافيا، لكن بالطبع في الحالات التي يوظفها مستعملها توظيفا إيجابيا وواعيا. فمع قدوم هذه الوسائل صار للفوتوغرافيا تأثير قوي في المتلقي، كما أصبح لها حضور ملموس في الحياة العامة والخاصة، سواء للأفراد أو الجماعات. لقد أمست تنافس، وبشرارة، الإيقاع السريع الذي تنتشر به المعلومة المسموعة أو المقروءة أو المرئية. وهذا التطور له طبعًا إيجابيات وسلبيات وأحيانا أخرى بعض الانزلاقات الأخلاقية. ذلك أن هذه الوسائل الجديدة بقدر ما توفر لمستعملها أدوات وإمكانات لا محدودة لتعديل أو تغيير بعض الجزئيات في الصورة، بقدر ما تمنح إمكانات هائلة لمستعملها لتشويه الموضوع المصوَّر، ومن ثمة تحوير «حقيقته» وبالتالي تضليل متلقّيها أو مستعمليها. وهنا، تكمن تحديدًا خطورة هذه الوسائل، لأنه إذا لم ننتبه لهذه المزالق فستتحول فجأة ضدّنا، أي إلى آلة رهيبة في / على التحكم والتوجيه والتحريك. وهو الأمر الذي يفرض على كل فوتوغرافيّ، وأيضا على متلقي هذه الصور، اليقظة المستمرة حتى لا تنزاح هذه الفوتوغرافيات عن طريقها الصحيح ومن ثمة رسالتها النبيلة، أي أن يُفكَّر باستمرار وبوعي نقدي متجدد في العلاقة التي ينبغي للمرء تأسيسها معها.
- وماذا عن واقع هذا الفن في المغرب؟
عرفت الفوتوغرافيا في المغرب، منذ نهاية القرن العشرين، مجموعة من المتغيرات والتحولات التي كان لها تارة أثر إيجابي، وحينًا آخر سلبي في الفوتوغرافيا والفوتوغرافيين. صحيح أن هذا الشكل التعبيري حقق مكتسبات مهمة في المغرب: دعم وزارة الثقافة لبعض المشاريع الفوتوغرافية، الاعتراف بوضع الفوتوغرافي من خلال منحه البطاقة المهنية، حضور الفوتوغرافيا في بعض المحافل الفنية المحلية والدولية، انفتاح بعض قاعات العرض الخاصة على الفوتوغرافيا، مواكبة وسائل الإعلام للمُنجَز الفوتوغرافي المغربي، بروز بعض القراءات والدراسات النقدية في المجال. لكن، في ظني، الطريق ما يزال طويلا وشاقا أمام الفوتوغرافيين لانتزاع اعتراف أكبر وبالحجم والمكانة نفسيهما التي بلغها نظراؤهم في المجتمعات التي لها تجربة كبيرة في الفوتوغرافيا. فعلى سبيل المثال، هذه الممارسة هي في أمسِّ الحاجة لقوانين ترفع اللبس عن حقوق كل من الفوتوغرافي والموضوع المُصوَّر، وإلى قوانين تحمي حقوق التأليف عند الفوتوغرافي، وإلى سوق فنية مُنظَّمَة ومُنْتَظِمة، ولمنح حكومية أو غير حكومية ومؤسسات للرعاية تسمح للفوتوغرافيين من إنجاز مشاريعهم الفنية، ومن ثمة تكريس الفوتوغرافيا كمكون من المكونات الثقافية والفنية، خلق وتنظيم مسابقات لتمكين الشباب من التعريف بأعمالهم وتشجيعهم على المنافسة الخلاقة، دعم مشاريع النشر في هذا المجال، لأن الكتاب الفني عموما والفوتوغرافي خصوصا لم يصل بعد إلى القارئ.
يجمع الفنان المغربي جعفر عاقل بين الممارسة الإبداعية والبحث والتنظير في مجال التصوير الفوتوغرافي، فهو مبدع للعديد من الأعمال التي شارك بها في معارض مختلفة، كما أنه مهتم بالمجال بحثا وتدريسا وتأليفا، إنه أستاذ باحث في الفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، وحاصل على دكتوراه في موضوع «السيرورة التواصلية في الإشهار التلفزي في المغرب جدلية الأيقوني واللفظي – مقاربة سيميائية -»، وصدر له سنة (2014) ألبوم فوتوغرافي تحت عنوان «الدار البيضاء باريس : تجوالات». وسنة (2015) عن منشورات «الفنك» صدر له مؤلَّف تحت عنوان «نظرة عن الصورة الفوتوغرافية في المغرب». وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي.
في هذا الحوار الذي أجري معه يحذّر جعفر عاقل من التوظيف السلبي للتطور التكنولوجي في التصوير الفوتوغرافي، ما قد يتسبب في «انزلاقات أخلاقية»، تؤدي إلى تشويه الموضوع المصوَّر وتضليل المتلقي والإساءة إلى الرسالة النبيلة لهذا الفن.
- ماذا يعني لديك الاحتفال، هذا العام، بمرور 177 عاما على اختراع التصوير الفوتوغرافي؟
إن هذا الحدث هو فرصة للتأمل والوقوف على إسهامات الفوتوغرافيا وإنجازاتها في الحياة المعاصرة، خاصة حضورها في المجال العلمي أو الفكري أو الاجتماعي أو الإعلامي أو الثقافي… الخ، لأنه لن يختلف اثنان في القول إنه مع قدوم الفوتوغرافيا وتوظيفها المكثف في مختلف المجالات، سيأخذ مفهوم «الحقيقة» معنى جديدا، سواء من خلال نوعية البراهين والحجج التي يقدمها هذا الوسيط، أو من خلال تأثيرها الملموس في طريقة إدراك الإنسان لمحيطه ولتمثلاته، خاصة لعلاقاته وسلوكاته الاجتماعية.
أعطي مثالا بالفوتوغرافيا الصحافية والقيمة المضافة التي أضافتها للمعلومة وللخبر الصحافي، فلولا العمل المهم للفوتوغرافي الصحافي، إنْ على المستوى التوثيقي أو الاستقصائي، ما كان للصحيفة أو المجلة الورقية والإلكترونية الأثر نفسه الذي بلغته اليوم من حيث وقعها على القرّاء. مسألة ثانية لابد من الإشارة إليها بخصوص هذه المناسبة، أي مرور 177 عاما على هذا الاختراع، هو أين نحن المغاربة من هذه الثقافة أو الحضارة البصرية؟ ما هي العلاقات التي نؤسسها مع صورنا وصور الآخر؟ ما هي إسهاماتنا المعرفية والفنية والجمالية في هذا الموضوع؟ ماذا أعددنا كاستراتيجيات لتحصين أو مقاومة هذا الزحف / الهجوم التقني والثقافي؟ وماذا هيّأنا كثقافة للحفاظ على إرثنا البصري؟ ألم يحن الوقت للتفكير في هذا الوسيط باعتباره أداة، ضمن أدوات أخرى، لاستنطاق ذاكرتنا وكتابة تاريخنا المعاصر؟
ثنائيات تجزيئية
- في نظرك، ما هي الحدود بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني؟
أظنّ أنه حان الوقت، على الأقل في مجتمعنا المغربي، لمناقشة هذا التقسيم الاعتباطي، وذلك حتى نتمكن من تجاوز هذه الذهنية التي تفكر بمنطق الثنائيات التجزيئية، لأنها طريقة لا تخدم بتاتا تطوّر المنجز الفوتوغرافي. أكثر من ذلك، مَن يعتقد بوجود حدود فاصلة بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني فهو غير ملمّ بجوهر الفعل الفوتوغرافي ولا بالخاصية المميزة للفوتوغرافيا، ذلك أن الصورة الفوتوغرافية هي كلّية يتقاطع فيها ما هو أخلاقي وتقني وجمالي، بمعنى أشمل جانب توثيقي وآخر تعبيري. فمن دون انصهار هذين المكونين في الصورة الفوتوغرافية الواحدة وبطريقة سلسة، يصعب على هذه الأخيرة تحقيق أهدافها بالشكل المرغوب فيه وأيضا بلوغ مقاصدها. ذلك أن قوة الصورة تقاس بتحقيق هذا الإشباع البصري وبدرجة كثافتها ودسامتها الفنية؛ وهذا يحتاج إلى الاستعمال الواعي لكل هذه المكونات والعناصر، وإلا ستتحول هذه الفوتوغرافيا إلى صور راكدة خالية من النتوءات، خاصة من الحس الفني الذي قد يرقى بها إلى مستوى استفزاز عين متلقيها.
- حسنًا، نودّ أن تبسط لنا الأسس النظرية لتجربتك الفنية في هذا المجال؟
في ما يخص تجربتي، فهي تمتحُ من مشارب متعددة وتجارب ثقافية مختلفة. وبحكم انتمائي لجيل تسعينيات القرن الماضي فقد تأثرت في بداياتي بمقاربات فوتوغرافيي النزعة الإنسانوية، إما من خلال مشاهدة إنتاجات ومعارض الفوتوغرافيين المحليين (أذكر على سبيل المثال لا الحصر: محمد بنعيسى، عبد الحميد الرميلي، داوود أولاد السيد، عبد الرزاق بنشعبان… وغيرهم) أو عبر الاتصال غير المباشر بأعمال هنري كارتيي بريسون، روبير فرانك. لقد كان هاجس توثيق الحياة المغربية في تفاصيلها اليومية هو المتحكم في رؤيتي للفوتوغرافيا. وككل تجارب جيلي، كانت ممارستنا تحتاج إلى تأطير نظري ولفعل تطبيقي لمنحها معنى وقيمة. فتولّدت فكرة الانخراط في «الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي» لصقل هذه التجربة من خلال الاحتكاك بفوتوغرافييها وفتح النقاش حول طرق انتقاء الموضوعات المطروقة في الحياة اليومية، وكيفية بناء وتأطير الصور الفوتوغرافية، والمسافات التي ينبغي تأسيسها مع الموضوع المصور وأسئلة أخرى أسهمت في تفتح تصوري وفهمي للفوتوغرافيا. لقد كان هذا اللقاء نقطة تحول مهمة في مساري وفترة مكنتني من البحث والتجريب عن فوتوغرافيا تستجيب لتطلعاتي. بعد ذلك، جاءت مرحلة الاهتمام بالكتب والدراسات النظرية (كتابات رولان بارت، ميشال بوافري، فروانسوا سولاج…) التي تتناول الجوانب الفنية والجمالية والتاريخية والفكرية للفوتوغرافيا عالميا. لتتطور، بعد ذلك، فتأخذ صيغة إنجاز بحوث جامعية تتوج بمنصب أستاذ للفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط من جهة، وبسلسلة معارض داخل المغرب وخارجه حول موضوع التحولات والتطورات التي تعرفها الفضاءات العمرانية المعاصرة مع محاولة إبراز تناقضاتها ومفارقاتها وهجانتها، وأيضا الاحتفاء بموضوع ذاكرة الأفراد والجماعات والأمكنة، خاصة الذاكرة الحميمية. إن انشغالاتي واهتماماتي الفوتوغرافية الحالية ليست سوى نتيجة طبيعية لهذا المخاض كله.
الكاميرا امتداد للجسد
- وماذا تمثل الكاميرا بالنسبة لك؟
إنها، بالنسبة لي، تعادل قيمة الفرشاة عند المُصوّر، وآلات الطرب عند الموسيقار، والقلم أو الحاسوب بالنسبة للكاتب. إننا لا يمكننا تصوّر وجود ملموس للحكايات والقصص التي يلتقطها الفوتوغرافي في غياب الحضور المادي لكاميراته والإمكانات التقنية والفنية التي توفرها له هذه الآلة الساحرة. بالطبع، هناك عناصر أخرى تسهم في هذه المعادلة وبدرجات مختلفة كتجربته الإنسانية، وتربيته الحسية ثم الذوقية، وأيضا ذاكراته التاريخية والثقافية، علاوة على الأسلوب الذي ينفرد به كل فوتوغرافي على مستوى التركيبات والتأليفات والتوليفات الفنية. لكن، بدون هذا الوسيط، يصعب الحديث عن الصورة الفوتوغرافية، بل أكثر من ذلك، إن الكاميرا هي امتداد لجسد الفوتوغرافي؛ إنها بمثابة عينه وقلبه وذهنه في الآن نفسه. إن العملية الإبداعية عند الفوتوغرافي سيرورة يتقاطع فيها المرئي بالشفهي والمقروء بالمسموع، لكن هذا لا يعني أن عنصر التقنية لا يتمتع هو الآخر بحضور أساس وحاسم.
- أي تحديات تطرحها الوسائل التكنولوجية الحديثة بالنسبة للتصوير الفني؟
تشكل الوسائل التكنولوجية الحديثة قيمة مضافة بالنسبة للفوتوغرافيا، لكن بالطبع في الحالات التي يوظفها مستعملها توظيفا إيجابيا وواعيا. فمع قدوم هذه الوسائل صار للفوتوغرافيا تأثير قوي في المتلقي، كما أصبح لها حضور ملموس في الحياة العامة والخاصة، سواء للأفراد أو الجماعات. لقد أمست تنافس، وبشرارة، الإيقاع السريع الذي تنتشر به المعلومة المسموعة أو المقروءة أو المرئية. وهذا التطور له طبعًا إيجابيات وسلبيات وأحيانا أخرى بعض الانزلاقات الأخلاقية. ذلك أن هذه الوسائل الجديدة بقدر ما توفر لمستعملها أدوات وإمكانات لا محدودة لتعديل أو تغيير بعض الجزئيات في الصورة، بقدر ما تمنح إمكانات هائلة لمستعملها لتشويه الموضوع المصوَّر، ومن ثمة تحوير «حقيقته» وبالتالي تضليل متلقّيها أو مستعمليها. وهنا، تكمن تحديدًا خطورة هذه الوسائل، لأنه إذا لم ننتبه لهذه المزالق فستتحول فجأة ضدّنا، أي إلى آلة رهيبة في / على التحكم والتوجيه والتحريك. وهو الأمر الذي يفرض على كل فوتوغرافيّ، وأيضا على متلقي هذه الصور، اليقظة المستمرة حتى لا تنزاح هذه الفوتوغرافيات عن طريقها الصحيح ومن ثمة رسالتها النبيلة، أي أن يُفكَّر باستمرار وبوعي نقدي متجدد في العلاقة التي ينبغي للمرء تأسيسها معها.
- وماذا عن واقع هذا الفن في المغرب؟
عرفت الفوتوغرافيا في المغرب، منذ نهاية القرن العشرين، مجموعة من المتغيرات والتحولات التي كان لها تارة أثر إيجابي، وحينًا آخر سلبي في الفوتوغرافيا والفوتوغرافيين. صحيح أن هذا الشكل التعبيري حقق مكتسبات مهمة في المغرب: دعم وزارة الثقافة لبعض المشاريع الفوتوغرافية، الاعتراف بوضع الفوتوغرافي من خلال منحه البطاقة المهنية، حضور الفوتوغرافيا في بعض المحافل الفنية المحلية والدولية، انفتاح بعض قاعات العرض الخاصة على الفوتوغرافيا، مواكبة وسائل الإعلام للمُنجَز الفوتوغرافي المغربي، بروز بعض القراءات والدراسات النقدية في المجال. لكن، في ظني، الطريق ما يزال طويلا وشاقا أمام الفوتوغرافيين لانتزاع اعتراف أكبر وبالحجم والمكانة نفسيهما التي بلغها نظراؤهم في المجتمعات التي لها تجربة كبيرة في الفوتوغرافيا. فعلى سبيل المثال، هذه الممارسة هي في أمسِّ الحاجة لقوانين ترفع اللبس عن حقوق كل من الفوتوغرافي والموضوع المُصوَّر، وإلى قوانين تحمي حقوق التأليف عند الفوتوغرافي، وإلى سوق فنية مُنظَّمَة ومُنْتَظِمة، ولمنح حكومية أو غير حكومية ومؤسسات للرعاية تسمح للفوتوغرافيين من إنجاز مشاريعهم الفنية، ومن ثمة تكريس الفوتوغرافيا كمكون من المكونات الثقافية والفنية، خلق وتنظيم مسابقات لتمكين الشباب من التعريف بأعمالهم وتشجيعهم على المنافسة الخلاقة، دعم مشاريع النشر في هذا المجال، لأن الكتاب الفني عموما والفوتوغرافي خصوصا لم يصل بعد إلى القارئ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.