لا نعني بكتابة الهامش تهميش الكتابة أو رسم الهوامش والشواهد وغير ذلك، ولكننا نعني بها تحويل الهامش إلى الأدب واتخاذه مرجعا تخييليا، وهو توجه بارز في الرواية العربية التي تحاول تجاوز الخط الرسمي و«بورجوازية الرواية». ويمكن أن نعتبره مجالا مفتوحا للسرد يحاول معاكسة الخطاب الرسمي، من خلال تصوير الواقع اليومي المتردي للحياة اليومية، ومحاولة تبني مشاغل الناس في المناطق والأنحاء المهمشة، وهي المواضيع التي تحاول الخطابات السلطوية العربية تجاهلها والصمت عنها، كي يفسح المجال لخطاباتها ولإنجازاتها، كما تجتاز كتابة الهامش الخطوط الأخلاقية الحمر وتقترب من الخطابات المحرمة والممنوعة، ولعل روايات المغربي محمد شكري تندرج في هذا المجال. وتفسح هذه الكتابة المجال للمهمشين والمتمردين والمقصيين بالبوح والحكي، ومن الطبيعي أن الحديث في هذه النوعية من الخطابات الأدبية والسردية يطول، ذلك أنها أحدثت تراكما لا بأس به في الأدب العربي قديما وحديثا… ولعل الرواية التي نتناولها في هذا النص تشكل واحدة من الروايات التي يمكن تصنيفها ضمن هذا التوجه السردي والروائي، فهي رواية تحاول كتابة الهامش الاجتماعي وتتخذ من عوالم المهمشين متخيلا. ورواية «المصب»هي الرواية الأولى للكاتبة شادية القاسمي، التي تخوض في الوقت نفسه تجربة الكتابة الشعرية، إذ سبق أن صدرت لها مجموعة شعرية عنوانها «تراتيل»، وقد استطاعت هذه الرواية أن تكون واحدة من الأعمال المتوجة في مسابقة «كومار» للرواية التونسية في دورتها الأخيرة، وهي رواية من النوع الواقعي الاجتماعي تتخذ حكايتها طابع مشابهة الواقع وكتابة المحتمل المستند إلى مرجع واقعي، وهي تمعن في كتابة واقعية سوداء، هي الكتابة التي تغوص في أعماق الفئات الاجتماعية وتحاول تبني قضاياها ومشاغلها وإبراز تناقضاتها، من خلال تخييل عالم حكائي شبيه بعالمها ومن طبيعة هذا النوع من الكتابات السردية أن يعج بالقضايا الاجتماعية ويرسم هموم الواقع، أو بالأحرى هي رواية تنهل من الهامش الاجتماعي وتلتقط حكاياته ويومياته وتفسح المجال لضحاياه للحديث عن تجاربهم. لعل ابرز سمات سرد الهامش إفساح المجال للشخصيات المعدمة والمنبوذة والمتحررة من سلطة المجتمع وأقنعته لتتكلم، وهي محاولة لاستنطاق المسكوت عنه، ولعلها محاولة إيهام من الروائي ليتمكن من نقل الخطابات الممنوعة. ولعلنا نجد هذه السمة في هذه الرواية من خلال تولي الشخصية الرئيسية، وهي امرأة تنحدر من عائلة فقيرة تشتغل في المصب وتتزوج سكيرا معدما، سرد أحداث الرواية سردا معتمدا على أسلوب الصوت الواحد والسرد الذاتي بضمير المتكلم، ومعبرة عن رؤية واحدة للأحداث، من خلال سرد يغلب عليه أسلوب التذكر والتتابع، وقد قسمت الكاتبة هذه الاعترافات إلى نصوص قصيرة… وهكذا تحملت هذه الشخصية البائسة مهام السرد فكانت الفصول سردا ووصفا لحياتها اليومية ومأساتها بلا أقنعة: «أواصل طريقي إلى عمل قار لم أجد غيره… أهرع كقطة إلى المزابل أبحث عن قوت… كرهت قذارتي… كرهت الأشياء من حولي لأنها تلونت بلونها… أفتح نافذة العمر أطل على كوم من القاذورات المتنوعة فلا أجد مهربا منها غير النسيان واللا ذاكرة». على هذا النحو من البوح والاعتراف ترحل بنا الساردة طارحة علينا ذاكرة عمر من العذاب والحطام ومحطات حياة مأساوية مع الأماكن والأشخاص متنقلة بين بيت والديها القصديري ومسكن زوجها الجماعي وبين أحداث العنف والموت وحوادث القتل والانتحار والموت المفاجئ. أما السمة الثانية لكتابة الهامش فهي تصوير الفضاءات الهامشية من مدن وقرى صغيرة ومساكن يائسة ومحلات محرمة وغير ذلك، وهو ما نجده في هذه الرواية، حيث تتعدد الأماكن الهامشية وتتخذ بعدا مرجعيا فهي ليست أماكن مدققة ولكن لها ما يشابهها في الواقع اليومي ومنها: *الحي الشعبي الفقير وهي حالة أحياء كثيرة في المدن التونسية نشأت على هامش التحولات الاجتماعية وحركة النزوح نحو المدن وأصبحت تشكل تراكمات سلبية في أغلب المدن بما تفرزه من واقع معيشي صعب وما تمثله من أوضاع مزرية لأنها تتشكل من أشخاص ذوي وضعيات اجتماعية صعبة. * مصب الفضلات وهو الفضاء الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى مصدر رزق لعائلات كثيرة منتمية لهذه الأحياء الشعبية الفقيرة، حيث يشتغل الكثيرون بالبحث عما تجود به هذه المصبات من أشياء يمكن بيعها والحصول منها على مصدر رزق، وقد اهتمت وسائل الإعلام في بعض تحقيقاتها بهذه الظاهرة التي انتشرت في أغلب المدن. *الفضاءات المغلقة: «المسكن القصديري المتواضع الذي لا تتوفر فيه مقومات العيش/ البيت التقليدي الكبير الذي يضم كامل العائلة، حيث يكتفي الذكور بعد زواجهم بالحصول على غرفة لممارسة الحياة الزوجية وهي من سمات العائلات التقليدية الفقيرة/غرفة الزوجية في البيت الكبير/مركز الإيقاف/فضاء السجن…». كل هذه الفضاءات الهامشية كانت محطات سردية مرت بها الساردة مصورة حياة بائسة وقد سيطرت على كل الفصول ماعدا فصل البداية والنهاية، حيث ينفتح الفضاء الروائي على الفضاء الأجنبي فنشهد رحلة البطلة وعودتها… وهذا لا يغير شيئا من طبيعة الرواية ومناخاتها. أما السمة الثالثة لكتابة الهامش فتتصل بنوعية الشخصيات، حيث تكون متصادمة مع الواقع وتعاني التهميش والرفض وهو ما نجده في شخصيات هذه الرواية المعدمة والفقيرة والتائهة في الحياة، وهي تعيش الفوضى والخصاصة والعنف والإجرام، ومن بينها الساردة المنحدرة من أسرة فقيرة والمتزوجة غصبا من سكير هو زوجها «كيمو» الذي كانت نهايته القتل على يد زوجة أخيه حنان التي كانت تربطه بها علاقة محرمة، والتي انتهت بدورها منتحرة في السجن، إضافة إلى حياة شقيقة الساردة التي عاشت الاغتصاب وبقية إخوتها الذين اختطفهم الموت في صراعهم مع لقمة العيش.. فهي شخصيات يطاردها الموت وهو ما يطبع الرواية بمسحة جنائزية ويجعل الساردة تنتقل من موت إلى آخر، فالرواية تجمع بين مصبين.. مصب للفضلات وآخر للممارسات الاجتماعية وهي محاولة روائية أخرى لكتابة الهامش وتحويله إلى الأدب، ولا شك أن لكتابة الهامش مقومات أخرى تتوفر بعضها في هذه الرواية، ولكننا نغض عنها النظر استجابة لضغط المساحة ومنها كتابة الجنس والخطاب الإباحي أو وصف القمع، حسبنا أننا بينا انشداد هذه التجربة إلى عوالم الهامش وأحطنا بمناخات هذا النص الروائي. ..... ٭ ناقد تونسي لا نعني بكتابة الهامش تهميش الكتابة أو رسم الهوامش والشواهد وغير ذلك، ولكننا نعني بها تحويل الهامش إلى الأدب واتخاذه مرجعا تخييليا، وهو توجه بارز في الرواية العربية التي تحاول تجاوز الخط الرسمي و«بورجوازية الرواية». ويمكن أن نعتبره مجالا مفتوحا للسرد يحاول معاكسة الخطاب الرسمي، من خلال تصوير الواقع اليومي المتردي للحياة اليومية، ومحاولة تبني مشاغل الناس في المناطق والأنحاء المهمشة، وهي المواضيع التي تحاول الخطابات السلطوية العربية تجاهلها والصمت عنها، كي يفسح المجال لخطاباتها ولإنجازاتها، كما تجتاز كتابة الهامش الخطوط الأخلاقية الحمر وتقترب من الخطابات المحرمة والممنوعة، ولعل روايات المغربي محمد شكري تندرج في هذا المجال. وتفسح هذه الكتابة المجال للمهمشين والمتمردين والمقصيين بالبوح والحكي، ومن الطبيعي أن الحديث في هذه النوعية من الخطابات الأدبية والسردية يطول، ذلك أنها أحدثت تراكما لا بأس به في الأدب العربي قديما وحديثا… ولعل الرواية التي نتناولها في هذا النص تشكل واحدة من الروايات التي يمكن تصنيفها ضمن هذا التوجه السردي والروائي، فهي رواية تحاول كتابة الهامش الاجتماعي وتتخذ من عوالم المهمشين متخيلا. ورواية «المصب»هي الرواية الأولى للكاتبة شادية القاسمي، التي تخوض في الوقت نفسه تجربة الكتابة الشعرية، إذ سبق أن صدرت لها مجموعة شعرية عنوانها «تراتيل»، وقد استطاعت هذه الرواية أن تكون واحدة من الأعمال المتوجة في مسابقة «كومار» للرواية التونسية في دورتها الأخيرة، وهي رواية من النوع الواقعي الاجتماعي تتخذ حكايتها طابع مشابهة الواقع وكتابة المحتمل المستند إلى مرجع واقعي، وهي تمعن في كتابة واقعية سوداء، هي الكتابة التي تغوص في أعماق الفئات الاجتماعية وتحاول تبني قضاياها ومشاغلها وإبراز تناقضاتها، من خلال تخييل عالم حكائي شبيه بعالمها ومن طبيعة هذا النوع من الكتابات السردية أن يعج بالقضايا الاجتماعية ويرسم هموم الواقع، أو بالأحرى هي رواية تنهل من الهامش الاجتماعي وتلتقط حكاياته ويومياته وتفسح المجال لضحاياه للحديث عن تجاربهم. لعل ابرز سمات سرد الهامش إفساح المجال للشخصيات المعدمة والمنبوذة والمتحررة من سلطة المجتمع وأقنعته لتتكلم، وهي محاولة لاستنطاق المسكوت عنه، ولعلها محاولة إيهام من الروائي ليتمكن من نقل الخطابات الممنوعة. ولعلنا نجد هذه السمة في هذه الرواية من خلال تولي الشخصية الرئيسية، وهي امرأة تنحدر من عائلة فقيرة تشتغل في المصب وتتزوج سكيرا معدما، سرد أحداث الرواية سردا معتمدا على أسلوب الصوت الواحد والسرد الذاتي بضمير المتكلم، ومعبرة عن رؤية واحدة للأحداث، من خلال سرد يغلب عليه أسلوب التذكر والتتابع، وقد قسمت الكاتبة هذه الاعترافات إلى نصوص قصيرة… وهكذا تحملت هذه الشخصية البائسة مهام السرد فكانت الفصول سردا ووصفا لحياتها اليومية ومأساتها بلا أقنعة: «أواصل طريقي إلى عمل قار لم أجد غيره… أهرع كقطة إلى المزابل أبحث عن قوت… كرهت قذارتي… كرهت الأشياء من حولي لأنها تلونت بلونها… أفتح نافذة العمر أطل على كوم من القاذورات المتنوعة فلا أجد مهربا منها غير النسيان واللا ذاكرة». على هذا النحو من البوح والاعتراف ترحل بنا الساردة طارحة علينا ذاكرة عمر من العذاب والحطام ومحطات حياة مأساوية مع الأماكن والأشخاص متنقلة بين بيت والديها القصديري ومسكن زوجها الجماعي وبين أحداث العنف والموت وحوادث القتل والانتحار والموت المفاجئ. أما السمة الثانية لكتابة الهامش فهي تصوير الفضاءات الهامشية من مدن وقرى صغيرة ومساكن يائسة ومحلات محرمة وغير ذلك، وهو ما نجده في هذه الرواية، حيث تتعدد الأماكن الهامشية وتتخذ بعدا مرجعيا فهي ليست أماكن مدققة ولكن لها ما يشابهها في الواقع اليومي ومنها: *الحي الشعبي الفقير وهي حالة أحياء كثيرة في المدن التونسية نشأت على هامش التحولات الاجتماعية وحركة النزوح نحو المدن وأصبحت تشكل تراكمات سلبية في أغلب المدن بما تفرزه من واقع معيشي صعب وما تمثله من أوضاع مزرية لأنها تتشكل من أشخاص ذوي وضعيات اجتماعية صعبة. * مصب الفضلات وهو الفضاء الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى مصدر رزق لعائلات كثيرة منتمية لهذه الأحياء الشعبية الفقيرة، حيث يشتغل الكثيرون بالبحث عما تجود به هذه المصبات من أشياء يمكن بيعها والحصول منها على مصدر رزق، وقد اهتمت وسائل الإعلام في بعض تحقيقاتها بهذه الظاهرة التي انتشرت في أغلب المدن. *الفضاءات المغلقة: «المسكن القصديري المتواضع الذي لا تتوفر فيه مقومات العيش/ البيت التقليدي الكبير الذي يضم كامل العائلة، حيث يكتفي الذكور بعد زواجهم بالحصول على غرفة لممارسة الحياة الزوجية وهي من سمات العائلات التقليدية الفقيرة/غرفة الزوجية في البيت الكبير/مركز الإيقاف/فضاء السجن…». كل هذه الفضاءات الهامشية كانت محطات سردية مرت بها الساردة مصورة حياة بائسة وقد سيطرت على كل الفصول ماعدا فصل البداية والنهاية، حيث ينفتح الفضاء الروائي على الفضاء الأجنبي فنشهد رحلة البطلة وعودتها… وهذا لا يغير شيئا من طبيعة الرواية ومناخاتها. أما السمة الثالثة لكتابة الهامش فتتصل بنوعية الشخصيات، حيث تكون متصادمة مع الواقع وتعاني التهميش والرفض وهو ما نجده في شخصيات هذه الرواية المعدمة والفقيرة والتائهة في الحياة، وهي تعيش الفوضى والخصاصة والعنف والإجرام، ومن بينها الساردة المنحدرة من أسرة فقيرة والمتزوجة غصبا من سكير هو زوجها «كيمو» الذي كانت نهايته القتل على يد زوجة أخيه حنان التي كانت تربطه بها علاقة محرمة، والتي انتهت بدورها منتحرة في السجن، إضافة إلى حياة شقيقة الساردة التي عاشت الاغتصاب وبقية إخوتها الذين اختطفهم الموت في صراعهم مع لقمة العيش.. فهي شخصيات يطاردها الموت وهو ما يطبع الرواية بمسحة جنائزية ويجعل الساردة تنتقل من موت إلى آخر، فالرواية تجمع بين مصبين.. مصب للفضلات وآخر للممارسات الاجتماعية وهي محاولة روائية أخرى لكتابة الهامش وتحويله إلى الأدب، ولا شك أن لكتابة الهامش مقومات أخرى تتوفر بعضها في هذه الرواية، ولكننا نغض عنها النظر استجابة لضغط المساحة ومنها كتابة الجنس والخطاب الإباحي أو وصف القمع، حسبنا أننا بينا انشداد هذه التجربة إلى عوالم الهامش وأحطنا بمناخات هذا النص الروائي. ..... ٭ ناقد تونسي