محافظ الغربية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الذكرى 42 لتحرير سيناء    بعد تراجعه أمس.. سعر الدولار مقابل الجنيه في 9 بنوك ببداية تعاملات اليوم    استقرار أسعار الفاكهة في سوق العبور اليوم الثلاثاء 23 أبريل    بداية التوقيت الصيفي تزامنا مع تطبيق المواعيد الجديدة لغلق المحال الجمعة المقبلة    سول: كوريا الشمالية ستواجه نهاية نظامها إذا استخدمت أسلحة نووية    الدفاع الياباني: قوات أمريكية تشارك في عملية البحث عن طاقمي مروحتين تحطمتا بالمحيط الهادي    طلاب الجامعة الأمريكية يطالبون الإدارة بوقف التعاون مع شركات داعمة لإسرائيل    الدفاعات الأوكرانية: دمرنا جميع الطائرات المسيرة التي أطلقتها موسكو خلال الليل    الزمالك يبدأ الاستعداد لموقعة دريمز الغاني    فريق «سيدات يد الأهلي» يواجه أبيدجان في ربع نهائي كأس الكؤوس الإفريقية    أمير هشام يكشف حالة محمد عواد من المشاركة في مباراة دريمز الغاني    درجة الحرارة تتجاوز ال40.. تحذيرات من الأرصاد حول طقس الأيام القادمة    مصرع سائق في تصادم سيارتين على صحراوي سوهاج    قرار عاجل بشأن مافيا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي بالقاهرة    «الاتجاه التطبيقي في الجغرافيا».. ندوة بجامعة القاهرة لخدمة المجتمع    سلوى محمد علي تدير ماستر كلاس سيد رجب بالإسكندرية للفيلم القصير    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 23 - 4 - 2024 في الأسواق    وزير خارجية إيران: نأسف لقرار الاتحاد الأوروبي فرض قيود "غير قانونية" على طهران    الثانوية العامة 2024.. تعرف علي مواصفات ورقة امتحان اللغة الأجنبية الثانية    محافظ شمال سيناء يستقبل وزير الشباب والرياضة    مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024/2025: تعزيز الدعم والمنح الاجتماعية    التهاب الجيوب الأنفية الحاد: أعراض ووقاية    وول ستريت تتعافى وارتفاع داو جونز 200 نقطة وخروج S&P500 من دائرة الخسارة    أزمة لبن الأطفال في مصر.. توفر بدائل وتحركات لتحديد أسعار الأدوية    بدرية طلبة تشارك جمهورها فرحة حناء ابنتها وتعلن موعد زفافها (صور)    نيللي كريم تظهر مع أبطال مسلسل ب100 وش.. وتعلق: «العصابة رجعت»    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    مصر تستهدف زيادة إيرادات ضريبة السجائر والتبغ بنحو 10 مليارات جنيه في 2024-2025    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    لبنان.. شهيد جراء قصف طيران الجيش الإسرائيلي سيارة في محيط بلدة عدلون    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    إزالة 14 حالة تعد بمركز ومدينة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية    اتحاد الكرة يوضح حقيقة وقف الدعم المادي لمشروع «فيفا فورورد»    ملتقى القاهرة الأدبي.. هشام أصلان: القاهرة مدينة ملهمة بالرغم من قسوتها    نجاة طفل تشبث أسفل قطار مسافة 100 كيلومتر    مصرع عامل دهسه قطار الصعيد في مزلقان سمالوط بالمنيا    فاروق جعفر يضع خطة للزمالك للفوز على دريمز الغاني    أستاذ مناعة يحذر من الباراسيتامول: يسبب تراكم السموم.. ويؤثر على عضلة القلب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام عطلة شم النسيم 2024 للقطاعين بعد ترحيل عيد العمال    بلينكن ينفي "ازدواجية المعايير" في تطبيق القانون الأمريكي    بشرى سارة لجمهور النادي الأهلي بشأن إصابات الفريق    بعد وفاته في تركيا، من هو رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني؟    نصائح مهمة لمرضى الجهاز التنفسي والحساسية خلال الطقس اليوم    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    الكونجرس يشعر بالخطر.. أسامة كمال: الرهان على الأجيال الجديدة    خلال ساعات العمل.. أطعمة تجعل الجسم أكثر نشاطا وحيوية    علي هامش انعقاد مؤتمر الاتحاد العربي.. 11 دولة عربية في ضيافة النقابة العامة للغزل والنسيج بالقاهرة    عامر حسين: الأهلي احتج على مشاركة حارس الاتحاد السكندري    الشرطة تداهم أوكار الكيف.. سقوط 85 ديلر مخدرات في الإسكندرية    كشف غموض العثور على جثة بالشارع في قليوب    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    علي جمعة عن سبب تقديم برنامج نور الدين: ربنا هيحاسبني على سكوتي    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23 أبريل في محافظات مصر    مصرع شخص وإصابة 2 في تصادم 3 تريلات نقل بالوادي الجديد    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنا عبدالرحمن : على الكاتب ألّا يفكّر في المتلقي عند إنجاز نصّه الأدبي
نشر في صوت البلد يوم 26 - 06 - 2016

«إذا كان في الحياة سحر.. إذا كان في الحياة سر.. فإن الكتابة هي السحر وهي السر الذي يتكشف رويدا رويدا عبر حبال من كلمات»، بهذه الكلمات تصف القاصة والروائية الدكتورة لنا عبدالرحمن تجربتها مع الكتابة، ذلك العالم الذي ولجته من باب القصة القصيرة أولا قبل مضيّها قُدُما باتجاه الرواية، لتمرر من خلاله نظرتها للعالم، وتتحدث عن حالات تعاني القمع بأشكاله المختلفة؛ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
أصدرت عبدالرحمن في القصة: «أوهام شرقية» و«الموتى لا يكذبون» عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة، ولها في الرواية: «حدائق السراب»، و«تلامس»، و«أغنية لمارغريت» وجميعها صدرت عن الدار العربية للعلوم في بيروت، و«ثلج القاهرة» عن دار آفاق، وصدرت روايتها الأخيرة «قيد الدرس» عن دار الآداب في بيروت.
ولأن عبدالرحمن بدأت قاصة ثم انتقلت لكتابة الرواية، فإن السؤال الأول الذي طرحته عليها «وكالة الأنباء العمانية» يدور حول ما إذا كانت كتابة القصة القصيرة نوعا من التدريب على كتابة الرواية، فكان ردّها: «القصة القصيرة تمرين جيد للكاتب على ضبط إيقاع العمل، واختيار الجمل اللماحة والقصيرة، لكن بعد مدة من التمرس بالكتابة يكتشف الكاتب إيقاعه الداخلي إن كان يتماهى مع النفَس القصير، أو يحتاج لمساحات أطول في السرد، فمسألة الإيقاع الداخلي مهمة جدا، لأنها تساعد الكاتب على فهم ذاته الإبداعية أكثر»
ونظرا لانتماء لنا عبدالرحمن إلى الجيل الذي تفتّح وعيه على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن لهذه التجربة تأثيرها في نفسها وفي كتاباتها، وهي توضح هذا التأثير بقولها: «ذاكرة الحرب من الصعب التحرر منها بالنسبة لأيّ إنسان، بل ولأيّ كاتب عايش لحظاتها، لأنها تطلّ برأسها المفزع الذي نحاول التخلص منه عبر الكتابة»، وتضيف: «من هنا ربما يكون الكاتب محظوظا في تلقّيه هبة الكتابة التي تساعده على التحرر من ذاكرته المثقلة بالألم، لكن في النتيجة تظل فكرة النص الجوهرية والأساسية هي التي تحدد ما سيتم تناوله»
ناقشت الدكتورة لنا في روايتها «أغنية لمارغريت» أحداث حرب تموز 2006 التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان، ويدور السرد بالتوازي مع حياة الروائية الفرنسية الشهيرة مارجريت دوراس خلال سنواتها الأخيرة. وحول اختيارها «دوراس» تحديدا تقول عبدالرحمن: «عانت دوراس من هاجس الزمن، ومن هاجس الجسد من زاوية تلاشيه اليومي، نحن نتقدم بالسن في كل يوم خطوة نحو مصيرنا الأخير، لكن دوراس كانت تقاوم كل هذه التساؤلات في الكتابة والفرار إلى عالمها الداخلي، لذا اختارت العزلة عن باريس وتفرغت لكتابتها». وتتابع بقولها: «كل هذه التساؤلات تنشغل بها (زينب) بطلة الرواية، أو بعبارة أدق، تلتحم زينب مع التساؤلات الفلسفية لتتناسى هاجس الحرب الدائرة في الواقع، لذا تكتب رسائل مفترضة إلى حبيب مارجريت دوراس، تدير حوارا معه، وفي الوقت نفسه تراقب الحياة الحقيقية التي تدور من حولها».
وتؤكد الدكتورة لنا أنها تتقاطع مع مارجريت دوراس في الفلسفة والحياة، مستذكرة ما قالته تلك الكاتبة في آخر حوار أجري معها: «هناك الكتابة، ثم الحياة بفواجعها ومظالمها، ولا يمكن أن نجمع بين الاثنين إلّا عندما نجعل من الحياة ومن كوارثها مادة للكتابة»
وهي ترى في هذا السياق أن كوارث الحياة وفواجعها تحضر عبر الكتابة ليس بشكل محض اختياري، وإنما في «لعبة قدرية لتبادل أدوار»، بحيث تبدو الحياة ساخرة جدا وقاسية، وتبدو الكتابة أكثر رحمة وألفة، في مقابل لحظات أخرى «يحلّ فيها الواقع بكل ثقله، لتهجرنا الكتابة رغم كل المحاولات لاستدعائها»
وتناقش لنا عبدالرحمن مسألة البحث عن الهوية بعمق فلسفي، بخاصة في روايتها «قيد الدرس»، إذ حضرت فكرة الانتماء بشكل أكثر وضوحا، ليس الانتماء للمكان فقط، بل مراجعة الوعي في علاقته بالهوية. وهي تقرّ بأن الهويات «تكون قاتلة أحيانا، ومنجية في أحيان أخرى تبعا لرؤيتنا لها». وتوضح في هذا السياق أن السؤال المؤرق في داخلنا يظل يدور عن حقيقة انتمائنا؛ إلى أيّ مدى نرتبط بالبلد الذي وُلدنا به وحملنا هويته؟ إلى أيّ حد يحقق لنا هذا الانتماء تصالحا ورضا عن علاقتنا، سواء مع الزمان أو المكان الذي ننتمي إليه، أو في علاقتنا مع «الأنا»؟ لذا تبدو قضية «قيد الدرس» هي البشر الذين لا يحملون هوية.. فكرة الشتات الداخلي الذي يبدو أنه يهدد العالم ككل في الوقت الراهن.
وحول آلية إنجاز الرواية، تقول الدكتورة لنا: إنها تضع مخططاً مسبقاً، لكنه ليس مخططاً بالشكل الكامل، فالمكان والأبطال والحدث الرئيسي تكون واضحة بالنسبة لها في مرحلة ما قبل الكتابة، إذ تدون العديد من الملاحظات على دفاتر صغيرة تعود إليها حين تبدأ بالكتابة فتسترشد بها. وهذه الملاحظات تتضمن «تفاصيل وأسماء، وألوانا، وديكورات، وأمراضا، وأشياء كثيرة تمثل رموزا ومفاتيح للنص» الذي تكتبه.
وينطلق اعتناء د.لنا بالمكان ومنحه «دور البطولة» في بعض أعمالها، من فهمها للمكان بوصفه من العناصر المهمة في بناء الرواية، إنه «المسرح الذي يتحرك عليه الأبطال ويتفاعلون معه، يتأثرون به، ويؤثر بهم». ولهذا، فإنها على المستويين الذاتي والإبداعي تهتم كثيرا بتفاصيل الأمكنة، والمدن، والشوارع، والأحياء، والقرى، وكل ما له علاقة بالمكان، وتحاول بذل جهد لاكتشاف المكان، والتعرف إليه عن كثب؛ لأن «المكان هو التاريخ» بالنتيجة.
وحول الفرق بين الكتابة والصورة، ترى الدكتورة لنا أن الصورة تنقل المشهد خارجيا، مع تفاصيل نفسية قليلة تتضح من الصورة نفسها، بينما الرواية تنقل أبعادا نفسية أعمق مما تفعله الصورة، وهذه هي الميزة الأساسية للرواية: «القدرة على تصوير العالم الداخلي للإنسان، تناقضاته وصراعه، تشوشه واضطرابه»، فالكاميرا يمكنها فعل هذا بشكل موجز وبمساعدة تفاصيل أخرى مثل الحوار (الكلمة)، أما النص المكتوب فينجح عبر الكلمة فقط في تقديم مشهد كامل للحياة.
ولا تتردد د.لنا في كشف موقفها من تعبير «الأدب النسوي»، قائلة: «لا أعرف ما المقصود بالنمطية النسوية، أو بالسجال المستمر عن الكتابة النسوية. أنا أكتب ما يسبب لي هاجسا داخليا للكتابة عنه. ففي روايتي (تلامس) حضر هاجس الجنون الذي تخافه البطلة، وفي (أغنية لمارجريت) هناك تداخل بين الزمن والجسد والحب من باب السؤال الوجودي الكبير عن الموت، وفي (ثلج القاهرة) تناولت فكرة الحيوات السابقة.. بطلاتي كن نساء، لكن هواجسهن عامة ومن الممكن أن تطال أي إنسان، سواء امرأة أو رجلاً»..
وبشأن القارئ وحضوره في ذهن الروائي عندما يكتب، ترى د.لنا أنه ليس من الصواب أن يفكر الكاتب بالمتلقي عند الكتابة، فهذا «مشوِّش» بالنسبة له. وتضيف: «ثم من هو هذا المتلقي المجهول؟ نحن نعيش في عالم عربي واسع، وفي زمن تكنولوجي بامتياز.. لذا يبدو التفكير بالقارئ أمرا عبثيا في كثير من الأحيان».
وتنظر عبدالرحمن إلى إشرافها على عدد من حلقات الكتابة الإبداعية في الرواية على أنها تجربة مهمة بالنسبة لها، وتقول فيها: «هي تجربة ممتعة جدا من جانب اكتشاف مواهب جديدة ومتخوفة من فعل الكتابة، ومع مرور الوقت وتجاوز الحاجز الوهمي للخوف من الكلمات تبدأ النصوص بالتشكل، ويبدأ العصف الذهني بين المشاركين»، وهي مع ذلك تعيد التأكيد: «الحلقة وحدها لا تصنع كاتبا، لكنها تساعد الكاتب الذي لديه شغف بالكتابة على اكتشاف طريقه».
«إذا كان في الحياة سحر.. إذا كان في الحياة سر.. فإن الكتابة هي السحر وهي السر الذي يتكشف رويدا رويدا عبر حبال من كلمات»، بهذه الكلمات تصف القاصة والروائية الدكتورة لنا عبدالرحمن تجربتها مع الكتابة، ذلك العالم الذي ولجته من باب القصة القصيرة أولا قبل مضيّها قُدُما باتجاه الرواية، لتمرر من خلاله نظرتها للعالم، وتتحدث عن حالات تعاني القمع بأشكاله المختلفة؛ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
أصدرت عبدالرحمن في القصة: «أوهام شرقية» و«الموتى لا يكذبون» عن وكالة الصحافة العربية في القاهرة، ولها في الرواية: «حدائق السراب»، و«تلامس»، و«أغنية لمارغريت» وجميعها صدرت عن الدار العربية للعلوم في بيروت، و«ثلج القاهرة» عن دار آفاق، وصدرت روايتها الأخيرة «قيد الدرس» عن دار الآداب في بيروت.
ولأن عبدالرحمن بدأت قاصة ثم انتقلت لكتابة الرواية، فإن السؤال الأول الذي طرحته عليها «وكالة الأنباء العمانية» يدور حول ما إذا كانت كتابة القصة القصيرة نوعا من التدريب على كتابة الرواية، فكان ردّها: «القصة القصيرة تمرين جيد للكاتب على ضبط إيقاع العمل، واختيار الجمل اللماحة والقصيرة، لكن بعد مدة من التمرس بالكتابة يكتشف الكاتب إيقاعه الداخلي إن كان يتماهى مع النفَس القصير، أو يحتاج لمساحات أطول في السرد، فمسألة الإيقاع الداخلي مهمة جدا، لأنها تساعد الكاتب على فهم ذاته الإبداعية أكثر»
ونظرا لانتماء لنا عبدالرحمن إلى الجيل الذي تفتّح وعيه على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن لهذه التجربة تأثيرها في نفسها وفي كتاباتها، وهي توضح هذا التأثير بقولها: «ذاكرة الحرب من الصعب التحرر منها بالنسبة لأيّ إنسان، بل ولأيّ كاتب عايش لحظاتها، لأنها تطلّ برأسها المفزع الذي نحاول التخلص منه عبر الكتابة»، وتضيف: «من هنا ربما يكون الكاتب محظوظا في تلقّيه هبة الكتابة التي تساعده على التحرر من ذاكرته المثقلة بالألم، لكن في النتيجة تظل فكرة النص الجوهرية والأساسية هي التي تحدد ما سيتم تناوله»
ناقشت الدكتورة لنا في روايتها «أغنية لمارغريت» أحداث حرب تموز 2006 التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان، ويدور السرد بالتوازي مع حياة الروائية الفرنسية الشهيرة مارجريت دوراس خلال سنواتها الأخيرة. وحول اختيارها «دوراس» تحديدا تقول عبدالرحمن: «عانت دوراس من هاجس الزمن، ومن هاجس الجسد من زاوية تلاشيه اليومي، نحن نتقدم بالسن في كل يوم خطوة نحو مصيرنا الأخير، لكن دوراس كانت تقاوم كل هذه التساؤلات في الكتابة والفرار إلى عالمها الداخلي، لذا اختارت العزلة عن باريس وتفرغت لكتابتها». وتتابع بقولها: «كل هذه التساؤلات تنشغل بها (زينب) بطلة الرواية، أو بعبارة أدق، تلتحم زينب مع التساؤلات الفلسفية لتتناسى هاجس الحرب الدائرة في الواقع، لذا تكتب رسائل مفترضة إلى حبيب مارجريت دوراس، تدير حوارا معه، وفي الوقت نفسه تراقب الحياة الحقيقية التي تدور من حولها».
وتؤكد الدكتورة لنا أنها تتقاطع مع مارجريت دوراس في الفلسفة والحياة، مستذكرة ما قالته تلك الكاتبة في آخر حوار أجري معها: «هناك الكتابة، ثم الحياة بفواجعها ومظالمها، ولا يمكن أن نجمع بين الاثنين إلّا عندما نجعل من الحياة ومن كوارثها مادة للكتابة»
وهي ترى في هذا السياق أن كوارث الحياة وفواجعها تحضر عبر الكتابة ليس بشكل محض اختياري، وإنما في «لعبة قدرية لتبادل أدوار»، بحيث تبدو الحياة ساخرة جدا وقاسية، وتبدو الكتابة أكثر رحمة وألفة، في مقابل لحظات أخرى «يحلّ فيها الواقع بكل ثقله، لتهجرنا الكتابة رغم كل المحاولات لاستدعائها»
وتناقش لنا عبدالرحمن مسألة البحث عن الهوية بعمق فلسفي، بخاصة في روايتها «قيد الدرس»، إذ حضرت فكرة الانتماء بشكل أكثر وضوحا، ليس الانتماء للمكان فقط، بل مراجعة الوعي في علاقته بالهوية. وهي تقرّ بأن الهويات «تكون قاتلة أحيانا، ومنجية في أحيان أخرى تبعا لرؤيتنا لها». وتوضح في هذا السياق أن السؤال المؤرق في داخلنا يظل يدور عن حقيقة انتمائنا؛ إلى أيّ مدى نرتبط بالبلد الذي وُلدنا به وحملنا هويته؟ إلى أيّ حد يحقق لنا هذا الانتماء تصالحا ورضا عن علاقتنا، سواء مع الزمان أو المكان الذي ننتمي إليه، أو في علاقتنا مع «الأنا»؟ لذا تبدو قضية «قيد الدرس» هي البشر الذين لا يحملون هوية.. فكرة الشتات الداخلي الذي يبدو أنه يهدد العالم ككل في الوقت الراهن.
وحول آلية إنجاز الرواية، تقول الدكتورة لنا: إنها تضع مخططاً مسبقاً، لكنه ليس مخططاً بالشكل الكامل، فالمكان والأبطال والحدث الرئيسي تكون واضحة بالنسبة لها في مرحلة ما قبل الكتابة، إذ تدون العديد من الملاحظات على دفاتر صغيرة تعود إليها حين تبدأ بالكتابة فتسترشد بها. وهذه الملاحظات تتضمن «تفاصيل وأسماء، وألوانا، وديكورات، وأمراضا، وأشياء كثيرة تمثل رموزا ومفاتيح للنص» الذي تكتبه.
وينطلق اعتناء د.لنا بالمكان ومنحه «دور البطولة» في بعض أعمالها، من فهمها للمكان بوصفه من العناصر المهمة في بناء الرواية، إنه «المسرح الذي يتحرك عليه الأبطال ويتفاعلون معه، يتأثرون به، ويؤثر بهم». ولهذا، فإنها على المستويين الذاتي والإبداعي تهتم كثيرا بتفاصيل الأمكنة، والمدن، والشوارع، والأحياء، والقرى، وكل ما له علاقة بالمكان، وتحاول بذل جهد لاكتشاف المكان، والتعرف إليه عن كثب؛ لأن «المكان هو التاريخ» بالنتيجة.
وحول الفرق بين الكتابة والصورة، ترى الدكتورة لنا أن الصورة تنقل المشهد خارجيا، مع تفاصيل نفسية قليلة تتضح من الصورة نفسها، بينما الرواية تنقل أبعادا نفسية أعمق مما تفعله الصورة، وهذه هي الميزة الأساسية للرواية: «القدرة على تصوير العالم الداخلي للإنسان، تناقضاته وصراعه، تشوشه واضطرابه»، فالكاميرا يمكنها فعل هذا بشكل موجز وبمساعدة تفاصيل أخرى مثل الحوار (الكلمة)، أما النص المكتوب فينجح عبر الكلمة فقط في تقديم مشهد كامل للحياة.
ولا تتردد د.لنا في كشف موقفها من تعبير «الأدب النسوي»، قائلة: «لا أعرف ما المقصود بالنمطية النسوية، أو بالسجال المستمر عن الكتابة النسوية. أنا أكتب ما يسبب لي هاجسا داخليا للكتابة عنه. ففي روايتي (تلامس) حضر هاجس الجنون الذي تخافه البطلة، وفي (أغنية لمارجريت) هناك تداخل بين الزمن والجسد والحب من باب السؤال الوجودي الكبير عن الموت، وفي (ثلج القاهرة) تناولت فكرة الحيوات السابقة.. بطلاتي كن نساء، لكن هواجسهن عامة ومن الممكن أن تطال أي إنسان، سواء امرأة أو رجلاً»..
وبشأن القارئ وحضوره في ذهن الروائي عندما يكتب، ترى د.لنا أنه ليس من الصواب أن يفكر الكاتب بالمتلقي عند الكتابة، فهذا «مشوِّش» بالنسبة له. وتضيف: «ثم من هو هذا المتلقي المجهول؟ نحن نعيش في عالم عربي واسع، وفي زمن تكنولوجي بامتياز.. لذا يبدو التفكير بالقارئ أمرا عبثيا في كثير من الأحيان».
وتنظر عبدالرحمن إلى إشرافها على عدد من حلقات الكتابة الإبداعية في الرواية على أنها تجربة مهمة بالنسبة لها، وتقول فيها: «هي تجربة ممتعة جدا من جانب اكتشاف مواهب جديدة ومتخوفة من فعل الكتابة، ومع مرور الوقت وتجاوز الحاجز الوهمي للخوف من الكلمات تبدأ النصوص بالتشكل، ويبدأ العصف الذهني بين المشاركين»، وهي مع ذلك تعيد التأكيد: «الحلقة وحدها لا تصنع كاتبا، لكنها تساعد الكاتب الذي لديه شغف بالكتابة على اكتشاف طريقه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.