تدريس مواد «المثلية الجنسية» بالمدارس الألمانية في مصر.. ما القصة؟    تعاون بين «التعليم» و«المتحدة» في مراجعات الثانوية العامة    أسعار الذهب بالسوق المحلية في ختام تعاملات الثلاثاء 16 ابريل    80 قرشًا.. الغرفة التجارية ببورسعيد تعلن تخفيض سعر الرغيف الشامي والفينو    تراجع سعر الفراخ الساسو واستقرار البيضاء وكرتوتة البيض بالأسواق الأربعاء 17 أبريل 2024    رئيس هيئة الطرق والكباري: انطلاق الأتوبيس الترددي على الدائري في هذا الموعد    اختيار النائبة سحر البزار لرئاسة أول مجلس للنساء البرلمانيات في تاريخ البنك الدولي وصندوق النقد    غرفة السياحة: انخفاض أسعار عمرة شوال بنحو 25 ألف جنيه مقارنة برمضان    إجراء عاجل من "دي دي مصر" بعد واقعة "فتاة الشروق"    الاحتلال يعلن اغتيال قائد الوحدة الصاروخية التابع لحزب الله بجنوب لبنان    اللواء سمير فرج: نتنياهو يريد اجتياح غزة وابتزاز أمريكا    لمدة 6 أشهر.. لماذا رفض السيسي مقترح مدير المخابرات الأمريكية بإدارة غزة؟    ضياء رشوان: هكذا سيكون رد إسرائيل على الضربة الإيرانية    برشلونة يخسر مكانه فى كأس العالم للأندية 2025 وأتلتيكو مدريد يتأهل    «لافندر» سلاح إسرائيل لقتل الفلسطينيين بالذكاء الاصطناعي.. سمير فرج يكشف التفاصيل    خبيرة بالدراسات الإيرانية: أمريكا تضغط على إسرائيل بعد عملية طهران    تشمل الحرس الثوري ووزارة الدفاع.. أمريكا تعتزم فرض عقوبات جديدة ضد إيران    مصدر ليلا كورة: محمد شكري يتعرض لإصابة بقطع في الرباط الصليبي    إنريكي : مواجهة برشلونة لم تكن سهلة.. وفعلنا كل شيء لنكون أفضل منهم    إبراهيم نور الدين: لا أبحث عن اللقطة.. ولم أقلل من قمة الأهلي والزمالك    مدرب مازيمبي: سنستفيد من فوز الزمالك على الأهلي في مباراتنا    رئيس مودرن فيوتشر: ننتظر اعتذار الزمالك بسبب ناصر ماهر    ملف رياضة مصراوي.. عقوبات الزمالك.. فوز يد الأهلي على الأبيض.. وريمونتادا باريس    ملف يلا كورة.. تأهل باريس ودورتموند.. عقوبات الزمالك.. ومجموعة مصر بأولمبياد اليد    "أبطال أوروبا ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الأرصاد: ارتفاع مؤقت في درجات الحرارة تصل إلى 36 درجة مئوية    محافظ القليوبية يقود حملة ليلية لإزالة التعديات على الأرصفة والطريق العام بشبرا الخيمة    ضبط عامل أستولى على 1.3 مليون جنيه من 7 أشخاص بزعم تسفيرهم للخارج بسوهاج    تحقق توقعات ليلى عبد اللطيف عن حالة الطقس في سلطنة عمان.. ماذا قالت؟    المؤبد لقاتلة زوجها المسن بقنا    اختلست مليون و150 ألف جنيه.. السجن 15 سنة ل أمين مخزن مستشفى ببورسعيد    إصابة شخصين فى حريق حظيرة مواشي بأسوان    غادة عبدالرازق: نجاح مسلسل كسر العقارب كسر نحس نجاحات كبيرة    يتمتعون بجاذبية خاصة.. 3 أبراج لا تكشف أوراقها في الموعد العاطفي الأول    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 17-4-2024 مهنيا وعاطفيا.. كن صبورا    بالصور.. من هو فكري عبد الحميد شبيه عادل إمام الذي أثار الجدل مؤخراً ؟    محمد قماح يستعد لطرح ألبوم غنائى بطابع موسيقى خاص ولوك جديد بوزن مثالى    "اتبعي إحساسك".. الفنانة سيمون تكشف عن نصيحة والدها وسر عودتها للفن    دعاء قصير للمريض: اللهم أذهب من حولِه الهم والحزن والمرض وبدل مرضه بالشفاء العاجل يا كريم    33 كلمة قد تفهم خطأ في القرآن.. صحّح معلومات عن كتاب الله    عاجل من استشاري المناعة لكيفية تعامل هذه الفئات مع المنخفض الخماسيني    الشيف سالي فؤاد تقدم طريقة عمل السمان المشوي وكيكة الشوفان بالتفاح ومشروب الزبادي    نقابة الصيادلة: ارتفاع أسعار أدوية الأمراض المزمنة بنسبة تصل ل 25%    الفنان أحمد ماهر ينهار باكيًا على الهواء مع لميس الحديدي.. اعرف السبب    ملامح تحسين أحوال أئمة الأوقاف المعينين في عهد الرئيس السيسي    مصرع مبيض محارة انهارت عليه حفرة أثرية بسوهاج    أبرز أدعية شفاء المريض.. تعرف عليها    مستشار بمركز الأهرام للدرسات السياسية: العالم يعيش مرحلة من السيولة    هتركب عربية.. أرخص 5 سيارات تحت ال 50 ألف جنيه بسوق المستعمل    القمص بطرس بسطوروس يهنئ رئيس مدينة دسوق بكفر الشيخ بعيد الفطر المبارك|صور    ننشر جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لجميع المراحل في بني سويف    حجازي يوجه بتشكيل لجنة للتحقيق في ترويج إحدى المدارس الدولية لقيم وأخلاقيات مرفوضة    بالفيديو.. خالد الجندي: الأئمة والعلماء بذلوا مجهودا كبيرًا من أجل الدعوة في رمضان    إحالة 5 من العاملين بوحدة تزمنت الصحية في بني سويف للتحقيق لتغيبهم عن العمل    "من 4 إلى 9 سنين".. تعرف على سن التقدم للمدارس اليابانية والشروط الواجب توافرها (تفاصيل)    روشتة صحية لمواجهة رياح الخماسين غدا.. وهؤلاء ممنوعون من الخروج للشارع    بالشيكولاتة.. رئيس جامعة الأزهر يحفز العاملين بعد عودتهم من إجازة العيد.. صور    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيمن الدبوسي: الأدب وريث الأديان
نشر في صوت البلد يوم 05 - 05 - 2016

قدم الروائي التونسي أيمن الدبوسي باكورة أعماله الروائية “انتصاب أسود” تزامنا مع أيام معرض تونس الدولي للكتاب في دورته ال32. وقد صدرت الرواية حديثا عن منشورات الجمل في بيروت، والتي رأى النقاد أنها رواية “بورنوغرافيّة” بامتياز، وأن الأديب الشاب يطرق بطرحه “بابا طالما تحاشاه الكتّاب العرب، فهم يعرفون أن وراءه الآلاف من الرقباء العتاة والمهاجمين العنيفين والمحاربين الأشداء. لكنه مع ذلك لا يكتفي بطرقه، بل يقتحمه اقتحاما لا رجعة عنه، مبرزا كل عدّته وعتاده، ومستعدا لخوض معركة ضارية حتى النهاية”.
يقدم أيمن الدبوسي روايته الأولى “انتصاب أسود”، قائلا “إنها رواية سِيريّة تقطع مع الحِبكة التقليدية في بنيتها، ويستدعي أُسلوبها بعض نماذج الأدب الأميركي. وهي رواية واقعيّة إباحيّة وُلِدت في أجواء استثنائيّة، هي بالتأكيد أجواء ثورة 14 يناير التونسية، التي حاولت الرّواية أنْ تتلقّف أدفاقها الحيويّة والرّوحيّة والإيتيقيّة”.
يضيف “كُتب النصّ في تلك اللّحظة الرّحميّة حيث العدّادات في لحظة الصّفر. كانت لحظة اعتدال واعتداد، لحظة انتصاب، بعد سنوات من القمع والخصاء. كان سقوط رأس النّظام، إيذانا بتفجّر الإمكانات والقوى الأشدّ جُموحا. غير أنّ أغلب ما نُشر في ذلك الوقت كان نصوصا منبريّة مدّاحة للثّورة، وأخرى مضادّة للدكتاتورية، انتهت مدّة صلاحيّتها بعد أن كَتَب عليها الخوف البقاء أسيرة الأدراج الرّطبة”.
ويبين الدبوسي أن الجنس كان مشغلا أساسيا في رواية “انتصاب أسود”، وكان مدخلا لمقاربة العديد من المواضيع، كالآداب الجنسيّة والرّوحيّة ومسألة المُتعة في علاقتها بالثّورة والسّياسة والسُّلطة والاستشراق، وحتى أميركا التي تُمثّل إحدى أهمّ الثّيمات التي تناولتها الرّواية. كاشفا أن النّص كُتِبَ في حالة نفسيّة استثنائيّة، لأنه أراده نصّا جديرا بما كانت تقترحه الثّورة، أوّل اندلاعها، من حرّيات وهذيانات وإمكانات رائعة.
يؤكد الدبوسي أنّ مركزيّة الجنس في رواية “انتصاب أسود” ليست إنجازا، وإنّما هي ردّ اعتبار لمركزيّة الجنس في الحياة والوجود والأدب، يقول “نحن في العالم عبر الجنس ولأجل الجنس، ولعلّ «انتصاب أسود» من الرّوايات القليلة التي إذا ما حذفنا منها الجنس لا يتبقّى منها أيّ شيء، وهو أيضا شأن الحياة التي لا تستقيم ولا تستمرّ من دُون جنس، حتّى وإن حاول البعض إيهامنا بغير ذلك. وإن كان من نجاح يُحسب للرّواية، فهو إعادتها الجنس للأدب، والأدب للجنس، مثلما كان ذلك في الفصل الأوّل مع شخصيّة تسنيم التي تزخر بآداب جنسيّة وروحيّة فريدة”.
ويرى الروائي الشاب أنه ليس هُناك جِنس غير مُبرّر في الأعمال الأدبيّة. هناك فقط جنس مكتوب بأُسلوب رديء. وحُضور الجنس في الأدب لا يجب أن يكون له أيّ تبرير أو عُذر. بل على العكس، الأدب “الحَلال” الخالي من الجنس، هو الذي يجب أن يبرّر خلوّه المُريب من أهمّ عنصر تقوم عليه الحياة.
ويوضح الروائي أن عمله كمختص نفسيّ أتاح له فُرصة مُلاقاة أشخاص رائعين قَاسَمهم تجاربهم ومِحنهم، مضيفا “مهنتي مُلهِمة وشاقّة وتتطلّب الكثير من الحياد وضبط النّفس، وهو ما يتعارض تماما مع الكتابة. لقد حاولتُ في «انتصاب أسود» وفي «أخبار الرّازي» خاصّة، كسر صُورة المختص النّفسيّ النّمطيّة، فورّطته وجعلته يُغادر مقعده بلا رجعة. قد تُفاجأون حين أقول إنّ روايتي الأولى خالية من التابوهات، أو على الأقل خارج منطق التابوهات. لا شيء في انفعالات وسُلوكات شُخوصها يدلّ على حضور التّابوهات أو على انتهاكها. إنّها رواية لا تكشف ولا تفضح ولا تُعرّي، لذا هي خالية من التّابوهات. ليست هناك أسرار تُكشف في هذا النّص. هناك غُموض لا ينجلي، لأنّه سِحر الأشياء الواضحة والبديهيّة بعد أن عادت إلى مقامها الطّبيعيّ والأصليّ”.
في “انتصاب أسود” رأى النقاد أنّ الدبوسي سعى إلى التّأكيد على أنّ الثّورة التّونسية لا يمكن أن تُعْتَبَرَ “ثورة كاملة” ما لم تتحقّق “الثّورة الجنسيّة” التي يأمل منها الكاتب وأبناء جيله أن تُحدث تغييرا جذريّا في العقليّات وأن تحاول تغيير نظرة العربي عموما والتّونسي خصوصا للجسد والجنس. وهنا نسأل ضيفنا “أي ثورة جنسيّة تأمل أن تتحقق في بلدك؟” فيجيبنا “قِيل عن الثّورة التّونسيّة أوّل اندلاعها بأنّها ثورة بلا رأس؛ أيْ أنّها كانت بلا قيادة سياسيّة وبلا أيديولوجيا، وذلك ما كان يُعاب عليها. أقُول إنّ الثّورة التّونسيّة انحرفت عن مسارها وانقلبت على نفسها لأنّهم نصّبوا عليها رأسا، وإن كان قد وُضِع بأسلوب ديمقراطيّ.
كُلّ الرّؤوس التي أفرزتها الانتخابات ونصّبتها قيادات على الثّورة، كانت رؤوسا جامدة ومخصية، لم تستطع أن تستوعب وتتلقّف الدّفق الحيويّ والرّوحيّ الذي فجّر الثّورة. في البدء كان الجسدُ، بلا رأسٍ. الجسدُ الجائع والرّاغب والمُحترِق، جسدُ البوعزيزي، مُنْطَلَق الثّورة. وإنّ الثّورة التّونسيّة لم تكتمل لأنّه لم تكن هناك مشاريع سياسيّة استطاعت أن تُحوّل تلك الرّغبات الأساسيّة إلى برامج وسياسات تبني عقليّات جديدة ونفسيّات جديدة تكون مُتّسِقة مع دوافعها وإفرازاتها الحيويّة والرّوحيّة. كانت الثّورة التونسيّة في صفائها وعفويّتها الأولى ثورة حيويّة «ما بعد أيديولوجيّة»، قبل أن يُلتفّ عليها ويُغدر بها”.
وريث الأديان
بالتطرق إلى الكتابة ومدى خضوعها لشروط النشر، وبشكل رئيسي لمزاج الناشر ومتطلباته، والتي كثيرا ما تُفقِد الحكايات جماليتها وبساطتها. وهل يفكر أيمن الدبوسي حين يكتب في الرقيب والرقابة خاصة وأن هناك كتبا تتعرض للمصادرة والمنع في معارض الكتاب ببعض العواصم العربية؟ يقول ضيفنا “أنا محظوظ وسعيدٌ جدّا لأنّي أتعامل مع ناشر احتضن نُصوصي بكلّ حبّ، وتعامل معها بكلّ لطف وحرفيّة، ولم يُقلّم جنوحها وشَطَطَها. أكتبُ دون قُيود أو شروط مُسبقة، ومنشورات الجمل العريقة وعلى رأسها الشاعر خالد المعالي قَبِلت نشر نُصوصي دون شروط، علما وأنّي لم أتوصّل لنشرها في بلدي تونس. أمّا عن الرّقابة والمُصادرة فإنّي أقف إلى جانب الرّوائي اليمني علي المُقري حين يقول «أكتب حتّى أكون جديرا بالمُصادرة».
وبسؤاله عن نقطة التحوّل التي أسست فعلا لبدء مسيرته الأدبية، يجيب مُحاورنا “إنّ الأدبَ وريثُ الأديان. نحن نكتبُ بعد هزّات روحيّة كُبرى وتجارب حسّية قُصوى. نكتبُ إكراما لما يموتُ ويحيا داخلنا. نكتبُ لوجه حسناء قابلناها صدفة في المترو فعشقناها، لآلام القطّ تحت عجلات الشّاحنة، للسعار الجنسيّ الذي يَخْلف حُمّى أو عِلّة ألمّت بنا، نكتب حين نتأثٍّر. وعلّ الكُتّاب الذين تأثّرت بهم كانوا من أولئك الذين لا نخرج من نصوصهم سالمين والذين يملكون أسئلة على كلّ أجوبتنا: محمود المسعدي، سليم بركات، جورج باتّاي، المركيز دي ساد، هنري ميلّلر، دوستويفسكي، لوتريامون، كافكا وغيرهم”.
ويحدثنا الروائي التونسي الشاب عما تعني له لحظة الكتابة، وهل أنه استطاع من خلال الكتابة، أن يسبر نبض الناس؟ وقبلا هل هو معني بالتفاعل مع القضايا الصغيرة التي تمس حياتهم؟ فيقول “إنّ لحظة الكتابة هي لحظة غير شخصيّة بامتياز. نكتبُ فنُفْسِح لأشياء أُخرى تُقيم فينا، خارج «أنانا» الواعية، لأن تُعبّر عن نَفْسِها. لذا فالكتابة لحظة صمت، حين يصمتُ «أنا» الكاتب، وتَخرس نرجسيّته الضّيّقة، تنطق جوارحه وأعضاؤه وأهواؤه بأصوات أُخرى”.
قدم الروائي التونسي أيمن الدبوسي باكورة أعماله الروائية “انتصاب أسود” تزامنا مع أيام معرض تونس الدولي للكتاب في دورته ال32. وقد صدرت الرواية حديثا عن منشورات الجمل في بيروت، والتي رأى النقاد أنها رواية “بورنوغرافيّة” بامتياز، وأن الأديب الشاب يطرق بطرحه “بابا طالما تحاشاه الكتّاب العرب، فهم يعرفون أن وراءه الآلاف من الرقباء العتاة والمهاجمين العنيفين والمحاربين الأشداء. لكنه مع ذلك لا يكتفي بطرقه، بل يقتحمه اقتحاما لا رجعة عنه، مبرزا كل عدّته وعتاده، ومستعدا لخوض معركة ضارية حتى النهاية”.
يقدم أيمن الدبوسي روايته الأولى “انتصاب أسود”، قائلا “إنها رواية سِيريّة تقطع مع الحِبكة التقليدية في بنيتها، ويستدعي أُسلوبها بعض نماذج الأدب الأميركي. وهي رواية واقعيّة إباحيّة وُلِدت في أجواء استثنائيّة، هي بالتأكيد أجواء ثورة 14 يناير التونسية، التي حاولت الرّواية أنْ تتلقّف أدفاقها الحيويّة والرّوحيّة والإيتيقيّة”.
يضيف “كُتب النصّ في تلك اللّحظة الرّحميّة حيث العدّادات في لحظة الصّفر. كانت لحظة اعتدال واعتداد، لحظة انتصاب، بعد سنوات من القمع والخصاء. كان سقوط رأس النّظام، إيذانا بتفجّر الإمكانات والقوى الأشدّ جُموحا. غير أنّ أغلب ما نُشر في ذلك الوقت كان نصوصا منبريّة مدّاحة للثّورة، وأخرى مضادّة للدكتاتورية، انتهت مدّة صلاحيّتها بعد أن كَتَب عليها الخوف البقاء أسيرة الأدراج الرّطبة”.
ويبين الدبوسي أن الجنس كان مشغلا أساسيا في رواية “انتصاب أسود”، وكان مدخلا لمقاربة العديد من المواضيع، كالآداب الجنسيّة والرّوحيّة ومسألة المُتعة في علاقتها بالثّورة والسّياسة والسُّلطة والاستشراق، وحتى أميركا التي تُمثّل إحدى أهمّ الثّيمات التي تناولتها الرّواية. كاشفا أن النّص كُتِبَ في حالة نفسيّة استثنائيّة، لأنه أراده نصّا جديرا بما كانت تقترحه الثّورة، أوّل اندلاعها، من حرّيات وهذيانات وإمكانات رائعة.
يؤكد الدبوسي أنّ مركزيّة الجنس في رواية “انتصاب أسود” ليست إنجازا، وإنّما هي ردّ اعتبار لمركزيّة الجنس في الحياة والوجود والأدب، يقول “نحن في العالم عبر الجنس ولأجل الجنس، ولعلّ «انتصاب أسود» من الرّوايات القليلة التي إذا ما حذفنا منها الجنس لا يتبقّى منها أيّ شيء، وهو أيضا شأن الحياة التي لا تستقيم ولا تستمرّ من دُون جنس، حتّى وإن حاول البعض إيهامنا بغير ذلك. وإن كان من نجاح يُحسب للرّواية، فهو إعادتها الجنس للأدب، والأدب للجنس، مثلما كان ذلك في الفصل الأوّل مع شخصيّة تسنيم التي تزخر بآداب جنسيّة وروحيّة فريدة”.
ويرى الروائي الشاب أنه ليس هُناك جِنس غير مُبرّر في الأعمال الأدبيّة. هناك فقط جنس مكتوب بأُسلوب رديء. وحُضور الجنس في الأدب لا يجب أن يكون له أيّ تبرير أو عُذر. بل على العكس، الأدب “الحَلال” الخالي من الجنس، هو الذي يجب أن يبرّر خلوّه المُريب من أهمّ عنصر تقوم عليه الحياة.
ويوضح الروائي أن عمله كمختص نفسيّ أتاح له فُرصة مُلاقاة أشخاص رائعين قَاسَمهم تجاربهم ومِحنهم، مضيفا “مهنتي مُلهِمة وشاقّة وتتطلّب الكثير من الحياد وضبط النّفس، وهو ما يتعارض تماما مع الكتابة. لقد حاولتُ في «انتصاب أسود» وفي «أخبار الرّازي» خاصّة، كسر صُورة المختص النّفسيّ النّمطيّة، فورّطته وجعلته يُغادر مقعده بلا رجعة. قد تُفاجأون حين أقول إنّ روايتي الأولى خالية من التابوهات، أو على الأقل خارج منطق التابوهات. لا شيء في انفعالات وسُلوكات شُخوصها يدلّ على حضور التّابوهات أو على انتهاكها. إنّها رواية لا تكشف ولا تفضح ولا تُعرّي، لذا هي خالية من التّابوهات. ليست هناك أسرار تُكشف في هذا النّص. هناك غُموض لا ينجلي، لأنّه سِحر الأشياء الواضحة والبديهيّة بعد أن عادت إلى مقامها الطّبيعيّ والأصليّ”.
في “انتصاب أسود” رأى النقاد أنّ الدبوسي سعى إلى التّأكيد على أنّ الثّورة التّونسية لا يمكن أن تُعْتَبَرَ “ثورة كاملة” ما لم تتحقّق “الثّورة الجنسيّة” التي يأمل منها الكاتب وأبناء جيله أن تُحدث تغييرا جذريّا في العقليّات وأن تحاول تغيير نظرة العربي عموما والتّونسي خصوصا للجسد والجنس. وهنا نسأل ضيفنا “أي ثورة جنسيّة تأمل أن تتحقق في بلدك؟” فيجيبنا “قِيل عن الثّورة التّونسيّة أوّل اندلاعها بأنّها ثورة بلا رأس؛ أيْ أنّها كانت بلا قيادة سياسيّة وبلا أيديولوجيا، وذلك ما كان يُعاب عليها. أقُول إنّ الثّورة التّونسيّة انحرفت عن مسارها وانقلبت على نفسها لأنّهم نصّبوا عليها رأسا، وإن كان قد وُضِع بأسلوب ديمقراطيّ.
كُلّ الرّؤوس التي أفرزتها الانتخابات ونصّبتها قيادات على الثّورة، كانت رؤوسا جامدة ومخصية، لم تستطع أن تستوعب وتتلقّف الدّفق الحيويّ والرّوحيّ الذي فجّر الثّورة. في البدء كان الجسدُ، بلا رأسٍ. الجسدُ الجائع والرّاغب والمُحترِق، جسدُ البوعزيزي، مُنْطَلَق الثّورة. وإنّ الثّورة التّونسيّة لم تكتمل لأنّه لم تكن هناك مشاريع سياسيّة استطاعت أن تُحوّل تلك الرّغبات الأساسيّة إلى برامج وسياسات تبني عقليّات جديدة ونفسيّات جديدة تكون مُتّسِقة مع دوافعها وإفرازاتها الحيويّة والرّوحيّة. كانت الثّورة التونسيّة في صفائها وعفويّتها الأولى ثورة حيويّة «ما بعد أيديولوجيّة»، قبل أن يُلتفّ عليها ويُغدر بها”.
وريث الأديان
بالتطرق إلى الكتابة ومدى خضوعها لشروط النشر، وبشكل رئيسي لمزاج الناشر ومتطلباته، والتي كثيرا ما تُفقِد الحكايات جماليتها وبساطتها. وهل يفكر أيمن الدبوسي حين يكتب في الرقيب والرقابة خاصة وأن هناك كتبا تتعرض للمصادرة والمنع في معارض الكتاب ببعض العواصم العربية؟ يقول ضيفنا “أنا محظوظ وسعيدٌ جدّا لأنّي أتعامل مع ناشر احتضن نُصوصي بكلّ حبّ، وتعامل معها بكلّ لطف وحرفيّة، ولم يُقلّم جنوحها وشَطَطَها. أكتبُ دون قُيود أو شروط مُسبقة، ومنشورات الجمل العريقة وعلى رأسها الشاعر خالد المعالي قَبِلت نشر نُصوصي دون شروط، علما وأنّي لم أتوصّل لنشرها في بلدي تونس. أمّا عن الرّقابة والمُصادرة فإنّي أقف إلى جانب الرّوائي اليمني علي المُقري حين يقول «أكتب حتّى أكون جديرا بالمُصادرة».
وبسؤاله عن نقطة التحوّل التي أسست فعلا لبدء مسيرته الأدبية، يجيب مُحاورنا “إنّ الأدبَ وريثُ الأديان. نحن نكتبُ بعد هزّات روحيّة كُبرى وتجارب حسّية قُصوى. نكتبُ إكراما لما يموتُ ويحيا داخلنا. نكتبُ لوجه حسناء قابلناها صدفة في المترو فعشقناها، لآلام القطّ تحت عجلات الشّاحنة، للسعار الجنسيّ الذي يَخْلف حُمّى أو عِلّة ألمّت بنا، نكتب حين نتأثٍّر. وعلّ الكُتّاب الذين تأثّرت بهم كانوا من أولئك الذين لا نخرج من نصوصهم سالمين والذين يملكون أسئلة على كلّ أجوبتنا: محمود المسعدي، سليم بركات، جورج باتّاي، المركيز دي ساد، هنري ميلّلر، دوستويفسكي، لوتريامون، كافكا وغيرهم”.
ويحدثنا الروائي التونسي الشاب عما تعني له لحظة الكتابة، وهل أنه استطاع من خلال الكتابة، أن يسبر نبض الناس؟ وقبلا هل هو معني بالتفاعل مع القضايا الصغيرة التي تمس حياتهم؟ فيقول “إنّ لحظة الكتابة هي لحظة غير شخصيّة بامتياز. نكتبُ فنُفْسِح لأشياء أُخرى تُقيم فينا، خارج «أنانا» الواعية، لأن تُعبّر عن نَفْسِها. لذا فالكتابة لحظة صمت، حين يصمتُ «أنا» الكاتب، وتَخرس نرجسيّته الضّيّقة، تنطق جوارحه وأعضاؤه وأهواؤه بأصوات أُخرى”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.