يركز الإعلام خلال هذه الفترة علي نقل الواقع إلي المشاهدين في محاولة لربطهم به بكل إيجابياته وسلبياته، حيث أصبحت الحوادث والجرائم من قتل وترويج تملأ الأسماع، لتصبح هذه الموضوعات مادة ثرية يستغلها صناع السينما لتقديم أعمالهم، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، لينتقل بدوره إلي المسلسلات التي يختلف جمهورها عن جمهور السينما، لتتسم الدراما الرمضانية في الموسم المنتهي بالعنف، لكن.. هل تصلح كل قضايا الواقع للمحاكاة الدرامية؟ وما تأثير هذه الرؤي التي تتناول فظاعة الأمر في المشاهدين؟ فلم تكد تخلو دراما رمضان من مشاهد الدماء والتخريب حيث عرض مسلسل "شيخ العرب همام" في كل حلقاته محاربة بطل العمل للشر الذي لا يجد بداً من مواجهته إلا بالمعارك التي تنتهي بمأساة ومن ذلك تقطيع الرقاب والأطراف في معاقبة أعدائه. أما مسلسل "بالشمع الأحمر" والذي اعتبر تجربة لم تناقش من قبل في الدراما المصرية حيث ناقش دور الطبيبة الشرعية التي تساعد علي كشف غموض جرائم القتل، إذ قدم المسلسل في كل حلقة جريمة تحاول د. فاطمة التي تقومم بدورها يسرا كشف غموضها بالتوصيف الدقيق لمناظر الدماء والجثث وعميات التشريح. وتكثر كذلك مشاهد العنف والقتل في العديد من الأعمال والتي رأينا فيها مشاهد الحريق والتي أشعل "عزت العلايلي" في أحداث مسلسل "موعد مع الحوش" النار في زوج ابنته وكذلك طريقة تعذيبه وقتله لأعدائه. أما عن مشاهد الطعن فامتلأت بها الدراما الأخري منها "العار" واهل كايرو" و"مذكرات سيئة السمعة" والتي اتسمت العديد من أحداثها بالجرأة والسخونة فضلا عن مشاهد الإباحية والرقص الذي زاد في مشاهد المسلسلات في ظاهرة هي الأغرب علي دراما التليفزيون هذا العام. وعن ذلك يقول المنتج جمال العدل صاحب مسلسل "بالشمع الأحمر" للفنانة يسرا إن الفن مرآة المجتمع، فمن الطبيعي أن ينقل ما يدور في الواقع الذي أصبح يتسم بالعديد من الصفات السلبية، فهذه المشاهد في الدراما تملأ صور الصحف كل يوم والتي انتقلت من كونها مجرد حوادث فردية إلي ظواهر اجتماعية، وهذا ما يحاول الإعلام تسليط الضوء عليه ليعكسه من خلال الدراما والتي هي نبض المجتمع. وعن مسلسله "بالشمع الأحمر" يقول: العمل يدور حول شخصية طبيبة شرعية ومن الطبيعي أن تدور الأحداث داخل أماكنها الطبيعية والتركيز علي جمهورها الذي أصبح الآن لديه وعي تام بما يدور والتمييز بين الحقيقة والفبركة، ويضيف أن مثل هذه القضايا تناقش في السينما العالمية بوعي تام ينقل الجمهور من مرحلة إلي أخري من الوعي والإدراك. أما الناقدة ماجدة خير الله فتقول: إن الفن عموماً يأخذ مادته من حياتنا والجمهور يفضل قصص الإثارة والتشويق والتي تختلف نوعياتها عن قصص حوادث حتي قصص الحب، فالمشاهد لديه الفضول لمعرفة تفاصيل القتل والحوادث وأغلب هذه القضايا التي تناقشها الدراما تروج لقضايا حدثت بالفعل ويحاول العمل الدرامي سواء كان في السينما أو التليفزيون تسليط الضوء علي هذه الوقائع لبيان دوافع الجرائم وأسبابها في محاولة لإلقاء الضوء عليها وإيجاد الحلول.. وتضيف أنه ليس من المقبول أن يغمض الكاتب عينه عن الواقع والعنف الذي اتسمت به حياتنا ليكتب عن واقع مغاير، والهدف من نقل هذه الجرائم هو تشبيع حدوثها والتحذير من العقاب الذي لن يفلت منه مرتكبها. بينما يري كمال منصور المخرج المنفذ لمسلسل "أهل كايرو" أن مناقشة قضايا المجتمع ضرورة وبمقتضاها كان لابد من توضيحها من خلال تجسيد بعض هذه المشاهد، لا لمجرد إظهار فكرة الدم أو العنف وإنما لتوجيه رسالة مفادها تجريم هذه الصور التي اتجهت إليها القيم تشريحاً لسلبيات المجتمع وزيادة الوعي بما يحدث فيه وليست لدعم هذا الاتجاه أو كسب التعاطف مع أبطال هذه الأعمال أو نماذجها في الحقيقة. وعلي صعيد آخر، تخدر د. فادية أبو شهبة، أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية قائلة إن مشاهدة أعمال العنف إنما تؤدي إلي تعلم المزيد منها وذلك عن طريق استحالات يتم توظيفها للتأثير في نفوس المشاهدين خاصة في السينما والتليفزيون عبر ملايين المشاهدين. وتضيف أنها من واقع عملها في الأبحاث وجدت أن الكثير من مرتكبي الجرائم قد تعلموا الكثير من أساليب القتل والجريمة عن طريق التليفزيون الذي نمي هذه الثقافة بما له من تأثير في انتشار هذه الأعمال مما يسهل محاكاتها وهذا الأمر في حد ذاته يمثل خطراً متراكماً يزيد من مشاعر الحقد والكراهية في نفوس المشاهدين، فيجب تقديم أعمال تدعم القيم الإيجابية وتساعد علي رسوخها في المجتمع ومواجهة غيابها ببث مفاهيم الرحمة ونبذ الجريمة وبيان عقوبتها. أما عن دور الإعلام في عرض هذه الوقائع من المجتمع وتقديمها ليجد صناع الدراما منها مجالاً خصباً لاستقاء قصص الجريمة، فيقول محمود صلاح رئيس تحرير جريدة الحوادث إن تغطية أخبار الحوادث والكوارث في المجتمع سواء كانت طبيعية أو بشرية فهو دور يلعبه الإعلام لدعم وعي وإدراك الجمهور وحق طبيعي له في التعرف علي ما يدور حوله من أحداث، فهناك حوادث تكشف عوار المجتمع وهذا ما يحاول "إعلام الحوادث" تقديمه خاصة أن الجمهور يسعي إلي تقصي الحقائق في هذا الشأن ولا تقوم الصحف بتضخيم الأمر كما تفعله الدراما وإنما نحاول تقديم مادة لا تحتمل الزيف أو التكذيب للمساهمة في حل قضايا الواقع.