أسعار الحديد والأسمنت اليوم 11 يونيو.. عز يتراجع والاستثماري ب 38 ألف    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    أستاذ اقتصاد: الاتحاد الأوروبي يولي اهتماما بمصر كداعم أساسي ومهم    تباين أسعار «العملات العربية» في بداية تعاملات اليوم    المقاومة العراقية تعلن استهداف إيلات بالطيران المسير    موسكو: تعليق اتفاقية التعاون الشامل بسبب مشاكل مع الشركاء الإيرانيين    انتشال عدد من الشهداء من تحت أنقاض منازل استهدفها الاحتلال بمدينة غزة    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    موعد مباراة منتخب مصر القادمة في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    عبد العال: تغييرات حسام حسن تأخرت كثيرًا أمام غينيا بيساو    الأهلي يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة فاركو    الطقس اليوم الثلاثاء في مصر.. بداية موجة شديدة الحرارة والعظمى بالقاهرة 38    أحدهم مجهول الهوية.. مصرع 3 أشخاص وإصابة 2 آخرين في حادث سيارتين بأسيوط    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    عصام السيد: تغيير الهوية سبب ثورة المصريين في 30 يونيو    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    عالم أزهري: دعاء «أهل الكهف» مفتاح الفرج والتوفيق من الله.. ويحقق المعجزات    دعاء اليوم الخامس من ذي الحجة.. «اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك»    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    تراجع محدود في أسعار الفراخ اليوم 11 يونيو.. والبيض مولع    تراجع أسعار الذهب الثلاثاء 11 يونيو 2024    حكم الشرع في ارتكاب محظور من محظورات الإحرام.. الإفتاء توضح    دراسة ترصد زيادة كبيرة في معدلات تناول المكملات اللازمة لبناء العضلات بين المراهقين في كندا    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    استشهاد 4 فلسطينيين وإصابة 8 آخرين في الضفة الغربية    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    مصطفى كامل يتعرض لوعكة صحية خلال اجتماع نقابة الموسيقيين (تفاصيل)    آبل تطلق نظارات الكمبيوتر فيجن برو في السوق الألمانية    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    أيمن يونس: لست راضيا عن تعادل مصر أمام غينيا بيساو.. وناصر ماهر شخصية لاعب دولي    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    عمرو أديب: مبقاش في مرتب بيكفي حد احنا موجودين عشان نقف جنب بعض    إيلون ماسك يهدد بحظر استخدام أجهزة "أبل" في شركاته    صحة الفيوم تنظم تدريبا للأطباء الجدد على الرعاية الأساسية وتنظيم الأسرة    مصر ترحب بقرار مجلس الأمن الداعي للتوصل لوقف شامل ودائم لإطلاق النار في غزة    تعليق ناري من لميس الحديدي على واقعة تداول امتحانات التربية الوطنية والدينية    وزراء خارجية "بريكس" يؤيدون منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    بعد 27 عاما من اعتزالها.. وفاة مها عطية إحدى بطلات «خرج ولم يعد»    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. إبراهيم فايق يوجه رسالة ل حسام حسن    تحذير عاجل ل أصحاب التأشيرات غير النظامية قبل موسم حج 2024    «جابوا جون عشوائي».. أول تعليق من مروان عطية بعد تعادل منتخب مصر    حازم خميس يكشف كواليس التحقيق مع رمضان صبحي في منظمة مكافحة المنشطات    أحمد عبدالله محمود: «الناس في الشارع طلبوا مني أبعد عن أحمد العوضي» (فيديو)    التحقيق في إصابة 4 أشخاص في حريق مبنى على طريق إسكندرية مطروح الساحلي    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    رئيس خطة النواب: القطاع الخاص ستقفز استثماراته في مصر ل50%    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    منتخب السودان بمواجهة نارية ضد جنوب السودان لاستعادة الصدارة من السنغال    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    «شيلنا من دماغك».. نجم الزمالك السابق يفتح النار على حسام حسن    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    الاستعلام عن حالة 3 مصابين جراء حادث مروري بالصف    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إغراق المدمرة "إيلات" .. عالم من الأسرار والحكايات
نشر في صوت البلد يوم 09 - 01 - 2016

في الوقت الذي تحتفل فيه القوات المسلحة المصرية بالذكرى التاسعة والثلاثين لنجاح البحرية المصرية في إغراق رمز العربدة الإسرائيلية و"طاووس البحر" أو كما كان يطلق عليها "المدمرة إيلات"، لا تزال المخابرات الإسرائيلية "الموساد" والعديد من مراكز الأبحاث العسكرية تعكف على بحث ودراسة هذه المعركة البحرية، التي استطاع فيها الجندي المصري أن يكسر شوكة المحتل الغاشم الصهيوني، هذه المعركة التي خلفت تساؤلات عسكرية عديدة وانكسارات على الجانب العسكري الإسرائيلي، هذا ما حدا بالخبراء العسكريين الإسرائيليين بالقول بأن هذه العملية التي هزت العسكرية الإسرائيلية تمثل "التقصير الأول"، إلا أن هذا القول لا يقلل من شجاعة وكفاءة العنصر البحري المصري .. القضية لا تزال مفتوحة والأسرار تتوالى عن هذه المدمرة التي جاء تفجيرها وإغراقها في الحرب بمثابة عودة للروح بين أفراد الشعب المصري بل والعربي كله .. فعمل سينمائي ك"يوم الكرامة" لا يكفي لإظهار الحقائق كاملة عن هذه المدمرة البحرية ذات النكهة الخاصة في تاريخ البحرية الحديثة، تلك العلامة المميزة في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي لما فيها من جرأة وشجاعة كانت تمهيداً للمزيد من الجرأة على جيش يقول عن نفسه، إنه لا يقهر، المزيد من تفاصيل هذه الجرأة أرادت أن تخوض فيها "وكالة الصحافة العربية" فكانت السطور التالية:
يرجع تاريخ إنشاء المدمرة "إيلات" إلى عام 1942 عندما قامت بريطانيا بصناعتها لتبدأ إبحارها عام 1944، للمشاركة في عمليات البحر خلال الحرب العالمية الثانية كأحد أهم قطع الأسطول البريطاني، وبعد انتهاء الحرب بعشر سنوات عام 1955، قررت بريطانيا بيع هذه المدمرة ضمن صفقة مكونة من مدمرتين من نفس الطراز لإسرائيل، سُميت الأولى "إيلات"، والثانية "يافا"، وكان ثمن الواحدة 35 ألف جنيه إسترليني، وكانتا متهالكتين نتيجة مشاركتهما في عمليات الحرب العالمية الثانية، التي استمرت طيلة خمس سنوات، فتم تجديدهما وصيانتهما في ترسانة بريطانية، ثم أدخلت الخدمة إلى سلاح البحرية الإسرائيلية.
مشاركات فعالة ما لبثت أن وصلت المدمرة إلى إسرائيل، إلا وبدأت تلعب دوراً هاماً، حيث شاركت بفاعلية في العدوان الغاشم الذي نظمته إسرائيل وفرنسا وبريطانيا ضد مصر أو ما أطلق عليه العدوان الثلاثي وكان ذلك عام 1956، وكان لها السبق في هذه المعركة عندما استطاعت أن تصطاد المدمرة المصرية "إبراهيم الأول" أو "المدمرة حيفا" فيما بعد، ثم شاركت بعد ذلك في عمليات إنقاذ ونقل المساعدات لضحايا زلزال قبرص عام 1959، كما لعبت دوراً هاماً في تصوير فيلم "إكسودس" الذي قام ببطولته "بول نيومان".
وجاءت مساهمتها في حرب يونيو 1967 لا تذكر، خاصة وأن قوات البحرية الإسرائيلية فشلت فشلاً ذريعاً في كل المهام التي أوكلت إليها، لدرجة أن مقاتلي الكوماندوز البحري "الوحدة 13" وقوات أخرى من سلاح البحرية الإسرائيلية تم تكليفها بمهاجمة ثلاثة موانئ في سوريا، ولكنهم فشلوا في تنفيذ المهمة فشلاً ذريعاً وارتدوا جميعاً على أعقابهم، كما فشلت أيضاً تلك القوة البحرية الإسرائيلية التي تمكّنت من التسلل إلى ميناء بورسعيد في تعيين الأهداف المحددة لها مرتدة خائبة الأمل، إلا أنه بعد احتلال سيناء في 1967 توسعت مهام سلاح البحرية الإسرائيلية، حيث أصبحت الحدود البحرية تزيد عن مئات الكيلومترات، بينما لم يكن متوافراً لسلاح البحرية الإسرائيلية في هذه المنطقة سوى قوة بسيطة مكونة من ثلاث غواصات وثلاث مدمرات وثلاث سفن توربيدو، وهنا لعبت المدمرة "إيلات" دوراً نفسياً هاماً، حيث كانت تقوم على حراسة شواطئ شمال سيناء، خاصة في الممر الممتد بين ميناء أشدود ومروراً بالعريش وانتهاءً ببورسعيد عند قناة السويس، بل كان دورها يتعدى ذلك ليعبر بشكل فج عن الغطرسة الإسرائيلية ولإثبات التواجد، وإظهار أن إسرائيل هي صاحبة البيت فهي كالطاووس المعروف عنه الغرور، إضافة إلى منع أية قطع بحرية مصرية من التسلل إلى المناطق التي احتلتها إسرائيل، بما في ذلك منع تسلل عناصر المخابرات المصرية إلى هذه المناطق لجمع المعلومات.
قائد المدمرة
تولى قيادة المدمرة "إيلات" في السنوات التي سبقت غرقها وخروجها إلى الأبد من الخدمة الضابط البحري "يتسحاق شوشان"، الذي وُلد في عام 1930 في بلجيكا لأبوين من أصل بولندي، انضم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى حركة الشباب الصهيوني المعروفة باسم "جوردونيا"، وفي عام 1946 أبحر إلى فلسطين على متن سفينة تم أسرها من جانب الأسطول البريطاني، وبعد اعتقال كل من على متنها لمدة شهر، تم إطلاق سراح شوشان، وانضم إلى طليعة المستوطنين اليهود في مستوطنة "رامات ديفيد"، وبعد ذلك تطوّع في سلاح البحرية التابع لعصابات البالماخ اليهودية التي كانت تمثل نواة الجيش الإسرائيلي فيما بعد.
سافر شوشان ضمن بعثة دراسية مكونة من 40 جندياً في عام 1950 إلى الأكاديمية البحرية الفرنسية، وسرعان ما عاد "شوشان" عام 1953 ليتدرج في مناصب مختلفة داخل سلاح البحرية الإسرائيلية طوال 13 سنة، وفي عام 1966 أوكلت له قيادة المدمرة "إيلات"، ليتولى قيادة طاقم يتألف من 150 - 200 جندي، وكانت هذه الولاية حلماً بالنسبة له خاصة وأن هذه المدمرة كانت ذات مكانة خاصة في البحرية الإسرائيلية وكانت يوكل لها بشكل مستمر حمل طلاب الكلية البحرية الإسرائيلية أثناء تنقلاتهم للتدريب.
المعركة الأولى كانت المدمرة "إيلات" أكبر وحدة بحرية في الجيش الإسرائيلي مسئولة عقب احتلال إسرائيل لأراضي سيناء وبرفقتها سرب لنشات طوربيد وتغطيها مظلة جوية من المقاتلات، عن القيام بدوريات وجولات حراسة واستعراض للقوة قبالة سواحل سيناء بالبحر المتوسط، تلك الجولات التي كان يغلب عليها الطابع الاستعراضي، حيث أخذ الغرور مداه مع هذا المنتصر صاحب النصر الزائف الذي حققه على العرب في سهولة وسرعة غير متوقعة، بل كانت هذه الجولات تأكيداً على الوجود وزرعاً لليأس في نفوس الشباب العربي، وتأكيداً على انكسار الشعب المصري الذي انهزم جيشه في ساعات قليلة، واحتلت أراضيه في يسر وبدون أدنى مقاومة تذكر في سجلات التاريخ العسكري، وجاء يوليو شهر الاحتفالات بذكرى ثورة يوليو المجيدة وزادت معها حدة الاستفزازات الإسرائيلية في البحر المتوسط وتكررت انتهاكات هذه القطع البحرية لقانون البحار بدخولها إلى المياه الإقليمية وكانت تهدف من ذلك جر الجانب المصري إلى حروب أخرى مضمونة العواقب بالنسبة لهم.
وفي الوقت الذي يعيش فيه الجانب الإسرائيلي غرور المنتصر، كان الجانب العربي وخاصة المصري يعيش أياماً سوداء معجونة في يأس منقوع في مرارة وبطعم العلقم، لأن الذي حدث هو أسوأ هزيمة يمكن أن تلحق بجيش، والأسوأ أن هذا الجيش لم يكن جاهزاً لحرب ولم تكن لديه تعليمات بأخذ مبادرة الحرب، وفوجئ بقرار انسحاب وهو أصلاً لم يبدأ ، باختصار بلد بأكمله انكسر، ومن هذا الانكسار وذاك اليأس قرر الشعب النهوض.
وبدأ على الفور الاستعدادات من الصفر، العسكريون يقرأون في عيون المدنيين غضباً ممزوجاً بالحزن، لأن ما حدث مفاجأة مذهلة لم تخطر على بال مدني واحد، لأن الشعب بأكمله اقتنع من الأغاني الوطنية والخطب والشعارات، بأن قواتنا جاهزة لمواجهة أمريكا وليس أقل من ذلك، وفجأة انكشف المستور وانكسر الحلم وظهرت الحقيقة التي أغلب المدنيين لا يصدقونها، كل هذه الأحاسيس يدركها العسكريون لتضاعف حزنهم لأنهم أصلاً لم يحاربوا، وانحسبت عليهم هزيمة وليست أي هزيمة، المهم أن ذلك الإحساس هو الذي عضد عزيمة الرجال، وهو الذي غرس رغبة الثأر فيهم وهو الذي جعل كل رجل في القوات المسلحة ينتظر لحظة المواجهة القادمة، ليثبت لأهله وجيرانه وأبناء بلده أن الذي حدث لم يكن للمقاتلين ذنب فيه.
قرار حاسم
وبالفعل، جاءت ليلة 11 يوليو 1967، أثناء إحدى جولات المدمرة برفقة ثلاث سفن حربية توربيدو عند شواطئ سيناء،لم يتحمل رجال البحرية المصرية هذه العربدة والغطرسة ورغم علمهم بعدم التكافؤ في حالة الاشتباك إلا أن رجال البحرية المصرية قرروا الاشتباك، فخرج لنشان طوربيديان لرصد الموقف إلا أنهما وقعا في كمين وانفجر اللنش الأول بنيران مدفعية المدمرة "إيلات"، وأصيب الثاني إصابة مباشرة وقائده النقيب عوني عازر ومعه الملازم أول رجائي حتاتة، وهنا كان قرار قائد اللنش الجريح بالاتجاه بسرعة فائقة شطر المدمرة والاصطدام بها فداء وتضحية ورغبة في الانتقام، وبالفعل قد كان وانفجر اللنش في جسم المدمرة محدثاً بها إصابات، وإن كانت طفيفة إلا أن الرسالة التي أرادها الأبطال المصريون قد وصلت والتي مفادها أن المقاتل المصري لا يخشى الموت في سبيل أرضه وعرضه ودينه، وأن هيبة المدمرة "إيلات" لم تقف أمام عزيمة المقاتل المصري.
وحسب وصف قائد المدمرة "إيلات" للموقعة، أن البحرية الإسرائيلية حددت موقع قوة بحرية مصرية تبحر في المياه الدولية، فأطلقت عليها النيران وأغرقت سفينتي توربيدو مصريتين، وبعد العودة إلى ميناء أشدود طلب مني "أرال" الذي أصدر إليّ أوامر إطلاق النار على القطع البحرية المصرية، ألا يفصح عن تفاصيل العملية، وأن يدعي كذباً بالقول أن العملية تمت خلال جولة روتينية للمدمرة إيلات، وقد كان، فأعرب رئيس الأركان آنذاك "إسحاق رابين" عن إعجابه بما بدر عن المدمرة تجاه المصريين، بينما اكتفى وزير الدفاع "موشيه ديان" بإبلاغ تهانيه لطاقم المدمرة، ورغم خطورة العملية وتضارب الأقوال بين القادة الإسرائيليين لم تشكل أية لجان للتحقيق في الحادث، الأمر الذي اعتبره شوشان مؤشراً على مسار الأمور في المستقبل الذي لم يكن بعيداً، مشيراً إلى أن هذه العملية الفدائية كانت شجاعة وصلت إلى حد الجنون أشعرت طاقم المدمرة بالخوف الشديد خوف وصل إلى حد الرعب من شجاعة هؤلاء الرجال الذين نجحوا في إحداث إصابات بالمدمرة وبسببها دخلت ميناء "أشدود" للإصلاح ولعلاج المصابين، وأن هذه الحادثة جاءت بداية وكان ينبغي على كل عاقل أن يعي أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنها ستبادر إلى الانتقام لنفسها، ولكن الغرور ونشوة النصر كانت تخيم على عقول قادة البحرية الإسرائيلية.
أما البطل الشهيد الملازم أول رجائي أنور رضوان حتاتة قائد ثان اللنش الطوربيد، الذي قام بالعملية الفدائية فكتب في مذكراته التي تركها بعد استشهاده هذه الكلمات: " اللهم إن أردت لي الحياة فأحيني بعدها لأرى البسمة على الوجوه ولأري راية بلادي مرتفعة معلنة أن النصر قد أتى".
معركة يوليو بحسابات الأرقام، كانت الخسائر المصرية فادحة مقارنة بالخسارة العددية الإسرائيلية إلا أن حسابات الحرب لا تخضع في كل الأحوال للمعادلات والمقارنات الرقمية فرغم أن الخسائر المصرية في معركة يوليو البحرية أمام بورسعيد بلغت 38 شهيداً، إلا أن الإرادة المصرية خرجت منها منتصرة انتصاراً هائلاً على مستوى الروح المعنوية لرجال البحرية تحديداً صنعه عوني وحتاتة، انتصار غير مكتوب.
يوم الكرامة
وجاء اليوم الموعود يوم الثأر والكرامة لرجال البحرية الذين استشهدوا في موقعتهم الأخيرة مع المدمرة "إيلات"، رجال كلهم عزم وتأكيد على أنهم صخر صلد، وليس كما يصورهم الإعلام الصهيوني لقمة سائغة، كان القرار بالقضاء على المدمرة وإغراقها في ظلمات البحر المتوسط إلى الأبد، فكان الموعد في الثامنة والنصف صباح يوم 21 أكتوبر 1967 والمكان مربض الأبطال بميناء بورسعيد بالبحر المتوسط، وذلك أثناء جولة روتينية للمدمرة "إيلات"، تربصت قوارب مصرية حاملة للصواريخ، وقبل يوم من ذلك قال "إبراهام بوتشر" أكد الجيش الإسرائيلي شمال سيناء ل"شوشان" قائد المدمرة أن التقارير المخابراتية الإسرائيلية تشير إلى أن المصريين تمكّنوا من التقاط مسار المدمرة "إيلات"، وفي السابعة من مساء هذا اليوم الموعود كان قائد المدمرة "إيلات" على متنها يراقب منازل بورسعيد المطلة على البحر، بجمالها وهدوئها الخلاب، وعلى الجانب الآخر أبطال البحرية المصرية يراقبون تحركاته.
وفي الوقت المناسب أبلغ قائد القاعدة المصرية قائد لنش الصواريخ المصري 504 بأن المدمرة هدفهم الثمين تقترب في المياه الإقليمية وكان ذلك في صباح يوم الثأر، حيث صعد الملازم أول حسن حسني ضابط أول اللنش على الفور إلى نقطة المراقبة البصرية فوق فندق مرتفع يطل على البحر المتوسط على شاطئ بورسعيد، فوجد هذه الضالة على بعد 15 ميلاً بحرياً، وهنا بلغت الوحدات المقاتلة بالميناء لاتخاذ اللازم للاشتباك والمدمرة تتحرك دون ثبات في المياه الإقليمية دخولاً وخروجاً، في استعراض للقوة كالجبل الذي يستعد للسقوط.
بدأت الشمس تغيب لتكون بمثابة نهاية النهار ونهاية للمدمرة، التي طال الصبر عليها من الجانب المصري، وهنا صدرت الأوامر للرجال للتحرك لتأدية الواجب وغسل العار بماء الذهب، بالفعل تحرك لنش الصواريخ 504 بقيادة النقيب أحمد شاكر ولنش الصواريخ 501 بقيادة النقيب لطفي جاد الله فرحين سعداء لا يخشون سوى أمر التوقف عن تنفيذ المهمة، وفي مثالية تامة على حد وصف الخبراء العسكريين فيما بعد كان التحرك إلى عرض البحر وبدأ التحرك بعد إصدار النقيب أحمد شاكر تعليمات تقضي بإيقاف جميع رادارات القاعدة حتى لا تشوشر على دقة التصويب، وبدأ خداع العدو والتمويه عليه منذ بداية التحرك، فلم يخرج اللنشان من الممر الملاحي المؤدي لميناء بورسعيد وطوله ستة أميال، لأنه مرصود ومراقب برادارات المدمرة الرابضة هناك، ولذلك تحرك اللنشان إلى عرض البحر من خارج الممر، وخارجه توجد أخطار بحرية كبيرة، لأن حاجز الأمواج يؤمن الممر.
خرج 504 و 501 بعيداً عن الممر، وبالتالي عن عيون المدمرة، أما سرعة اللنشين فقد تم تخفيضها لتكون بطيئة جداً؛ لكي تبدو على رادارات العدو أنها "بلانصات" للصيد وليست أهدافاً حربية، وكان ذلك خداعاً آخر للعدو، وثالث خداع أن اللنشين سارا تجاه الهدف على مسافة قريبة جداً من بعضهما ليظهرا على شاشة الرادار وكأنهما مركب صيد واحد يسير ببطء.
الساعة تقترب من الخامسة والثلث مساءً واللنشان 504 و 501 وصلا إلى مكانهما المحدد لإطلاق صواريخهما وتم إخلاء سطح اللنش 504 الذي سيبدأ الهجوم وفي الخامسة و 28 دقيقة انطلق الصاروخ الأول، وهو أيضاً الأول في أول عملية حربية بحرية في العالم تستخدم فيها صواريخ سطح سطح، انطلق الصاروخ الذي يزن 2500 كيلو جرام بسرعة هائلة وبارتفاع يتراوح بين 100 و 300 متر، وأصاب منتصف المدمرة، كما سجل رادار اللنش، وبسرعة أصدر النقيب شاكر أوامره بإطلاق الصاروخ الثاني من نفس اللنش 504، وفور إطلاق الصاروخ الثاني تم فتح الدرع الواقي وخرج الطاقم بأكمله إلى سطح اللنش وشاهدوا الصاروخ في السماء إلى أن انخفض وراء خط الأفق ولحظات وسمع الأبطال انفجاراً هائلاً وسحب دخان على شكل عش الغراب يرتفع في السماء.
أخذ الرجال يعانقون بعضهم بعضاً بعد تأكدهم من إصابة الهدف، وعاد اللنشان إلى قاعدة بورسعيد وفوجئا بأن بورسعيد كلها واقفة على البحر وشاهدت الصاروخين في السماء ورأت الدخان وسمعت الانفجار، لكن الأهالي لا يزالوا غير متأكدين من حقيقة الأبطال أصحاب هذا العمل البطولي الرائع، وما إن تسرب حتى رقصت بورسعيد بأكملها وبقي أهلها في الشوارع غير مكترثين بأي رد فعل من العدو.
الأسد الجريح وداعاً !
وبعد عودتهم تم فتح الرادار الذي كان قد أغلقوه من قبل للتشويش على المدمرة وللتمويه ليجدوا الهدف لا يزال باقٍ على سطح الماء يترنح كالأسد الجريح، وهنا صدر الأمر للنش 501 للتحرك للتعامل مع الهدف والإجهاز عليه نهائياً، وبالفعل خرج الرجال بقيادة النقيب لطفي جاد الله ووصلوا إلى الموقع المحدد وأطلقوا أول صاروخ تبعه الصاروخ الثاني ليكتب بدوره شهادة وفاة نهائية لا رجعة فيها للمدمرة "إيلات" أكبر القطع البحرية الإسرائيلية.
وبذلك استطاعت العزيمة المصرية التي لا تلين بمساعدة أربعة صواريخ من طراز "ستايكس" أن تغرق هذه المدمرة في وقت قياسي شل قدرتها على الرد، لأنه بمجرد أن أبلغ القائد بالصاروخ الأولي وشرع في تشغيل مدافع المدمرة لإطلاق النيران كان الوقت قد فات، حيث توالت باقي الصواريخ لتغرق "إيلات"، ويلقي 47 جندياً إسرائيلياً مصرعهم ويصاب ما يزيد عن 100 آخرين من بين طاقم المدمرة البالغ 200 إسرائيلي، في حين، كانت عمليات الإنقاذ، التي نفذها السلاح الجوي الإسرائيلي بطيئة للغاية، وكأنهم أرادوا أن يعاقبوا من على المدمرة من أفراد الطاقم الذين فشلوا في حماية هذه القطعة الحربية الغالية، وبالفعل أدى هذا التكاسل إلى موت عدد من المصابين، الذين تم نقل بقيتهم إلى مستشفى "سوروكا" في بئر سبع.
كشف المستور
وعلى الفور، لعظم شأن الكارثة قامت هيئة الأركان الإسرائيلية بتشكيل لجنة تحقيق من جانب الجيش للوقوف على ملابسات غرق المدمرة، فوضعت تقريراً سرياً لم يعلم به "قائد المدمرة" شوشان الذي أصيب بكسر في عموده الفقري أثناء إغراق المدمرة، إلا بعد مرور عشرين سنة، وذلك عندما تم تسريب محتواه إلى صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عام 1987، وكانت النتيجة إدانة "شوشان" لأنه لم يتمكّن من إدراك معنى الإشارات التي كان رادار المدمرة "إيلات" يلتقطها، وكانت تشير على حد زعم التقرير إلى وجود قطع بحرية غريبة تقترب من محيط المدمرة، ولم يعلم "شوشان" بأمر الفحص الثاني لعملية إغراق المدمرة "إيلات" إلا من خلال قصاصة صحيفة قديمة، حيث كان يعالج "شوشان" من إصاباته بتعاطي جرعات مكثفة من المورفين لتسكين آلامه الشديدة، وفي 1968 فقط تمكّن من الاطلاع على تقرير وضعه الجنرال "بارليف" (صاحب خط بارليف الشهير) بعد زيارة قصيرة لبعض الماصبين في المستشفى، دون أن يتوجه بالسؤال أو الحديث مع "شوشان"، إلا أن الجزء المهم في تقرير "بارليف" يتمثل في الإشارة إلى الفشل الاستخباراتي، الذي طالبت المخابرات العسكرية الإسرئيلية بإخفائه تماماً حتى اليوم.
وجديراً بالذكر أن قائد المدمرة كشف النقاب منذ وقت قريب عن معلومات خطيرة خاصة بالمدمرة وذلك في كتابه الصادر "رحلة المدمرة إيلات الأخيرة" منذ 12 عاماً، ويقول فيه: في اليوم التالي لإغراق المدمرة إيلات تمكّنت بصعوبة من تمييز ثلاث شخصيات عسكرية إسرائيلية بجوار فراشي بالمستشفى التي كنت أعالج فيها، أحدهم كان "يشعياهو جابيش" قائد جيش الجنوب الذي سألني: "أخبرني ألم تستقبلوا برقيتين تم التقاطهما أول أمس من بورسعيد؟"، وعندما سألت مندهشاً "أي برقيتين؟!"، عند ئذ أدرك المحققون أنهم يسألون عن شيء لا علم لي به، ففضلوا الاحتفاظ بالمعلومات لأنفسهم وغيّروا موضوع الحديث ثم انصرفوا".
ويؤكد في كتابه أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية حصلت على سبع معلومات استخبارية من أجهزة التجسس الإلكتروني وغيرها في نفس يوم إغراق المدمرة "إيلات"، تشير جميعها إلى أن المصريين على وشك تنفيذ عملية عسكرية بحرية ضد إسرائيل، وتضمنت المعلومة الأولى إعلان الاستعداد لقوات المدفعية المصرية الساحلية بالقرب من بورسعيد، ومن تقرير ثان تبين أن مروحية مصرية تمكّنت من تحديد موقع المدمرة "إيلات"، ولكن المعلومتين المهمتين على الإطلاق وصلتا للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قبل إغراق المدمرة بنحو ساعتين أو ثلاث ساعات، كانت أولهما تتضمن أمراً مصرياً بأنه لن يتم إطلاق النار من ميناء بورسعيد، ولكن هناك موافقة على إطلاق النار من خارج الميناء، أما المعلومة الثانية في هذا الإطار فكانت تعليمات بإعلان حالة التأهُّب القصوى في كل الأسلحة البحرية المصرية الموجودة بمنطقة بورسعيد.
ويواصل كشف الأسرار في كتابه قائلاً: لا يزال ضميري يؤنبني لأنني لم أكشف عن كل ما كان لديّ عقب غرق المدمرة، وقررت أن أكشفها بعد أن تعدى عمري الخامسة والسبعين، موضحاً أنه تعرض لضغوط وعوائق كبيرة طوال السنوات الماضية لمنعه من الكشف عن الفشل المخابراتي الإسرائيلي، وكان آخرها عائقاً "أخلاقياً" على حد وصفه، خوفاً من إيذاء عائلات الجنود القتلى الذين سيدركون أنه كان بالإمكان منع وقوع هذه المأساة، وأن أبنائهم قد ماتوا سدى، ودون مبرر"، وأنه يؤمن من كل قلبه أن المخابرات الإسرائيلية لو كانت قد نقلت له المعلومات المخابراتية التي حصلت عليها، لكان قادراً على منع هذه الكارثة، وهو بذلك يلقي باللائمة على وحدة التنصت والتجسس الإلكتروني المركزي بالجيش الإسرائيلي، التي تخضع لقيادة المخابرات العسكرية الإسرائيلية المعروفة اليوم بالرقم "8200"، وكان رقمها آنذاك 515، كما يلقي بالمسئولية على "ديفيد لافيتان" الذي كان وقتها ضابطاً بتلك الوحدة.
محاكمة داخلية
وفي النهاية، أسفرت التحقيقات التي أجريت بهذا الشأن عن ادعاء المخابرات العسكرية الإسرائيلية بإبلاغ محتوى هذه الرسائل إلى سلاح البحرية الإسرائيلية، ولكن المسئول عن الاتصال نفى تلقيه مثل هذه الرسائل من المخابرات العسكرية الإسرائيلية، وانتهى الأمر بتوصية في تقرير "بارليف" بمحاكمة داخلية لبعض ضباط المخابرات العسكرية الإسرائيلية على إهمالهم وعدم تيقنهم من وصول المعلومات الهامة إلى البحرية الإسرائيلية، كان من بين من حوكموا "ديفيد لافيتان" الذي يشغل اليوم منصب رئيس جامعة تل أبيب، ويشير التقرير الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى أن المعلومات فعلاً لم تبلغ إلى البحرية الإسرائيلية، لأن المسئول عن التقارير بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية تركها وذهب لتناول طعامه، لذلك يصف الخبراء العسكريون الإسرائيليون هذه العملية بأنها نتاج فشل مخابراتي إسرائيلي، يحاول الجيش الإسرائيلي إخفائه حتى يومنا هذا.
وقبل بضع سنوات وبعد نشر "شوشان" لكتابه، تمكّن من معرفة مكان "لافيتان" وحاول التحدث معه، ولكن الأخير رفض، بحجة أنه لم يحصل على إذن من رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية للتحدث في هذا الموضوع، الذي تعهد كتابياً بالحفاظ على سريته، وقد حاولت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية التوجه إلى رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الآن "أهارون فركش زئيفي" الذي كان قائداً للوحدة 8200 في السابق، من أجل السماح بالكشف عن الوثائق المخابراتية الخاصة بإغراق المدمرة "إيلات"، والسماح ل"لافيتان" بالتحدث عن العملية، وكانت النتيجة الطبيعية هي "رفض فركش".
آراء وتعليقات
يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي وزير الدفاع المصري الأسبق ورئيس أركان حرب الجيش المصري إبان حرب أكتوبر المجيدة في مذكراته عن إغراق المدمرة "إيلات": كنت في ذلك الوقت رئيس أركان جبهة الجيش في شمال سيناء حيث جاء يوم 21 أكتوبر 1967، وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلي رئيس عمليات الجبهة يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية "إيلات" بالقرب من المياه الإقليمية لمصر في المنطقة شمال بورسعيد، كانت المعلومات تصلنا أولاً بأول من قيادة بورسعيد البحرية التي كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ، وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفي تحرش واضح، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدي لها.
ويواصل الراحل في مذكراته قائلاً: بمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة، هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، وبعد إطلاق الصاروخ الثاني تم إغراق المدمرة الإسرائيلية " إيلات " شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967، وعليها طاقمها، وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالي ميل بحري، ثم عاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذي تم بسرعة وكفاءة عالية.
ويؤكد الجمسي في مذكراته أن إغراق المدمرة "إيلات" بواسطة صاروخين بحريين سطح - سطح لأول مرة، كان بمثابة بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحري في العالم، وأصبح هذا اليوم هو يوم البحرية المصرية.
وعقب سقوط المدمرة الإسرائيلية على حد وصف الجمسي في مذكراته، طلبت إسرائيل من قوات الرقابة الدولية أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بعملية الإنقاذ للأفراد الذين هبطوا إلى الماء عند غرق المدمرة، وعلى الفور كعادتها استجابت مصر لطلب قوات الرقابة الدولية بعدم التدخل في عملية الإنقاذ، التي تمت على ضوء المشاعل التي تلقيها الطائرات، ولم تنتهز مصر هذه الفرصة للقضاء على الأفراد الذين كان يتم إنقاذهم.
ولأنه بلا شك تعتبر التجربة البحرية البريطانية أعرق وأنجح التجارب البحرية العسكرية على مر العصور، فالأسطول البحري البريطاني يعد وبحق أقوى الأساطيل البحرية على مدى التاريخ العسكري الطويل ولذلك يأتي اعتراف قادة هذه المدرسة بمثابة قول لا يعلو عليه قول، حيث أشاروا إلى أن إغراق المدمرة "إيلات"في عرض البحر عن طريق البحرية المصرية خير دليل على المهارة الفائقة والشجاعة والإقدام، وغير ذلك من مقومات النصر، التي تتميز بها العسكرية البحرية المصرية، مؤكدين أن هذه الموقعة الحربية سوف تظل علامة فارقة في تاريخ المعارك الحربية المصرية.
وجاء رد الفجأة الذي صدر عن قائد البحرية الإسرائيلية في هذه الأثناء "شلومو إبريل" أن ما يسمعه دليلاً لا يقبل الشك على الشجاعة الخارقة التي يتحلى بها مقاتلو البحرية المصرية ذلك الذي أهّلهم لتحويل هذه المدمرة القوية إلى كتلة من النار والصلب الملتوي.
وعودة إلى قائد المدمرة "إيلات" الذي جاء تعليقه على العملية البحرية، التي قام بها رجال البحرية المصرية والتي أخرجت المدمرة "إيلات" من الخدمة نهائياً أنه لم يتصور يوماً أن يحدث ذلك، ولم يخطر على باله للحظة أن يأتي أي خطر من أي نوع من المصريين، وأن البحر مفتوح أمامه ولا يجرؤ أحد على النظر للمدمرة التي معها سرب لنشات طوربيد وغطاء جوي من الطائرات المقاتلة، ثم من الذي يقدر على الوقوف أمام أكبر قطع الأسطول البحري الإسرائيلي.
ويعترف أنه فوجئ بعد فترة وهو مشغول بإخلاء المدمرة بصاروخين على التوالي تمزقت بعدهما المدمرة إلى أشلاء واختفت تحت الماء، ولم تكن تلك هي الخسارة الوحيدة، وأنه راح جراء هذا الغرق ما يزيد عن 120 من قوات البحرية الإسرائيلية بين قتيل ومفقود لم يعثروا لهم على أثر بخلاف عشرات الجرحى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.