عرفت الرواية العربية منذ أن أصبحت فناً أدبياً له شروطه الفنية أسماء بنجومية عباس العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وأنيس منصور وإحسان عبدالقدوس، وغيرهم من الأسماء الرجالية الكثيرة في مختلف الدول العربية فيما لم تظهر أسماء النسائية للحد الذي يمكن القول إن: "فن الرواية العربية وكتابتها، كان فناً ذكورياً، في ظل إسهامات ظلت نادرة وغير ملموسة من جانب المرأة، إلى أن شهدت السنوات الأخيرة حراكاً نسائياً واسعاً في عالم كتابة الرواية، وأصبح هناك أدباً نسائياً راقياً في مجال الرواية".. فكيف دخلت المرأة العربية المجال، ونافست فيه بقوة. في رأي الناقد د. صبري حافظ إن المرأة حينما بدأت تكتب كانت قد استوعبت كل ما كتبه الرجل، وكانت تعرف المتن الروائي العربي، الذي كتبه الرجل بتسلطه الذكوري، وبالتالي كانت هناك ومحاولة منها للتعرف على كل الثقافات المهمشة والمقموعة التي تمر بثلاثة مراحل أولها، مرحلة تبني وجهة النظر الثقافية السائدة، وإذا عدنا إلي الكتابة النسائية العربية نجدها بداية من ملك حفني ناصف وحتي مي تلمساني، كلها محاولات لإعادة إنتاج الخطاب السائد، الذي يضع المرأة في مكانة معينة، وفي دور معين، ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة التمرد علي الخطاب السائد، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة التميز والخصوصية والتي تقدم وجهة نظر مغايرة للواقع وهذا يظهر في بعض الكتابات النسائية مما يجعلها أكثر ثراء. ترى الروائية سلوي بكر أن الكتابة النسائية الآن، وخصوصاً الكتابة الروائية منها قادرة علي استشراف آفاقاً واسعة، تتيح للمرأة التعبير عن ذاتها وعن وجودها في المجتمع العربي، الذي فرض عليها وصاية في مجال التعبير الأدبي في عهود ماضية، وكاد الرجل أن يستأثر به. وتؤكد الروايات الصادرة لنساء عديدات في مصر وفي الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة مقولة: "إن الكاتبة العربية تعيش زمن الرواية"، وأعتقد أن السبب الرئيسي الذي يفسر هذه الزيادة الكبيرة والمطردة في الإبداعات الروائية لكاتبات عربيات على مستوى الكم والكيف، هو أن المرأة أبدعت حينما توافر لها المناخ المناسب والملائم، وعندما توافرت لها الشروط خاضت تجربة الكتابة لحسابها حاملة معها خصوصيتها الاجتماعية والعاطفية والفيزيقية، وهكذا فبعد أن مارست المرأة العربية أشكالاً مختلفة للكتابة مقترنة بتجربة النضال في سبيل حقوقها ارتادت مغامرة الكتابة الأدبية بكل صعوباتها، من أجل استنطاق الذات، الذي ظلت أمداً طويلاً مستبعدة وممنوعة، واستطاعت إعادة النظر في أشياء كثيرة كانت من المحرمات، ومن المسكوت عنه. تقول الكاتبة والناقدة اعتدال عثمان: شهدت السنوات الأخيرة تراكماً في الإبداعات الروائية النسائية فأثرت في المشهد الأدبي، وأعتقد أن الأدب الروائي، الذي تكتبه المرأة هو أدب متعدد الاتجاهات، ويمكن رصده من عدة أوجه، فهناك أعمال روائية محورها النزعة النسوية التي ترمي إلى نقد التراث الذي يهمش المرأة لهذه الكتابة، وهي تمثل ردة الفعل الطبيعي الذي يجسد الوعي النسوي بصورة إيجابية، وتتميز في نماذجها الجيدة بجسارة تناولها للتابوهات الاجتماعية والأدبية المستقرة. وتضيف: كما أن هناك أعمالاً روائية تربط التجربة الحياتية للمرأة بما هو عام على مستوى الواقع المعاش بقضاياه وهمومه وأزماته، بما يظهر في لحظية الزمن وتشظي الذات وتجزئة الحدث الروائي، وأيضاً تعمد بعض الكاتبات إلى استخدام صيغ سردية مستمدة من التراث الشعبي، وطرق الحكي الشفاهي، مما يجعل الخطاب الروائي ساحة لتفاعل صيغ لغوية جديدة، بالإضافة إلى أن هناك نصوصاً تعمد إلى تعدد وتنوع وجهات النظر، ما يشير إلى موقف له بعده السياسي والإجتماعي، يتيح تقدم منظور الشخصية النسائية بوصفها كياناً إنسانياً نظيراً للرجل ومثيلاً له، وأخيراً هناك نصوص تعتمد علي تجسيد تجربة المرأة المتعلقة بكيانها العقلي والحسي والنفسي، وهذا التنوع الخلاق كان له دوره في إثراء المشهد الروائي بعامة وفي تأكيد الحضور النسائي فيه بخاصة. بعيداً عن الجنسانية وترى الروائية هالة البدري أن رواية المرأة يجب أن تقرأ بعيدة عن نوعها الجنسي، فالنساء بوسعهن التفكير في أشياء أخري غير كونهن نساء، وهي لم تكتب تلك الكتابة المسماة بالنسوية بل تحاول أن تتناول أشياء تخصها كإنسانية وكمواطنة عربية، فمثلاً أول قصة كتبتها كانت عن استشهاد عبدالمنعم رياض. وترى أن الكتابة فعل حرية، وهي أيضاً محاولة للمعرفة، فالكتابة طريقها الخاص للمعرفة، لكنها كلما توغلت فيها اكتشفت أنها سؤال متصل يسعى إلى الاشتباك مع أسئلة أخري تبدو إجاباتها كسراب. وتفرق الناقدة والروائية د. لنا عبد الرحمن بين الكتابة النسائية والكتابة النسوية، فالكتابة النسائية هي كل ما تكتبه المرأة، بينما الكتابة النسوبة هي التي تعي وتتبني قضية المرأة في العالم العربي، وقد يكون أصحاب هذه الكتابة من الرجال، ورواية المرأة تنتمي إلى الكتابة النسائية وهي لا تقتصر على الموضوعات المتعلقة بقضايا المرأة بل اتسعت لمعالجة كل قضايا الوطن، وهي تميز بين تيارات في رواية المرأة، فما تكتبه مثلاً: "رضوى عاشور وهالة البدري وسلوي بكر، غير ما تكتبه نوال السعداوي، بينما كاتبات جيل الثمانينات وجيل التسعينات يكتبن رواية مختلفة عن هذين التيارين وإن كانت كتابتهن لا تتخذ شكلاً واحداً أو نمطاً واحداً. وترجع د. عبد الرحمن الغزارة الواضحة في رواية المرأة في العقدين الأخيرين إلى عاملين أولهما: أن الرواية تعيش حالة ازدهار واسعة، واتجه إليها أغلب كتاب القصة من رجال ونساء، وثانيهما: أن المشهد الروائي النسائي يشهد اتساعاً كبيراً، فهو وإن أشار إلى اصطخابه بتيارات عدة، فهو أيضاً يتسع لأكثر من جيل، منذ جيل نوال السعداوي، وحتى جيل مي تلمساني ونورا أمين، وميرال الطحاوي. بينما ترى الكاتبة مي التلمساني أن مثل هذه القضايا قضايا مفتعلة، فخصوصية الرواية لا تتأتي من جنس كاتبها بل من خصوصية التجربة، التي تتناولها الرواية فهي كتبت روايتها "دنيا زاد" عن أم تموت طفلتها بمجرد ولادتها، وهي تجربة خاصة جداً، وكتب "صنع الله إبراهيم" روايته "نجمة أغسطس" عن تجربة بناء السد العالي وهي أيضاً تجربة خاصة، فالخصوصية هنا لا ترجع إلى كونها أنثى وكونه رجلاً بل لخصوصية التجربة، وأخيراً فهي ترى أن رواية المرأة مزدهرة الآن لسبب واحد وهو أن الرواية عموماً مزدهرة.