أعلنت جائزة نوبل للأدب، وكالعادة فاجأتنا باسم لا نعرفه في الوطن العربي، وربما لا يعرفه كثيرون في أماكن عِدّة، لكنه اسم له نتاجه، ولكاتبة قدّمت شيئاً في بلادها، وتذوّقه الذين قرأوا بلغتها، والأهم من ذلك، أن ذلك النتاج، صادف هوى لدى محكّمي جائزة نوبل، فمنحت: سفيتلانا اليكسيفيتش، ذات الاسم صعب الحفظ، تلك الجائزة التي هي الأرفع في الجوائز قاطبةً. لقد تساءلت في العام الماضي، وفي مثل هذه الأيام، عن باتريك موديانو، الفرنسي اليساري الذي حصل على جائزة العام الماضي، تساءلت، إنْ كان هناك مَنْ قرأ له في الوطن العربي، وعثرت بعد ذلك على روايتين قصيرتين، تمت ترجمتهما، منذ فترة لكن لا أحد اهتم بهما، وتصاعد الاهتمام بالطبع بعد حصوله على الجائزة، ولأن الفضول دائماً يحتاج إلى إشباع، فقد بحثت عن الروايتين حتى وجدتهما، وبدأت أقرأ. أول انطباع حصلت عليه، من قراءتي للعملين، أنني لست منبهراً بنصوص موديانو، وحقيقة، وربما يعود ذلك إلى مسألة تذوّقي الخاص، لم تعجبني الروايتان. كنت أتوقّع زخماً كزخم لوكليزيو، عالماً مشيداً بتفاصيل كثيرة ولغة آسرة، وكان ما وجدته، مطاردات بوليسية، وقصص حب ناقصة، وشيئاً من التشرُّد، والتخابُّر، وسرداً في غاية العادية، لم أحس به مشبعاً. هذا بالطبع رأي شخصي، ولا يعني أن الرجل لا يجيد الكتابة، فقط أنا مَنْ لم يُجدْ قراءته، أو مَنْ لم يتفاعل معها. ونتساءل كلنا: لماذا كان هو وليس كاتباً أو شاعراً آخر؟ لماذا فرنسي وليس عربياً أو هندياً أو من جزر القمر؟ أظنها تساؤلات مشروعة، ويحقّ لكل مَنْ يتابع أن يسألها، فقط تظلّ غير مشروعة، لأنها ستطرح دائماً في محلها أو غير محلها، ومن ثَمّ، لا داعي لها، لأن من يحصل على الجائزة، يحصل عليها وينتهي الأمر، ولن تعيد التساؤلات، مداولات التحكيم واجتماعاته المرهقة، من جديد. سؤال آخر، أعتبره مُهماً، وأعتقد كثيراً في جدواه ، وأطرحه دائماً بمناسبة الجوائز: هل كل من نال نوبل الأدب، أو في الحقيقة نال جائزة أدبية سواء أكانت نوبل أم غيرها، يستحق تلك الجائزة؟ انقسام البروتون، أو تشظي الخلايا الجذعية، أو إمكانية أن تتحوّل حلقة البنزين إلى زيت لمحركات السيارات، مثلاً، مثل تلك الاكتشافات ثابتة وثابت مجهودها، والزمن الذي اُستهلك حتى اكتشفت، ومن ثَمّ من يمنح الجائزة في الفروع العلمية، لن يجادل فيه أحد. لنأتي إلى الأدب المحاط بحالات تذوّق مختلفة لأسلوب واحد أو لنصٍ واحد، كما ذكرت، ومن ثَمّ لن أقول بأن مواطن جزيرة ترينداد: نيبول لا يستحق الجائزة، لأنني لم أتذوّق أعماله، فقد تذوّقها الآلاف غيري، ولن أقول إن غارسيا ماركيز كان يستحقها لأنني أعشقه، وأعشق كل حرف كتبه، فما زال هناك من يرى ماركيز مجرد كاتب عادي من كولومبيا، دخل في بوابة الحظ وكسب. القراءة أذواق، والقراءة مصالح أيضاً، والقراءة في وطننا العربي تشبه إلى حَدٍّ كبير تشجيع كرة القدم، كما ذكرتُ في مداخلة لي في أحد مواسم القراءة، وتعرّضت بسببها لانتقاد.. نعم القراءة عندنا ترتبط بأشياء أخرى لا علاقة لها بالجودة أو الإتقان.