من الظلم لأبي ماضي وللأدب العربي أن يقتصر تعريفه على أنه شاعر من بين مئات، أو آلاف من الشعراء، مروا على تاريخ الأدب العربي، لا نذكر منهم سوى قصائدهم. فبجانب كونه أثرى المكتبة العربية بكم كبير من القصائد التي ما زالت تنبض بالحياة، فإن إيليا أبو ماضي، الذي تحل اليوم 23 من نوفمبر ذكرى رحيله (23-11-1957)، يعد أحد أصحاب الفضل على الشعر العربي في العصر الحديث، وعلى الأدب بشكل عام. وكما أنه في الليلة الظلماء يفتقد البدر، فإنه في عصر صار فيه الأدب العربي في المهجر في حاجة للبحث عن هوية، وإيجاد تعريف واضح، وكيان محدد، يفتقد إيليا أبو ماضي ورفاقه. أبو ماضي الذي ولد عام 1890 بلبنان، وهاجر إلى مصر عام 1900 في إطار حركة هجرة خاضها أدباء الشباب نتيجة عدة ظروف متابينة، بدأ حياته الأدبية الحقيقية مع مجلة الزهور، حيث نشر بها عدة قصائد جمع معظمها في ديوانه الأول "تذكار الماضي" الذي نشر عام 1911. وكانت بداية صناعة اسم أبي ماضي كأحد المؤثرين في تاريخ الأدب هي هجرته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية إثر تضييق السلطات عليه بسبب قصائده السياسية، حيث التقى هناك مجموعة من شعراء المهجر الذين سبقوه. حملت السنوات التالية تأسيس ما يعرف ب"الرابطة القلمية"، التي كانت بداية لتشكيل كيان حقيقي لأدباء المهجر، يضم مجموعة من الأدباء المتميزين الذين حملوا على عاتقهم نقل الأدب العربي إلى الغرب. الرابطة التي تشكلت عام 1920 ضمت مجموعة من الأسماء اللامعة من بينها جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وبالطبع إيليا أبو ماضي. وكانت مهمة هذه الرابطة تتجاوز مجرد اجتماع الأدباء العرب، إنما ساهمت هذه الرابطة في تقديم صورة طازجة للوطن العربي، وفي تأسيس جيل من الأدباء العرب في المهجر، لو قدر له أن يحقق التواصل المأمول لكان للأدب العربي في المهجر شأن آخر. ولكن الرابطة انحل عقدها بوفاة جبران خليل جبران، ليعود الوضع إلى ما كان عليه، بل أسوأ، حيث جاءت الأجيال التالية مفككة، لا رابط بينها، لتنتهي بعد ذلك إلى أجيال تكتب بالعربية، ولكنها متأثرة بالغرب، تفكر الإنجليزية وتكتب بالعربية، ثم إلى أجيال تفكر وتكتب بالإنجليزية بذاكرة عربية صارت ضعيفة مع مرور الأيام. مات إيليا، ومات جبران، ومن الممكن القول إنه مات أدب المهجر، ولم يبق منه سوى أصوات مشتتة، يفصل بينها وبين أوطانها آلاف الأميال، وعشرات السنين، فهل نرى من الجيل الحالي، أو على الأقل الأجيال القادمة حركة تعيد ما كان، وتعيد البناء على أنقاض ما تهدم، أم أنه ماض ذهب إلى الأبد؟.