الرئيس السيسي: كلفت الدكتور مصطفى مدبولي بتشكيل حكومة تضم الخبرات لإدارة المرحلة القادمة    عميد الكلية التكنولوحية بالقاهرة تتفقد سير أعمال الامتحانات    مقابلات للمتقدمين على 945 فرصة عمل من المدرسين والممرضات في 13 محافظة    مجلس النواب يوافق نهائيا على قانون ربط الموازنة العامة للدولة 24/25    ارتفاع أسعار الذهب خلال تعاملات الإثنين 3 يونيو    نقيب المعلمين: تقديم الدعم للأعضاء للاستفادة من بروتوكول المشروعات الصغيرة    حيازة سلاح بشكل غير قانونى والكذب.. أبرز الاتهامات الموجهة ضد هانتر بايدن    سلطنة عُمان ترحب بالمبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة    أوكرانيا: إصابة 5 مدنيين جراء قصف روسي على إقليم دونيتسك    مدافع إنبي يعود لحسابات الزمالك لتدعيم صفوف الفريق الموسم المقبل    إصابة نجم منتخب إيطاليا بالرباط الصليبي قبل يورو 2024    في خدمتك | طريقة تقديم التظلمات من نتيجة الشهادة الإعدادية 2024    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    السكة الحديد: تعديل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    فوز أعضاء أوركسترا شباب مكتبة الإسكندرية فى المؤتمر الموسيقى للوتريات    القاهرة الإخبارية: 12 شهيدا جراء قصف إسرائيلى استهدف المحافظة الوسطى بغزة    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    الفيلم الفسلطينى "اللِد" يفوز بجائزتي الجمهور في مهرجانين بأمريكا    لمواليد برج الدلو.. ما تأثير الحالة الفلكية في شهر يونيو 2024 على حياتكم؟    نقيب صيادلة الإسكندرية: توزيع 4 آلاف و 853 علبة دواء في 5 قوافل طبية    وزير الصحة يستقبل مدير المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض لتعزيز التعاون في القطاع الصحي    "أسترازينيكا" تطلق حملة صحة القلب فى أفريقيا.. حاتم وردانى رئيس الشركة فى مصر: نستهدف الكشف المبكر لعلاج مليون مصرى من مرضى القلب والكلى.. ونساند جهود وزارة الصحة لتحسين نتائج العلاج والكشف المبكرة عن الحالات    منتخب إنجلترا يواجه البوسنة في البروفة الأولى قبل يورو 2024    "مش عايزه".. مدرب ليفربول الجديد يصدم صلاح    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    «الإسكان»: 220 ألف مواطن تقدم للحصول على شقق «الاجتماعي»    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    محافظ المنيا: توريد 346 ألف طن قمح منذ بدء الموسم    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    انهيار منزل ونشوب حريق في حادثين متفرقين دون إصابات بقنا    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    السكة الحديد تُطلق خدمات جديدة لركاب القطارات.. تعرف عليها    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي داخل المحكمة بعد تأييد حبسه    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    رئيس جامعة المنوفية يشارك في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصا    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    «ابتعدوا عن الميكروفون».. رئيس «النواب» يطالب الأعضاء باستخدام أجهزة القاعة بشكل صحيح    رئيس «شباب النواب»: الموازنة تأتي في ظروف صعبة ولابد من إصلاح التشوهات وأوجه الخلل    أفشة: الجلوس على الدكة يحزنني.. وأبو علي هيكسر الدنيا مع الأهلي    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    شرف عظيم إني شاركت في مسلسل رأفت الهجان..أبرز تصريحات أحمد ماهر في برنامج "واحد من الناس"    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"من وحي القيود" .. فتائل الوعي ورغبة التطريب
نشر في صوت البلد يوم 05 - 10 - 2015

عن دار الامل للطباعة والنشر صدر الديوان الثاني للشاعرة والكاتبة اللبنانية فاطمة منصور الموسوم "من وحي القيود" من القطع المتوسط وبغلاف باهر وجذاب، عمل على اخراجه بهذه الروعة والبهاء الفنان العراقي كريم ناصر.
احتوى الديوان على 80 نصا طويلا وقصيرا ومتوسطا وكتب المقدمة له الشاعر الفلسطيني محمود صالح، تناولت به الشاعرة ألوانا شتى من المؤثرات السيميائية وخلق صور من اللاوعي مع مشاهد صناعية تقصدت الشاعرة ان تخلق بيئة تحاكي البيئة الحقيقية أو تماثلها حيث تغزل أنين الكلمات تقول:
من يعلمني أبجدية الامنيات ..
أنا قروية..
ولدت أشم رخوة المطر وضجيج التراب ..
من يعلمني لغة الهطول وهمس الجفون ..
من يعلمني عصارة القبلات..
من يمنحني الجراءة ..
أن لا أخاف عندما أكون ينبوع أغاني..
أهمس تنهيداتي بأنفاس العاصفة ..
انا المركونة في دروب التراتيل..
من يتصدق عليّ بابتسامة ويمنحني شهادة الهيام والأكف الوثيرة ..
انا الناسكة المتعبدة في العشق ..
انا الجموح في حدائق الصباح ..
انا الندى النازل على مرايا النسيم ..
على يديَّ تحط العصافير تشرب النعاس وتأكل ناياتي..
أغسل وجهي على وجع الصبوات ..
أنا أساطير الزنابق الحاكية من سحابة ماطرة في أفق اللهاث ..
من مثلي تعلم الضحك من ربات النوائح ..
لملاقاة الصحو المذهب في أحلام القلوب ..
واكشف شفاهك تغسلها الملائكة بنبيذ أحمر..
وارسم على بسمتك بطاقة مروري..
وقد توخيت ان لا ادخل في التفاصيل التشريحية والتقويضية على النصوص وطرق التعبير فيها وتقويم اساليبها بل حاولت ان اعطي لمحات إيحائية سريعة عامة، وادع القارىء هو من يكتشف ما جالت به ذائقته القرائية على ان اعطي طعم المحسنات وفاكهتها الشهية بواقعية قارىء تذوق وراق له المذاق الطيب اللذيذ ربما هو اسلوب عرض غير متبع، ولكن انا على يقين أن القارىء المتذوق المثقف المجتهد هو أحسن ناقد يستطيع ان يعطي انطباعه القرائي على اساس الواقعية والانطباعية او التأثرية وما يشكل منها من محاكاة بين النص والمتلقي.
دعوني اسميها دعوة لقراءة ديوان الشاعرة المنصور. يقول بول فاليري "ان الله (او الطبيعة) يلهم الشاعر بيتا واحدا اما الباقي فعليه ان يكتشفه في نفسه" ربما هي نفسها الشاعرة التي قصدها بول فاليري ولم يسميها بالاسم لأنها الشاعرة التي توسدت على مواقد الشعر فلملمت فتائل الوعي في نفسها الهاربة وتسابقت مع حركة الزمن والتجديد، وصاحبته الى ميادينها الخاصة وتعايشت مع همومها المشتعلة المستعرة وصارت تمشي مع كائناتها المخلوقة من ضلعها ونفسها وروحها ونفخت فيه تعاويذ خلقها الاول والآخر والحي والميت والمتحرك والساكن والفرح والباكي.
هي مجموعة مكونات بدأت ملامح تشكيلها وقابله لتمتد خارج اسوار المناطق الموحشه إذ تقول:
الليل الناعس ها هو يصل آخر الليل الناعس ..
وحين توقفت آخر قطرات المطر..
أعلن عن... شيخوخة الشجر..
ليسحبني فوق غيوم الوهم والوقت ..
مازال ينتظر قرب أرصفة اللقاء ليته ..
يعلم كم توقف الشوق عن مضغ احلامنا ..
وانساب الحنين في مسامات النسيان..
ولم يعد غرامي مراهقا ..
سل اِن شئت المطر وعن حكاياتنا معا ..
وخيبة الانتظار والمساء..
كم مرة نام في أحضاني ..
والصباح حين غطى بيديه عتمة روحي..
جئت متأخرا ... يا من سميته ذات لحظة ساحرة: حبيبي..
مازال جرحك غائرا .. والروح بك ثكلى..
.. وعلى طاولتي المسديرة ... عقلي المستدير على موجة ..
شاعرة فطنة بمهارة ذكية حذرة واعية مثقفة متمردة لقد مسها شيطان الشعر وراحت تسرح في هيام الاخيلة، انتزعت الاعجاب حيال ما تثيره من مدلولات جمالية من حيث التشبيه والاستعارة وأسلوب ملؤه الرقة والعذوبة وترافة الاحاسيس المرهفة، وقد لمعت وبان عليها التميز والابداع والانجاز وما ينطوي عليه تجاذبات بطرق غير مباشرة تلوح لذلك الغائر على مدينة أحلامها السرمديه عبر تحسس ذكي يميل الى رفض خداع النفس من نافذة الخيبه تقول:
الجرة كما في كل مرّة يسألني لمّ ؟ لا تسلم الجرّة ؟؟!
أقول: بأنها من الزمن الذي يُنوح في لهاث الذاكرة..
وبأنها كالهبة بجوفي ..
مستقرّة أُقلّبها وانفخ فيها من وحيّ ..
وقد اودت فخارتي التي احفر بما رمّمت من جرحي..
الى حفرة ..
وحتى الآن لازلت احاوره ..
وبعض من بقيّته تجادلني: أنا عتق من اللاهوت ..
وليل مقمر ونشيج ..
أسمعه يُفتّق اسطح اللوحة ..
يطالعني لعلّي أُوقد قلبا تحجّر من كذا مرّة الى جرّة .
كنت أحسبها لفترة طويلة شاعرة عراقية ولا اعرف السبب ربما لكونها تكتب للعراق وتهيم بحب العراق او لكثرة محبيها ومتابعيها من العراق.
اخيرا عرفت انها شاعرة لبنانية تسكن المناطق العالية وتتنعم بأجوائها الصافيه تكتب عن العصافير والفراشات والعيون الجارية والمطر والسنابل ورخوة الارض تستعين بوسائلها الملهمة لا تنام الا على النسمات النازلة على المرايا هجرت المدينة والمقاهي والشوارع المسمدة بالقير الى النقاء والخمائل الغناء كأنها تتلقف هبة من السماء في البحث عن الصدق والعفوية المصنوعة من أيقونة الحنين لتعلن انها هنا تشهد موت الحقيقة المغيبة تقول:
عروق الصبايا جئتني .. تنفث في سيكارة (ارستقراطية) سأتذكرها، عندما اقرأ نشيد الفقراء، واشكوك في الهجاء، أمل مازال يحبو، أن أقف يوما على صدر سحابة وأمطر صبري دموعا رقراقه على وجه البسمات وعلى يميني نبع من الخلان يجاذبونني سجال الليل الناعس أيّها المارد العنيد هزّ أهداب الانتظار في رئتي شهقة جامحة ربما تولد زمن. فيه ملوحة أهلنا الماضين والعباد الصادقين يرتلون الصلاة فوق جباه النحس مذاقهم كرز وتمر وتين يد الله في فم السماء مطر لا تبخل ان تزرع المهج.
في عروق الصبايا رضينا ان تثقل المآقي بالدموع وتلج الناس بالنحيب فداء اخضرار الربيع تذكر. ما دار بيننا آخر مرة وعدتك ان أسميك (أبا الاماني) ولكن شاءوا أن نفترق وشئنا .. أن نسمد الايام بالقديسات الراعفة كدعابة طفل في ملهى الرضاعة.إنها شاعرة الجبل الرومانسيه الحالمة لم ينزل لها نص الا وترفقه بلوحة رسامها المعتمد الفنان كريم ناصر تحب ان تتقاوى بالألفاظ التعبيرية البلاغية تحس بدبيب الأرواح في دمها الجاري الذي استولت عليه مخلوقات غريبة تقتحمها كلما سنحت الفرصة لذلك هي تضاد وسماحة مفرطة وليونة شاعرة تمد روحها لتتلقف نذور الكلمات الشاردة تستجلبها وتضعها في موضعها اللائق.
تعالج ببصيرة فائقة موضوعها لا تخرج منه الا وهو يتصف بالمحسنات والصدق والفكر والتصورات العاطفية التي تخلقها كأنها مدينة من الاحلام واللغة تيقظت ونشطت بسرعة فائقة وهو ثمرة مجهودات مضنية.
تلقي حبالها على غارب الاخيلة فتجلب لنا من المفردات والمعاني الفائرة الثائرة المرتخية على وسائد الاوجاع والامال المضطربة، وما تشكل عندها من متراكم خبرة حياتية قضتها بين الأدب والمقاومة الشعبية اللبنانية. إنها ثورة الشعر العاطفي والشعوري والوجداني.
يا قادم من خلف الزمن اركع فانا لبناني والنعم واحذروا: احذروا غليان الجذوة في عروقي يا أوجه العتمة في دربي قبل كلّ فجر فقد آن أوان شروقي.
احذروا غضبي وشفاه التبرعم في كرمي احذروا صوتي وما أبرق الرعد من غيمي احذروا طفل الثورة والقدر الحتمي في كلّ الحضارات فأنا الشعبُ (اذا الشعب اراد الحياة ..).
ولتذكر القارىء اجتهدت بان لا اضع النصوص للمحاكمة او للمحاكاة النقدية كوني لبستها حلة تضاربت دروبها وغايتها عساي اوفق فيها او على الاقل اخرج من دائرة الانحياز والتلطف بدراسة نصوص المنصور وما يختبىء في مكنوناتها المكتنزة المتلألئة المضيئة بطرق التعبير وصور الجمال لتثبت أن المؤثرات الشخصية حاضرة في ظل هيمنة ما نلمح فيها من التفضيل الشعري والجمالي وهذه البذور نتلمس منها اخضرار الحياة البائسة برذاذ نزعتها الروحية المتأججة وخيالها الرقراق الخصب وحولتها الى نفحات شعرية علقت بستار القصيدة فصارت قصائدها موضوعات عاطفية وسياسية واجتماعية والتفات فجائي على كل مستحدث في حياتنا الادبية، وتحولت الى متعة نفسية ولذة روحية نلمس جهدها وصنعتها ونقاءها للاسلوب المتقن المشذب المحاط بهالة من المشهيات الجذابة الرقراقة تجلي عوارض الظلمة خالطها الصباح معسول برذاذه البارد المنعش في قيظ الصيف اللهب يشع فيها من حلو الحياة ومرارتها الدامية.
وصار هذا التعاكس وتضاد ما يميز المنصور ويقوي نتاجها في الافق الادبي والفكري بل اضافة لها رشاقة وجاذبية في الاسلوب والتعبير، وقد وجد القارىء نفسه مشدودا يعيش في أنفاسها وأجوائها الشعرية الخلابة لانه وجد حوافز عاطفية مثيرة تشابكت وكونت نمطا اسلوبيا تفردت به الشاعرة المنصور.
وانا هنا ليس في محل التمجيد والترغيب بل اخترت طريقتي الواقعية ووضعت نفسي قارئا يتحمل الخطأ والصواب بعيدا عن التذويق والمحاباة والانحياز لاني ما فرطت بصلواتي الخمس، وتجنبت ان اكون على مرسال أهل النقائض والشتائم الا اني هيأت القارىء ما استطعت لإمتاع الذهن وإشباع الذوق والارهاف الحسي والبحث عن الديوان في رفوف المكتبات العامة وله الحكم في الجودة والقبح ومن الله التسديد والتوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.