استضاف «مسرح المدينة» في بيروت مساء 11 تموز/يوليو 2015 سهرة قدود حلبيّة مع فرقة «شيوخ الطرب»، في إطار فعاليات رمضانيّة ضمّت كذلك حفل «هوى شرقي» مع طلبة القسم الشرقي في المعهد الوطني العالي للموسيقى، أعدّ لها الموسيقار اللبناني شربل روحانا وقاد الأوركسترا فادي يعقوب. أمسيتان غنائيتان طربيتان الأولى بعنوان «أغاني الزمن الجميل» أحيتها نسرين حميدان، والثانية قدّمت فيها تيريز حواط لجمهورها حفل «طرب وإصغاء»، بالإضافة إلى حفل أنس صباح فخري، نجل الفنان السوري القدير صباح فخري. يخلط البعض بين فرقة «شيوخ الطرب» التي تضم كلا من فهد رسلان، وأحمد السيّد، وإبراهيم فارس، وملهم خلف. وفرقة «شيوخ سلاطين الطرب» التي تتشكل بحسب موقعهم و»في الأحوال العادية من 12 عازفاً، وأربعة مطربين، وخمسة دراويش/ مؤدي المولويّة، وستة عناصر يمثلون لوحة الرقص الشعبي لمدينة حلب. في حين أعلنّ عن حفل رمضانيّات مسرح المدينة بكونه حفلاً لA شيوخ الطرب وفرقة الشهباء» ضمّ كلا من حسام لبناني، ابراهيم فارس وملهم خلف. تختلف الأسماء والوجوه ويبقى المنبع واحداً، هو الطرب الحلبي الذي أغنّى التراث الموسيقي العالمي. يقول البعض بأنّ جذور هذا النوع الموسيقي تعود للقرن الثامن الميلادي، فترة العصر الأندلسي للحضارة الإسلاميّة الذي شهد انفتاحاً فكرياً كبيراً لتجارب الشعوب والحضارات التي احتكت فيها الثقافة الإسلامية بحكم توسعاتها العسكرية، وكان في ذلك العصر التجاوز الأبرز والأهم لحرفيّة النص الديني والانطلاق في قراءات فكرية ومعرفيّة وفلسفيّة أوسع. وما بين حلب والأندلس تطورت الموسيقى، كما عوامل أخرى عدّة، لتكون الأكثر إغناءً للمكتبة الموسيقيّة العربية الأندلس بمدرسة موسيقارها «زرياب» وحلب بمؤلفات «الأغاني» للأصفهاني (897/967) و»كتاب الموسيقى الكبير» للفارابي (874 /950). بإنشادها للتراث السوري والعربي الطربي لا تقدّم الفرقة مُجرّد تحيّة إلى الثقافة الإسلاميّة التي احتفت في زهوتها بالفنون والعلوم والفلسفة، ولا هي تعيد إحياء النوع الموسيقي بذاته، الذي توسّع بفضل مطربين مؤسّسين ليضم الموشّح والطقطوقة والموال، ومن أبرز هؤلاء الموسيقيين السوريين عبد الغني النابلسي والشيخ عمر البطش 1885 – 1950، وصبري مدلل آخر شيوخ سلاطين الطرب الحلّبي المُطوّرينْ. بإنشادها يُفترض أنّ تحيّي الفرقة منهجاً في العيش، في التفكير والوجود، كم نحتاجه اليوم في مواجه بروبغاندا «داعش» الظلاميّة التي تقدّم ايديولوجيا إسلاميّة مُنغلقة بتطرّف أعمى. منهج يشجّع الروحيّة على النصيّة- إن جاز القول- يرقى نحو الأعلى ويحاول الارتقاء بمستمعه كذلك في حالة «طربيّة» موسيقيّة لا تعتمد الكلمة بذاتها أساساً كما حال طرب السيدة أم كلثوم الأكثر انتشاراً. ففي ثقافتنا العربية التي قوامها الكلمة (في البدء كانت الكلمة) «إنجيل يوحنا1.1»، (أقرأ باسم ربّك الذي خلق) «أوّل ما أُنزِلَ من القرآن الكريم»، يظهر فنّ الطرب كاستثناء في هذه الثقافة يستعين بالكلمة، لكنه يبني ذاته على الصوت والمقام الموسيقي، ويتممّ فلسفته باعتماد التكرار، فللمُنشِد الحق بالإعادة والتكرار في المقام وهو يؤدي وعلى الآخرين مصاحبته، فتطول الكلمة أو تقصر، وقد تغيب في أداءٍ صوتي لا حروف فيه، في دائريّة توائم المولويّة كحركة وغاية تصبو إلى التقرّب من المُحّبْ الأجمل. ضبط الإيقاع والانسجام بين المؤدين فاتنا في حفل «شيوخ الطرب» الشباب، ما قادنا للضياع هل نحن أمام مؤدين جيدين لفنٍ مدرسيّ أم مُنشدين حقيقيين ممتلكين لفنهم ومدركين لغايتهم منه.. بملكات صوتيّة مُميّزة وفق حسام لبناني، إبراهيم فارس وملهم خلف أمام الجمهور، لكنهم للأسف وقفوا مؤدين حاولوا التجويد في فنهم، لكنهم كانوا كمن يحاول الطيران وهو يخشى التحليق، فيرتفع قليلاً ليعود ويهوي، ويكفي المستمع للحفل أن يعود ويستمع إلى أيّ من تسجيلات، صباح فخري أو صبري مدلل لموشّح «يا غصن نقا» على سبيل المثال لا الحصر، للوقوف على الفرق بين الأداء والإنشاد.