مع تزايد وتيرة الهجمات الإرهابية التي تحدث في أماكن متفرقة من العالم على يد أشخاص يدّعون أنهم مسلمون، تصاعد الخلاف بين مختلف الجماعات الإسلامية، بسبب ما تفعله دولة العراق والشام (داعش) بحق المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها في العراقوسوريا، لفهم من المسئول عن هذه الجرائم ضد الإنسانية، حيث أوضح مراقبون سياسيون وخبراء في حركات الإسلام السياسي أن الجماعات المسلحة وعلى رأسها الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وداعش وغيرهما يؤمنون بالعنف والقتل، حيث تتوحّد هذه الحركات في أيديولوجيتها الدينية تحت شعار السمع والطاعة، أملاً في قيام الخلافة الإسلامية وتوحيد الأمة، ومن يخالفهم أو يرفض مبادئهم فهو كافر ويهدر دمه أو يجب عليه الاستتابة، بينما يرى مراقبون آخرون أن هناك اختلافات جوهرية بين جماعة الإخوان والنهج السلمي الذي تتبعه بعض الحركات الإسلامية لتحقيق التغيير الإيجابي وفق مبدأ الفكر بالفكر، مقارنةً بالحركات المتشددة الإسلامية الأخرى التي تؤمن باستخدام العنف لننشر أفكارها. وفي هذا الإطار يقول د.أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: هناك أزمة في الفقه الإسلامي في قضايا جوهرية مختلفة؛ أبرزها ولاية أهل الكتاب والمرأة، والتعامل مع أهل الشيعة، وقيام الخلافة الإسلامية، والجزية على الأقباط، وهذه أمور يهتم بها كثيراً الحركات الإسلامية المتشددة، ومع ذلك لا يمكن أن يعزى ما تفعله داعش والتنظيمات الجهادية في العراقوسوريا من ذبح المدنيين وتهجير الأقباط إلى الإسلام، ولكن إلى أزمة في فهم هذه القضايا الدينية، ويوضح أن الحركات الإسلامية المتشددة تنصب على أنها حركات شعبية لخدمة الإسلام، وبالطبع على رأسها جماعة الإخوان وتنظيم داعش، وهما يتفقان في هذا المفهوم، ويقومان بالشيء الذي يتعيّن القيام به وفق رؤيتهما، وبما يخدم أيديولوجيتهما الفكرية، كما أن هذه الحركات كانت تعتمد في بداية نشأتها على السرية، لأنها تدرك خطأ ما تفعله في حق الإسلام والمسلمين، حتى تم تشويه صورة العرب تماماً، وأصبحت صورة المسلمين في العرب أنهم إرهابيون، وأن الإسلام دين الفاشية والقتل وذبح الآخرين. في المقابل يوضح د. عبد الرحيم علي الخبير في شئون حركات الإسلام السياسي، أن بعض الحكومات العربية سمحت لجماعات إسلامية بالعمل علناً، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين والتي خرج من رحمها كافة الحركات الجهادية مثل تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة والجماعة الإسلامية، وهذه الجماعات تتفق في عدم ولاية القبطي على المسلم في المناصب، وعدم خروج المرأة للعمل وأن مكانها هو المنزل، وأن طائفة الشيعة وأهل الكتاب كافرون، ويتوجب طردهم من ديار المسلمين أو دفع الجزية، وبالتالي فإن داعش والإخوان وجهان لعملة جهادية مسلحة واحدة، ويضيف: إن جميع الحركات الإسلامية تريد حكم بلدانهم بالقوة الغاشمة، والأحكام العرفية أو تفعيل النص القرآني "وأن أحكم بينهم بما أنزل الله"، رغم أن الزمان والواقع الاجتماعي مختلفان، لكن يظل تطوير الخطاب الديني ومواجهة هذه الجماعات التكفيرية أمراً ضرورياً، لأنهم يعتقدون أنهم حماة الإسلام، ولكنهم شوّهوا صورة الدين السمحة بأفعالهم ضد الإنسانية في الدول العربية. ويضيف د. عمرو أبو الفضل الخبير بمركز الجمهورية للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن الانشقاقات داخل هذه المجموعات يحدث في كثير من الأحيان، والسبب الرئيسي هو أن أعضاء هذه التنظيمات المسلحة لا يحبون الصمت المستمر أو النضال السلمي، ويميلون دوماً إلى طابع عنيف وثوري، وبالتالي قد يحدث انقسام داخل المجموعة الواحدة وإنشاء مجموعة أخرى تقوم على العنف، ولكن الأهم من ذلك هو أن هذه الجماعات المسلحة خرجت من الجماعة الأم (الإخوان المسلمين)، ويشير إلى أنه في الآونة الأخيرة ظهر شكلاً من أشكال المنافسة على قيام الخلافة الإسلامية، وكل جماعة لها مشروع خاص بها، فالجماعة السلفية والإخوان يريدان الخلافة عن طريق السياسة، بينما يريدها داعش وتنظيم القاعدة عن طريق الجهاد، لكنهما جميعاً يتفقان على حتمية قيامها والعودة إلى القرآن والسنة، ويوضح أن الاتجاه الديني لهذه الكيانات يعتمد على تبني موقفاً متشدداً في بعض القضايا المجتمعية، لكن الجماعات السلفية أو السنية مثل داعش وتنظيم القاعدة تغيرت رؤيتهم في العديد من القضايا الفقهية، مثل التصوير الفوتوغرافي، والذي كان في نظرهما من الكبائر، ولكنهم الآن يعتبرون أن ذلك مسموحاً به من أجل توصيل أهدافهم إلى الخارج، وتحديداً عند القيام بعملية جهادية ضد حركات منافسة بهدف ترويع المجتمع. وبدوره يقول د. هشام النجار الباحث في شئون الحركات الإسلامية: إنه تم تأسيس داعش والحركات المسلحة على أساس الجهاد، وجميعها تعمل ضد الإخوان المسلمين حيث اتهمت هذه الجماعات الجهادية الإخوان بخيانة مبادئ الإسلام، وقت وصولهم لحكم مصر، وهو ما يبرر وصف داعش للرئيس المعزول محمد مرسي بأنه طاغوت، وأيضاً لو دخلوا مصر سوف يقتلون مرسي، لتستره مع جماعته وراء الدين، وهو ما يشير إلى عدم وجود صلة بين الإخوان وداعش، ويوضح أن البعض ربط بين فوضى الإخوان بعد عزل مرسي، وبين ما تفعله داعش في العراق والشام من ذبح للمواطنين وأفعال ضد الإنسانية، ولكن من المهم التأكيد على أن الجماعة تحارب وتناضل من أجل قضية تؤمن بها وتتمسك بحقها في الحكم والعملية السياسية، بينما داعش جماعة جهادية تريد الحكم عن طريق الذبح والقتل وتشريد الملايين وأهل الكتاب، كما تريد من جميع مسلمي العالم بيعة الأمير أبو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين، وتابع: من المهم الفصل بين ملايين من أنصار الإسلام المعتدل السلمي في منطقة الشرق الأوسط، وبين حركة جهادية أساءت للإسلام والمسلمين حول العالم. وفي رأي د. نبيل عبد الفتاح المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية، داعش جماعة مسلحة غير معترف بها وتريد الخلافة بأي طريقة، ولا تتردد في ذبح أي مواطن يقف في طريقها، كما أن داعش تتمسك بعودة عصور الجاهلية الإسلامية من خلال عودة الرقيق وعصر الجواري، ويشير إلى أن داعش التي تحتل نحو ثلث سوريا، بما في ذلك الجزء الشرقي الغني بالنفط، والكثير من شمال ووسط العراق، تتعامل بقسوة ووحشية مع الجميع، ولا تتردد في قطع رأس أي مواطن يخالف مبادئها، فضلاً عن تنفيذ الإعدام رمياً بالرصاص أو ذبح المئات من قوات الأمن العراقية، بجانب قطع رؤوس السوريين، كما أجبرت النساء على ارتداء النقاب أو الحجاب الكامل، بينما الإخوان لم تفعل ذلك، ولم تكن تجرؤ على فعل ذلك لمصالحها مع الغرب والعرب، وأيضاً لقبولها مبادئ العمل السياسي. وفي السياق ذاته يوضح د.ناجح إبراهيم القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، أن تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان وداعش لديهم نوايا لإقامة خلافة إسلامية عالمية، وكل على طريقته ووفق مفهومه للخلافة، لكن ما حدث أن داعش تريد إقامة الخلافة بقتل المسلمين وغير المسلمين من أجل إقامة حلمها المزعوم، ويؤكد أن هناك حرباً من نوع آخر بدأت تظهر بين الإخوان وداعش، وهي حرب الفتاوي الإلكترونية، فبعد أن استنكر الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والأب الروحي لجماعة الإخوان منح البيعة أو الشرعية الدينية لأبو بكر البغدادي وتنصيبه خليفة العالم الإسلامي، وصفت داعش الإخوان وأتباع الإخوان في العالم بأنهم مرتدون وعليهم الاستتابة قبل القتل، والمدهش أن القرضاوي زعم أن الخلافة الإسلامية للعالم الإسلامي ستبدأ من تركيا وليس بغداد كما فعلت داعش، مدعياً أن إسطنبول هي عاصمة العالم العربي والإسلامي، وهو ما يعني أن الزعيم الروحي للإخوان لا يمانع فيما تفعله داعش من قتل ومجازر، وإنما يرفض أن تبدأ الخلافة من العراق، ويوضح أن الإخوان التي صعدت السلطة قبل عام تخلت عن مبادئها الإسلامية، وعملت جنباً إلى جنب مع الملحدين والعلمانيين ومداهنة أمريكا واسترضاء إسرائيل، ولذلك من الممكن أن ينضم شباب الإخوان إلى داعش ويعلن البيعة إلى البغدادي.