أصبح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أول رئيس تركي منتخب شعبياً من الجولة الأولى، ويوضح خبراء سياسيون عرب أن أردوغان كان المرشح الأوفر حظاً، بسبب شعبيته الهائلة في تركيا، ومساندة الدولة له لاستكمال مسيرته السياسية والاقتصادية، وسط التحديات التي تفرضها الظروف على منطقة الشرق الأوسط، ورغم وجود علامات استفهام كثيرة على طريقة الرجل في سياسته الخارجية، وتحديداً مع الدول العربية، إلا أنه من المتوقع أن يعيد حساباته السياسية، حتى يظل محافظاً على علاقة تركيا بدول الجوار، ويؤكد الخبراء أن أردوغان كان يمكنه الإبقاء على النظام القديم لاختيار رئيس الجمهورية من قِبَل البرلمان، حيث كان سيفوز بفضل الأغلبية التي حققها حزب العدالة والتنمية في البرلمان، لكن مما لا شك فيه، أنه أصبح رئيساً منتخباً من قِبَل الشعب، وهي ميزة تمنحه قوة سياسية أكبر من رئيس منتخب من قِبَل البرلمان. وفي هذا الإطار يقول د. عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، إن المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية تزداد في العراق، وهناك شكوك حول تورط تركيا من خلال تقديم الدعم للقوات الكردية التي تقاتل هناك، وهو ما يعني أن السياسة الخارجية الإقليمية سوف تهيمن على جدول أعمال أنقرة في المستقبل المنظور، وتحديداً بعد أن أصبح أردوغان رئيساً، حيث من المتوقع أن يعمل الرجل على نطاق واسع وأبعد من توطيد سلطته بمجرد توليه منصبه، وتابع، لاشك أن أردوغان محاط بسياسة خارجية صعبة، وهناك شبه مقاطعة مع جيران تركيا وبعض الدول الإقليمية وعلى رأسهم مصر والسعودية، في الوقت الذي كان من المفترض أن يكون فيه موقف تركيا كقوة إقليمية أن تكون مهتمة بتعزيز السلام وحل القضايا العالقة والتأكيد على التعاون الاقتصادي، لكن صنَّاع السياسة التركية أساءوا تفسير مدى تنامي نفوذ القوة الناعمة للبلاد، وتوهم أردوغان أنه قادر على ثقة مفرطة بالنفس على قدرته على تشكيل الديناميات الإقليمية، ويشير إلى أن رد فعل أنقرة على الربيع العربي حتى الآن مزدوجاً وغامضاً، وتركيا اعتمدت مواقف حازمة للغاية تجاه الحكومات العربية التي فشلت من وجهة نظرها في تبني الديمقراطية، لاسيما في مصر وسوريا، وبالتالي فإن المواجهة بين القاهرةوأنقرة ستزداد خلال الفترة القادمة، طالما ظل أردوغان موالياً ومدافعاً عن التيارات المتطرفه مثل جماعة الإخوان المسلمين. ومن جانبه يرى د. وحيد عبد المجيد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن أنقرة أصبحت طرفاً في الصراعات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، ورغم ذلك لا تزال تركيا تدافع عن مواقفها الخارجية، وتزعم أنها تقف على الجانب الصحيح من التاريخ، رغم أن ذلك يعد خروجاً جذرياً عن المبادئ الراسخة للسياسة الخارجية التركية، التي تميل إلى إعطاء الأولوية لمطالب الشعوب ولكن بحذر، وأيضاً بعدم التدخل والمواءمة مع الغرب، وكانت دائماً تعتمد على النقاش حول الجوانب المعيارية للسياسة الخارجية بما يتفق مع مصالحها، وتابع، لا يزال حتى يومنا هذا هناك تحوّل في السياسة الخارجية والعلاقات السلبية من جانب تركيا، وما يحدث مع النظام السوري، وتوتر العلاقات مع مصر والعراق وإسرائيل وليبيا وبعض دول الخليج خير دليل ويتساءل ما الذي ينبغي أن تفعله تركيا في مواجهة هذا التشويش الإقليمي؟، يجيب قائلاً: هناك عدة معايير لابد أن تحققها أنقرة، أبرزها السعي للحد من تداعيات الأخطاء السابقة من خلال إعادة بناء تحالف بين تركيا وجيرانها العرب، والبحث عن فرص حقيقية للعب دور إقليمي، والمضي قدماً نحو إعادة تنظيم استراتيجية مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، ويؤكد أن أردوغان منذ احتجاجات ميدان جيزي، تليها المواجهة الشديدة مع حركة الزعيم الإسلامي فتح الله غولن، يبدو وكأنه كان يريد تدعيم موقفه من الترشح للرئاسة وقياس شعبيته مع المعارضة، والانتخابات الرئاسية الأخيرة تثبت أن الرجل وحزبه العدالة والتنمية مازالا يتمتعان بشعبية لا بأس بها، كما سيعمل الرجل على تحويل تركيا إلى نظام رئاسي، نظراً لأن النظام الحالي وفقاً للدستور تناط السلطة والصلاحيات لرئيس الوزراء. وعن تغيير الدستور وتحويل النظام الحالي في تركيا إلى النظام الرئاسي، يؤكد د. سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن أردوغان إذا لم يتمكّن من تحقيق هذا الأمر سيجد نفسه مقيداً بالمنصب الشرفي في الرئاسة، وغير قادر على ممارسة نفوذه، بسبب العقبات التي قد توضع أمامه من قِبَل المحكمة الدستورية، ويرى أن أردوغان سيحاول ممارسة جميع الصلاحيات حتى الانتخابات العامة المقبلة بالاعتماد على موقف حزب العدالة والتنمية القوي في البرلمان، ورغم أن الحزب الحاكم لا يملك الأغلبية التي تؤهله لتعديل الدستور، لكن إذا تحالف مع قوى أخرى من أجل تحويل البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي، قد يجد معارضة من المحكمة الدستورية التي لن تسمح بأي تجاوز في الحدود الدستورية، وهو ما يعني أن توترات السياسة الداخلية في تركيا سوف تستمر خلال الفترة القادمة، ويوضح أن صعود أردوغان رئيساً للبلاد لأول مرة في التاريخ من خلال صناديق الاقتراع، فإنه من غير المرجح أن يستهل ولايته بالهدوء السياسي أو الاستقرار، وسيظل الصراع السياسي له تأثير على البلاد في المستقبل المنظور، مع استمرار أحزاب المعارضة والسلطات المركزية للتعامل مع بعضها البعض على أساس من الشك والارتياب، ولذلك فإن هذه الأحزاب لن تقبل بسهولة مرور التعديلات الدستورية في صالح أردوغان لتوسيع صلاحياته التنفيذية، أو ترك مستقبل تركيا السياسي بين أيدي العدالة والتنمية. وفي السياق ذاته تشير د. رباب علوان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، إلى أن خطوات تركيا في قضايا منطة الشرق الأوسط يمكن أن تسهم في إعادة هيبتها، ولكن أي انحراف عن هذا المسار سيكون بالتأكيد له عواقب سلبية على أنقرة، مما يزيد من عزلتها عن العالم العربي، وتوضح أن إعلان أردوغان رئيساً تلقي بأهمية توضيح مصير الرئيس السابق عبدالله غول، حيث من المتوقع أن يتم تبادل الأدوار بين الاثنين، حتى يكون هناك نوع من التناغم بين الرجلين في إدارة البلاد، بينما يواجه حزب العدالة والتنمية معضلة العثور على زعيم لملء مكان أردوغان، حيث يتمتع الرجل بكاريزما عالية جعلته الأكثر شهرة وشعبية بين المسئوليين الأتراك السياسيين، كما أنه كان الرجل الأكثر قدرة على الحفاظ على وحدة الحزب وشعبيته في السنوات الماضية، وتؤكد أن تركيا اختارت الرئيس الذي يتمتع بشرعية واسعة النطاق ولكن بصلاحيات محدودة، وبالتالي سيلجأ أردوغان إلى تعديل دستوري محدود لإعادة توزيع السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء،، أو كتابة دستور جديد لتركيا، وإقامة نظام رئاسي برلماني مشترك،، يسمح بتحقيق النتيجة المرجوة.