يلعب حي الحسين دورًا روحيًا بنفوس المصريين وغيرهم، فقد حقق معادلة صعبة من التجانس العجيب بين الروح والجسد، إذ يضم قرابة المائتي جامع، والتي تعد من الناحية التاريخية أهم الجوامع في القاهرة كلها، إلي جانب أكبر أسواق الذهب القديمة في حي الصاغة، وأكبر أسواق العاديات في خان الخليلي، وسوق لبدل الرقص الشرقي التي يفتن بها الزوار.. فضلا عن أنه يضم مجموعة من أروج المقاهي المصرية "الفيشاوي"، التي تقع بقلب الحي وعلى بعد خمسين مترا من جامع الإمام الحسين. وأروع ما يلفت الانتباه بالحي "مسجد الحسين"، الذي يحمل علي واجهته لوحة رخامية كبيرة، كتب عليها الحديث النبوي الشريف: "الحسن والحسين مني.. من أحبهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته". وقد بني المسجد بالحجر الأحمر، على الطراز الغوطى، بينما بنيت مئذنته على نمط المآذن العثمانية، ذات الشكل الأسطواني، ولها دورتان وتنتهى بمخروط.. أما المشهد فله ثلاثة أبواب: بالوجهة الغربية، وباب بالوجهة القبلية، وآخر بالوجهة البحرية، يؤدى إلى صحن به مكان الوضوء. ويشتمل المسجد على خمسة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية، أما محرابه فقد اتخذت قطعه الصغيرة من القيشانى الملون، بدلا من الرخام، وهو مصنوع عام 1303 ه، وبجانبه منبر من الخشب يجاوره بابان يؤديان إلى القبة، وثالث يؤدى إلى حجرة المخلفات التي أودعت فيها المخلفات النبوية. ويحوي أكبر نجفة في العالم العربي، والتي يصل وزنها إلى خمسة أطنان، من الكريستال المحلى بالذهب الخالص، وقوائمه من الفضة الخالصة. أما المشهد الحسينى الذي أنشئ لينتقل إليه رأس الحسين بن على بن أبى طالب، فتعلوه قبة حليت من الداخل بالنقوش الملونة التى يتخللها التذهيب. ويعد من أهم ما عثر عليه فى المشهد الحسينى، تابوت خشبى رائع، وجد فى حجرة أسفل المقصورة النحاسية، وسط القبة، يتوصل إليها من فتحتين صغيرتين بالأرضية، وهو مصنوع من خشب التك المستورد من جزر الهند الشرقية، وقد قسمت وجهته وجانباه إلى مستطيلات يحيط بها ويفصلها بعضها عن بعض إطارات، محفورة بالخطين الكوفى والنسخ المزخرفين، وتجمعت هذه المستطيلات على هيئة أشكال هندسية بداخلها حشوات مزدانة بزخارف نباتية دقيقة تنوعت أشكالها وأوضاعها. وفي نهاية كل أسبوع، تعقد بالمسجد "الحضرة"، التي تتلي فيها الأناشيد التي تصلي علي النبي الكريم وتطلب المغفرة من الرحمن، حيث يقوم أحد الأشخاص بالإنشاد بطريقة التواشيح ويقوم الحاضرون بالترديد خلفه والتمايل والتصفيق وتطلق النساء الزغاريد بين الحين والآخر. أسواق الحسين وفي مواجهة ساحة المسجد، وفي الممرات الجانبية لها، تقع العديد من الأسواق، لبيع منتجات خان الخليلي، والأكسسوارات المختلفة ذات الاشكال الإسلامية والفرعونية، ومحلات بيع ورق البردي والتحف، والعطور المختلفة من عربية وآسيوية وأوروبية، كما تعتبر بدل الرقص سلعة رائجة في منطقة الحسين، وتشهد إقبالاً من المصريات والأجانب بشكل خاص. إلا أن سوق خان الخليلي تعد من أشهر أسواق الشرق عمومًا وحي الحسين بوجه الخصوص، والتي أنشأها الأمير جهاركس الخليلي، الذي كان كبير التجار في عصر السلطان برقوق عام 1400.. وقد تم بناؤه فوق مقابر الخلفاء الفاطميين بجوار القصر الشرقي.. وتعرض البضائع في الخان بالأسلوب ذاته الذي تميزت به القاهرة القديمة. ويعد حي خان الخليلي واحدًا ضمن ثماني وثلاثين سوقاً، كانت موزعة أيام المماليك على محاور القاهرة، ويقع وسط المدينة القديمة. ويشتمل الخان علي الحرف التقليدية والتراثية، ومئات العمال والحرفيين، الذين يمتهنون الحرف اليدوية، مثل: السجاد، والسبح، والكريستال، وصناعة البردي، وصناعة الحلي الذهبية والفضية، والتمائم الفرعونية. كما يضم الخان مكانًا مخصصًا للمصنوعات الجلدية والنحاسية والأكسسوارات التاريخية كالسيوف، والخوذات النحاسية، والأحزمة. وتباع بأسواقه البخور المستوردة من السودان، وبخور الكسبرة التي يطلق عليها اسم "الفك والفكوك"، أي أن من يشمها تذهب عنه العقد بلا رجعة.. إضافة إلي أوراق البردي التي تحمل رسومًا وكلمات هيروغليفية، وتمائم، وأيقونات، وقصائد غزلية، ونقوشات تروي حكاية إيزيس وأوزوريس، والمسابح بمختلف أنواعها: المصنوع ببذر الزيتون والبلاستيك، أو المصنوع من الفيروز والمرجان والكهرمان وخشب الصندل. ساعات تنقضي بحي الحسين، دون الشعور بها من روعة وعبقرية المكان، الذي ما إن ذهبت إليه حتي يظل محفورا بذاكرتك، حتي يناديك مرة أخرى فتذهب ملبياً النداء.