هناك من يري أن انتشار الجامعات الأمريكية يتواكب مع حملة أمركة المنطقة، وإخضاع نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنهج الأمريكي. علي الرغم من المعارضة الشديدة التي تلقاها سياسية الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط خاصة المنطقة العربية؛ فإننا نجد إقبالا وتأييدا متزايدا للتعليم الأمريكي من الطلاب علي الالتحاق بالجامعات الأمريكية في المنطقة. ما الذي يفسر سعي عدد متزايد من العرب - أكثر من أي وقت مضي- إلي الالتحاق بهذه الجامعات؟ رئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة يري أن السبب بسيط، إذ يقول: "ثمة طلب كبير ومتزايد علي المعايير عالية الجودة للتعليم العالي الأمريكي"•• أما رئيس الجامعة الأمريكية في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، فقال: "إنهم معجبون بالمؤسسات الأمريكية، وبالتعليم الأمريكي، وبالانفتاح الذي يميز مجتمعنا". ومؤخرا نشرت جامعة الاتصالات في شنجهاي لائحة افضل الجامعات للعام 2010وقد هيمنت علي اللائحة التي تضم 500 جامعة، الجامعات الأمريكية التي احتلت 17 من المراتب ال19 الأولي؛ وتعتمد هذه المعايير بشكل أساسي علي الأداء في مجال الأبحاث علي حساب التأهيل، مثل عدد جوائز نوبل وجوائز فيلد (التي تعادل نوبل للرياضيات) والمقالات التي نشرت في مجلات علمية تصدر بالإنجليزية حصرا؛ مثل: "نيتشر"، و"ساينس". إن وجود الجامعات الأمريكية في الدول العربية من شأنه العمل علي التواصل بين الثقافات المختلفة، وهو أمر حيوي وتنويري، ثم إن هذه الجامعات لها سمعة علمية لا يمكن تجاهلها، مقابل تدني مستوي التعليم في بلادنا القائم علي التلقين والحفظ ، في حين - وهذا ما ثبت بالتجربة العلمية - أنه في تلك البلدان التي توجد بها الجامعات الأجنبية، تقوم أنظمة التعليم علي الابتكار وتشجيع البحث العلمي وتنمية المواهب والملكات الفردية ودعم الموهوبين والعمل في إطار الجماعة. والحقيقة أن الجامعات الأمريكية تقدم دليلاً علي نشر قيم الديمقراطية والليبرالية في الشرق الأوسط، والمشاركة في حوار إيجابي مع الولاياتالمتحدة؛ فتدرس المرأة إلي جانب الرجل، وتفتح برامج تعليمية متخصصة في الصحافة علي النمط الغربي، وتقدم برامج ومناهج في الرأسمالية والعلوم والاقتصاد والسياسة؛ وتوفر ساحة للنقاش السياسي والثقافي الحر. وقد قام معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني بإعداد دراسة لتقييم وضع الجامعات التي تتبع نظام التعليم الأمريكي في المنطقة العربية، وكان عنوانها: "تقييم لنظام التعليم الجامعي الأمريكي في الدول العربية"، وقام بإجراء الدراسة د. شفيق جبرا رئيس الجامعة الأمريكية السابق في الكويت والباحثة مارجريت أرنولد المتخصصة في شئون الاتصال الدولي والتسويق، وشملت الورقة البحثية 13 دولة عربية واستبعدت لبيبا وتونس واليمن والعراق وإيران لعدم وجود مؤسسات تعليمية جامعية لديها تتبع نظام التعليم الأمريكي.. وقامت الدراسة بعرض تاريخي لظروف نشأة الجامعات التي تعمل بالنظام الغربي Western Style والتي بدأت في أوائل القرن التاسع عشر عندما بدأ بعض المثقفين العرب في تطبيق الأنظمة الغربية في التعليم الجامعي. وتشير الدراسة إلي أنه قبل الحادي عشر من سبتمبر كانت العديد من العائلات العربية ترسل أبناءها إلي الولاياتالمتحدة وأوروبا لاستكمال دراستهم الجامعية، إلا أن الإجراءات الجديدة التي طورتها الحكومة الأمريكية جعلت الحصول علي تأشيرات الطلبة أمرًا صعبًا؛ فقد يتطلب الأمر شهورًا للحصول علي التأشيرة، خاصة مع الأسماء المتشابهة مثل محمد وأسامة وعبد الله مما يحول دون وصول الطلبة في المواعيد المحددة لبدء الدراسة. ووضعت الدراسة أربع سمات تميز نظام التعليم الأمريكي عن غيره من الأنظمة التعليمية العربية، أولها: أن المنهج الدراسي في النظام الأمريكي مفتوح وغير ثابت يرحب بإسهامات الآخرين.. والسمة الثانية: أن هدف المؤسسة التعليمية في النظام الأمريكي ليس تأهيل الطلبة لسوق العمل، بل تخريج كوادر مثقفة قادرة علي صناعة التغيير في المجتمع تؤمن بالتطوير المستمر، والنقد الذاتي.. والثالثة: أن الطلبة هم الأولوية الأولي في المؤسسة التعليمية الأمريكية، وأنهم شريك أساسي في تطوير تلك المؤسسة.. أما السمة الرابعة والأخيرة، فهي: الاهتمام الكبير بأعضاء هيئة التدريس ومتابعتهم بشكل دوري. وصنفت الدراسة الجامعات التي شملها البحث التقييمي إلي أربع فئات؛ الأولي: هي الجامعات الأمريكية التي تطبق التعليم الأمريكي، والفئة الثانية: هي فروع الجامعات الأجنبية، والثالثة: هي جامعات محلية وقعت اتفاقيات مع مؤسسات تعليمية دولية تطبق النظام الأمريكي، والفئة الرابعة: هي جامعات محلية تعتمد اللغة الإنجليزية كلغة الدراسة الأولي. وهناك من يري أن انتشار الجامعات الامريكية يتواكب مع حملة أمركة المنطقة، وإخضاع نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنهج الأمريكي، ويدلل هؤلاء علي كلامهم بتلك التقارير التي صدرت عن مراكز "راند" الأمريكي للدراسات الاستراتيجية، وفيها مطالب صريحة بضرورة ممارسة الإدارة الأمريكية ضغوطا علي الدول العربية والإسلامية والخليجية خاصة للسماح للجامعات الأمريكية والأوروبية بإقامة فروع لها في الأراضي العربية، بهدف تغيير المنظومة القيمية والثفافية لشعوب المنطقة وتقريبها من الثقافة والهوية الأمريكية. فدراسة "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني" - المشار إليها - وصفت الجامعات الأمريكية في الدول العربية بأنها ليس لديها أي اتصال مع المجتمع الخارجي، وكأن هناك حائطًا عازلاً وهميا بينهما، وهذا بدوره يؤدي إلي تخريج طلبة غير قادرين علي التعامل مع الواقع الخارجي، وأن العديد من الجامعات التي تتبع النظام الأمريكي في المنطقة تتجاهل لعب دور في المجتمع ويبقي الطلبة أسري لجدران معاملهم دون أدني تواصل مع المجتمع أو تأثير فيه. قضية أخري يسوقها المعارضون، وتتمثل في هدف الغرب بسحب البساط من تحت أقدام اللغة العربية، حيث يمنع الطلاب في هذه الجامعات من التحدث باللغة العربية أثناء فترة الدراسة رغم وجود هذه الجامعات علي أراض عربية وبتمويل عربي، لهذا سنجد أن كثيرين من الطلاب العرب الدارسين في هذه الجامعات لا يجيدون لغتهم " العربية" ويفضل معظمهم التحدث بالإنجليزية. في اعتقادي أن هذا الجدل - بين مؤيد للتعليم الأمريكي ومعارض له - لن يتوقف في المستقبل القريب، خاصة أن كل رؤية تقدم حجتها وأسانيدها التي تبرهن علي صحة موقفها ووجهة نظرها، لكن المؤكد أن التطرف الديني والفكري نشأ نتيجة أسباب ليست لها علاقة بوجود الجامعات الأمريكية داخل الدول العربية، ثم إن الانعزال والانغلاق والانكباب علي الذات ليس السبيل الأمثل للحفاظ علي هويتنا، ثم إن التواصل مع الآخر المتقدم لا يعني انسلاخنا من ثقافتنا وقيمنا بل العكس هو الصحيح.