عدد من الملفات الساخنة والشائكة والمعقدة في انتظار الرئيس المصري الجديد، في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تعيشها مصر، ويأتي على قائمة الأولويات ملف العلاقات المصرية الأمريكية، حيث تشهد هذه العلاقة منذ ثورة 25يناير حالة من عدم الاستقرار الواضح إضافة إلى الارتباك والضبابية في طبيعة تعاطي واشنطن مع مستجدات الأوضاع والمتغيرات في مصر، بدايةً من دعم الولاياتالمتحدة للرئيس الأسبق حسني مبارك حتى اللحظات الأخيرة من أيام حكمه باعتباره رجل أمريكا الأول في المنطقة، وعقب انتصار الثورة الشعبية في 25يناير، أصبح للشعب المصري كلمته في توجيه دفة السياسة الخارجية، فأجبرت الولاياتالمتحدة على الانحياز الظاهري للثورة والشعب، إلا أن التوتر في العلاقات ظل يتصاعد منذ فترة حكم المجلس العسكري، ثم سعت الإدارة الأمريكية للتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل تأمين مصالحها، خاصة بعد مساندتها للجماعة بواسطة قطر لتمكينهم من الصعود للحكم ليقينها أن الإخوان هم الحكام الجدد لمصر، فشهدت مرحلة حكم الرئيس السابق محمد مرسي انسجاماً ظاهرياً فرضته مبادئ الديمقراطية التي تتظاهر بها، وأخفت وراءها العداء الأمريكي تجاه الحركات الإسلامية وتجاوزته تماماً، وبعد ثورة 30 يونيو وتحرك الجيش وعزل الرئيس السابق محمد مرسي، شهدت العلاقات المصرية الأمريكية توتراً وحالة من الارتباك، إلى الحد الذي وصلت فيه إلى حالة من العزلة والقطيعة وعلقت فيه الإدارة الأمريكية برنامج المعونة، وفاقم من حالة الجمود بين البلدين توجه مصر لاستعادة العلاقات مع روسيا بعد انقطاع دام 40 عاماً، مما أغضب الإدارة الأمريكية كون مصر تتحالف مع عدوتها روسيا، وتقوي موقفها في المنطقة خاصة مع حالة الشد والجذب بين روسياوأمريكا في الأزمة السورية، ورغم محاولات الحكومة الانتقالية لترميم العلاقة إلا أن الطرف الأمريكية ظل في موقفه، ولا يلوح في الأفق أي مؤشر للتقارب بين البلدين، مما يؤكد أن الرئيس القادم سيحتاج إلى جهد لمعالجة الملف الأمريكي. في هذا السياق يقول حسن بدراوي مسئول العلاقات الخارجية في حزب الوفد: إن السياسة الأمريكية تجاه مصر تتسم بالضبابية وعدم الوضوح، ولن تتغير كثيراً عقب الانتخابات الرئاسية وقدوم رئيس جديد منتخب، وتابع: "بدراوي" لن يكون هناك وضوح في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه مصر إلى أن تتم الانتخابات البرلمانية ويكتمل تنفيذ "خارطة الطريق". ويرى بدراوي أن تركة العلاقات الخارجية ستكون من أثقل المهام التي تنتظر الرئيس القادم، وخاصةً العلاقات مع أمريكا، مشيراً إلى ضرورة إعادة تقييم العلاقات المصرية الأمريكية بشكل يجعلها تتسم بالندية وليس التابعية، مع ضرورة تقليل الاعتماد على المساعدات الأمريكية. ويؤكد مسئول العلاقات الخارجية بخزب الوفد على ضرورة أن يقوم الرئيس القادم بتعديل شامل وجوهري للعلاقات الخارجية المصرية، والتركيز على المحور العربى المشترك، وتفعيل قوة جامعة الدول العربية في مواجهة الضغوط الأمريكية، ويضيف على الرئيس القادم تبني استراتيجية واقعية وشاملة للعلاقات الخارجية، والعمل على نطاق واسع، وفي العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، بينما يشير بدراوي إلى أن الإدارة الأمريكية ستلوح بقدر من الضغوط تحت دعوى ضمان المسار الديمقراطي في مصر، وتنفيذ خارطة الطريق، وتابع: مجيء المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، لن يؤدي إلى تغيير سياسات الولاياتالمتحدة الملتوية تجاة مصر، فالأمر يتوقف على مدى نزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية القادمة، مؤكداً على ضرورة الوحدة والتماسك الداخلي بين القوى السياسية والشعبية، والالتزام بتنفيذ خارطة الطريق وإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها بكل نزاهة وشفافية، لافتاً إلى أن ذلك سيكون له عظيم الأثر على نظرة العالم إلى مصر، ويعطي مؤشراً على أن البلاد تسير في طريق الديمقراطية. وفي رأي السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الخطوة الأولى التي يجب أن يقوم بها الرئيس القادم هي تنفيذ وإدراج دبلوماسية نشطة على المستوى الأوروبي والأمريكي، وتابع: ملف العلاقات الخارجية ملف ثقيل ويحتاج إلى عمل مكثف ودؤوب على كافة الأصعدة، حتى تتغير وجهة النظر الخارجية تجاه ما يحدث في مصر. ويشير مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى ضرورة أن تقوم الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس القادم بتعريف طموحات الشعب المصري وإرادته للعالم، وتقول: إنه أصبح لمصر رئيس جديد اختاره الشعب، ويعمل على التقدم نحو الاستقرار والمستقبل، وتابع: من الضروري التوضيح لدول العالم كيف تسير الأمور في مصر، وكيف انتخب الشعب الرئيس في انتخابات حرة ونزيهة، ليكون الأمر كله واضحاً وشفافاً أمام العالم. ويقول هريدي: إن أغلب دول العالم وبالأخص الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، تضع النظام المصري تحت الاختبار والمراقبة، لتحدد موقفها مما يحدث في مصر، وكيفية التعامل مع النظام الحالي وتقديم المساعدات وضخ الاستثمارات، وتحدد ما إذا كان ما حدث بمصر هو انقلاب أم انحياز لإرادة الشعب، وتابع: على الرئيس القادم أن يكثف العمل الدبلوماسي المصري بالشكل الذي يعطي الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة وكل العالم، الثقة في أن البلاد ماضية نحو الاستقرار والتحول الديمقراطي، متوقعاً أن تشهد العلاقات المصرية الأمريكية تغيراً ملحوظاً عقب انتخاب رئيس جديد. بيد أن الإدارة الأمريكية تتجه إلى تغيير سياستها تجاه مصر تدريجياً، كما يرى عبد الرؤوف الريدي رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، والذي يؤكد أن سبب هذا النهج الأمريكي المشوب بالضبابية، هو وجود رئيس مؤقت في مصر، لافتاً إلى أن الإدارة الأمريكية على قناعة أنه يجب التعامل مع الرئيس الشرعي القادم. ويشير الريدي إلى أن الإدارة الأمريكية تتبع نظرية "مسك العصا من النصف" لأنهم دائماً ما يدعون عدم وضوح الموقف في مصر، وينتظرون التأكد من التزام النظام القائم بالمسار الديمقراطي، وتنفيذ بنود "خارطة الطريق"، وتابع: الإدارة الأمريكية ستقيم سياسة الرئيس القادم، سواء كان المشير السيسي أو حمدين صباحي، ومدى انسجامها مع مصالحها، وبناء عليه ستتحدد ملامح السياسة الأمريكية الجديدة تجاه مصر، ويؤكد أن أغلب الدبلوماسيين الأمريكان غير موافقين عن سياسة أمريكا تجاه مصر، وتعليق المساعدات العسكرية حتى لا تخل بأمن المنطقة. من جانبها تقول د.تمارا ويتس مديرة مركز صابان للسياسة في الشرق الأوسط: إنه على الولاياتالمتحدة أن تعطي لمصر مساحة من حرية الحركة، وألا تسارع الإدارة الأمريكية في مطالبة الرئيس القادم باستئناف التعاون الاستراتيجية بين البلدين، مع سعي الدبلوماسية الأمريكية للحفاظ على التعاون الاستراتيجي مع مصر، ورسم رؤية واضحة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة في ضوء المتغيرات على أرض الواقع. وبرأي مديرة مركز صابان، فالعلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة يجب أن تأخذ طابع الشراكة، وليس صفقة بين واشنطن ورئيس استبدادي بحكم مطلق كما كان مبارك، لافتةً إلى ضرورة ألا تقتصر علاقة الإدارة الأمريكية فقط مع الرئيس القادم، بل يجب أن تتوسع لتشمل القوى السياسية المختلفة بمختلف توجهاتها وأيديولوجياتها، وتابعت: هناك عوامل ثابتة في علاقات مصر بالولاياتالمتحدة تجعل من المنطقي ألا تتأثر الشراكة الاستراتيجية بين البلدين باسم الرئيس القادم. وتشير ويتس إلى ضرورة أن تحدث الإدارة الأمريكية نوعاً من التوازن بين اقترابها من العسكر الذين تحتاج إليهم للحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل واستقرار المنطقة، وبين التقارب مع جماعة "الإخوان المسلمين" كقوة موجودة في الشارع، وتضيف: نقطة التحول الحقيقية التي تواجه العلاقات المصرية الأمريكية تتعلق بقرار الإدارة الأمريكية إن كانت ترغب في العودة إلى سياساتها القديمة .. ستكون قائمة على التعامل والتفاوض فقط مع النظام الحاكم والرئيس القادم، وإهمال القوى السياسية الأخرى والشعب المصري..؟ ويرى الدكتور أيمن شوقي الباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الإدارة الأمريكية تفضل التعامل مع المشير عبد الفتاح السيسي كرئيس للجمهورية عن حمدين صباحي، وذلك من منطلق خبرة المشير السيسي بكيفية إدارة الدولة المصرية، وقدرته على استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة الذي يعتبر هدفاً استراتيجياً للإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى انتمائه للمؤسسة العسكرية التي تربطها بالإدارة الأمريكية علاقات استراتيجية قوية لا تستطيع الولاياتالمتحدة التضحية بها. ويؤكد "شوقي" أن الأهم من اسم الرئيس القادم، هي رؤيته الاستراتيجية التي سيتبناها تجاه العلاقات المصرية الأمريكية، وطبيعة الحوار الاستراتيجي بينه وبين الأمريكان، وكيفية تعاطيه مع المصالح الأمريكية في المنطقة واتفاقية كامب ديفيد، ومدى قدرته على إحداث توازن في العلاقات بين البلدين، وأن يكون التعاون المصري الأمريكي مبني على المصالح المشتركة، وفي إطار من الندية والمعاملة بالمثل.