تشهد العلاقات "الاستراتيجية" المصرية الأمريكية حالة توتر وقطيعة منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي من الحكم في أعقاب ثورة 30 يونيو، فقد اعتبرتها واشنطن انقلاباً عسكرياً بقيادة وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي مرشح الرئاسة حالياً على الشرعية الديمقراطية والدستورية، بينما اتهمت القاهرة الإدارة الأمريكية بالتدخل في الشأن المصري ودعم جماعة الإخوان المسلمين، من خلال الهجوم على الحكومة المؤقتة والتغاضي عن الأعمال التخريبية التي تقول القاهرة أنها من تخطيط الجماعة الإسلامية التي تصفها بالجماعة الإرهابية. واتخذت العلاقات بين البلدين مساراً آخر في ناحية التصعيد بأن قطعت واشنطن برنامج المعونة الأمريكية البالغ مليار و300 مليون دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية، في مسعى لفرض عقوبات على مصر بجانب عزلها دولياً وذلك بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي. مما دفع القاهرة في الاتجاه شرقاً إلى روسيا بجانب تعزيز علاقاتها مع دول الخليج العربي والإمارات والكويت والمملكة العربية السعودية، في خطوة لتنويع مصادر الدعم. وكانت العلاقات المصرية الأمريكية شهدت تطوراً كبيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين من خلال التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث عملت دبلوماسية الدولتين على إيجاد إطار مؤسسي يتسم بصفة الاستمرارية وهو ما يُطلق عليه الحوار الاستراتيجي، لتحقيق التفاهم بين البلدين بمعزل عن التفاصيل اليومية لإدارة العلاقات المصرية الأمريكية. وبدأت العلاقات العسكرية بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية منذ عام 1976، وما لبثت هذه العلاقات أن تطورت حتى أصبحت مصر تحتل المركز الثاني في قائمة الدول التي تتلقى معونات عسكرية أمريكية، بعد التوصل إلى اتفاق بين البلدين يتم بمقتضاه تنفيذ خطة تطوير القوات المسلحة المصرية، والذي أصبحت مصر بموجبه من بين الدول التي تستطيع الحصول على قروض أمريكية لشراء سلاح أمريكي وهي القروض المعروفة باسم قروض المبيعات العسكرية الأجنبية. وترجع بداية المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر إلى أوائل سنوات ثورة يوليو عام 1952 وبالتحديد عقب صدور القانون الأمريكي العام للمعونة رقم 480 لسنة 1953 والذي تم إقراره بدافع المحافظة على مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في الشرق الأوسط، إلى أن قامت الولاياتالمتحدة في أواخر عام 1956 بتجميد المعونة وسحب عرضها لتمويل مشروع السد العالي لعقد مصر صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا. إعادة تقدير الموقف وعادت الولاياتالمتحدة لتكرار ما فعلته عام 1956 وجمّدت المعونة والمساعدات، بعد 30 يونيو، ورجح دبلوماسيون مصريون أن واشنطن أخطأت في تقدير ما حدث في القاهرة بعد عزل محمد مرسي، مؤكدين أنها بدأت الآن تراجع الموقف من جديد، خاصة بعد ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها من محاولات اغتيال ومن تظاهرات دموية ومن أحداث عنف وإرهاب حوّلت القاهرة لساحات حرب، هذا بالإضافة إلى خوف أمريكا من التقارب المصري الروسي الذي يهدد مصالحها في الشرق الأوسط. ويرى سفير مصر الأسبق في البعثة الدائمة للأمم المتحدةوواشنطن جلال الرشيدي، إن العلاقة بين القاهرةوواشنطن "شبه استراتيجية"، وذلك منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات وصار على خطاه أيضاً الرئيس السابق حسني مبارك، ويشير إلى أن التأييد الأمريكي ظهر جلياً مع بداية عهد الرئيس المعزول محمد مرسي إلى أن جاءت ثورة 30 يونيو، لتشهد العلاقة توتراً بين القاهرةوواشنطن بسبب محاباة الولاياتالمتحدة للجماعة، ويقول: أن مصدر تلك المحاباة أن الجماعة تملك آلة تنظيمية في الخارج منذ فترة طويلة كون أن لديهم أعضاء مقيمين هناك، كما أن لديهم اتصالات بالأحزاب السياسية في أمريكا والكونجرس والصحافة، ويمتلكون إمكانيات مالية لا حد لها، فهو تنظيم تمتد أفرعه إلى 80 دولة وبالتالي يستطيعون أن يشتروا أي صحيفة، لدرجة أن الواشنطن بوست والإندبيندنت في لندن اتخذوا خط مهاجمة الإدارة المصرية، متسائلين كيف تقوم الحكومة المصرية بقمع متظاهرين سلميين..؟ في إشارة إلى أنصار جماعة الإخوان والرئيس المعزول. ويضيف الرشيدي: نحن كدبلوماسية مصرية نضع في اعتبارنا أن أمريكا دولة كبيرة ورائدة اقتصادياً وعسكرياً وأننا لا نرغب في أن نفقدها، خصوصاً الرأي العام الأمريكي، والوفد الدائم في الأممالمتحدة يقوم بدور كبير، والجالية المصرية الموجودة في واشنطن تقوم أيضاً بدور، في حدود إمكانياتهم، بخلاف الوفود الرسمية المشكلة من الخارجية، السياحة والتجارة إضافة إلى وفود شعبية جميعها خرجت من القاهرة وزارت الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول لشرح أبعاد التغييرات التي حدثت في مصر، ويتابع: لدينا علاقات مع البعض في أمريكا على الأقل جزء في الصحافة والكونجرس والبنتاجون، فكل تلك الروابط نحن نستخدمها في أننا نوضح وجهة نظرنا تجاه ما يحدث للرأي العام الأمريكي سواء الشعبي أو الرسمي. وأرجع السفير الرشيدي غضب الإدارة الأمريكية على مصر بسبب التقارب مع روسيا، وهو سبب قراراها في تعليق المساعدات الاقتصادية والعسكرية، غير أنه يؤكد على أن من حق الدبلوماسية المصرية الانفتاح على جميع الدول،وبالتالي بدأنا نوطد العلاقات مع روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، الدول الأخرى التي نستطيع أن نفتح معها آفاق تعاون سياسي وعسكري إضافة إلى العلاقات الاقتصادية وفتح أسواق تجارية. ويستبعد الرشيدي أن يكون ترشح المشير عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية المقبلة، تأكيدا على أن ما حدث في 30 يونيو2013 "انقلاباً" وليس ثورة، وتابع: الإخوان يُصدرون للإدارة والرأي العام الأمريكي، أن ما حدث في مصر انقلاب وأن ذلك ليس بالشيء الجديد، موضحاً أن الإخوان ينتهجون الكذب في كل شيء وهنا يأتي دور الدبلوماسية والإدارة المصرية لتوضيح حقيقة الأمور. أطوار مختلفة للعلاقة ويشير عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وهيب المنياوي، إلى إن العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة مرت بأطوار مختلفة، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت العلاقات في بدايتها مشجعة وانتهت بخلاف كبير لأن عبد الناصر لم يكن يقبل فرض أي قرارات خارجية عليه، وبالتالي أوقفت الإدارة الأمريكية تمويل السد العالي ولجأت مصر للاتحاد السوفيتي في هذا الوقت وتغيرت شكل العلاقة تماماً بين القاهرةوواشنطن، ثم جاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي اعتبر أن أوراق اللعبة بالنسبة للمشكلة الفلسطينية بنسبة 99% مع الولاياتالمتحدة وبالتالي بدأت العلاقات تتحسن بعد أن كانت مقطوعة، وتطورت جداً إلى حد أن الرئيس كارتر دعا السادات لزيارة واشنطن وانتهت في كامب ديفيد إلى توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، وهذه المعاهدة كانت السبب في إقراراها أن أمريكا وعدت بمساعدات لمصر، واستمرت هذه المساعدات إلى أن قامت ثورة 25 يناير، ولفت إلى أن هذه المساعدات كانت عبارة عن منح اقتصادية وعسكرية، وبالتالي نستطيع القول أن العلاقات بين البلدين في هذا الوقت كانت "استراتيجية" ، وبعد الثورة تصورت الولاياتالمتحدة وفق رؤيتها أن الإخوان المسلمين هم الإسلام المعتدل كما يقول المنياوي خاصة وأنها عانت من الإسلام المتطرف فوضعت رهانها على الإخوان، وظلت تراهن عليهم إلى أن قال الشعب المصري كلمته في 30 يونيو. وفسرت ذلك بأنه انقلاب، مشيراً إلى أن أمريكا حينما أيّدت الإخوان المسلمين ليس حباً في تغيير راديكالي، بل تصورت أن هؤلاء هم الإسلام المعتدل إذا ما قورنوا بالقاعدة والجهاد إلى آخره من الجماعات المتطرفة. ووصف الإدارة الأمريكية بأن لديها قصور في تقييمها لعزل مرسي، فليس من المعقول أن لايستطيع 30 مليون شخص التعبير عن إرادتهم، لمجرد أن المعزول كان منتخب – مع الشك في انتخابه - موضحا أن هتلر كان منتخب، فلا نستطيع أن نُعلي فكرة أنه منتخب على إرادة شعب بأكمله، وبالتالي اتخذت واشنطن قرارها بتجميد جميع مساعداتها السنوية لمصر وحتى المساعدات العسكرية التي تساعد القوات المسلحة المصرية في ضرب التطرف الموجود في سيناء ممثلاً في القاعدة التي عانت منها أمريكا وجبهة النصرة وبيت المقدس إلى أخره من الجماعات المتطرفة. وأرجع تأييد واشنطن للإخوان لكونها جماعة منظمة ومؤسسة من عام 1928 أي منذ ما يقرب من 85 عاما، فهم أكثر تنظيماً وتمويلاً من ال 80 حزبا الذين ظهروا على الساحة المصرية بعد 25 يناير، وبالتالي تصورت أمريكا أن تستطيع أمريكا أن تعتمد عليها، ويشير إلى أن واشنطن بصدد إعادة تقييم للموقف لكن البنتاجون ووزارة الخارجية يؤكدان على عدم إضعاف العلاقات المصرية الأمريكية لأن مصر وضعت خارطة طريق بناء على رغبة وإرادة شعبية واضحة، إلا أن الرئيس أوباما لديه وجهة نظر مخالفة للاثنين وتابع :ورغم تفاؤلنا الكبير به في بداية حكمه لكنه أثبت أنه يتم التأثير عليه، موضحاً أن الإخوان وصلوا بقدرتهم التنظيمية وقدراتهم المالية بأن لهم أشخاص يؤثرون على قرار البيت الأبيض. ويصف مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدي العلاقة بأنها تمر بفتور، ويعزي ذلك إلى أن الوضع الأساسي لم يتغير، وهذا التغيير لابد أن تكون له بوادر مثل إلغاء العقوبات التي تفرضها واشنطن على القاهرة، سواء اقتصادية أو عسكرية، بجانب أن هنالك تصريحات من جانب الطرفين ولكنها تظل تصريحات، غير أنه يؤكد سعي الدبلوماسية المصرية لحل تلك الأزمة، مشيراً إلى أنها تقوم بدورها على أكمل وجه وتتحرك على كافة الأصعدة. ويستبعد هريدي تأثر العلاقة بحالة التقارب المصري الروسي قائلاً : إنه ليس تقاربا بالمعنى الواضح، والتقارب لابد أن ينعكس في شكل قرارات ملموسة أو مساعدات بين البلدين، وهذا لم يحدث، مؤكداً ما حدث أن الإدارة المصرية تحاول أن تجعل هناك توازن في السياسة الخارجية المصرية ، ويقول هريدي أنه كان يتمنى عدم ترشح المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، موضحا انه كان يتمنى أن يؤجل ترشحه لجولة أخرى غير هذه ، مشيرا إلى أن ذلك أعطى حجة لجماعة الإخوان الإرهابية لتردد أن ما حدث في 30 يونيو "انقلاب". إلا أن الإدارة الأمريكية، لها سياسة معينة ، تنبع من إستراتيجية واضحة نحو منطقة الشرق الأوسط، وهذه الإستراتيجية ظهرت في السنوات الأخيرة بشكل يعمل على هدم الوحدة الوطنية لعدد من دول المنطقة ومن بينها مصر هذا ما قاله مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير أحمد فتحي أبو الخير، ويؤكد أن تلك الاستراتيجية ظهرت بشكل واضح بعد 30 يونيو، حيث اعتبرت الإدارة الأمريكية أن ما حدث في مصر "انقلاب"، مشيراً إلى أن الموقف الأمريكي منذ ذلك الوقت اتخذ سياسة معادية للتطورات في مصر والذي يتجه نحو انتخابات ديمقراطية ونحو تنفيذ خارطة الطريق، مؤكدا أن المسؤولين المصريين أوضحوا الموقف تماما لدول العالم وللاتحاد الأوروبي بأن ما حدث في مصر هو تصحيح لثورة 25 يناير، وأن ما حدث هو ثورة شعبية وليس انقلاباً، وأن ذلك كان استجابة لمطلب الشعب بأن استبعد الجماعة الإرهابية عن السلطة. ويشير إلى أن الموقف الأمريكي تشكل بصورة سلبية لهذه المطالب، وأن السياسية الأمريكية ماضية في طريقها للضغط على الإدارة المصرية لكي تتماشى مع أهدافها. ويؤكد أن حالة التقارب المصري الروسي كان أحد العوامل التي عجلت بحالة الفتور التي تشهدها العلاقات المصرية الأمريكية، ولكنها ليست السبب الرئيسي في سياسة واشنطن مع القاهرة. ويرى أن ترشح السيسي في الانتخابات الرئاسية، جاء استجابة لمطلب شعبي وليس قفزاً على السلطة، وأنه إذا لم يكن هناك أصوات تنادي بترشح المشير لِما ترشح، موضحا أن السيسي يرشح نفسه كرجل مدني ومن حق أي مواطن أن يترشح طالما يرى في نفسه القدرة على ذلك.