إن الغريب في الأمة أن عدد هؤلاء تعدي الآلاف من الموظفين وهو ما يشير إلي أن مصر تعاني من أزمة ضمير في جميع المجالات! هذا ما كشفته دراسة "نحو مجالس شعبية محلية فاعلة" من تورط مسئولين بمختلف مستويات الإدارة المحلية من بينهم محافظون ورؤساء مراكز وأحياء ومدن وسكرتيرو عموم المحافظات ومساعدوهم ومديرو مديريات الخدمات وغيرهم في عمليات فساد كبري في المحليات مما يؤثر بطبيعة الحال في عمليات التنمية المحلية بالسلب، بل وبالفعل تمت إحالة عدد من المحافظين إلي المحاكمات القضائية . قالت الدراسة الصادرة عن مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية إن القطاع الخاص يعتبر طرفا في الفساد المنتشر بوحدات الإدارة المحلية، حيث يتعلق الأمر بتنفيذ آلاف المشروعات الخدمية والتنموية من خلال المناقصات والأمر المباشر، وهو مجال خصب للتلاعب من قبل كبار وصغار المسئولين بالإدارة المحلية، بل إن الأعضاء المنتخبين في المجالس الشعبية المحلية طرف في هذه الانحرافات . وأن بعض المحافظين والمسئولين بالإدارة المحلية شكا من تدخل هؤلاء الأعضاء للضغط من أجل اختراق القوانين لمحاباة المقاولين والموردين الذين تتعاقد معهم وحدات الإدارة المحلية ومديريات الخدمات التي يدخل نشاطها في نطاق الإدارة المحلية، مثل: الصحة، التعليم، الزراعة، الشباب، الطرق والإسكان. وأشارت الدراسة التي أعدتها ياسمين نور الدين، الباحثة بالمركز، إلي أن ضعف أجور مهندسي الأحياء فتح الباب أمام الرشوة والمساومات وهجرة الكفاءات الهندسية من العمل بالمحليات هربا من المسئولية الهندسية والتي تجعلهم دائما عرضة للمساءلة القانونية، وبناء عليه صار عدد المهندسين بالإدارات الهندسية غير كاف للاحتياج المحلي كالحاجة لمرور المهندسين من الإدارات الهندسية للأحياء علي المنازل والبنايات الداخلية في نطاق عمل الإدارة لتقييم أوضاع المنازل والعقارات. ومن هنا فقد تمت إحالة 54 ألف مهندس وموظف بالإدارات الهندسية بالمحافظات إلي النيابة الإدارية فيما قبل نهاية عام 2009 متورطين في أعمال فساد . وقالت الدراسة إن الإدارات التي تقوم بمشروعات والإدارات التي تتعامل مع الجمهور كالمناقصات والمشتريات والإدارات الهندسية والمرور وغيرها والإدارات التي تتعامل مع الجماهير وتقوم بمنح تراخيص البناء وتوصيل المرافق هي الأكثر في فساد المحليات، وأن الرشوة والفساد يتمركزان في هذين النوعين من الإدارة. وأكدت الدراسة أن الجهات الرقابية لا ترصد سوي 5% فقط من جرائم الرشوة و67% من مخالفات موظفي الدولة يتم التحقيق فيها جنائياً والباقي يحال إلي المحكمة التأديبية أو يتم حفظه. فيما كشف التقرير أن الأجهزة الرقابية في مصر "الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية" قالت إنهما ضبطا أكثر من 75 ألف قضية فساد خلال عام واحد بالجهاز الحكومي خلال عامي 2006 و2007 والتي عكست تزايد أعداد المتورطين بالفساد داخل الجهاز الحكومي خاصة في الهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال والبنوك والمحليات. علي جانب آخر عددت الدراسة أنماط وأشكال الفساد في المحليات ومنها الرشوة المالية والعينية مقابل إرساء مناقصات علي شركات معينة غير مسجلة بسجل الموردين للجهات المختصة لطرح أعمال التجميل وإنارة الطرق وتوصيل المرافق، والرشوة مقابل تنفيذ قرارات بهدم الأسوار أمام مداخل العقارات والرشوة لإنهاء مصالح المواطنين المحليين خاصة مع اختلاف قيمة الرواتب التي يتقاضها الموظفون والعاملون من وزارة لأخري مثل البترول والاتصالات والبنوك والضرائب والكهرباء التي ترتفع بها قيمة دخول العاملين أكثر من 10 أضعاف وزارة مثل التنمية المحلية أو التنمية الإدارية والزراعة ومجالس المدن والوحدات المحلية. ومن الأشكال أيضا الاستيلاء علي الأموال مثل استيلاء مهندسي الأحياء علي مبالغ مالية كبيرة من أصحاب المحلات بزعم استخراج تراخيص بدون معوقات. وهناك التعديات علي الأراضي الزراعية بالبناء دون الحصول علي ترخيص وتغاضي مسئولي الجمعيات الزراعية عن ذلك وعدم تحرير مخالفات لهم مقابل رشاوي مالية والبناء بدون ترخيص والتعلية بدون ترخيص والتعدي علي أملاك الدولة وتجاوز وقيود الارتفاع والبناء. وسوء استخدام الوظيفة باستغلال المنصب الوظيفي لإعطاء تسهيلات مقابل رشوة مالية، حتي وصلت ثروة بعض المسئولين المحليين إلي الملايين. وهناك التزوير في الدفاتر والتلاعب في كمية الأصناف الموجودة في العهدة، تخفيض قيمة أراض تابعة للدولة لصالح شركات استثمارية مقابل الحصول علي تلقي الرشوة وتزوير أوراق رسمية كجوازات السفر وأختام شعار الجمهورية ومصلحة الأحوال المدنية والشهر العقاري مقابل رشاوي مالية. ورأت الدراسة أن الأسباب التي أدت إلي انتشار ظاهرة الفساد تعود إلي الازدواجية الإشرافية بازدواجية الإشراف علي الأجهزة التنفيذية بالمحليات، والجمع بين المركزية والمحلية، علي أساس احتفاظ الوزارات المركزية بحق الإشراف علي الاختصاصات المفوضة للمحليات، وذلك بالمخالفة للنص الدستوري وتعديلاته الأخيرة، والذي يؤكد ضرورة انتقال السلطة للمحليات تدريجيا، رغم صدور ثمانية تعديلات علي قانون المحليات جميعها أكدت "المركزية" وابتعدت علي المحلية . كذلك تعقيدات الروتين "البيروقراطية" وشيوع ثقافة الإهمال واللامبالاة، حيث إهمال مخالفات البناء وعدم تنفيذ قرارات الإزالة لعدم وجود شرطة متخصصة لمخالفات البناء، بجانب تضارب محاولات اختراق قوانين البناء واستغلال الثغرات القانونية، بجانب إهمال ترميم العقارات . وقالت الدراسة إن تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات كشفت أن حجم الفساد في المحليات تجاوز ال 390 مليون جنيه عن عام 2008 وأن غالبية المخالفات التي يقع فيها مسئولو الإدارة المحلية تتمثل في التراخي والإهمال في تحصيل إيرادات مستحقة للدولة عن الإيجارات والضرائب العقارية والتأمين النهائي المستحق علي بعض الشركات المتعاقد معها لتوريد أصناف محددة طبقا لقانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 ولائحته التنفيذية. كذلك تتمثل في عدم تحصيل أقساط مستحقة علي المواطنين الحاصلين علي وحدات سكنية تمليك وعدم تحصيل قيمة العلاج علي نفقة الدولة لبعض المرضي في المستشفيات الحكمية بالمحليات، كذلك اختلاس مبالغ مالية دون توريدها إلي الخزانة العامة والاستيلاء علي ممتلكات حكومية والسرقة من عهدة المخازن وما في حكمها واستيلاء بعض مندوبي الصرف علي مكافآت بعض العاملين بعقود مؤقتة وصرف حوافز ومكافآت دون وجه حق من أموال الصناديق والحسابات وصرف قيمة مشروبات ومأكولات من حساب تلك الصناديق لبعض العاملين دون مبرر، وأيضا صرف مبالغ لجهات صحفية مساهمة في احتفالاتها دون مبرر وذلك من اعتمادات الموازنة العامة، ومن المخالفات عمل اشتراكات وهمية بمشروع توصيل الخبز إلي المنزال بغرض الاستيلاء علي بعض من حصة الدقيق الممنوحة للمخابز والاستيلاء علي إيردات مشروع المحاجر وإيرادات التربية والتعليم والضرائب العقارية وعلي حصيلة رسوم استمارات والاستيلاء علي بعض الأدوية دون وجه حق وعدم اتخاذ إجراءات تحصيل غرامات التأخير المستحقة علي بعض الشركات المختصة بالقيام بأعمال الصيانة وتجزئة الإعلان عن بعض المناقصات بدلا من تجميعها في إعلان واحد مما يؤدي إلي تحميل الصناديق بأعباء مالية كبيرة دون وجه حق وبالمخالفة للوائح المالية. وفي هذا السياق طالب سعيد عبد الحافظ، المدير التنفيذي لمؤسسة ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، بضرورة تفعيل اتفاقية مكافحة الفساد التي وقعت عليها مصر في 14 أكتوبر 2003 والخاصة بمواجهة كل صور الفساد بشتي الوسائل التشريعية والرقابية. وحث منظمات المجتمع المدني علي القيام بدورها في بناء الرقابة الشعبية وتشجيع المواطنين للمشاركة في الانتخابات المحلية. محمد مبروك، الباحث في الجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي، أكد أن تقرير الجمعية الذي صدر تحت عنوان "فساد بلا حدود" أشار إلي أن مصر تعاني من أنظمة حكم غير ديمقراطية، الأمر الذي هيأ الفرص أمام نمو الفساد. مشيرا إلي أن حالة الفساد التي وصلت إليها مصر باتت تشكل عائقا كبيرا أمام إمكانية تحقيق التنمية المستدامة. وأن الفساد في مصر لا يتوقف عند حد معين أو مجال بعينه، خصوصا الفساد السياسي الذي عده التقرير أكثر أنواع الفساد خطورة. وقال إن واقع الفساد بالأرقام منذ عام 1981 يؤكد أن جرائم الرشوة ذلك العام لم تتعد ال 91 حالة فيما لم تزد جرائم الاختلاس علي 54 حالة غير أن تلك الأرقام تضاعفت إلي أضعاف مضاعفة في السنوات الأخيرة، حتي وصلت الجريمة إلي أعلي معدلاتها في العهد الحالي، لتصل جرائم الاختلاس إلي سبعة آلاف حالة وهو ما وضع مصر علي قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.