اختلف عدد من خبراء القانون وفقهاء الدستور في مصر حول مدى جدوى إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً وقبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجرائها أولاً وفقاً لخارطة الطريق السياسية التي أصدرها المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت ، والمرتقب له حسم قرار الانتخابات والنظام الانتخابي المقرر تطبيقه في المرحلة القادمة . وطالب سياسيون وحزبيون بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية وفقاً لنص المادة "162" من مسودة الدستور التي تنص على صلاحية تقديم انتخاب الرئيس القادم قبل خوض انتخابات مجلس النواب في حال تزامن خلو منصب رئيس الجمهورية مع إجراء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور. إلا أن هذه أثارت هذه المادة غضب خبراء القانون الذين اعتبروا أن هذه المادة لا تنطبق على المرحلة الانتقالية التي تخوضها مصر حالياً ، إضافة إلى أن منصب رئيس الجمهورية لم يعد خالياً كما تشير المادة خاصة في ظل وجود الرئيس المؤقت للبلاد ..كما أن محاولة تغيير خارطة الطريق الوطنية مخالفة صريحة للإعلان الدستوري الصادر في يوليو الماضي تهدد ببطلان الخارطة بالكامل . في حين يعارض آخرون هذا الموقف، نافين وجود معوقات قانونية ودستورية تمنع إجراءات الانتخابات الرئاسية أولاً إن كانت الأفضل لتحقيق الأولوية للمصلحة العليا للوطن دون أن تتعارض مع خريطة الطريق التي نصت على أنه يتعين إجراء الانتخابات البرلمانية قبل انتخابات الرئاسة في ذاك الوقت . وحول إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً ؛ أكد المستشار زكريا شلش رئيس محكمة جنايات الجيزة ،أن محاولة إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً سنكون قد خالفنا الإعلان الدستوري وخارطة الطريق التي وضعها واتفقت عليها جموع الشعب بشأن إقرار الدستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، وبالتالي يعد الخروج عليها بمثابة تجاوز للإعلان الدستوري يعطي الحق للمواطن أن يتقدم بالطعن على الانتخابات الرئاسية ويتم الحكم الفوري بالبطلان. موضحاً أن الحديث عن انتخابات رئاسية قبل الانتخابات البرلمانية في الوقت الراهن بمثابة " هراء "لا أساس له من الصحة في ظل الدستور الجديد الذي انتهت لجنة الخمسين من وضعه وفي ظل وجود المادة "142 "من الدستور الجديد التي تؤكد على بطلان هذا الاقتراح، نظراً لوجود الشروط الخاصة بقبول منصب رئاسة الجمهورية وهو بأن يزكي المترشح 20 عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب القادم، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها . وبالتالي تؤكد هذه المادة وشروطها الأساسية للترشح تسير وفق خط خارطة الطريق بدقة وهي إتمام الانتخابات البرلمانية أولا لأهمية أعضاء البرلمان في ترشيح بعض الشخصيات المناسبة لتولي منصب الرئيس القادم حتى يتم إجراء الانتخابات الرئاسية . كما أوضح أيضاً د. محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة ، أن إجراء انتخابات برلمانية أولاً تعد الخطوة الإيجابية التي تجنب الدولة الدخول في صراعات وانقسامات من شأنها أن تزيد الأزمة تعقيداً، لذا يعد الالتزام بخارطة الطريق في الوقت الحالي دون تغير بداية الخروج الصحيح من المرحلة الانتقالية بصورة عاجلة لبداية تحقيق الاستقرار للوطن خاصة في ظل انتهاء الدستور المقرر الاستفتاء الشعبي عليه في يناير المقبل ،ثم بدء الاستعداد السياسي والوطني للانتخابات البرلمانية بالتوافق مع خارطة الطريق السياسية التي تم وضعها في الإعلان الدستوري في يوليو الماضي 2013 والالتزام بها دون تغيير، خاصة أن الرئيس المؤقت للبلاد لم يقم بإجراء أي تعديلات على الدستور بعد أن تم الاتفاق عليه من كافة فئات المجتمع وبالتوافق. لذا يجب الاستمرار في العمل وفق هذه الخارطة دون مخالفات دستورية من المتوقع أن تبطل المرحلة الانتقالية في حال إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً كما تطالب بعض القوى السياسية في الوقت الحالي .مشيراً لإمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً في توقيت واحد، وإن كان من الأفضل اتباع الخطة الدستورية التي تؤكد على أن البرلمانية أولاً وبمعزل عن رئيس الجمهورية القادم لضمان تحصين المجلس من فرض هيمنته وسيطرته على مجلس النواب القادم . وفي سياق متصل ؛ قال المستشار أحمد لطفي السيد نائب رئيس هيئة قضايا الدولة :إن إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً يأتي متوافقاً مع الإعلان الدستوري الصادر بناء على خارطة الطريق بعد ثورة 30 يونيو، وفي حال تراجع المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت للبلاد عنها من أجل إجراء انتخابات رئاسية أولاً سوف يعرض هذه الخارطة وجميع القرارات التي يتم اتخاذها بالمخالفة لها سيكون مصيرها "البطلان " لوقوعها تحت المخالفة للإعلان الدستوري الذي يعتبر دستور المرحلة الانتقالية للبلاد .وفي حالة صدور قرار آخر بإجراء الانتخابات الرئاسية أولاً لا تستطيع هيئة قضايا الدولة أن تطعن على هذا القرار نظرًا لأن الهيئة تقوم بدورها المنوط بها في القانون والدستور وهو الدفاع عن الدولة بجميع سلطاتها ومؤسساتها وبالتالي فإن مشروعية قرارات الدولة تدعمها الهيئة ولا تقف أمام أي قرار خارج عن الدولة، ولكن من الممكن أن تصدر رأيها القانوني عن هذا القرار أمام المحكمة ولا تقوم بالدفاع عن قرار الدولة.إلا أن إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً يعد فرصة لمنع خلط السلطة التشريعية بالتنفيذية في يد رئيس الجمهورية الذي لا يمكنه التدخل في الانتخابات البرلمانية المقبلة أو المخالفة للإعلان الدستوري من شأنها خوض الخارطة إما للتغيير أو الإلغاء مما يؤدي لتعطيل البلاد عن الانتقال إلى الخطوة التالية من استقرار الدولة. بينما أكدت المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق، على إمكانية تعديل أو تغيير خارطة الطريق السياسية التي تم وضعها مع الإعلان الدستوري الصادر في 3 من شهر يوليو الماضي عن الرئيس المؤقت للبلاد المستشار عدلي منصور والتي تقتضي بإجراء الانتخابات البرلمانية أولاً ثم الانتخابات الرئاسية ، وأضافت قائلة :"إننا نملك تعديل الخارطة وفقاً لإتمام الانتخابات الرئاسية أولا دون وجود مانع دستوري أو قانوني يذكر ". خاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي تعطي لرئيس الجمهورية الحق في تعديلها وإلغائها لتحقيق المصلحة العليا للوطن ومحاولة منع تفككه وتحطيمه في ظل الصراعات السياسية والأهواء التي تتلاعب بالشعب وطموحاته .موضحةً أن المادة "162" من مسودة الدستور الجديد التي تنص على صلاحية تقديم انتخاب الرئيس القادم قبل خوض انتخابات مجلس النواب في حال تزامن خلو منصب رئيس الجمهورية مع إجراء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور ، تعد مادة غير مرتبطة بالأوضاع التي تقوم عليها المرحلة الانتقالية الراهنة ،التي تعطي الحق للرئيس المؤقت الذي يسمي أيضاً من الناحية الدستورية ب" السلطة الفعلية المؤقتة " التي تقوم عادة بعد الثورات التي تملك صلاحيات إصدار القرارات وإقالة وتشكيل حكومة أخرى .وبالتالي لا يوجد مانع دستوري أو قانوني من تعديل المستشار عدلي منصور لخارطة الطريق لتتقدم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية . فيما يرى المستشار فايد النجار رئيس محكمة جنوبالقاهرة سابقاً، صعوبة إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة قبل البرلمانية بالمخالفة لخارطة الطريق في ظل الظروف التي تمر بها الدولة ،تحديداً في حال اعتماد التعديلات الدستورية المقررة على الدستور الجديد للبلاد من قبل الرئيس المؤقت، لإمكانية إعطاء ترشح الرئيس السابق محمد مرسي لمنصب الرئيس مجدداً في الانتخابات الرئاسية القادمة من داخل محبسه الاحتياطي ،باعتباره أمام القانون والدستور شخص غير متهم حتى الآن وذلك وفقاً لدستور 2012 ودستور 2013 والمواثيق والقوانين الدولية التي تؤكد على براءة مرسي لعدم إدانته وفق القاعدة القانونية " المتهم بريء حتى ثبت إدانته ".وبالتالي لا مفر أمام الرئيس الحالي سوى إقرار الانتخابات البرلمانية أولا لمنع إعادة ترشح مرسي من داخل محبسه، وهذا هو السر في تأجيل محاكمة مرسي كل هذه المدة، وذلك حتى يتم الانتهاء من الدستور والانتخابات البرلمانية، الأمر الذي يفقد مرسي شرعيته، ويحول دون مخاطبته لرئيس محكمته على أساس أن مرسي مازال الرئيس الشرعي للبلاد. لذا يجب الانتهاء من وضع الدستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية أولا ثم الرئاسية للانتهاء من المرحلة الانتقالية والوصول لمرحلة الاستقرار السياسي والديمقراطي لمصر. وبدوره ؛ رفض عصام الإسلامبولي الفقيه الدستوري ،اعتبار منصب رئيس الجمهورية في الوقت الحالي ب"الخالي" لكون الرئيس الحالي لإدارة المرحلة الانتقالية "مؤقتاً "، فالمادة " 232 " من المواد الانتقالية بالدستور الجديد المقرر لرئيس الجمهورية الحالي اعتماده وإقراره لخضوعه للاستفتاء الشعبي يناير المقبل تؤكد أن المستشار عدلي منصور رئيس مؤقت للبلاد له كافة الصلاحيات وممارسة جميع السلطات المقررة على منصب الرئيس في الدستور لحين انتخاب الرئيس القادم لمصر وأداء اليمين الدستورية وتسليم السلطة من الرئيس الانتقالي الحالي . واستطرد قائلاً :إنه بناءاً على نص هذه المادة التي تعطي لرئيس الجمهورية الحق في تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية وفقاً لطبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد دون وجود مانع قانوني أو دستوري من ذلك .بحكم هذه المادة الانتقالية بالدستور التي تعطي للرئيس المؤقت سلطة تحديد أيّ من الانتخابات يتم إجراؤها أولاً .دون الالتزام بخارطة الطريق أو التهديد بالطعون الدستورية المقرر توجيهها للإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس الحالي .