يبرز مسلسل «بنت اسمها ذات» المأخوذ عن رواية «ذات» للروائي المصري صنع الله إبراهيم، من بين واحد من أفضل المسلسلات الرمضانية وأكثرها اجتذابا للجمهور. وتتوافر عدة عوامل لنجاح المسلسل من أهمها اعتماده على رواية من أفضل روايات صنع الله إبراهيم إلى جانب إخلاص كاتبة السيناريو مريم نعوم للرواية والخطوط الدرامية التي قامت عليها واستناد المخرجين كاملة ابو ذكري وخيري بشارة إلى التفاصيل الدقيقة في الحياة المصرية وغنى في الإنتاج الذي وفرته شركة مصر العالمية (شركة المخرج الراحل يوسف شاهين). يضاف إلى ذلك أن عرض المسلسل يأتي في فترة تاريخية فاصلة في التاريخ المصري المعاصر الذي تتقدم فيه ثورة 25 يناير باتجاه تطورات جديدة عكست نفسها في تظاهرات 30 حزيران/ يونيو الماضي وما تبعها من عزل الجيش للرئيس محمد مرسي، ما عمق من حدة الانقسام في المجتمع المصري ما بين تيارات الإسلام السياسي وبقية المجتمع. ويصور المسلسل من خلال امرأة ولدت في يوم انطلاقة ثورة 23 تموز/ يوليو 1952، تطور الحياة المصرية بكل ما فيها من خلال مسار حياة هذه الفتاة التي أطلق عليها والدها اسم «ذات الهمة» وهو اسم يعود إلى السيرة الهلالية. إذ أن ذات الهمة أميرة عربية يقال إنها والدة أبو زيد الهلالي، اشتهرت بشجاعتها وفروسيتها ورجاحة عقلها. ويقدم من خلال حياة هذه الفتاة التطورات الاجتماعية من مجتمع التأميم ومجتمع الإصلاح الزراعي والبناء إلى الحروب التي خاضتها مصر في العام 1956 وحرب اليمين في بداية الستينات من القرن الماضي وحرب 1967 وحرب الاستنزاف مرورا برحيل الزعيم جمال عبدالناصر وتولي أنور السادات الحكم وخوضه حرب 1973 وما تبعها من انفتاح اقتصادي وظهور متغيرات جديدة في المجتمع المصري أهمها انتقال المجتمع برمته إلى السوق الاستهلاكي والانفتاح على دول الخليج العربي وتأثيرات ذلك على تيارات الإسلام السياسي. وخلال كل ذلك يرصد المسلسل الحركة الثقافية والفنية من خلال تقديم مشاهد لها علاقة بخصوصية حفلات يوم الخميس لمطربة الشرق أم كلثوم ورحيلها ورحيل المطرب عبدالحليم حافظ وتأثر المجتمع بهما كذلك الأفلام المؤثرة في المجتمع مثل فيلم «خلي بالك من زوزو» لسعاد حسني والذي اعتبر أول فيلم في تاريخ السينما المصرية يعرض لمدة تقترب من العام. ومن مميزات المسلسل أيضا تقديمه أجزاء من أفلام وثائقية عن القاهرة في تطوراتها التاريخية بما ينسجم مع أحداث المسلسل إلى جانب استخدامها في الأحداث الكبيرة مثل خطاب التنحي لجمال عبدالناصر وخطاب السادات قبيل زيارته للقدس وجنازات عبدالناصر وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وغيرها من الأحداث. وتطرق المسلسل بشكل غير مباشر إلى موضوع المد الديني مثل مواجهة البطلة ذات (نيللي كريم) والدتها ورفضها ختان ابنتيها بعدما تعرضت هي نفسها للآلام المبرحة التي تسببها هذه العملية رغم مقاطعة والدتها (انتصار) التي تمثل العقلية المحافظة للطبقة المتوسطة بما تحمله من قدرة على القمع المعنوي والعقلي. وكذلك تظهر زيادة تأثر المجتمع دينيا عن طريق تغير الملابس التي ترتديها البطلة وغيرها من المشاركات في العمل من الانطلاق والتحرر في الملبس إلى وضع المناديل بشكل عادي إلى الحجاب وتنوعه وكذلك دور شركات استثمار الأموال الإسلامية ودورها في نشر العقلية المحافظة والتمهيد للاستقواء بالتيار الديني. ويعتبر الناقد سيد محمود العمل بأنه «مسلسل استثنائي في تاريخ الدراما من حيث الوعي بالتاريخ المعاصر وتناول وقائعه من قلب الحياة اليومية وبمنظور أنثوي دال فيه حساسية عالية في التعامل مع الأرشيف والذاكرة». والتوثيق المستند إلى الصحافة الذي اعتمده الروائي صنع الله ابراهيم في كتابته للرواية استبدل في المسلسل بتوثيق تلفزيوني وبأفلام وثائقية تتناول الأحداث نفسها التي تطرق إليها الروائي في عمله.