تستعد الأحزاب السياسية في مصر للالتفاف وللمّ الشمل الوطني, من أجل مواجهة حالة الانقسام والاحتقان السياسي المتصاعد منذ اندلاع تظاهرات 30يونيو لعام 2013 وحتى الآن ووسط تلك الأحداث خرج حزب النور السلفي وعدد من الأحزاب التي تنتمي للتيار المدني بالتأكيد على مبادرة " المصالحة الوطنية " مع جميع الأحزاب بما فيها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية, وتباينت ردود أفعال السياسيين والمراقبين حول هذه المبادرة, التي اعتبرها البعض المؤيد بالخطوة الإيجابية نحو بناء خارطة الطريق الصحيح؛ لإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة وتعديل الدستور ،وإجراء انتخابات مجلس النواب المقبل؛ لوضع الأساس التشريعي الجديد فيما اعترض آخرون على هذه المصالحة التي وصفوها ب"الخيانة الوطينة للشهداء وضحايا هذا النظام الفاشي, الذي طالما استخدم السلاح والعنف من أجل إرهاب مناهضيه دون وجه حق, ومحاولة قيادات الجماعة إشعال الحرائق بالوطن . د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة, أكد على أهمية المصالحة الوطنية لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الذي يتيح الفرصة أمام نجاح خارطة الطريق التي تسير عليها مصر خلال المرحلة الانتقالية المقبلة لحين الانتهاء من تعديل الدستور المعطل ،وإجراء الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب, والانتخابات الرئاسية الجديدة, وإن كان يتطلب لنجاح تلك المصالحة تحديد الأهداف والشروط, التي تتضمن حل جماعة الإخوان المسلمين، ومحاكمة جميع قياداتها المتورطين في جرائم الدم والتحريض على العنف وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي العياط ، واختيار الأطراف المشاركة في تلك المصالحة التي تطلب وجود شخصية محورية يقبلها جميع الأطراف تديرها، ومن ثم البدء في استكمال بناء مؤسسات الدولة . وأرجع حسين عبد الرازق القيادي بحزب التجمع اليساري، حالة الاحتقان والانقسام التي تسود المشهد السياسي في مصر الآن؛ لإصرار قيادات جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم ومحاولاتهم الجادة والقاتلة من أجل الحفاظ على كرسي العرش - على حد تعبيره-دون الاكتراث لصوت الشعب وإرادته في إنهاء هذا الحكم الفاشي القائم على تحقيق المطامح والمطامع أثناء البقاء في الحكم, ومحاولاته لأخونة جميع المؤسسات بالدولة، إلا أن أسقطت ثورة 30يونيو هذا العرش فوق روؤس الإخوان والمرشد العام للجماعة, ذلك الرجل الذي يدير مصر من خلف الستار الذي يمثله د. "محمد مرسي" الرئيس الصوري الذي تمّ إقصاءه دون عودة . وأشار عبد الرازق لضرورة تكاتف جميع القوى الوطنية والثورية؛ من أجل تجاوز تلك الأزمة بشكل صحيح، وفقاً لخارطة الطريق التي تتطلب المزيد من الجهود المبذولة للمّ الشمل السياسي بعد حالة الانقسام التي تعقبت ثورة 30 يونيو 2013 وحتى الآن . وأشار عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلى ضرورة تنفيذ جميع المطالب التي خرجت في ثورة 30يونيو 2013 والتي تتضمن إجراء انتخابات رئاسية جديدة مبكرة, تقوم على الديمقراطية والشفافية تحت إشراف القضاء المصري النزيه, لسد الثغرات على جميع العابثين بالمرحلة الانتقالية من جماعة الإخوان المسلمين, التي لا تريد الاعتراف بشرعية الشعب المصري, الذي رفض استمرار الرئيس الإخواني محمد مرسي بالبقاء بالحكم لحنثه بجميع الوعود, وإصرارهم بالتمسك بالسلطة بزعم الصندوق الانتخابي, باعتباره جاء بالأصوات من عالم آخر، لافتاً إلى مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في هذه المصالحة ستكون الفرصة الأخيرة أمامها من أجل تصحيح مسارها السياسي والشعبي, وإثبات حسن النوايا قبل فوات الأوان باعتبارها فصيل له كامل الحقوق السياسية التي تتم على أسس ومراحل العملية السياسية التي تحددها القوى السياسية أثناء رسم خارطة الطريق للفترة القادمة على الساحة في مصر. وحول مطالب جماعة الإخوان المسلمين وبعض القوى الإسلامية باللجوء لإجراء استفتاء شعبي على الرئيس السابق مرسي قال : إن هذا المطلب فات أوانه وانتهى ولا يجوز الآن العمل به بعد أن قال الشعب كلمته النهائية والأخيرة حول هذا الحكم في 30 يونيو 2013 الحاسمة . وأكد أمين القصاص عضو الهيئة العليا لحزب الوفد ، على ضرورة تقبل الإخوان المسلمين للقرار الواقعي الذي أصدره الشعب المصري بجميع أطيافه السياسية والشعبية في انتفاضة إسقاط هذا النظام الفاشي, الذي يهدف خدمة مصالح جماعته و عشريته دون الاكتراث بأهداف ومطالب المصريين, الذين أسقطوا نظام الرئيس السابق "حسني مبارك" لمحاولته تكريس حكم الحزب الواحد المسيطر على جميع أهداف ومقدرات الدولة، ولكن يبدو أن الرئيس مرسي لم يعِ هذا الدرس جيداً ،واكتفت الجماعة باستخدام السلاح والعنف الممنهج ضد الشعب والجيش المصري العريق لوقوفه بجانب الشعب ومطالبه, لافتاً إلى أن الخروج من الأزمة السياسية الراهنة يستلزم عمل مصالحة وطنية بين جميع القوى السياسية في مصر بعد ثورة 30 يونيه، ومشاركة جميع القوى السياسية في تعديل الدستور, والاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة ، وتنفيذ خارطة الطريق التي أكد عليها الفريق أول عبد "الفتاح السيسي"، فلا يمكن العودة بمصر إلى ما قبل 30 يونيه. وفي سياق متصل طالبت "مارجريت عازر" السكرتير العام لحزب المصريين الأحرار، بإعادة كتابة دستور مصر الجديد بالاستعانة بالفقهاء الدستوريين, الذين لا ينتمون إلى حزب سياسي لضمان الشفافية والحيادية للمصلحة العامة للوطن، وبعد أن يكتب هذا الدستور يتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية لتبدأ مرحلة التشريع من جديد في مسارها الصحيح؛ لتفادي الصراعات بين السلطات الثلاثة, التنفيذية والتشريعية والقضائية والتشريعية التي يمثلها مجلس النواب المنتظر ويتعقبها إجراء انتخابات رئاسية، لضمان استقرار الأمور والوضع الحالي في مصر؛ حتى تستطيع أن تستكمل مصر رحلة الإصلاح والبناء التي فقدتها كثيراًَ خلال الأزمة الراهنة, التي تتطلب من الجميع التكاتف والتصالح القائم على أسس سليمة للحفاظ على الدولة المدنية والحفاظ على مكتسبات الثورة المصرية الأولى والثانية, مع التأكيد على الهوية المصرية القائمة على الإخاء والمساواة ومواجهة جميع العناصر التي تحرض على تفتيت وحدة هذا الوطن بالعزل من الحياة السياسية, خاصة من قبل أغلب القوى الإسلامية السياسية الموجودة حاليًا؛ لنشر الفوضى وممارسة الضغوط الداخلية والخارجية لأجل عودة مرسي للحكم، دون الاكتراث لبوادر الحرب الأهلية التي تقف على أبواب مصر. فيما يري وحيد الأقصري رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي السابق، أن مصر تواجه أزمة تصعيدية نتيجة لإصرار جماعة الإخوان المسلمين علي موقفهم من الشعب والثورة والحرية في التعبير عن الرأى بالقمع والإرهاب واستخدام العنف والسلاح في قتل وترويع المواطنين لممارسة المزيد من الضغوط على الجيش للسماح بعودة الرئيس مرسي للحكم ؛ وإن كان من الأحرى لهم أن يلتزموا السلمية الكاملة في الحياة السياسية ، للخروج من هذه الأزمة التي تتطلب إنجاز أهداف ومطالب المتظاهرين في يونيو قبل إشعال الإخوان للحرائق في ثوب الوطن في ظل غياب مؤسسات الدولة الدستورية التي تقوم بتعديل الدستور لإصدار قانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية، للانتهاء من تلك الفترة الانتقالية سريعاً . واستطرد الأقصري قائلاً : يجب إقصاء جماعة الإخوان عن المشاركة في المصالحة الوطنية في مقابل الحقوق التي تم إهدارها على أيدي هذا النظام الفاشي الذي يجب أن يحاكم في ميدان عام بتهمة الخيانة الوطنية، وبالتالي يصبح كل من يدعو هولاء للمصالحة مشترك معهم في الجرم العظيم الذي اقترفوه في حق الوطن ، مع إتاحة الفرصة للشرفاء الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء بالاندماج في الحياة السياسية. وحول المصالحة مع الجماعات التي لجأت إلى العنف خلال الفترة الأخيرة, قال د. عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إنه يرفض أي دعوات لإجراء مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين التي تحوي بداخلها جميع الأحزاب والتيارات التكفيرية المتطرفة؛ لمواجهة الجيش المصري وإراهاب الجميع حتى عودة الرئيس الذي تم إقصاءه شعبياً دون تدخل من القوات المسلحة التي اقتصر دورها على الوقوف مع الشعب ،مؤكداً على ضرورة اعتراف قيادات الإخوان بما قاموا بارتكابه من جرائم إنسانية في سيناء من أعمال إرهابية بضرورة العودة لما قبل 30 يونيو ،والمطالبة بخروج الرئيس السابق محمد مرسي والإفراج عنه عن طريق الضغوط الخارجية والاستغاثات التي وجهها التيار الإسلامي للولايات المتحدة الأمريكبة التي تتطالب بالإفراج الفوري عن الرئيس مرسي. وعلى صعيد حزب النور السلفي, أكد د. يونس مخيون رئيس حزب النور السلفي على حاجة مصر إلى المصالحة الوطنية التي من شأنها وقف حالة الاحتقان السياسي والحزبي وتطوره لحد استخدام العنف والسلاح بين العناصر المعارضة, بصورة تمثل خطراً على الاستقرار القومي والوطني, خاصة في ظل تصاعد الاشتباكات بين العناصر المتطرفة والقوات المسلحة بسيناء وإسقاط العديد من الجنود نتيجة استغلال حالة الانفلات الأمني, الذي تعانيه الدولة منذ اندلاع ثورة 25يناير2011 وحتى ثورة 30يونيو2013 حتيّ الآن ،موضحاً أن توحيد الصف والجلوس على طاولة المفاوضات التي تحقق تلك المصالحة المنشودة من أجل الوطن؛ لوقف حالة الانقسام وحقناً للدماء التي تراق على الأرض ، للوصول إلى رسم خارطة طريق واضحة الأهداف لتسهل على القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية السير نحو تحقيق الاستقرار والتقدم الشامل . فيما وصف شعبان عبد العليم القيادي بحزب النور السلفي ، غياب جماعة الإخوان المسلمين عن المصالحة الوطنية التي تهدف لتوحيد الجميع حول إعلاء المصلحة الوطنية ب"عديمة الجدوي"؛نظراً لغياب قطاع عريض من الشعب والحياة السياسية عن تلك المبادرة التي تحاول جاهدة للمّ الشمل والمصالحة بين جميع فصائل الشعب بما فيهم قيادات الجماعة ، التي دعاهم الجزب بجانب جميع الأطراف؛ لنزع فتيل تلك الأزمة التي تزيد من تدهور الأوضاع في حال استمرارها أكثر من ذلك, إذا استمرت جماعة الإخوان على موقفها الرافض بدعوى التمسك بالشرعية التي جاء بها الرئيس مرسي للحكم وهي شرعية الشعب الذي أسقطه بعد جميع التوكيلات التي تنهي مدة رئاسته للدولة في تظاهرات 30 يونيو, التي لم تتضح حتى الآن حقيقة المشهد خاصة بعد خروج الجيش على الحاكم بهذه الطريقة التي أدت لتقسيم الوطن بين مرحباً بهذه الخطوة وماترتب عليها من أحداث, وآخرون اعتبروها انقلاباً على الحكم والشرعية لصالح فصيل دون غيره .