في اليوم العالمي لحرية الصحافة عُقدت ندوة ضمَّتْ مجموعة من الأدباء وكُتَّاب المسرح ومثقفين طرحوا آراءهم وناقشوا قضية حرية الصحافة في حرية وموضوعية، حيث فندوا ظواهر القمع التي انتشرت مؤخرًا ضد النشطاء والصحفيين والأدباء حتى وصل الأمر إلى أن توافق الرقابة على نص مسرحي ثم يأتي من النظام صوت القمع والمصادرة للمسرحية!! كيف يمكن أن يحدث هذا في مصر وطن الحريات وصوت الأحرار ومأوى الهاربين من أنظمة القهر والفساد. ودعت الندوة إلى تأكيد حرية الإبداع ومواجهة القهر القائم، وتساءل الجميع كيف يخاف النظام من مسرحية أو فيلم سينمائي أو قصيدة شعر؟ إن المناخ الطبيعي في مصر هو حرية الإبداع والتعبير ووقف مطاردة ومحاكمة النشطاء وأصحاب المدونات على صفحات التواصل الاجتماعي. في بداية الجلسة الافتتاحية قال محمد سلماوي:نحتفل اليوم باليوم العالمي لحرية الصحافة بمبادرة من اليونسكو وباستضافة من اتحاد كتَّاب مصر في هذه التظاهرة التي يشارك فيها كتَّاب وصحفيون من بعض الدول مثل: ألمانيا - السويد - الدنمارك - قبرص - فرنسا - بالإضافة إلى دولتين عربيتين هما سوريا والبحرين، ويأتي هذا المؤتمر في وقت هناك اهتمام كبير جدًا بحرية الصحافة وحرية التعبير في مصر لأسباب كثيرة سياسية ومجتمعية. وعقب الجلسة الافتتاحية بدأت الجلسة النقاشية الأولى وهي بعنوان نظرة ثاقبة للقضايا الرئيسة المتصلة بالرقابة بحضور الروائية سحر الموجي والمخرج أمير رمسيس، وأدار الندوة الأستاذ محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب. الفيلم والرقابة بدأ المخرج أمير رمسيس حديثه قائلًا: أحاول أن أوضح الصورة فقط، فيلم "اليهود في مصر" هو جزء من عملية عبثية للرقابة في مصر والتي نعاني منها كسينمائيين، الفيلم لم يعانِ في مرحلة من مراحله مع جهاز الرقابة بأي حال من الأحوال، الفيلم حاز على موافقة الرقابة على السيناريو، حاز على موافقة من الرقابة على نسخة العرض، ثم جاء الضغط على الرقابة من قبل أجهزة أمنية لا يقف عرضه وهذه هي المفارقة، لا تريد عرض الفيلم ولا أن يراه الجمهور.وهذا يحيلنا لمشكلة كبيرة في تعاملنا مع الرقابة، من له السلطة في مصر في التعامل مع الرقابة؟ بناء على قوانين بناء على الأحكام، لا أحد طالما أنا حصلت على موافقة من الرقابة، ليس من حق أي سلطة في مصر سواء كانت سيادية أو جهة أمنية أن تقول لي أن فيلمك لن يعرض لكن على أرض الواقع للأسف، أي حد قادر على منع الفيلم في مصر! وأضاف المخرج أمير رمسيس: بعد الثورة جاءت موجة قوية من خلال لجنة الإبداع تطالب بإلغاء الرقابة واستبدالها بتصنيف عمري مثل دول العالم المتحضر، في فيلم لا تشاهده وأنت عمرك 12 سنة، لكن ممكن تشاهده في سن 16، لكن ظهر في الوقت نفسه موجة العودة للمحاكمات ورفع قضايا على السينمائيين وفنانين وكتَّاب ومخرجين، والرقابة كما أنها تشكل عنصر ضغط على المبدع، لكن أيضًا هي حائط صد لهم ضد هذا النوع من القضايا!!! حصول فيلم "المهاجر" ليوسف شاهين على ترخيص الرقابة كان عنصرًا فعالًا في القضية الشهيرة التي رفعت عليه. هذه هي المنظومة التي نعيشها الآن، جهاز رقابة حكومي لديه سلطة المنع، التي أنا أسميها سلطة وهمية حاليًا، لكن للأسف في حركة كاملة بين صناع السينما نفسها ترفض أن نتدخل لمحاولات إلغاء جهاز الرقابة؛ لأنهم يرون فيه أمانًا لهم، هذا الخوف بسبب القمع المجتمعي، وهذا مؤسف أكثر من التدخلات الأمنية أو تدخلات من الجهات العليا، هذه هي النقطة الخطيرة التي أرى أنها الأخطر في هذا المسار. أثر المدونات أما الكاتبة الروائية سحر الموجي فقالت:لا أتحدث اليوم عن الكتابة ولكن سأتحدث عن الإعلام البديل، وهو كل الأصوات وكل الوسائط التي ليس للسلطة سواء كانت رسمية أو غير رسمية هيمنة مطلقة عليها هي تود ولكنها لا تستطيع، بدءًا من عام 2001 وظهور جيل كامل من المصريين الذين لجئوا إلى التدوين وهي تعتبر من أهم العناصر التي أدت إلى بلورة جيل كاد بشكل كبير أن يكون مسئولًا عن اندلاع ثورة 25 يناير وهو الدافع والمحرك للأحداث، بالإضافة إلى كل الأجيال الأقدم التي لم تتوقف عن النضال من أجل الحرية. والتدوين وإن كان محاولة غير واعية على مدار السنوات الأولى من قبل المدونين، ولكنها محاولة للعثور على هوية خاصة بهم وهي هوية ليست بالضرورة واحدة ولكن هوية وصوت خاص بهؤلاء المدونين، هؤلاء أسميهم بضمير مرتاح أبناء الطوارئ، الذين نشئوا في فراغ كامل بلا أي مساندة من الثقافة الرسمية التي هي تحت سهام السلطة منذ سبعينيات القرن العشرين فلم يكن لديهم ظهر يحتمون به ولم يكن لهم أي مظلة أمان، ولم يكن لديهم تعريفات واضحة ما الوطن؟ وما الذات؟ وماذا يريدون؟ المدونات كانت هوية معارضة بشكل أساسي للتيار السائد، وهنا أقول التيار السائد يعني السلطة السياسية، أعني التيار المهيمن على المجتمع والذي يجرّم كل من يخرج عنه بكافة الأشكال. ونجحوا هؤلاء الشباب في أن يخرجوا بصوت مختلف، وصوت معارض وصوت متحد ومتمرد على التيار السائد.الآن الوضع القائم هو أن هناك هذا التيار بالفعل متشكل وبالفعل قوي ويزداد قوة كل يوم، وأصبح له أبناؤه أيضًا، الآن ماذا يمكن للسلطة على الأقل الرسمية في هذه اللحظة، السلطة المحافظة السلطة الديكتاتورية، كيف يمكن لهذه السلطة أن تسيطر على مجال لا يمكن السيطرة عليه، ماذا يحدث الآن؟ يتم استهداف النشطاء بدءًا من المحاكمات عن التعبير عن آرائهم في هذا الحيز البديل أو الافتراضي، وهو ليس افتراضيًا، هو محرك للواقع، بدءًا من استجوابهم في المحاكم إلى القتل. وعندنا نماذج في هذا العام 2013 للنشطاء من هذا الجيل من المدونين وقُتلوا؛ لأن كان عندهم صفحات ضد النظام الرسمي جابر جيكا، كريستي وآخرون هم أسماء تم بالفعل قتلهم نتيجة نشاطهم في الحيز الافتراضي والحيز الواقعي؛ لأنه مع الثورة، الحيز ما بين الخط الفاصل وما بين ما هو افتراضي وما هو على أرض الواقع تقريبًا، بدءًا من التنكيل في المحاكم إلى المطاردة إلى القتل، هذه هي الأداة الوحيدة لقمع هذا التيار، قمع هذا الإعلام البديل، والحقيقة أن السلطة الاستبدادية لا تريد أن تتعلم أبدًا من دروس التاريخ القريبة، السلطة الاستبدادية وإن تغيرت أشكالها لا تريد أن تتعلم أن كل ناشط يموت، يخلّف وراءه مئات من النشطاء الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه، أنهي كلمتي ماذا يمكن أن تفعل السلطة لقمع إعلام بديل؟ وحيز من الصعب جدًا السيطرة عليه نتيجة اختلاف هذا الجيل ونتيجة اختلاف الوسائط التي ينتمون إليها للتعبير عن أنفسهم. حرية التعبير وتحدث الكاتب الصحفي أيمن الصياد وقال: موضوع الجلسة هو العقبات التي تحول دون حرية التعبير: والحديث على الرقابة والسلامة، دعونا نتحدث عن أمن المعبّر؛ لأن الصفات لا تمنح وإنما تكتسب، فالتعريف الأكثر دقة للصحفي هو من يمارس الأخبار ويمارس قدرته، ولذا دعونا نستخدم كلمة المعبر لكي لا تعترض علينا الزميلة عبير سعدي. وردت عبير سعدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين وقالت: في البداية أود أن أشير إلى أننا جميعًا نعلم أن هناك أخطاء، نحن الآن في ثورة نتحدث عن تغيير ولا أتحدث عن إصلاح، فحتى نقابة الصحفيين في حاجة إلى مراجعة كبيرة وهذا من قبيل البديهيات ولكن ليس فقط من الشجاعة الأدبية، موضوع الندوة أمن وسلامة الصحفي، هو موضوع شديد الأهمية، وهو جزء من البيئة التي يعمل فيها الصحفي، جزء من عمله هو العمل الميداني.كنا قبل الثورة على مدى عقود طويلة كجماعة مهنية يتصل عملها الأساسي بحق التعبير، الحقيقة أن سقف مطالبنا انخفض تمامًا ونحن الآن نطالب بحق الحياة نفسها، المجتمع في خلال الفترات الانتقالية يكون شديد القبح، لماذا؟ لأن كل النتوءات وكل الجروح لا تلتئم في هذه الفترة، فهذه النتوءات وهذه الجروح تستمر لفترات طويلة، نعلم أن لدينا أخطاء ولدينا الشجاعة للاعتراف بها، ولهذا اتجهنا لتصحيح هذه الأخطاء، ونقول دائمًا لزملائنا أن الخطأ الذي يرتكبه صحفي آمن يجلس في الأستديو، يدفع ثمنه زميله الصحفي الشاب في الشارع لكن ليس هذا مبررًا للمناخ التحريضي المستمر ضد الصحفيين. وأضافت عبير السعدي: إن حرية التعبير حق للجميع، لكن لا يمكن أن تذبح الصحفي على الطريق بحجة حرية التعبير، التقارير المحلية والدولية تقول: إن عدد حالات الانتهاكات التي رُصدت حوالي ثمانين حالة هذا العام، لكن أنا أظن أن الرقم الحقيقي أكبر من هذا، نتكلم عن فقع عين صحفي، نتحدث عن قتل صحفي، لدينا الزميل الصحفي أحمد محمود الذي استشهد خلال أحداث الثورة المصرية، قضى خمسة أيام في غيبوبة قضت بوفاته، آخر صورة صورها في حياته هي للقاتل القناص الذي اقتنصه من شرفة مكتبه، وحتى الآن وزارة الداخلية تنكر أن هذا الضابط يعمل لديها، الزميل إبراهيم المصري واحد من أحدث الاعتداءات، حيث تم الاعتداء عليه منذ ثلاثة أسابيع، حيث تلقى رصاصة بعد تهديد أحد جماعة البلاك بلوك له؛ لأنه صوره وهو يحرق أحد الباصات التي يظن أنها خاصة بجماعة الإخوان المسلمين هناك مناخ من العنف في الشارع المصري، الصحفي هو الشاهد، ويوجه له أكثر الاعتداءات ليست صدفة أن أغلب زملائي من المصورين الصحفيين تلقوا رصاصات في أعينهم، لك أن تتخيل صحفي يتلقى رصاصه في عينيه. وأضافت يجب أن يكون هناك ضمانات من جميع الفصائل الموجودة في المجتمع، مؤسسة الرئاسة، الجيش، الشرطة، الحكومة المصرية بكافة أجهزتها، والجهات الأخرى، إفلات قتلة الصحفيين من العقاب هو أكبر داعم ومشجع، إنني أتساءل أين من قتلوا زملائي؟ أين من أصابوا زملائي بالأمس القريب؟ تم القبض على أربعة من الزملاء من صحف وقنوات مختلفة، القاسم المشترك أنهم كانوا في محيط قصر الاتحادية يغطون المظاهرات ويؤدون عملهم، تم القبض عليهم وضُربوا وأحدهم كُسرت أنفه، حتى أرقام الاعتداءات مرشحة وقابلة للزيادة طالما يفلت قتلة الصحفيين من العقاب، مع العلم أن الصحفي يتقاضى أقل أجر، المؤسسة لا تعطيه معدات السلامة المهنية في أغلب الأحوال، وهذا قصور مؤسسي نحاول التعامل معه، شركات التأمين التي ترفض التأمين على أي شخص يمارس عمله كصحفي، لا تؤمن عليه ولا على سيارته. أصحاب النفوذ الكاتب والشاعر عبد الرحمن يوسف قال : أرى أن جوهر هذه الجلسة يتعلق بكيفية حماية المعبر كما اصطلح الأستاذ أيمن الصياد، في مواجهة أصحاب النفوذ، مهنة الصحافة جوهرها، مواجهة أصحاب النفوذ، وحماية أي معبر سواء كان صحفيًا أو غير صحفي، تتعلق بالضرورة بالضمانات والقوانين والضمانات المجتمعية، المناخ العام الذي يحمي كل من يريد التعبير أمام أصحاب النفوذ، وبقدر ما نحمي من يعبر أما أصحاب النفوذ بقدر ما نخطو بقدرة على تصحيح الأوضاع الخاطئة في المجتمع، وبقدر ما نخطو بالحقيقة منشورة في كافة وسائل الإعلام، النوع الأول: أجهزة الأمن صاحبة نفوذ داخل الأوضاع القديمة التي نحاول تغييرها، إن أجهزة الأمن تملك نفوذًا واضحًا داخل غالبية الصحف وغالبية المؤسسات الإعلامية، النوع الثاني: أصحاب رءوس الأموال، أصحاب المؤسسات التي تستطيع أن تستحوذ على ملايين المستمعين أو المشاهدين، هذه المؤسسات تأسيسها وترخيصها والسماح باستمرارها يكون أيضًا بيد الأجهزة الأمنية، أي بيد السلطة التنفيذية، نحن أمام مشكلة أصحاب النفوذ، وأجهزة الأمن. ويضيف يوسف: بسبب ثورة 25 يناير المجيدة، هناك محاولات لاحتواء جميع المؤسسات التي تتأسس، تأسس الصحف أصبح بالإخطار، لكن القنوات الفضائية - مثلًا - لا زالت تتدخل فيها حتى اليوم أجهزة الأمن والتخابر، هي التي تتحكم في جزء كبير عن من يتقدم للحصول على طلب تأسيس قناة فضائية بالرغم من أن ذلك ليس له سند من القانون، في العهد القديم وحتى الآن ما زالت رءوس الأموال تتفق مع الأجهزة الأمنية ضد المعبر، الخطر الثالث: أو النوع الثالث من أصحاب النفوذ هو الرأي العام أو دعاوى الحسبة، وقد تتأثر بسبب تيار ديني له، أو بسبب استقطاب سياسي. وأضاف الحد الأدنى من المهنية الآن غير متوفر، وأنا أرى ذلك أمرًا طبيعيًا، نحن أمام مجتمع يمر بتجربة صعبة وتجربة لم تكن في الحسبان، المشكلة أن تتحد أجهزة الأمن مع رءوس الأموال، وأسوأ من ذلك أيضًا أن تتحد أجهزة الأمن مع رءوس الأموال ربما مع مزاج الرأي العام أو مع دعوات الحسبة، وهذه تنطلق من هنا أو هناك. الواجب علينا كجماعة صحفية أن نتبنى مشاكل الناس، لابد لمهنة الصحافة ولابد للمعبر أن يتبنى قضايا الناس لكي يعتبرنا الناس لسانهم الذي ينبغي حمايتهم، هذا النوع من القضايا يعيد بهاء مهنة الصحافة والإعلام ويعيد جماهيرية هذه المهنة.