حتي صارت قلوب الغرباء أحن وأرق عليه منه وصار الأب المشرد علي أرصفة الشوارع لا يملك سوي ان يرفع يديه إلي عدالة السماء يدعو العلي القدير أن يوقظ ضمير ابنة العاق ويقف وقفة تأمل طويلة يحاسب نفسه والدموع الساخنة تنساب علي الاخاديد العميقة التي حفرها الزمن في وجهه وبدأ يسترجع ما مر به قبل نصف قرن من الزمان حيث وضع قدميه في العاصمة واستأجر شقة متواضعة من غرفتين بأحد الأحياء الشعبية الفقيرة وبعدما زحف عمره إلي الخامسة والثلاثين عاما طرق باب حياة الاستقرار الأسري بالزواج من بنت الجيران وسارت بهما سفينة الحياة الزوجية هادئة ومستقرة يكد ويكدح في عمله ورزق خلال رحلة الزواج بخمسة أطفال. أفني زهرة شبابه وانحني ظهره حتي كبروا وترعرعوا بين أحضانه وتحت بصره ورعايته حتي وصل بهم إلي بر الأمان احترف كل منهم حرفة بالورش الصناعية ومرت سنوات الكد والشقاء في عمله وأحيل إلي المعاش وعندما طلب ابنه الأكبر الزواج والإقامة معه في شقته بزعم رعايته ووالدته في الكبر بعدما استقر اخوته في حياتهم الأسرية المستقلة لم يتردد الأب الحنون لحظة واحدة واستجاب لمطلب ابنه بكل رضا ومحبة ومد له يد العون في نفقات زواجه بسخاء من مكافأة نهاية الخدمة وحصاد كد وعرق السنوات ومرت السنوات ورزق ابنه بثلاثة أطفال لم يبخل عليهم الجد بالانفاق بسخاء حتي ترعرع حفيده الأكبر وصار عمره يزحف إلي العشرين عاما تعثر كثيرا في مراحل التعليم وانزلق في عالم إدمان السموم ومصادقة اصدقاء السوء.. ضرب بكل نصائح والده وجده عرض الحائط وكثيرا ما جلب لهما المشاكل والمشاحنات مع الجيران.. ألحقه والده في العمل كصبي بإحدي ورش إصلاح السيارات بالحي ومرت شهور ارتأي بعدها والده تزويجه من إحدي قريباته علي أمل أن ينصلح حاله. وفجأة.. اختطف الموت شريكة عمر الأب العجوز وودع فيها العشرة الطيبة والتفاني في طاعته والعمل علي راحته خلال رحلة زواجهما وجلس يجتر الذكريات العطرة من بين جدران عش الزوجية ورحلة الاستقرار الأسري الطويلة هاجمت الأمراض المضنية قواه واقعده المرض وهده الزمن وصار سجين الفراش وسط الآلام والمسكنات ووسط رحلة العذاب مع الأمراض فاجأه ابنه بابتسامة الغش والخداع برغبته في تزويج ابنه في الشقة وفي هدوء وبصوت خافت رفض والده مطلبه لضيق المكان وعدد الأسرة الكبير من جانب وللبعد عن المشاكل ووجع الدماغ مع صاحب المنزل من جانب آخر وهنا كشر ابنه عن أنيابه ومن خلفه زوجته تدس سم الخراب والدمار بين أذنيه.. نفش الابن العاق ريشه علي والده الكهل.. نهره بغلظة وقسوة وأصر علي تزويج ابنه في غرفة جده كرها عنه وبعدما احتدم النقاش بينهما اشتكي الأب المقهور قسوة ابنه لأحد أقاربه خلال زيارته له بمسكنه وهنا تحول الابن الجاحد إلي وحش كاسر جذبه من فوق فراش مرضه وطرحه أرضا وهشم عظامه الواهنة ركلا بالأقدام وحمله وزوجته وابنهما العريس والقوا به في قارعة الطريق.. اصطحبه أهل الخير من الجيران بنقله إلي المستشفي القريبة من مسكنه وأجريت له الإسعافات الأولية وحررت نقطة الشرطة محضرا بالواقعة التي صارت حديث الأهل والجيران وراحوا يتندرون من أفعال الابن الشرير الذي استأسد علي والده العجوز.