يمر الاقتصاد المصري بأزمة طاحنة اختلف خبراء الاقتصاد حولها؛ نظرًا لتدهور الأوضاع السياسية والأمنية التي تهيمن على البلاد والتي زادت من حدة هذه الأوضاع التي تعانيها الدولة طوال الفترة الماضية من تظاهرات واعتصامات متتالية، في حين توقفت عجلة الإنتاج عن العمل الأمر الذي عجز المتخصصون عن الخروج بتوصيات لتلاشي ثورة "الجياع" المحتمل حدوثها في ظل الاستمرار على سياسات الحكومة والقائمين على الأوضاع. إضافة لتوقف صندوق النقد الدولي عن مباحثات القرض نتيجة لانخفاض المستوى التصنيف الائتماني لمصر، والتي من شأنه سداد القيمة الكاملة للمواد المستوردة قبل استلامها بشهور، في حين توقفت الاستثمارات الأجنبية والسياحة في مصر بالإضافة لوقف الدول العربية عن تقديم أي مساعدات لمصر. د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أكد أن تصاعد الأحداث السياسية وزيادة توترها في ظل غياب المنظومة الأمنية التي أدت إلى تراجع وانهيار الاقتصاد المصري بشكل بات ينذر بكارثة كبرى لا يمكن الخروج من خلالها بسهولة؛ نظرًا لغياب الحكومة التي تتحمل برنامجًا قويًا يعمل على النهوض بالوطن من معاناته الطاحنة، لافتًا إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة تلقي بظلال سلبية على حياة ومعيشة المواطنين، خاصة في عدم وجود عملة أجنبية وتراجع الاحتياطي النقدي من ستة وثلاثين مليار دولار إلى ثلاثة عشر مليار دولار، وبالتالي لن يستطيع المتبقي منه سد احتياجات المرحلة القادمة سوى لبضعة أشهر بحد أقصى، وإن كان يصل قيمة موارد الشهر الواحد حوالي خمسة مليارات دولار فقط. مشيرًا بأن تراجع كل من الاحتياطي النقدي وقيمة الجنيه المصري أمام الدولار وعدم وجود موارد من النقد الأجنبي، ستؤدي إلى ارتفاع في أسعار السلع المستوردة التي تغطي 60% من السلع المباعة في الأسواق، مما دفع إلى حدوث تراجع في القوة الشرائية لمرتبات وأجور المصريين، ليصبح بذلك حجم ما يقوم المواطن المصري بشرائه حاليًا أقل بما كان يشتريه من سلع وخدمات قبل الثورة. وأوضح د. حمدي عبد العظيم، رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأسبق، أن سوء الإدارة والتخطيط وعدم وجود برنامج للإصلاح والنهوض بالأوضاع الاقتصادية التي تشهد حالة من التأثير السلبي نتيجة الارتباك السياسي والأمني الذي تمر به مصر منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 وحتى الآن.. والتي أثرت على مستوى معيشة المصريين الذين يحصدون نتائج السياسات الفاشلة في إدارة الحكم، مؤكدًا أن فرض الضرائب على الرسوم الجمركية يعد وسيلة لتوفير أكثر من ثمانية مليارات جنيه للموازنة العامة للدولة، والتي من شأنها المساهمة في موافقة صندوق النقد الدولي على منح القرض لمصر، خاصة أن هناك قرارات أخرى أصدرها الرئيس قللت من عجز الموازنة والذي يستلزم موافقة مجلس إدارة الصندوق النقدي الدولي، والذي تمثله أمريكا وأوروبا على القرض ومن ثم يعرض على مجلس الشورى للموافقة عليه أو مجلس النواب إذا تم انتخابه. ومن جانبه أكد د. صلاح جودة، الخبير الاقتصادي، أن بقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية على حالتها من شأنه أن ينذر أن مصر أوشكت على الإفلاس واندلاع الثورة الثانية "ثورة الجياع" القادمة لا محال؛ نظرًا لعدم وجود خطة ممنهجة من قبل السلطة القائمة على إدارة حكم البلاد تمكن الأوضاع الاقتصادية من النهوض، خاصة وأن مصر ليست بالبعيدة عن الإفلاس خلال بضعة أشهر قادمة بعد قيام مصر بسداد كافة المستحقات والأقساط المستحقة عليها في مواعيدها القانونية بفوائدها المترتبة نتاج المديونية الخارجية عليها، والتي تصل حاليًا إلى ما يقرب من أربعين مليار دولار. وأضاف : إن فرض الرئيس مرسي للضرائب على الرسوم الجمركية من شأنه توفير 1,3 مليار جنيه للموازنة العامة للدولة خلال عام مما يساهم في تغطية العجز في الموازنة، خاصة وأن وصول الاحتياطي النقدي لتسعة عشر مليار دولار يحتاج إلى مجموعة من الاستثمارات لكي يغطي عجز الموازنة، وإن كان هذا لن يحدث سوى بوصول ودائع من خارج مصر وتأمين الواردات وزيادة الصادرات وعودة السياحة وزيادتها لضمان الحصول على العملة الصعبة. وفي سياق متصل قال د. عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية: إن ثورة الجياع قادمة لا محالة في ظل ازدياد أوضاع المصريين سوءًا، وعدم تمكنهم من تلبية احتياجاتهم المعيشية التي تدنت إلى مستويات أسوأ ما كانت عليه قبل الثورة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه والذي لم تتحرك الحكومة المصرية بشأن هذا التدني الكبير للأجور، والذي انعكس سلبًا على مستوى المعيشة للشعب المصري أمام تراجع الاحتياطي، وممارسة الضغوط الأجنبية على الدولة بعدم مساعدتها على تنمية مواردها بصورة أكثر فعالية من العملات الأجنبية، سواء عن طريق تنشيط السياحة أو زيادة الصادرات أو تخفيض الواردات أو توقيع قرض صندوق النقد الدولي. ومن جانبه أشار د. أسامة عبد الخالق، الخبير الاقتصادي بجامعة الدول العربية، إلى أن صندوق النقد الدولي أوقف مباحثاته بشأن القرض؛ نتيجة غياب التوافق المجتمعي على المشهد السياسي الملتهب والذي من شأنه قلق صندوق النقد لعدم ضمان قدرة مصر على سداد القرض؛ نظرًا لعدم وجود مجلس الشعب والذي من شأنه سن القوانين والتشريعات المتعلق بتنفيذ قوانين الضرائب الجديدة وعدم تطبيق التقشف برفع الدعم عن معظم السلع، خاصة وأن الصندوق يرى أن مصر لم تلتزم من البداية بشروط سداد القرض، إضافة لعدم اعتراف النقد الدولي بشرعية مجلس الشورى دوليًا، مضيفًا تراجع التصنيف الائتماني لمصر زاد من ضعف إمكانية مصر من سداد قيمة البضائع المستوردة مقدمًا قبل استلام البضائع بحوالي ستة أشهر، وهذا سوف يفاقم مشاكل المواد البترولية بشكل كبير بجانب المواد الغذائية والإنتاجية، فالنقد الأجنبي قل عن حد الضمان وهو 15 مليار دولار مما يحول مصر من عصر الصفقات الآجلة للصفقات الفورية. وأضاف عبد الخالق أن مصر محاصرة بثورة جياع بفضل الأحداث الداخلية التي تحاصر الاقتصاد وتزيد من تأزمه من ناحية، ووقوعها تحت تأثير الضغوط الخارجية التي تحاول تدميرها وإفلاسها اقتصاديًا. وعلى الجانب الآخر أكد محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، أن مصر قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات الدائنة، وأن الدولة قادرة على سداد الديون وذلك عن طريق وضع سياسة اقتصادية واضحة من حيث قرارات تحفيز وتنشيط الاستثمارات من أجل التنمية الاقتصادية، إلى جانب وضع نظام للقروض المصرفية لإعانة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الاستثمارات المحلية إلى جانب الاستثمارات الأجنبية مع ترشيد الإنفاق وتقليل عجز الموازنة من خلال خلق موارد جديدة للدولة.