تباينت آراء اقتصاديون مصريون حول اتجاه الحكومة لبحث تدابير سياسة التقشف لضمان موافقة اللجنة الفنية التابعة لصندوق النقد الدولي على صرف مبلغ القرض البالغ 4.8 مليارات دولار، وأوضح الخبراء أن سياسة التقشف الحقيقية لا يمكن أن يطبقها الرئيس "محمد مرسي" وحكومته؛ لأنها لن تستطيع تقليل السيارات الخاصة بموكب الرئيس والوزراء، أو الزيارات الخارجية، أو تجهيز وتجديد المكاتب، بالإضافة إلى أن الحكومة تتجه نواياها الحقيقية إلى تقليل "الدعم" ورفع أسعار المنتجات البترولية بدلًا من تدابير التقشف، كما أن الرئيس "محمد مرسي" يخشى من اندلاع ثورة شعبية نتيجة العجز المتزايد في الميزانية مع تصاعد إحباط المصريين من إهمال تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل بعد الإطاحة بالرئيس السابق "حسني مبارك"، بينما يرى الآخرون أن اتخاذ إجراءات واضحة وعاجلة للتقشف سوف يساهم في خفض معدلات عجز الميزانية من خلال تقليل الإنفاق الحكومي. د. حمدي عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد السياسي قال: إن سياسة التقشف بدأها د. كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق، ولم يستطع رئيس الوزراء الحالي إكمالها لتقليل عجز الموازنة الذي بلغ أكثر من 150 مليار جنيه، وما نراه من عدد السيارات الخاصة بموكب الرئيس مرسي يجعلنا نتأكد أن الحكومة ليس لديها أي خطط اقتصادية لمواجهة عجز الموازنة، أو تخفيض التصنيف الائتماني، أو مواجهة انهيار الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، موضحًا أن تطبيق سياسة التقشف في تخفيض نفقات الموازنة في دعم المنتجات البترولية، ولكن الخوف من "الخضوع" لسياسة صندوق النقد الأجنبي في زيادة الضرائب أو رفع بعض الأسعار التي تهم المستهلك البسيط أو محدودي الدخل، مما يساهم في "ثورة شعبية" ضد الرئيس وحكومته؛ نظرًا لأن المصريين لم يشعروا بتحسن في ملف العدالة الاجتماعية أو توفير فرص العمل بعد سقوط الرئيس السابق "حسني مبارك"، مشيرًا إلى أن "التقشف" في أجور ومرتبات الوزراء ورؤساء مجالس الإدارات والشركات القابضة، بجانب تخفيض عدد المستشارين داخل الجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى عدم شراء مستلزمات أو أثاث أو سيارات جديدة للجهات الحكومية، ما قد يوفر للدولة ما يقرب من 30 مليار جنيه. ويرى د. هاني سري الدين، رئيس هيئة سوق المال الأسبق، أن اتخاذ إجراءات تقشف في الإنفاق الحكومي مثل خفض المرتبات، وترشيد الدعم، وتحرير أسعار بعض السلع رغم أنها إجراءات مؤلمة للمواطن إلا أنها سوف تساهم في ازدهار قطاعات اقتصادية نتيجة التراجع السياحي ونقص العملات الأجنبية، مطالبًا الحكومة توضيح التحدي الحقيقي للشعب المصري لأن استمرار الوضع بهذه الصورة يعني أن مصر قد تعجز عن توفير السلع الأساسية، كاشفًا أن الشعب سوف يثور في وجه الحكومة في حال رفع الأسعار أو في حال عجزها عن توفير السلع، لذلك لابد من اتخاذ بعض التدابير السياسية والاقتصادية لمواجهة عجز الميزانية واستكمال إجراءات قرض صندوق النقد الدولي والرضوخ بشروطه لانتعاش الاقتصاد المصري بشكل مؤقت. وبدوره كشف د. درويش مرعي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة العمالية، عن وجود فجوة في الحصول على قرض الصندوق وبين كيفية استخدامه، فمثلًا من عادة الحكومات المصرية أن تأخذ القرض وتتركه في البنوك لمدة سنة أو يزيد وبالتالي تزداد فوائده، كما أن التعويل على الاقتراض من الخارج لم يعد يجدي؛ لأنه من أسباب ضعف الدولة وسيطرة الدول الدائنة على قرارات الدول المدينة وتدخلها في وضع سياسات وبرامج قد لا تتناسب مع إمكانيات الشعب، كما أن الرئيس مرسي أهدر الأموال في سفرياته الخارجية بغرض "الشحاتة" من بعض الدول الأوروبية والعربية، وعادة دول الخليج عند تقديم المنح أنها تعطي دفعة أولى من المبلغ، وإذا حدث خلاف سياسي يتم وقف باقي المبلغ كما حدث مع "السعودية والإمارات"، موضحًا أن السياسات التقشفية تنصب آثارها بالدرجة الأولى على الفقراء ومحدودي الدخل. وفي رأي د. صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، أن خطة التقشف في ظل الانهيار الحادث في الاقتصاد المصري ومماطلة صندوق النقد في صرف الدفعة الأولى من القرض "جيدة" بشرط ألا تؤثر على القطاعات الأساسية التي تمس المواطن مثل "التعليم والصحة"، ولا ضرر في زيادة أسعار السلع غير الأساسية "كالسجائر والمشروبات الغازية والكحولية"، مشيرًا إلى أن خطة إنقاذ الاقتصاد المصري تتطلب حزمة من الإجراءات السريعة من بينها "التقشف النسبي"، وإصلاح بيئة الاستثمار، وإعادة النظر في دعم الطاقة، كما أن الحكومة الحالية عليها اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاربة الفساد الاقتصادي وتعديل بعض التشريعات الاقتصادية، بجانب الإسراع في وضع حد أقصى للدخل الشهري للوزراء والعاملين في الهيئات الحكومية بحيث لا يتجاوز 35 ألف جنيه، لافتًا إلى قدرة الدولة المصرية على تجاوز التحديات الاقتصادية الحالية من خلال الاعتماد المؤقت على مؤسسات التمويل الدولية لحين استقرار الوضع السياسي، وعودة قطاع السياحة، وسد عجز الموازنة. وأشار د. إبراهيم الشاذلي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إلى أن حكومات ما بعد الثورة ورثت تركة ثقيلة من الديون الداخلية والقروض الخارجية، ولابد من العمل على تنشيط الاستثمار المحلي، وهذا يتطلب علاج الخلل السياسي والانفلات الأمني في البلاد، ومن ثم خلق فرص استثمارية للشركات الصغيرة والمتوسطة، ووضع ضوابط من أجل زيادة الإنتاج وتحصيل المتأخرات الضريبية والتي تتعدى 34 مليار جنيه، بجانب إلغاء عمل المستشارين سواء للرئيس أو داخل الوزارات؛ بسبب أجورهم الخيالية، مطالبًا الحكومة إنشاء صندوق يسمى "دعم الاقتصاد" وتطرحه للاكتتاب، ويكون تمويله مساهمة بين الحكومة والشعب، ويدفع كل فرد 100 جنيه لدعم الاقتصاد وسد حاجة الإنفاق الداخلي للدولة، للخروج من الركود الاقتصادي الذي لن ينهض إلا بتنمية الموارد المحلية، ويكون الاستعانة بالقروض الخارجية في أضيق الحدود وللأغراض الإنتاجية فقط. ومن جانبه رفض د. إسلام عزام، أستاذ التمويل بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة، مقارنة تطبيق سياسة "التقشف" في مصر بنظيرتها في "اليونان"؛ نظرًا لأن سياسة "الانكماش" الاقتصادي تطبق في الدول ذات النمو الاقتصادي السريع، بجانب أن دول الاتحاد الأوروبي تعمل بكل طاقتها على مساعدة "اليونان" لاجتياز عقبة "الديون"، وعلى النقيض لا توجد دولة تساعد مصر في محنتها الاقتصادية، ولذلك لجأت الحكومة إلى "الاقتراض الخارجي"، لافتًا إلى أن مصر ليست في حاجة إلى تقشف ولكن إلى ترشيد النفقات، كما أن المواطن لن يتقبل دعوة الحكومة لخطط التقشف في الوقت الذي يرى موكب الرئيس وجولاته الخارجية والصرف ببذخ على مؤتمرات تيار الإسلام السياسي، مطالبًا الحكومة بوضع خطة جذرية لمكافحة التهرب الضريبي وتحصيل المتأخرات المالية، وتسهيل الإجراءات الاستثمارية لتحفيز الممولين والمستثمرين للاستثمار في مصر. وتعجب د. صفوت حميدة الخبير الاقتصادي، إلى رغبة الحكومة في اتخاذ تدابير التقشف لضمان الحصول على قرض صندوق النقد الولي، قائلًا: "المواطن المصري متقشف أصلًا" في المرتبات وغياب العدالة الاجتماعية، ومن العيب أن تتحدث الحكومة في هذا الأمر مع شعب يعيش 40% من سكانه بأقل من دولارين أمريكي للفرد يوميًا، مطالبًا بإصلاح النظام الضريبي، وتطبيق التقشف على الأغنياء، وتقليص مواكب الوزراء، وتخفيض الإعلانات الحكومية في الصحف والقنوات الفضائية، والاستغناء عن المستشارين داخل الوزارات، كما أن اتخاذ هذا الإجراء من شأنه وضع سياسات اقتصادية تقضي على مطالب الثورة المصرية وفي مقدمتها تحقيق عدالة اجتماعية، بجانب اعتقاد المصريين أن مطالب ثورتهم تم تجاهلها من قبل النظام الحاكم الجديد، موضحًا أن التزامات الحكومة الحالية تجاه الدين الخارجي الذي تسبب فيه "النظام السابق" حمل الأجيال القادمة قسوة هذه الديون، حيث أن كل فرد في مصر كبيرًا أو صغيرًا مديون "بخمسة عشر ألف جنيه" من الديون الخارجية؛ مما قلل من قدرة الحكومة على الإنفاق على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم.