أثار حادث القطار العسكري في "البدرشين" جنوبالجيزة بمصر الكثير من التساؤلات حول إمكانية توقف هذا النوع من الحوادث بسبب الفساد أو الإهمال، والتي أودت بحياة الكثير من المصريين، حيث لم يكن حادث قطار "البدرشين" الذي راح ضحيته 19 شخصًا، وخلف 117 مصابًا من المجندين هو الأول في عهد الرئيس محمد مرسي الذي تولى المسئولية في يونيو الماضي بل سبقته أربعة حوادث أخرى، أولها حادثة قطار "البدرشين" الأولى في 17 يوليو 2012 عندما اصطدم قطار متجه من القاهرة إلى سوهاج مع قطار الفيوم الذي كان يقف بمحطة البدرشين لحظة التصادم، وأسفر الحادث عن إصابة 15 فردا ، وثاني الحوداث كان في 3 نوفمبر اصطدم قطار قادم من الإسكندرية، بسيارة نقل أثناء عبورها شريط السكة الحديد في "قليوب"، وثالث حوادث القطارات في عهد "مرسي" قطار "الفيوم" في شهر نوفمبر الماضي إثر اصطدام بين قطارين أحدهما متجه من القاهرة إلى الفيوم والآخر من محطة الواسطى إلى الفيوم، واصطدم القطاران على الخط نفسه وأسفر الحادث عن مصرع 3 أشخاص بينهم سائق قطار الواسطى، وإصابة 46 آخرين، وأخيرًا حادث قطار "أسيوط" الذي اصطدم بأوتوبيس أطفال وتناثرت أشلاؤهم على القضبان، وراح ضحيته 53 طفلًا، وأصيب 17 آخرين نتيجة الإهمال، وأوضح خبراء النقل وسياسيون مصريون أن الرئيس "مرسي" وحكومته انشغلوا في خطة "أخونة" الدولة وتركوا البلاد تغرق في الفوضى والإهمال. وقال المهندس حاتم عبد اللطيف وزير النقل: إن مرفق شبكة السكك الحديدية في مصر يحتاج إلى 10 مليارات جنيه أو أكثر لتطويرها؛ لكونها من أقدم السكك الحديدية في العالم، مؤكدًا بأن الحكومة منذ حادث قطار "أسيوط" لم تقم بصرف أو توفير الاعتمادات المالية اللازمة للبدء في عمليات الصيانة للقطارات، والتي تؤثر على حياة المواطن، مع ضرورة التعرف على أسباب الحادث المأساوي الذي وقع بقطار "البدرشين"، واتخاذ ما يلزم لمعاقبة المقصرين، بجانب مخاطبة الحكومة لإعادة منظومة هيكلة السكك الحديد بالشكل الذي يضمن سير القطارات وأمن المواطن بشكل آمن تمامًا. وأوضح الوزير أن هناك مناقصة تمت وسيتم تصنيع 212 عربة قطار سوف تدخل الخدمة قريبًا، كما أن الوزارة بصدد الإعلان عن مناقصة أخرى لشراء 636 عربة قطار، لافتًا إلى أن حركة القطارات ستعود إلى طبيعتها في أسرع وقت بعد أن انتهت النيابة من معاينة مكان الحادث، والذي راح ضحيته 19 مجند أمن مركزي، وأصيب 107 آخرين. وعلى النقيض أكد محمود سامي، رئيس هيئة السكك الحديدية الأسبق، أن معظم حوادث القطارات تقع نتيجة خطأ بشري، وللأسف يتحملها عامل "المزلقان" البسيط، الذي يذهب ضحية للمسئولين الذين تهاونوا في تطوير المرفق، كما أن العامل يعمل بأقل الإمكانيات التي توفرها الحكومة من خلال "مزلقان" بالحبال، أو عدم توافر "الإضاءة"، أو الإشارات الخاصة بالسكك الحديدية، رافضًا ما يقال عن ضعف صيانة السكك الحديدية في مصر؛ لأن غالبية الحوادث تقع نتيجة تأخر غلق المزلقان، بالإضافة إلى أن حوادث القطارات في مصر ليست بالعدد الضخم، والإحصائيات كشفت أن مصر أقل الدول في أنواع حوادث وسائل النقل عمومًا. فشل الحكومة د. عماد جاد، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، يؤكد أن تكرار حوادث القطارات في أقل من ستة أشهر من عهد الرئيس "مرسي" يثبت أن "الفوضى" تعم البلاد، ونسير من سيِّئ إلى أسوأ دون وجود رؤية شاملة لإصلاح الفساد المؤسسي المتراكم من عهد النظام السابق، مطالبًا الرئيس مرسي بتحمل المسئولية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى إقالة الحكومة "الفاشلة" سياسيًا وإداريًا، والتي عجزت عن حل مشكلة "مزلقانات" السكك الحديدية على مستوى الجمهورية، فكيف بها تدير أمور البلاد بالكامل؟! مشيرًا إلى أن الرئيس وجماعته انشغلوا في أمور سياسية بحتة مثل "التكويش" على السلطة، أو إقصاء المعارضين، وتكميم أفواه الإعلاميين، مع ضرورة عدم إغفال "أخونة" الدولة التي تسيطر على عقول وفكر جماعة الإخوان المسلمين. ومن جانبه طالب د. رأفت فودة، أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة، أن تتقدم الحكومة باستقالتها وليس وزير النقل وحده، بجانب إسراع النائب العام في إجراء تحقيق قانوني لإظهار المتسبب الحقيقي في التقصير، وهل هو "الوزير أم عامل المزلقان" أم يتقاسم الطرفان المسئولية الجنائية نتيجة إهدار أروح المصريين بدون ذنب، مؤكدًا على ضرورة الإسراع في إعداد قانون "محاكمة الوزراء" أمام القضاء بعد إقالتهم؛ لأنه سيكون مواطنًا عاديًا ويتحمل المسئولية، موضحًا أن المسئولية الجنائية لا تقع على الرئيس "مرسي"، ولكن عليه تقديم الجناة للمحاكمة. واتفق مع الرأي السابق ناصر أمين مدير مركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أن حوادث القطارات يسأل عنها رئيس الوزراء وحكومته أكثر من رئيس الجمهورية، كما أن تكرار حوادث النقل في مصر يجعلنا نقر بأن مصر لم تختلف عن العهد السابق بل تسير البلد في انحدار تام، وعجز حكومي على التعامل مع الأزمات المتتالية، والدليل وقوع أربعة حوادث قطارات في أقل من ستة أشهر في عهد الرئيس "مرسي" صاحب مشروع النهضة، مشيرًا إلى أن الحكومة لا تمتلك خططًا إستراتيجية لحل هذه الأزمات أو التعامل معها، ولابد من إقالتها فورًا واتخاذ خطوات جدية لحل هذه الأزمات، وليس الحل بإقالة مسئول وتعيين آخر وإنما بصرف الاعتمادات المالية اللازمة لتطوير أهم وسائل النقل البري في مصر، مضيفًا أنه لا يوجد فرق بين حكومة "مبارك ومرسي"، والرئيسان اتفقا على الاستهانة بدماء المصريين، والمواقف القديمة للنائب "مرسي" كانت مجرد مزايدة سياسية في مواجهة النظام الحاكم وقتها، وموقف الرئيس أيضاً "مزايدة سياسية"، واختار أسهل الحلول وهي "الإقالة". ومن جانبه يرى حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن القرارات التي تم اتخاذها بعد حادثة قطار "أسيوط" تنطبق تمامًا على ما كان يحدث في عهد "مبارك" من حيث صرف أموال للمتوفين والمصابين، وكأن الأنظمة التي تحكمنا وضعت "تسعيرة" للمصريين، بدون مراعاة آدمية وحقوق الإنسان في السفر الآمن والحياة الكريمة، متسائلًا كيف يخرج مجندون في قطار متهالك لخدمة الوطن ويعودون لذويهم "جثثًا"؟ موضحًا أن مصر لم تعد تراعي أبناءها، والمسئولية لا تتعلق بوزير النقل فقط وإنما تتحملها الحكومة بالكامل، منتقدًا اتخاذ رئيس ما بعد الثورة نفس السياسات السابقة ولكن بشعارات مختلفة، ما يؤكد أننا مازلنا نحتاج إلى ثورة لحل مشكلات مصر المزمنة بداية من الطرق والمواصلات والإسعاف وغيرها من القطاعات الحيوية، واصفًا تعويضات الحكومة بالأموال استهانة بأهالي الضحايا، كما أنه لو تم تجميع ما صُرف من تعويضات على المتوفين والمصابين في حوادث القطارات بمصر لتعدي الرقم "مليارات الجنيهات" والتي كانت كفيلة بوضع ميزانية حقيقية لتطوير هذا المرفق الحيوي. واستنكر نبيل زكي المتحدث الإعلامي لحزب التجمع اليساري، انشغال الحكومة "المؤقتة" التي سترحل بعد أقل من شهرين بأمور ليس لها علاقة بمصالح المواطن مثل قانون الانتخابات البرلمانية ومحاولة تمكين التيار الإسلامي من أغلبية البرلمان المقبل بما يتوافق مع مصالحهم، لذلك سيتكرر الحادث مرارًا وتكرارًا، ولن تنجح "مسكنات" الحكومة في التعويض المالي أو إطلاق "التعازي"، أما إهدار دماء المصريين في حوادث السكة الحديد وغيرها لا تلقى اهتمامهم، مؤكدًا أن حوادث القطارات المتتالية تؤكد وجود فساد داخل هيئة النقل والأمر أكثر من البحث الجنائي في الأمور الفنية سواء "عامل المزلقان أو عامل التحويلة"، كما أنه لم يعد من اللائق بعد الثورة أن نستمر في البحث عن المسئول وبعد ذلك يتم تقديم أصغر العاملين بهيئة السكة الحديد لمحكمة الجنايات، مطالباً الرئيس باستقدام شركات تستطيع إدارة "مرفق السكك الحديدية" أو تخصيصها إذا لزم الأمر بسبب عجز الحكومات منذ عهد "مبارك" في إدارة وتطوير هذا المرفق، لأن معالجة الأمور بسطحية دليل على أن الكوارث والمصائب سوف تتكرر مجددًا. سنوات الفساد! وحمل د. جمال حشمت عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، مسئولية الحادث إلى الفساد المتراكم منذ عهد الرئيس السابق "حسني مبارك" في مؤسسات الدولة المختلفة ومنها بالقطع "مرفق النقل".. مؤكدًا أن إصلاح البلاد لن يأتي إلا بتكاتف القوى السياسية مع مؤسسة الرئاسة لتجاوز الخلافات السياسية، وإعادة بناء البلاد بما يتلاءم مع كيفية تطوير البنية التحتية جراء سنوات الفساد تحت حكم "مبارك"، موضحًا أن حادث قطار "البدرشين" جرس إنذار للمعارضة وقوى الثورة المضادة، مما يتطلب ضرورة تجاوز الخلاف والتعاون لإعادة بناء مصر، فلم يعد لدينا وقت لنضيعه في الجدل والصراعات.