اعتراضات وخلافات متباينة حول المواد الخاصة بحرية الصحافة خاصة المادة "48" التي تنص على أن "حرية الصحافة، والطباعة والنشر، وسائر وسائل الإعلام مكفولة، وتؤدي رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع، والتعبير عن اتجاهات الرأي العام، والإسهام في تكوينه وتوجيهه، في إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع، والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومي؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائي، والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة في زمن الحرب أو التعبئة العامة"، وأوضح خبراء الإعلام أن النص لم يتغير في الدستور الجديد بل تم نقله حرفيًا من دستور 71، وأضافوا إليه بعض الجمل المطاطية، والجماعة الصحفية كانت تتمنى من القائمين على دستور مصر بعد الثورة أن يضعوا نصًا يحظر عقوبة الحبس في جرائم النشر، وإلغاء جملة "مقتضيات الأمن القومي"، بالإضافة إلى أن المادة 48 مليئة بعبارات غامضة تفتح الباب أمام البطش بحرية الصحافة، كما أن الصحف كان لا يجوز حلها في دستور 1971 أما في الدستور الحالي يجوز حل الصحف بحكم قضائي، كما تم حذف "السلطة الرابعة" رغم أنها سلطة شعبية خاصة بالصحافة، وأشار الخبراء إلى أن وضع الفضائيات أكثر تعقيدًا في الدستور، وجاء في المادتين 215 و216 إنشاء مجلس وطني للإعلام، وهيئة وطنية للإعلام والصحافة لضمان تنظيم الإعلام من جهة مستقلة بدلًا من النظام الحالي "مجلس الشورى" "الغرفة الثانية"، الذي تمتلك فيه الحكومة وسائل إعلام عديدة، وتقوم بدور الرقيب في نفس الوقت. د. سامي الشريف أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، قال : إن مواد الإعلام في الدستور الجديد فضت الاشتباك بين وزارة الاستثمار والقنوات الفضائية، من خلال ضرورة إنشاء مجلس وطني للإعلام، ورغم أنه لن يكون بعيدًا عن سلطة الحكومة من حيث الإشراف عليه، إلا أن دوره سيعمل على وضع ضوابط لحماية القيم والثوابت المجتمعية، وعدم التجاوز الأخلاقي الذي يراه المصريون جميعًا على القنوات الفضائية، موضحًا بأن "مراقبة" وليس "تقييد" الأداء الإعلامي كان ضرورة في ظل الانفلات الإعلامي، كما أن خبراء الإعلام نادوا كثيرًا بإبعاد وزارة الاستثمار كمراقب، وتشكيل مجلس إعلام يكون هو المشرف والمراقب ويتحمل المسئولية أمام الدولة والمجتمع، على أن يضم إعلاميين من النخبة ورموز المجتمع المدني لوضع ميثاق شرف إعلامي تُحاسب على أساسه القنوات المخالفة. بينما أشار د. محمد بسيوني أستاذ الصحافة والنشر بكلية الإعلام جامعة الأزهر، إلى أن مواد الإعلام كشفت عن عداء مستحكم للصحافة والإعلام من أبناء تيار الإسلام السياسي، وللأسف وضعوا المواد بمنظور ديني، مؤكدًا وجود بعض السلبيات داخل الدستور الجديد فيما يخص الإعلام والصحافة، ورغم وضع نص إيجابي بوجوب إصدار الصحف بالإخطار فقط، وهو ما كنا نطالب به في العهد السابق، موضحًا بأن استمرار "ماسبيرو" مبنى الإذاعة والتليفزيون تابعًا للحكومة، واستمرار تبعية الصحف القومية لمجلس الشورى لا يضمن لهما الاستقلالية والحيادية بعيدًا عن الدولة، بالإضافة إلى أن الدستور لم يمنع حبس الصحفيين، وكان من الأجدى أن يعوض الحبس عند ضرورة معاقبة أي صحفي أو صحفية بالتعويض المادي، مؤكدًا بأن دستور 71 كان ينص على عدم إغلاق أي صحيفة أو أي قناة حتى عند صدور حكم قضائي، وكان المنصوص عليه أن يعاقب صاحب الجرم أو مرتكب الخطأ فقط، أما في الدستور الجديد فأصبح العقاب جماعيًا وليس لصاحب الخطأ فقط. سحرة فرعون وفي رأي د. محمود خليل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن الدستور الجديد أضاع هيبة الإعلام، وسيكون رادعًا للجماعة الصحفية والإعلامية وسيتم تكميم الأفواه؛ لأن النظام الإخواني الحاكم يرفض الإعلاميين ويعتبرهم "سحرة فرعون"، ويلقي بكل لائمة أو أزمة تحدث في البلاد على الإعلام، رغم أنه طبيعة عملهم في الأساس "نقل الحدث" من مصادره إلى الرأي العام، موضحًا بأنه فيما يخص المواد الخاصة بالإعلام التي غلب عليها التناقض، فمثلًا جاء في إحدى المواد أن حرية التعبير عن الرأي مكفولة في ضوء مبادئ الدولة والمجتمع، ونحن لا ندري من هي الجهة المنوط بها تحديد مبادئ الدولة والمجتمع، ومادة أخرى زادت من جرائم حبس الصحفيين في حالة إذا تناولوا الذمة المالية لبعض الشخصيات، وفي حالة إهانة رئيس الجمهورية، وعند نشر أخبار تثير البلبلة داخل المجتمع.. مستنكرًا الحديث عن إنشاء مجلس وطني للإعلام رغم أنه سيكون تابعًا للدولة، وقد يتولى رئيس الجمهورية رئاسته وتعيين أعضائه، وبالطبع سيكونون من أبناء التيار الإسلامي. ومن جانبه طالب حافظ أبو سعدة مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بوجود ضمانات لحرية الإعلام وحرية الصحافة في التشريعات القانونية الجديدة المكملة للدستور، ووضع نص واضح ومحدد في القوانين المكملة للدستور يضمن حرية واستقلال الإعلام المسموع والمرئي والمقروء والإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بعد إقرار رئيس الجمهورية للدستور بشكل رسمي للبلاد، مؤكدًا بأن الدساتير السابقة منذ دستور 1923 كفلت حرية الصحافة، وأضافت إليها بعض المكتسبات بعد ثورة يوليو 1952، ولكن بعد صعود الإسلاميين وإزاحة النظام الاستبدادي السابق ألغت ما حصلت عليه الجماعة الصحفية من مكاسب في عهد الرئيس الراحل "أنور السادات" والسابق "حسني مبارك"، واصفًا مواد الإعلام في الدستور الجديد بأنها "كارثية"؛ لأنها سمحت بإغلاق وتعطيل الصحف، وهو ما يتنافى مع حرية الإعلام، واصفًا جملة "مقتضيات الأمن القومي" بأنها تفتح الباب إلى محاكمة وتكميم أفواه الإعلاميين؛ لأنها مادة فضفاضة. وعلى النقيض رحب ممدوح الولي نقيب الصحفيين ، بمواد الصحافة في الدستور الجديد؛ لأنها أنهت وصاية مجلس الشورى على المؤسسات الصحفية الحكومية، وسيتم تشكيل مجلس وطني للإعلام، وتوسع الدستور في ملكية الصحف ليشمل الشخص الطبيعي، وكذلك الشخص الاعتباري، واصفًا حذف جملة "السلطة الرابعة" بأنها كانت عبارة رمزية، والواقع المجتمعي يقول بأن الصحافة لديها قوة وحصانة تضاهي وتفوق السلطات الثلاث للدولة، نظرًا لتأثيرها القوي على الرأي العام .. موضحًا بأن الدستور الجديد أتاح للصحفي حق الحصول على المعلومات، ومعرفة البيانات والإحصاءات والوثائق أيًا كان مصدرها ومكانها، وتلتزم الدولة بتسهيل هذا الحق دون معوقات بما لا يتعارض مع الأمن العسكري للدولة. ويرى قطب العربي الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة، أن معظم المواد الخاصة بالصحافة وحرية تداول المعلومات متميزة وغير مسبوقة في تاريخ الصحافة، وخاصة فيما يتعلق بحرية الحصول على المعلومات، وامتلاك جريدة بمجرد الإخطار، إلا أننا نعترض على تعطيل الصحيفة ووقفها بحكم قضائي، وكان من الأولى فرض غرامة مالية على الصحف أفضل من تعطيلها.