يحدث هذا لأننا وربما علي مستوي العالم كله نتلقي يوميا العديد من الرسائل غير الصحية، عبر الإعلام المرئي والمسموع (حروب- دمار- جوع- فقر- كوارث طبيعية)، هذا ناهيك عن الرسائل المؤذية التي تصلنا عبر الأشخاص الواقعين الموجودين في حياتنا، رسائل شفوية محكية أو مسكوت عنها تساهم في العبث بجهازنا العصبي يوما بعد يوم. تركز الكتب التي تميل إلي الروحانية علي جانب تحفيزي نفسي وسلوكي، يكفي النظر في رف أي مكتبة لنجد لائحة طويلة من الكتب تتشابه من حيث العناوين، وتسرد تجارب شخصية، ووقائع بعينها لظروف يتشابه في معاناتها البشر جميعا، وتكشف أن ارتفاع المستوي المادي في العلاقات إلي جانب الانشغال بالأمور الخارجية، والتركيز علي المظهر وعدم الاهتمام بجوهر الفرد، بالإضافة إلي تراجع شبكات الدعم من المجتمع والعائلة، كلها عوامل سلبية تزيد من مستوي تدني العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتوجد فجوة في رؤية الإنسان لذاته، ووصوله لمرحلة من فقدان الثقة بالنفس، ثم غياب الثقة في العلاقات المحيطة عموما. إن توجه هذه الكتب نحو مثل هذه الموضوعات، حيث محاكاة وتر معين من الأحاسيس ينسجم مع مضمونه الناس في الغرب والشرق يلاقي رواجا غريبا، سنجد مثلا أن كتابا ما وإن كان صادرا بالإنجليزية، تتم ترجمته باهتمام وسرعة تفوق التركيز علي ترجمة أي نوع آخر من الكتب، وذلك لأن هذه الكتب تضمن تحقيق ربح مادي سريع، خاصة مع وجود عبارات في أعلي الكتاب تفيد بأنه قد بيع من هذا الكتاب مليونا نسخة، أو شهادات من مشاهير في الإعلام أو الفن تفيد بقراءتها للكتاب، وكيف ترك تأثيرا واضحا في سلوكها. وما من شك في أن الإعلام الغربي يساهم بشكل فعال في الترويج لهذا النوع من الكتابات، نتيجة تقديس القيم الفردية، وتدني الترابط العائلي، حيث هناك حاجة ملحة عند الفرد الغربي للتركيز من جديد علي الروحانية بعد مرور عقود من الاهتمام التام بعالم المادة. لكن غاية القول الآن: إن سريان هذه الموجة من المؤلفات يحقق نجاحا في البلدان العربية أيضا، ويقبل علي التهام صفحاته القراء العرب، نتيجة وصول الحملة الترويجية إلي أذهانهم عبر أحد البرامج واسعة الانتشار، مثل: (أوبرا شو) أو (د.فيل)، أو غيرها من البرامج، أعطي مثالا علي ذلك مع كتاب (السر) الذي ترجم إلي العربية مؤخرا من إصدارات مكتبة جرير، لقد ظهرت كاتبة هذا العمل في إحدي حلقات برنامج "أوبرا شو"، وأعقب ذلك طلب علي الكتاب بلغته الأصلية أولا، ثم باللغة العربية بعد ترجمته، أما النسخة العربية من هذه المؤلفات فهي علي غرار كتاب "لا تحزن" للدكتور عائض القرني، الذي يتوجه فيه للقارئ العربي ليدمج في كتابته بين التعاليم الدينية والحديث عن الجوانب النفسية والسلوكية في المجتمعات العربية تحديدا. من المؤكد أن مقالا بهذا الحجم لا يكفي للحديث عن هذا النوع من الكتب، خاصة أنني لا أتناولها سوي من جانب وجودها كظاهرة لافتة للانتباه، أما علي مستوي التقييم فهذا الأمر يرتبط حتما بنوعية كل كتاب علي حدة، وإلي أي مدي استند في كتابته إلي الجانب العلمي - النفسي الدقيق- في كتابته، ولم يستسهل الوصول إلي ذهن القارئ متكلا علي حكم بسيطة ومواعظ ساذجة، يكتشف القارئ فيما بعد القراءة أنه تعرض لخدعة لطيفة، وأن الكتاب يشبه رقائق البطاطس التي تنفع للتسلية ولا تنفع لوجبة دسمة.