ليست بعيدة الهجمة التي تعرض لها شارع النبي دانيال بهدم أكشاك الكتب ورميها على الأرض بطرق همجية، عن الهجمات التي تتعرض لها الثقافة والفن عموما، فقد حدث من قبل أن قامت وزارتي العدل والداخلية بالاعتداء على قصر ثقافة الإسماعيلية, حيث تم اقتحام المسرح وتفكيك اكثر من 120 مقعد لتحويل القاعة إلى مقر لمحاكمة المتهمين في أحداث مبارة المصري البورسعيدي. وفي أبريل الماضي وقعت حادثة الاعتداء على قصر ثقافة المحلة الكبرى. ولم تمر عدة أيام على هدم أكشاك الكتب في شارع " النبي دانيال حتى تكشفت المواقف عن حقيقة هذا الحدث، وكأن الثقافة وأهلها وأصحابها هي الحلقة الأضعف،فيكون من السهل النيل منها، فما أكثر الأكشاك العشوائية لبيع السجائر والشيبس والحلوى، وما أكثر الأبنية المشيدة من دون ترخيص، والتي ارتفعت خلال عام ونصف من غياب الحكومة، الحديث في هذا الجانب يطول، لكن يظل الكلام عن هدم اكشاك الكتب أكثر أهمية لما لذاك الشارع من تاريخ ثقافي عريق يعود لأوائل القرن التاسع عشر، مع وجود نسخ من كتب نادرة يحتاجها الطلبة والباحثون. الكلام عن ما حدث فيه تباين بين الحكومة التي أقدمت على الفعل وترى أن إزالة الأكشاك غير المرخصة جاء في إطار حملات إزالة جميع الأكشاك العشوائية للباعة الجائلين في الشوارع الرئيسية بوسط الإسكندرية، وبين أصحاب الأكشاك الذين يؤكدون أن أكشاكهم مرخصة، وبين موقف المثقفين الذين يعيشون توجسا على الحال الثقافي عموما، ورأوا فيما حدث انذرا غير طيب لأمور أعظم ستأتي فيما بعد. ويعتبر سوق الكتب في منطقة النبي دانيال بالإسكندرية السوق الذي يناظر سوق الأزبكية في القاهرة يشتري منه الطلبة وهواة القراءة الكتب المستعملة التي لا يستطيعون تحمل تكلفة شرائها جديدة . والمسيء في الأمر والذي يبث الهلع الحقيقي على الثقافة كان صور الأكشاك المحطمة، وأكوام الكتب الملقاة في الطريق، حيث قامت قوات الأمن بتحطيم الأكشاك بناء على قرار المحافظ الجديد. وفي هذا الصدد ذكر محمد نصر الصحفي ومراسل قناة الجزيرة بالإسكندرية أن قوات الشرطة قامت القوات باستخدام المعدات الثقيلة وتمكنوا من إزالة "عدد 9 من أكشاك الكتب القيمة" من إجمالي 48 كشك، وقام أصحاب الأكشاك الآخرين بالتوافد علي القيادات الأمنية ومعهم تراخيص تلك الأكشاك من المحافظة والحي ووزارة الثقافة ، فتم وقف حملة الإزالة على الفور . فيما علق الكاتب بلال فضل على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، مستنكرا ما حدث بقوله "هل يجرؤ محافظ الإسكندرية ورجاله على إزالة الأدوار المخالفة في عمارات الأغنياء اللي مالية إسكندرية بدل مايتشطروا على أكشاك اللي بياكلوا عيش". وأضاف: ".. أدعو المجتمع السكندري لإعادة أكشاك النبي دانيال وحماية بائعيه وعدم التفريط في تراث الأسكندرية، كل أهل اسكندرية بيشكوا من إنتشار البلطجية وسوء الخدمات ومخالفات العمارات، عمري ماشفت إسكندراني بيشكي إن مكتبات النبي دانيال دمرت حياته". أما الشاعر زين العابدين فؤاد فقال : " إنها هجمة بربرية، ما هو الهدف من أي إجراء؟ تطبيق القانون؟ أم إنهاء المخالفات؟، ماهي المخالفة؟ ومن خالف؟ شوارعنا متاحف مفتوحة للمخالفات، طبعا هم يكرهون الكتب والمتاحف، ماذا فعلو تجاه المخالفات الخطرة والأدوار الزائدة، إن التعامل مع المخالفات باعتبار أن المخالفين فقراء نزيلهم هم ومخالفاتهم وأن المخالفين الأغنياء نغض البصر عنهم، هو منطق حكومة الأغنياء الديكتاتورية، أما كراهية الكتب فهي تتفق مع ثقافتهم في معاداة الثقافة ومصادرة الحريات والفن والإبداع". رد مناسب الشاعر محمد فريد أبو سعدة، رأى أن "ما حدث من إزالة أكشاك الكتب المرخصة هو رد مناسب على المثقفين والفنانيين الذين خرجوا من لقاء الرئيس مرسي مرتاحين ومطمئنين إلى مستقبل الثقافة !!، الرئيس لازال يتصرف باعتباره الرجل الثاني أو الثالث في جماعة الإخوان المسلمين، فهو لا يدرك أنه الرئيس وأنه أول رئيس يملك أن يشرع وينفذ في آن؛ أي يملك من السلطات ما لم يتسنى لرئيس من قبل ومع ذلك لا يقدم سوى كلمات طيبة تاركا للأول أو الثاني إعادة هيكلة البلاد وتغيير هويتها وثقافتها". وفي نفس السياق، دعا الناشط أحمد نصار مدير مركز نصار لحقوق الإنسان بالإسكندرية كافة القوى الثورية و الوطنية بتنظيم مظاهرة احتجاجية بشارع النبى دانيال عقب صلاة الجمعة و ذلك احتجاجا على الحملة الموسعة التي شنتها مديرية أمن الإسكندرية و شرطة المرافق صباح اليوم لإزالة الأكشاك الخشبية لبيع الكتب و التي كان يشتهر بها شارع النبى دانيال، وذلك وفقا لما ذكرته وكالة أنباء أونا. كما أستنكر الصحفي والإعلامي يسري فوده ما فعله جهاز البلدية بمحافظة الإسكندرية من هدم وإزالة لأكشاك بيع الكتب بشارع النبي دانيال، مشددا على أهمية القراءة و التعلم و اكتساب الثقافة و الخبرات، و قال : " أول ما قال الله للنبي محمد "اقرأ"، وتابع فودة كلامه قائلا : " وعن ما ردده البعض حول هذه الأكشاك عن كونها أشغال للطريق أو مخلفات أو أنها تضر المظهر الحضاري للمدينة، ياريت كانت زبالة مصر كلها زي زبالة النبي دانيال".
الاسكندرية كما استنكر جموع المثقفين والمفكرين والأدباء بالإسكندرية وشباب وأساتذة جامعة الإسكندرية والعاملون في مكتبة الإسكندرية ما قامت به أجهزة محافظة الإسكندرية من هدم لأكشاك الكتب القديمة والمستعملة بشارع النبي دانيال. وأشار جمع المثقفين إلى أن هذه الأكشاك تعتبر رصيداً مهما وزادا للمعرفة والثقافة ومعلم من معالم الإسكندرية التي يزورها زوار من مصر وخارجها.وناشد المثقفون، في بيان لهم صادر عن مكتبة الإسكندرية السبت 8 سبتمبر، الرئيس محمد مرسي التدخل فورا لإعادة الوضع لما كان عليه وصرف التعويضات المناسبة لهؤلاء القائمين على تقديم العلم والمعرفة، وكذلك تطوير هذه المنطقة بدلا من تدميرها. واعتبر د. خالد عزب المسئول بمكتبة الاسكندرية خالد عزب هذه الحملة " نوعاً من الاستهتار وعدم الاعتناء والاكتراث بقيمة المكان، ما حدث تدمير لمستقبل الثقافة في المدينة". وعلق رئيس جمعية بائعي كتب "النبي دانيال" حسين سلمان هذه الحملة، مؤكدا إلى أن أكشاك "النبي دانيال" مرخصة وليست مخالفة. وقدر الخسائر المادية للحملة بعشرات الآلاف من الجنيهات، إلا أن الخسارة الأدبية: " لا تقدر بمال". وقال علي محمود أمين جمعيه باعه الكتب بشارع النبي دانيال أننا ننتظر حتى الأن رد المسئولين عما حدث، وبالرغم من التصريحات من مسئولي الدوله إلا أنه على مايبدو أن محافظ الإسكندريه الجديد والقيادات التنفيذيه لا تريد أن تتحرك في هذا الأمر وكأن الجريمه تمت دون عقاب أو حساب. وقام العشرات من بائعى الكتب المتضريين فى شارع النبى دانيال بوقفة اعتصامية وأشترك معهم بعض من النشطاء السياسيين والمثقفين وأبناء مدينة الإسكندرية و رفع المتظاهرون لافتات (أول كلمه للرحمن أقرء) و(شارع النبي دانيال تراث حضاري) و(يامدير الأمن اتشطر علي البلطجيه) و(لا طمس هويه الإسكندرية). وأصدرت "جبهة الإبداع" بياناً تدين فيه هدم أكشاك الكتب بشارع النبى دانيال بالإسكندرية، باعتباره إحدى منارات الثقافة المصرية، واستخدام نفس آليات النظام البائد فى تلك الهجمة الشرسة. ومما جاء فى البيان، "هجمة جديدة على الإبداع المصرى تعرض لها إحدى منارات الثقافة المصرية التى تخرج فيها الكثير من فنانى وكتاب ومبدعى مصر (سوق النبى دانيال للكتاب) بالإسكندرية، والتى تمت بنفس آليات النظام القديم، وفى الفجر تحت جنح الظلام، وتبين بعد أن تم تدمير 9 أكشاك ودهس محتوياتها أن للأكشاك ترخيصا.وأضاف البيان، وجبهة الإبداع المصرى إزاء هذا الاعتداء فإنها تؤكد على الآتى: أولا - ما حدث تهديد مباشر لمستقبل العقل المصرى، وقمع لا نقبله مع الباعة الجائلين حتى يمكن تبريره تجاه مروجى الثقافة والفكر والتنوير. الجدير بالذكر أن شارع النبي دانيال بالإسكندرية؛ يمتد من محطة مصر وحتى الكورنيش ؛ ويقع في بدايته مسجد النبي دانيال .