كعادته كان الكاتب الساخر الراحل جلال عامر ساخرًا حتى فى وفاته، فقد أوصى قبل رحيله بأن يتم التبرع بقرنيته لأحد مصابى الثورة، وصية كشفت عن أزمة يعانى منها ما يقرب من مليون شخص يحتاجون إلى إجراء عملية زرع قرنية لتنقذهم من الظلام الذى يعيشون فيه، فعلى الرغم من توافر الإمكانيات المعملية والتجهيزات والأطقم الطبية اللازمة ذات الكفاءة العالية، إلا أن هذه الفئة لا يزال سيف "الظلام" الإجبارى مسلطًا على أعينهم وحياتهم بأكملها. عمليات زرع القرنية تجرى فى مصر من سنوات طويلة، وصدر أول قانون ينظم عمل بنوك الأعين عام 1962 وحمل رقم 103 وتم تعديله فى عام 2003، وحدد القانون الأشخاص الذين تستأصل قرنيتهم وهم المتبرعون بالقرنية بناء على وصية مكتوبة وقتلى الحوادث الذين تأمر النيابة بتشريح جثثهم والموتى فى المستشفيات، وفى الحالة الأخيرة لا يشترط موافقة أحد. الأزمة الحقيقية التى تحول دون إجراء تلك العمليات ليست شرعية ولكن تتمثل فى عدم توافر "القرنية"، فهناك نقص شديد فى القرنيات، بل وتوقف تام لنشاط بعض البنوك كما هي الحال فى بنك القرنية بالمركز القومى للعيون الذى لم يستقبل قرنيات محلية منذ يونيو 2001، وعمليات زرع القرنية التى أجريت كانت ب"قرنيات مستوردة"، والحال ذاتها شهدها بنك العيون بعين شمس المتوقف عن العمل منذ عام ونصف العام تقريبًا. الأمور لم تتوقف عند حد ندرة "القرنيات" فقد ساهم هذا الأمر فى رواج سوق "القرنية" المستوردة التى تبدأ أسعارها ب7 آلاف جنيه، وهى الأقل جودة، وتتدرج بعد ذلك الأسعار إلى أن تصل إلى 15 و20 ألف جنيه للأنواع السوبر، ويتم الاتصال بالمستشفيات وبنوك القرنيات العالمية لتوفير "القرنيات" بالمواصفات التى تتناسب مع كل مريض على حدة وصلاحيتها تبلغ 15 يومًا فى المتوسط. د. عصام عبد الغفار أستاذ طب وجراحة العيون، جامعة القاهرة ومدير بنك العيون بالقصر العينى، يقول: إن عمليات زرع القرنية بدأت فى مصر منذ سبعين عامًا وتأسست ثلاثة بنوك للعيون فى مصر لهذا الغرض، لكن يعد بنك العيون بقصر العينى الآن هو الجهة الوحيدة فى مصر التى تتحمل هذا العبء وتوفرت آخر قرنية الأسبوع الماضى واستخدمت، لكن لا يوجد لديه فائض بل توجد قائمة انتظار طويلة تصل إلى 5 آلاف شخص وبسبب ندرة القرنيات الصالحة إكلينيكيًا ومعمليًا فإن الآلاف ينتظرون إجراء العملية وهم من كل الأعمار، ما بين الأطفال والشباب رجالاً ونساء. وأكد أن المشكلة الرئيسية فى نقص القرنيات هى قلة ثقافة قبول نقل القرنية أو الاستعداد للتبرع بها، وأيضًا فإن انتشار مرض التهاب الكبد الوبائى يجعل الكثير من القرنيات غير صالحة للنقل للمرضى. وفى محاولة لنشر ثقافة التبرع أنشأنا صفحة على موقع التواصل الاجتماعىFace Book وأصبح عندنا لأول مرة قائمة بأسماء وعناوين وأرقام تليفونات المتبرعين. د. منى الفقى مدير بنك العيون بجامعة عين شمس قالت: لا توجد قرنيات محلية فى البنك منذ عام، ولدينا قائمة انتظار منذ أربع سنوات تقريبًا وأصبحنا لا نقدم وعودًا للمريض بإمكانية إجراء العملية له لعدم وجود قرنيات لدينا، وأنه لا يوجد متبرعون– بعد الوفاة- بالعدد الكافى. وفى بنك القرنية بالمركز القومى للعيون التابع لوزارة الصحة لم تختلف الحال كثيرًا، فثلاجات حفظ "القرنيات" خالية منذ أكثر من عام وقائمة الانتظار بها العشرات حسب قول د. نيرة أحمد مدير عام بنك القرنية بالمركز القومى للعيون التى أشارت إلى أن مصادر الحصول على القرنية متعددة لكنها غير مفعلة، فمن بين المصادر الحصول على القرنيات من ينفذ فيهم حكم الإعدام ولكن لا يتم تنفيذ هذا الأمر، وتمت مخاطبة الجهات المسئولة ولم يتغير الوضع حتى الآن، كما أن بنك المركز القومى للعيون بناء على اللائحة التنفيذية للقانون مسموح له باستئصال القرنية فى أربعة مستشفيات هى معهد ناصر ومستشفى الساحل التعليمى ومستشفى أم المصريين ومستشفى إمبابة العام، لكن الأهالى يرفضون استئصال قرنيات ذويهم. د. عمر الظواهرى أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة القاهرة قال: عمليات زرع القرنية تحقق نسب نجاح تتعدى ال90%، وتعد المشكلة الرئيسية فى توافر القرنية هى أن لائحة الجامعة تسمح بتشريح الجثث فى المستشفى التعليمى وتتيح أخذ أعضاء من الجثة بتوقيع من رئيس القسم طالب التشريح ورئيس قسم علم الأمراض، وكان الاعتماد على هذا البند بشكل كبير إلى أن ظهرت مشكلات من الأهالى واتهام الأطباء ومدير بنك العيون بالسرقة. ومن وقتها توقف العمل فى بنك العيون بقصر العينى منذ تسعينيات القرن الماضى لفترة 4 سنوات لعدم توافر القرنيات، ثم عاد إلى العمل بعد زيادة الأعداد فى قوائم الانتظار وضغط الأهالى، حيث تحفظ البلاغات التى تحدث من هذا النوع.