غارسيا ماركيز الذي لم يتوان عن الاعتراف أنه كتب رواية "ذكريات غانياتي الحزينات" التي تتناول أزمة العمر أيضا عند رجل عجوز بتأثير من رواية كواباتا• وهذه الشجاعة في تناول فكرة العمر والحب لم تقتصر علي الكُتاب الرجال، فقد أصدرت الروائية اللبنانية علوية صبح مؤخرا رواية بعنوان "اسمه الغرام"،ولعل من سيقرأ هذه الرواية سيعثر علي جمال آخر لفكرة التقدم في السن،إنها رواية عن مديح الغرام المتأخر،الحب الذي يقاوم تجعدات السنين،ويتحدي اللحم الذي أصابه إرهاق الزمن،والجلد المتعب من تتالي الأيام الوحيدة•ربما هذه الرواية عن مجموعة من النساء،وكيف يقاومن الزمن كيلا يستسلمن،لكنها بنظرة أكثر عمقاً رواية عن الإنسان ككل وهواجسه الدائمة التي يكافحها بالحب وحده،إكسير الشباب، من هنا تأتي رواية "اسمه الغرام" وبقلم امرأة تحكي بسرد مباح عن الجسد الإنساني العادي الذي تصيبه الشيخوخة ويدفعها عنه باستمرار،يعاركها،ويقف من جديد ليتحدي الزمن كما يفعل سيزيف مع صخرته،إنه نوع من التحدي الأبدي المستمر بديمومة مادام هناك زوال للجسد،وزوال للشباب،ومادمنا ندرك أن كل شيء سيمضي في يوم ما• إن هاجس العمر،والتقدم في السن يلاحق الناس جميعا من مشارق الأرض إلي مغاربها،وهو غير مقتصر علي أبطال روايات عظيمة، بل إن هذا القلق قد يبدأ منذ سنوات الثلاثين،هذا علي الرغم من أن التقدم العلمي قد ساهم في إطالة عمر الإنسان مقارنة بالقرون الماضية حين كانت الأمراض والأوبئة تفتك بالبشر وهم في ريعان الشباب•لذا مع ازدياد عمر الإنسان صارت هناك مرونة في تمديد سنوات الصبا عما كانت عليه في السابق، يمكننا استنتاج ذلك أيضا من تمديد عمر الزواج ( في البلدان العربية) فإذا كان سابقا يحصل منذ سن الخامسة عشرة للفتيات،والثامنة عشرة للشبان فإن هذه الظاهرة قد تلاشت الآن، وبات من شبه النادر أن نسمع عن زيجات مبكرة جدا حتي في الأرياف• طبعاً هنا لا يمكن أن نغفل أيضاً أثر العامل الاقتصادي في تأخير سن الزواج، حيث صار التأخير شبه إلزامي لضيق ذات اليد• لكن مؤخراً أظهر استطلاع للرأي أن الاميركيين يعتقدون أن الشيخوخة تبدأ في سن ال68 من العمر، ولكن الذين بلغوا تلك السن، ارجأوا الشيخوخة الي عمر أبعد، والمشاركون في الاستطلاع ممن تجاوزوا ال65 من العمر قالوا إن الشيخوخة تبدأ في ال74، أي بعد ست سنوات، بينما تبدأ في السبعين كما يراها الذين تراوحت أعمارهم بين 30 و64، أما الذين تدنت أعمارهم عن 30 عاماً، فكان جوابهم أن الشيخوخة تبدأ قبل الستين مما جعل متوسط عمر الشيخوخة 68 عاما• المشاركون الأكبر سناً أجمعوا علي رأي واحد: هم لا يشعرون انهم مسنون•وحتي ضمن الذين تجاوزا ال75 عاماً، رفضت غالبيتهم القول إنهم كبار في السن• ربما يحق لنا أن نتفاءل،لأنه كما يبدو أن مسألة العمر هي مسألة رقمية لا أكثر ولا أقل،أي أن الحيوية والنشاط والاقبال علي الحياة ليست حكراً علي مرحلة الشباب، تلك المرحلة التي لها أضرارها ومخلفاتها التي يحملها معه الإنسان طيلة حياته، إذ غالباً ما يفتقر فيها المرء للنضج والمعرفة التي تهيئه لخوض غمار الحياة،وتمكنه من تجنب عثراتها الأكيدة• من هنا تكون فوائد التقدم في السن أهم بكثير من مكافحة ظهور خطوط التجاعيد الصغيرة • كما أن جاذبية النضج المكتسبة مع العمر من الممكن رؤيتها حولنا في العديد من النماذج التي تفاجئنا بمقدار من الحيوية والنشاط الذي لا نجده عند الشباب• يمكننا أن نلاحظ أيضا تألق نجوم ونجمات السينما علي أعتاب الخمسين، وما يؤكد ذلك أن شركات التجميل تميل لاختيار نجمات تجاوزن الأربعين للترويج لمستحضراتها• هذا لا يتوقف علي النجمات فقط بل إن أهم نجوم عالم الغناء الملقبين "بنجوم الشباب" والذين يظهرون دوماً بطلة تخطف قلوب الشبان والشابات، تجاوزت أعمارهم الأربعين بسنوات، وإن تلك الملامح التي تضج بالحيوية والانطلاق شارك في صناعتها فريق كامل من الأطباء وخبراء الرياضة وال "إيربوكس"• وليس في ذلك عيب، لأن الفرق بين شخص في الثلاثين يفتقر للحيوية والنشاط ،وآخر في الستين قادر علي التمتع يوميا برياضة المشي، هو الفرق في تعامل كل منهما مع الحياة، وأعني بالحياة كل السلوكيات اليومية التي يمارسها الأشخاص من ردود أفعال سلبية وإيجابية، من اختيار نوعية الغذاء الصحي ،ممارسة الرياضة،التأمل،التخلص من الحقد والغيرة،النظر للنفس من الداخل والاعتراف بديمومتها وقدرتها علي التجديد والتجدد• ولعل هذا التألق الذي ينعم به النجوم والنجمات رغم عبورهم سنوات الشباب،يحظي به الكُتاب أيضاً،لأن خبرات القلم وزهوه لا يمكن الحصول عليها إلا في حالات نادرة مع الكتاب الأول• واذا كان بطلا كاواباتا وماركيز رجلين عجوزين تجاوزا السبعين،يقعان في غرام فتيات ما دون العشرين،يمكننا أن نجد في الأدب أيضا كاتبة مثل مارغريت دوراس وحكايتها الحقيقية مع "يان أندريا" الشاب الذي يصغرها ب 35 عاما، والذي عاش معها 15 عاما،وظل مرافقاً لها حتي لحظة موتها• كتبت دوراس عن "يان أندريا" نصاً رائعاً بعنوان "لا شيء بعد الآن"، وكتب هو بعد وفاتها كتاباً سرد فيه ذكرياته عنها، وكيف أنه أحبها ككاتبة قبل أن يتحول الإعجاب الأدبي لنوع من الغرام بالمؤلفة•