كم نحن بحاجة ماسة إلى قيم وأعراف وتقاليد جديدة في الكتابة والنشر .. وكم نحن بحاجة إلى قوانين تحمي حق الملكية الفكرية والثقافية والإعلامية .. وكم نحن بحاجة أساسية إلى أبواب نقدية، وصفحات شكاوى، في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام حتى المسموعة والمرئية، تكشف للعالم معالم السطو والانتحال والسرقات التي يقوم بها البعض ضد البعض الآخر .. وإقامة الحجة على كل من استسهل عملية الكتابة والنشر، سواء لمقالات، أو معلومات ، أو فقرات، أو رسوم، أو كتب، أو خرائط،أو مشاريع، أو تقارير، أو آثار،أو انتيكات .. الخ وهذه المسألة التي تحكمها حقوق النشر، وحماية الملكية الفكرية في أغلب دول العالم .. لا يجد المرء في حياتنا العربية مصانا ومحافظا على حقوقه، سواء في حياته، أو بعد مماته لأن ليس ثمة تقاليد تّحرم كل التجاوزات، بل وليس ثمة أي تفعيل للنصوص القانونية بما يتناسب وهذه المشكلة الحضارية وضد الخروقات والتلاعبات التي يمارسها عدد كبير من المتطفلين العرب على الثقافة، ومهنة الكتابة، والبحث العلمي، وأخلاقيات النشر. ليس مثل هذا " الأمر " حديث العهد في الثقافة العربية، فلو عدنا إلى قرون خلت، لوجدنا ثلاثة تصانيف من السرقات الأدبية أسماها ابن الأثير في كتابه " المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر " ب ( النسخ ) و ( المسخ ) و ( السلخ ) ، فثمة من يسرقك نسخا، وثمة من يشوه نصوصك، فيمسخها مسخا، وثمة من ينتحل، ويأخذ منك فيسلخ النص سلخا .. ولقد ازدادت اليوم، وبفعل التقدم الالكتروني، عمليات السطو والسرقة والانتحال .. وباستطاعة أي كاتب محترف أن يسجّل بعض أفكاره، وقد سرقها آخرون ولا يستطيع أن يفعل شيئا .. وقد وصل الأمر أن يشقى صاحب مقال، أو بحث أو كتاب لزمن طويل، ويأتي من ليس له ذمة ولا ضمير، فيأخذ الجهد لينسبه إلى نفسه وينشره مع بعض التغييرات الطفيفة . هنا ينبغي على كل الدول العربية أن تعالج من باب الحقوق مسألة حقوق النشر، وحماية حق المؤلف والباحث والفنان والأديب .. مما يتطلب من المختصين اليوم إثارة هذه " المشكلة " التي تزداد فجاجة واتساعا بفعل شبكة المعلومات الدولية (= الانترنت ) ، وعلى حكومات الدول: الاهتمام والشروع بسن قانون حماية الممتلكات المعنوية والكتابية والإعلامية، وعليهم أن يخصصوا مواداً رادعة تمنع ما يحدث اليوم، وأن تتوجّه أيضا إلى ترسيخ منهج تربوي للأجيال الجديدة، توضح لهم أخلاقية الملكية الفكرية والثقافية، والحفاظ عليها، وإبقائها أمانة وقضية غاية في الخطورة وهي حق المؤلف في حمايته من السطو والانتحال والاقتباس دون إذن وبما يخل في الموضوع، وكذلك في الحماية التي تكفل للمؤلف حقوقه القانونية ووضع النصوص التي تكفل له حقوقه المادية والأدبية ضمن النصوص المضافة في مشروعات جديدة للقانون المدني . إن الحفاظ على الملكيات المعنوية والثقافية والعلمية في الدول الغربية مهمة أساسية لكل من الدولة والمجتمع .. فلا يمكن أن تجد سرقات وانتحالات، وألا تعّرض فاعلها إلى أقصى العقوبات إن كشف أمره وذاع صيته في الإعلام .. ومما يؤلم حقّا أن يستخدم الآخرون كتبك ومقالاتك ومعلوماتك ووجهات نظرك واستنتاجاتك علنا من دون أن يذكروا جميلك عليهم .. بل إن البعض من طلبتنا في الدراسات العليا وآخرين من الباحثين يستسلمون لكتاب واحد صاحبه مؤلف محترم فيأخذوا منه ما شاءوا من نقولات حرفية لصفحات عديدة من دون أي ذكر للمصدر أو المرجع الذي أخذوا منه ! وبصفاقة بالغة لا يتوانون عن المجاهرة بالنصوص أو الأفكار أو النتائج من دون ذكر المؤلف ! كتبت قبل أكثر من ثلاثين سنة مقالا نشرته في إحدى المجلات وهو بعنوان ( الأمانة العلمية والمسؤولية التاريخية للكتابة ) ، وأذكر أنني تعّرضت للمشكلة ذاتها، ولكن لم يحدث أي تطور، ولا أي علاج ، علما بأن المشكلات قد زادت استعصاء وشمولية بفعل الثورة الالكترونية التي فتحت أمام العالم كل الثقافات، ولم يعد عصّيا على أحد أن يستنسخ عن الآخرين أعمالهم ، ويستغلها أبشع استغلال .. وأستطيع القول: إن أية تبريرات غير مقبولة أبدا، فالسطو الثقافي على جهود الآخرين إصرار على ارتكاب فعل مخالف للقانون، وجريمة ترقى لمستوى المسؤولية بكل أبعادها المادية والمعنوية، وهو إصرار يقترن بالتعمد المسبق على ارتكاب الجرم الثقافي، وتجسيد هذا الفعل المنافي للمنطق والحق في نشر الاقتباس، والسطو، والنقل الحرفي، كواقع ملموس وهذه الجريمة، لابد لها من عقوبة رادعة من أجل الإصلاح ولردع الغير مستقبلاً أيضا، كذلك من أجل تعويض المتضرر وإعادة الحق المسروق إلى أهله، وكنا قد اعتدنا قيام بعض الذين يجدون عجزاً في الكتابة بانتحال كتابات غيرهم إلى أسمائهم، وهذا تخريج يبرر فشلهم وعدم قدرتهم على الإبداع، لتحقيق مجد زائف، أو لسهولة يراها بعض من يزعم البحث والتقصي ليختصر الطريق بسرقة جهد الآخر، وهي حالة تجد لها أثراً في البلدان المتخلفة أكثر من البلدان المتطورة . وأخيرا، أدعو إلى تشريع قوانين عربية رادعة تحمي حقوق الملكية الفكرية والثقافية والعلمية والفنية والإعلامية، للحد من التجاوزات الكبيرة، فضلا عن حماية حقوق المؤلفين من سطو الناشرين، وتلاعباتهم، وسرقاتهم، أسوة بما هو معمول به في العالم، وأن تشترك منظومة الدول العربية قاطبة في الاتفاق على المبادئ وتنفيذ التشريعات المشتركة.