أثارت الأنباء التي ترددت مؤخرًا عن أجور مقدمي برامج "التوك شو"، حالة من الجدل داخل الوسط الفني وخارجه، إذ تخطت تلك المبالغ حاجز الملايين، رغم أن نوعية تلك البرامج الحوارية لا تحتاج إلى طريقة إبداعية مغايرة للمعتاد، ودخلت أجور المذيعين البورصة، وبدأ اصحاب القنوات فى المضاربة عليهم؛ كما هي الحال مع منتجى الأفلام والمسلسلات، الذين يضاربون على نجومهم؛ الأمر الذي أدي إلي ارتفاع أسعارهم. وتباعًا لما أحدثته "الثورة" وبدأ العديد من نجوم الفن تخفيض أجورهم للخروج من الأزمة، بدأ مذيعو "التوك شو" بدأوا يرفعون أجورهم لأرقام خيالية؛ كان أبرزهم الإعلامي محمود سعد الذي تعاقد معه محمد الأمين صاحب شبكة قنوات "النهار" بأجر سنوى 11 مليون جنيه، وهو الأجر الأعلى إلي الآن. وتضم قائمة مقدمي "التوك شو" الأعلي أجرًا، الإعلامى عمرو أديب الذى يتقاضى 3 ملايين ونصف المليون أجرًا، ولميس الحديدى التى تتقاضى الأجر ذاته من قناة "سى بى سى"، وتليهم فى القائمة منى الشاذلى؛ التي رفعت أجرها من مليون ونصف المليون إلى ثلاثة ملايين وربع المليون منذ شهر واحد فقط؛ لتلحق بالركب. والحال ذاتها مع معتز الدمرداش، الذي تعاقدة مع شبكة قنوات "الحياة" سنويًا بمبلغ 3 ملايين جنيه؛ بواقع زيادة مليون جنيه علي راتبه الذى كان يتقاضاه على قناة "المحور".. وتلية هبة الأباصيرى التى تتقاضى أجرًا يصل إلى مليونى ونصف المليون على شبكة "الحياة". أما التليفزيون المصرى، فيتعامل بواقع الحلقة الواحدة؛ فتتقاضى "هند القاضى" أجرًا يصل إلي 8 آلاف جنيه، عن الحلقة الواحدة، وهو الأجر ذاته الذى كانت تحصل عليه "منى الشرقاوى". والمتتبع لتطور الأجور، يلاحظ أن تلك الظاهرة جديدة علي الوسط الإعلامي، إذ إنه منذ خمس سنوات لم يكن يتخطى أجر المذيع وراتبه أكثر من عشرين ألف جنيه شهريا، وكان يعد هذا رقما خياليًا حينها، ولم يصل الأمر للملايين مثل العامين الماضيين، ويبدو أن الثورة حققت رواجًا لسوق المذيعين، وأجورهم؛ حيث رفعوا أسعارهم للضعف بعد الثورة، خاصة برامج "التوك شو"، على الرغم من أن هذه البرامج جديدة على المصريين، وعمرها قصير نسبيا بالنسبة لهذه النوعية؛ حيث وفدت علينا من الولاياتالمتحدةالامريكية وبعض الدول الاوروبية. وكانت امريكا أساس النشأة لهذه النوعية من البرامج فى فترة الخمسينيات على يد "جون فرانكلين"؛ حيث استضاف رجال دفاع وقانون وخبراء، واعتمد على مناقشة نتائج الحروب ونظرية المؤامرة؛ مما جعل البرنامج ينجح ويكون النواة لتنتشر هذه النوعية بعد ذلك فى اوروبا، وبعد سنوات من التطور ظهرت هذه البرامج بالشكل الذى اعتدناه وبصورة اكثر تطورا مثل "أوبرا وينفرى" فى برنامجها "أوبرا شو"، و"دايفيد لايتمان" و"لارى كينج"، وبدأ التليفزيون المصرى والقنوات الفضائية بتطبيق هذا اللون، ودخوله فى منتصف التسعينيات ومع انطلاقة القرن الجديد اجتذبت قاعدة كبيرة من الجماهير وظهرت برامج تركت علامة واثرًا مع الجمهور، ولكنها فى الوقت ذاته تمتعت بالسلبية؛ لانها كانت نسخة بدائية من شبيهتها الامريكية مثل برنامج "القاهرة اليوم" و"البيت بيتك" و"العاشرة مساء" و"90 دقيقة"، ولكن تميز "البيت بيتك" عن هذه البرامج بلمسة لقضايا الشارع المصرى، وما يعانيه المواطن الفقير وتقديم المساعدة. وبعد الثورة أصبحت هذه البرامج هى النجوم وسيطرت على المشاهد واثرته، ولكنها اعتمدت على الاحداث الساخنة وقدمتها بصورة مبالغة وضخمت فيها وكان رمضان الماضى بمثابة ناقوس الخطر الذى يدق معلنًا ان هذه البرامج قد حادت عن هدفها الرئيسى؛ حيث قدم عدد كبير منها وشعر المشاهدون انهم يتابعون مسلسل ذي احداث متصلة وليس برنامجًا يرصد مشاكل المجتمع، مما جعل أسهمهم ترتفع لدى أصحاب القنوات، وبدأوا يسعون للشراء على الرغم من معاناة أصحاب القنوات وشكواهم المستمرة من قلة المعلنين وانسحاب الوكالات الاعلانية وعدم تسديدهم باقى مستحقات المسلسلات التى اشتروها او انتجوها، ومع ذلك لم يمتنعوا عن دفع الملايين للمذيعين مثل قناة "الحياة" التى دفعت ما يفوق ال400 مليون جنيه تكلفة برامج واجور مذيعين فيها لهذا العام، وتلتها فى المرتبة قناة "سى بى سى"؛ حيث دفعلت ما يقدر تكلفته ب260 مليون جنيه، وتأتى "النهار" فى المرتبة الثالثة بواقع 254 مليون جنيه للبرامج وحدها، وقد أكد عدد من أصحاب القنوات الفضائية - منهم حسام المهدى نفسه صاحب شبكة قنوات بانوراما دراما، وسمير يوسف رئيس قناة النهار - أن السبب الرئيسى وراء هذا أن برامج التوك شو نفسها أصبحت عامل جذب رئيسيًا للجمهور وليس الافلام والمسلسلات مثل السابق، خاصة بعد الثورة؛ حيث اصبح المشاهد اكثر وعيا ويريد الاطلاع على ما يدور فى بلده والمؤثرات الداخلية والخارجية واصبحت القنوات تخطف المذيعين فيعرضون عليهم اجرًا مضاعفًا ولا يملك المذيع الا ان يوافق لأن العرض مغرى، اضافة ايضا الى ان اصحاب الوكالات الاعلانية يعزفون عن الاعلان فى فواصل المسلسلات، ويفضلون الاعلان فى هذه البرامج فقط على الرغم من الأزمة الموجودة ومقدمى هذه البرامج يدركون هذا جيدا بل البعض من الشركات المعلنة يعرضون ان يكونوا الراعى الرسمى للبرنامج ويدفعون مبالغ ضخمة لقاء هذا. وأصبح الكل يزايد وهذا وراء ارتفاع أسعار أجورهم، ويمتد الأمر إلى منافسة فى البرامج، وكل برنامج يهدف للقضاء على منافسيه، فأصبحت الحرب دائمة بين برامج "التوك شو"؛ حيث الاعتماد على القضايا الساخنة ومحاولة استغلال ذلك لصالح البرامج من خلال الضيوف وسخونة الاحداث، وأصبحت تعتمد على ذلك بغض النظر عن البلبة التى تثيرها وسط الجمهور المصرى، وفى بعض الأحيان تكون المعلومات غير مؤكدة ومعتمدة على أقاويل منتشرة وكلام مرسل دون حقيقة مثبتة. ولا ننسى ان نوجه اصابع الاتهام فى تلك الفوضى للقنوات الفضائية التى تجازف بدفع ملايينها هباء، هكذا لإعلاميين سأم منهم الجمهور والضيوف على حد السواء، ونفدت طاقاتهم على الهواء.. فما المانع من الاستعانة بوجوه شابة تجدد دم هذه البرامج الثقيلة للغاية، وفى الوقت نفسه لن تتقاضى هذه الملايين.