الحوار مع السفير محمد رفاعة الطهطاوي بلا شك يحمل أبعادا كثيرة ومختلفة، فالطهطاوي الذي كان سفيرا لمصر في ليبيا وإيران، شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية ثم عميد المعهد الدبلوماسي، كما كان المتحدث الرسمي باسم الأزهر الشريف سابقًا.. إلا أنه استقال من الأزهر مع بداية الثورة اعتراضا على فساد النظام السابق وعنفه ضد المتظاهرين وانضم للثورة بميدان التحرير حتى رحل الرئيس المخلوع مبارك.. وكان واحدًا من الذين رشحوا في التعديلات الوزارية الأخيرة بقوة لمنصب وزير الخارجية خلفاً لمحمد العرابي.. فالتقته "صوت البلد" وكان لها معه هذا الحوار. - ربما رأي البعض موقفك في الأيام الأولي من ثورة يناير تحولاً جذرياً، فقد خلعت عباءة المؤسسة الدينية وانضممت للشعب سريعاً.. فهل هذا صحيح؟ من وجهة نظري كنت أفضل الا نتحدث في هذا الموضوع وان نتحدث عن المستقبل، ولكني أريد ان أوضح موقفي من النظام السابق حتى لا يتهمني البعض بأني من "المتحولين" بعد الثورة؛ فأنا أرى ان النظام السابق كان نظاما فاسدا، ولم يكن كذلك فحسب بل جمع بين الاستبداد والفساد والعمالة للقوى الأجنبية. - هل الاستبداد والفساد والعمالة لم تكن مبررات كافية لإحداث تغيير في النظام السابق؟ قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت جميع السبل مسدودة أمام التغيير السلمي، فالانتخابات كانت مزورة والنقابات مصادرة والعمل الخيري يتعرض للتضييق، حتى لو توسلت بأي وسيلة للإصلاح تجد الأبواب كلها مغلقة. وجاءت الثورة لتفتح بابا للأمل والتغيير ولم أكن أتوقع ان تحدث الثورة تغييرا ملموسا، ولكني أدركت يوم الجمعة الثامن والعشرين من يناير ان هناك مواجهة حقيقية بالفعل، وأن هناك إمكانية فعلية لتغيير النظام.. وأقصد بالمواجهة الحقيقة أن هناك مواجهات خيالية لا تتوافر لها أسباب النجاح، لكني وجدت يوم الثامن والعشرين، ان هناك فعلا معركة دائرة بين طرفين يمكن ان تُغير الوضع القائم. - من وجهة نظرك؛ هل نجحت الثورة المصرية في تحقيق طموحات الثوار والشعب؟ يجب ان نكون واقعيين في تحليلنا لهذا الموقف فثورة يناير ثورة لم تكتمل بعد، لان الثورة تكتمل بأمرين أولا: ان تكون السلطة ثورية ويصل الثوار الى الحكم، وثانيا: ان تتحقق أهداف الثورة. وأهداف الثورة المصرية هي: "الحرية، التغيير، العدالة الاجتماعية" وبالنسبة للحرية فقد حصلنا على جزء منها، وستكتمل عندما يقوم نظام مدني ديمقراطي تقوده حكومة منتخبة من الشعب. اما "العدالة الاجتماعية" فستتحقق عندما تستطيع الحكومة المنتخبة بإرادة الشعب اتخاذ الإجراءات التي من شانها توزيع الناتج القومي بشكل أكثر عدالة؛ لذا فأنا اقول إن أي حكومة رشيدة في مصر يجب ان تنحاز للفقراء وهذا موقف منطقي وليس موقفا اشتراكيا ولا أيديولوجيا، فدعنا نتفق على أن الحاكم هو أجير لدى الامة وعليه ان يحقق مصالح الأمة والأكثرية من الناس، واذا كانت أكثرية الناس من الفقراء فعلى الحاكم ان يتوخى في سياسته الاقتصادية مصلحة الفقراء. وهذا ليس معناه الإضرار بحق الملكية الخاصة او الظلم لفئة معينة لتحقيق مصالح فئة أخرى، بل يجب أن تكون الملكية في إطار من التوازن بين حق الفرد وحق المجتمع. - وهل تري أن المؤسسة الدينية بعد الثورة تسير وفقا لما كانت عليه قبل الثورة؟ يجب أن نقرر حقائق أساسية فمفهوم المؤسسة الدينية لا وجود له في الإسلام، فالإسلام دين لا كهنوت فيه، لكن هناك علماء يؤخذ منهم ويرد بقدر علمهم وبقدر ما لهم عند الناس من ثقل.. والمؤسسة الدينية الرسمية خلال العقود الماضية، كانت مواقفها متطابقة مع مواقف السلطة تحرم وتحلل كما تريد السلطة في معظم الأحوال. الأزهر الشريف - وكيف ترى "الأزهر الشريف"و"دار الإفتاء" كمؤسسات دينية بعد الثورة؟ نحن الآن أمام مرحلة جديدة في تاريخ الأمة، وقد تحررت من النظام السلطوي الفاسد، ويجب ان يكون هذا المناخ عاملا مشجعا للعلماء في "الأزهر الشريف" كي يتخذوا مواقف تنطلق من صحيح الدين وتحقق مصلحة الأمة. وأتمنى ان يصبحا، منارات لإيضاح الحق بغض النظر عن مصادفة هذا الحق هوى الحاكم ام لا، ود. احمد الطيب منذ ان تولى مهام منصبه وهو حريص على استعادة كثير من استقلال ومصداقية الأزهر، وأتمنى ان يستمر هذا الاتجاه. - وكيف ترى التيار الإسلامي الآن؟ هناك أخطاء يرتكبها بعض أبناء التيار الإسلامي لعدم إدراكهم لفقه الأولويات فنحن في مرحلة بناء واستعادة لحرية الأمة نحاول فيها إزالة نظام قمعي مستبد تآخى فيه الظلم مع الباطل لمدة 60 عاما؛ لذا فلابد ان ندرك ضرورة التدرج وإعمال فقه الأولويات. فهناك بعض أفراد التيار الإسلامي وقد استمعت الى خطب بعضهم وهي خطب تنفر الناس سعيا وراء شعبية، في حين ان هناك قاعدة شريعة مهمة الا وهي "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع" وهذا شيء يجب ان يكون مأخوذا في الاعتبار. - يتعرض الإسلاميون لهجوم شديد جدا خلال الفترة الحالية.. فمارأيك في هذه القضية؟ الهجوم الذي يتعرض له بعض أفراد التيار الإسلامي ليس بسبب الخطأ في التعبير عن أنفسهم، ولكن بسبب مخاوف عميقة لدى القوى المعادية لهذه الأمة من صحوة إسلامية تعيد لمصر قيادتها للعالم العربي والإسلامي وتمكنها من مواجهة المخطط الأمريكي الصهيوني في المنطقة؛ وهم يدركون ومن يروجون لهم جهلا او قصدا في الداخل ان الإسلام هو دعامة القوة لهذه الأمة والسند الحقيقي لصحوتها، وهم يهاجمون التيار الإسلامي مستغلين أخطاء بعض إفراده ومخاوفهم الحقيقة من خيار الشعب الحر وهو الخيار الإسلامي. وعلى الرغم من ذلك فإني لا أريد ان اتهم أحدا ولكني أقول إن "الحرية هي الحل" او (تعالوا الى كلمة سواء)؛ فليطرح كل منا ما لديه في حرية تامة واحترام متبادل بغير تكفير او تخوين وليرى الناس بعد ذلك ما يشاءون. مشاركة حزبية - وهل تري أن التيار الاسلامي يحاول الاندماج في المجتمع عبر تشكيل أحزاب سياسية؟ فكرة المشاركة الحزبية لأبناء التيار الإسلامي هي فكرة محمودة، لأنها تعني الإيمان بالمسار السلمي والعمل على نشر الدعوة والفكرة عن طريق قلوب الناس وعقولهم. وتعد أيضا مؤشرا على إدراك الحركة الإسلامية ككل ان منهج العمل العنيف سقط فرضه بسقوط النظام التسلطي الذي لا يتيح منفذ للعمل السلمي اما الآن فالأبواب مفتوحة أمام التيارات الساسية كافة، واللجوء لغير ذلك لا مبرر له لا عقلا ولا شرعا. - وأين أنت من العمل السياسي الان؟ أتابع الحياة السياسية الآن متابعة دقيقة، فموقفي منها ليس سلبيا مع حفاظي على استقلالي، ولكن دون ان انضم الى حركة او جماعة فانا أريد ان أكون بمثابة رجل يقول رأيه بصراحة وموضوعية دون ان يتقيد بجماعة معينة او تنظيم معين. فالثورة ليست شعارات مجردة وليست خلافا على مسائل نظرية، ولكنها تستهدف ان يكون الناس أكثر رخاء، وسيتم ذلك اذا تولت السلطة حكومة شعبية منتخبة تستطيع مواجهة التحديات الخاصة بالتنمية والأمن. - لك باع سياسي طويل، كما انك تنتمي لعائلة سياسية فلماذا لا ترشح نفسك للرئاسة؟ السؤال هو لماذا أرشح نفسي؟ فاي شخص قبل ان يرشح نفسه لهذا المنصب عليه ان يبحث في عدة أمور أولا: هل يستطيع ان يتحمل هذا العبء ويؤديه على نحو مرضي؟ وثانياً: هل لديه مؤهلات تسمح لك بتولي المنصب في هذه المرحلة؟. وعلى اية حال ارجو من الله تعالى ان يكون رئيس مصر القادم واحدًا من اثنين اما ان يكون صاحب توجه إسلامي منصف رشيد عادل يعدل بين الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين واما ان يكون على الأقل بمثابة "الحكم المحايد" ديمقراطي حقيقي لا يظلم احد ولا يضيق على احد ولا يرفض تيارا او يحظر تيارا، ويتيح الحرية لكل فصائل الشعب المصري. - وكيف تري المستقبل السياسي المصري؟ متفائل جدا بالمستقبل، فهل كنا تتصور ان يسقط نظام مبارك يوم 25 يناير، وهل كنا نتصور ان تغل يد امن الدولة عن قمع الناس وانتهاك حرياتهم بهذا الشكل.. إذن فالمستقبل ليس قدرا نشاهده ونحن غائبون بل هو تحدٍ نحققه بجهادنا وإصرارنا فلسنا مجرد متفرجين بل نحن مشاركين في تحديد مستقبل مصر كبلد حر مستقل من الهيمنة الأجنبية.. وهذه هي رسالتنا وواجبنا ولن نسكت عن هذا، فالشعب عرف ان له قوة وقدرة ولن يركن الى الاستسلام والسلبية فنحن خرجنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر وانا متفائل وارى ان هناك نصرا قادما للأمة في الداخل والخارج.