التاريخي الذي قدمه نوبار باشا في أوائل القرن المنفلت حتي وصولنا اليوم إلي أحمد أبو الغيط وزير الخارجية الحالي الذي أفضت سياسته -كما يقول البعض- إلي توثيق عقد الثقة والاتزان في دور المحور العربي• إلا أن ملف الخارجية المصرية الذي بلغت محصلته من الوزراء حتي الآن 70 وزيرًا من أكفأ القيادات المصرية التي مارست العمل الخارجي من يومين فقط للوزير عبد الخالق حسونة قبل قيام ثورة يوليو 1952 إلي أربعة أيام للزعيم جمال عبد الناصر وصولا إلي المعمرين الذي خلدوا التعامل الدبلوماسي أمثال محمود فوزي الذي مكث 12 عامًا إلي بطرس غالي باشا 16 عامًا وصولاً إلي عمرو موسي عشر سنوات حيث مثل خلالها قمة الاطمئنان الخارجي والسلاسة الدبلوماسية في التاريخ المصري، واستطاع موسي أن يوازي الخط العربي أمام مطامع الدولة اليهودية، وتجاذب معها خيوط الاتفاق والاختلاف، وخلفه أحمد ماهر ثم أحمد أبو الغيط• أن وزارة الخارجية لم تكن قد بدأت عملها علي النحو المعهود الآن، إذ تعود بدايتها إلي النصف الأول من القرن التاسع عشر مع بدايات حكم محمد علي ومحاولاته لبناء الدولة الحديثة عن طريق الاستفادة من التقسيم الإداري النابليوني الذي استلهمه محمد علي كأساس لدولته ، ولم تكن الوزارة حينئذ مؤسسة متكاملة بالمعني الحديث للكلمة وإنما كانت مجرد إحدي الدواوين التي أنِشأها محمد علي لتنظيم علاقاته داخليا وخارجيا، وكانت تعني أساسا بالشئون المتعلقة بالتجارة والمبيعات وعرفت الوزارة في ذلك الوقت ب"ديوان الأمور الإفرنكية " وكانت مهامها تنحصر بشكل رئيسي في النظر في المسائل المتعلقة بمعاملة الأهالي و التجارة• وفي أعقاب فترة حكم محمد علي، استمر هذا التنظيم دون تعديلات كبري وأصبح ديوان الخارجية واحدًا من بين أربع دواوين رئيسية في الدولة تحددت وظائفه في منع الرقيق ومتابعة المعاهدات الدولية والمطابع الأوروبية والمحلية، وقد ارتبط ذلك أساسًا بحجم الوجود الأوروبي في مصر في عهد الخديوي سعيد والخديوي إسماعيل، بسبب حالة الانفتاح الواسع علي أوروبا وما تمتع به الأوروبيون من امتيازات في تلك الفترة، وقد ظل الأرمن يسيطرون علي ديوان الخارجية وعلي المناصب الكبري فيه حتي أواخر القرن التاسع عشر• ومع تغير ملامح الحكم في مصر عام 1878، تم تقليص سلطات الحكم المطلقة تحت تأثير الضغوط الأوروبية، وجري تغيير اسم السلطة من دواوين إلي نظارات، وتعاقب علي نظارة الخارجية في تلك الفترة العديد من النظار أبرزهم بطرس غالي باشا الذي يعد أطول من شغل هذا المنصب في التاريخ الحديث (1894-1910)• ومع قيام الحرب العالمية الأولي، وإلغاء السيادة العثمانية علي مصر وفرض الحماية البريطانية عليها في أواخر عام 1914، وإلغاء أغلب مظاهر السيادة المصرية تم إلغاء نظارة الخارجية كرمز للسيادة المصرية الخارجية ، ولم تتبلور ملامح الدبلوماسية المصرية في شكلها الحديث إلا بحلول 15 مارس 1922، مع إعادة إنشاء وتأسيس وزارة الخارجية المصرية بمعناها الحالي، بعد أن كانت تتسم في البداية بالبساطة في التكوين مع إنشاء "ديوان التجارة والأمور الأفرنكية" والذي كان مجرد جهازًا بسيطًا تم إنشاؤه لخدمة أغراض محدودة• بدأت مصر في إيفاد مبعوثين دبلوماسيين إلي الخارج إلا أن الأمر اتخذ طابعًا صوريا• ويعود الفضل لأحمد حشمت باشا (1923) مع توليه منصب أول وزير للخارجية في وضع اللبنة الأولي للهيكل التنظيمي للوزارة، حيث اتخذ قصر البستان بحي باب اللوق بالقاهرة مقرًا لعمله ويعتبر القصر الذي كان مملوكًا للملك فؤاد الأول، أول مقر رسمي للوزارة في العصر الحديث• ويعود الفضل لجهود حشمت باشا في تقسيم الوزارة لأربع إدارات رئيسية هي ديوان الوزير، إدارة للشئون السياسية والتجارية، إدارة للشئون القنصلية بالإضافة لإدارة للشئون الإدارية، كما صدر أول مرسوم خاص بالنظام القنصلي عام 1925 وكذلك المرسوم الخاص بنظام الوظائف السياسية• تحفظات بالرغم من موافقة الاستعمار البريطاني في ذلك الوقت علي إنشاء الوزارة، إلا أنه وضع بعض التحفظات فيما يتعلق بمستوي التمثيل الدبلوماسي المصري، حيث قصر مستوي التمثيل علي مستوي "الوزير المفوض" أو "معتمد سياسي بلقب وزير" باستثناء بريطانيا التي كان ممثلها الدبلوماسي في القاهرة بدرجة "مندوب سامي"• ، وكان من الصعب أيضا أن تنضم مصر لعصبة الأمم وقت الاستعمار• ومع إبرام معاهدة 1936، استطاعت مصر رفع درجة تمثيلها الدبلوماسي إلي نفس درجة التمثيل الدبلوماسي المصري في لندن كما اعترفت بريطانيا في هذه المعاهدة بحق مصر في الحصول علي عضوية عصبة الأمم، مما ساعد علي دخول مصر إلي حلبة الدبلوماسية متعددة الأطراف علي الساحة الدولية• وقد سمح الاستعمار بعد ذلك برفع درجة التمثيل الدبلوماسي المصري إلي درجة سفير لتستكمل مصر بعدها إجراءات انضمامها إلي عصبة الأمم لتصبح بذلك الدولة رقم 65 بالمنظمة • وبعد أن كان التمثيل الدبلوماسي المصري مقصورًا في بداية الأمر علي العواصم الكبري فقط وهي لندن وباريس وروما وواشنطن، اتسع ليشمل جميع دول العالم التي أصبحت مصر ترتبط معها بعلاقات إستراتيجية، وقد شهدت تلك الفترة بدايات التمثيل القنصلي التي كانت أكثر اتساعا وانتشارًا من التمثيل الدبلوماسي وذلك بفضل وجود عدد لا بأس به من القناصل في مدن رئيسية مثل لندن ولفربول في بريطانيا وباريس ومرسيليا وليون في فرنسا وبرلين و هامبورج في ألمانيا وغيرها من المدن الرئيسية الكبري في العالم • تحولات وكان لقيام ثورة يوليو 1952 أثر بالغ في التحولات الجذرية التي شهدها الهيكل التنظيمي للوزارة وذلك بُغية التواكب مع التحولات الكبري علي الساحة الدولية في تلك الفترة• كما كان لها أبلغ الأثر في وضع حجر الأساس لتنظيم العمل الدبلوماسي المصري حتي الآن: ففي 21 سبتمبر 1955، صدر القانون 354 لتحديد مهام الوزارة في تنفيذ السياسة الخارجية لمصر وجميع الشئون المتعلقة بها والاهتمام بعلاقات مصر مع الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية ورعاية مصالح المصريين هذا إلي جانب إصدار الجوازات الدبلوماسية ومتابعة مسائل الحصانات والإعفاءات الدبلوماسية ، فأخذت في تنظيم تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مع الدول الأجنبية، وإشراك مصر في المنظمات والمحافل الدولية، وإعداد وتوجيه التعليمات الدبلوماسية والقنصلية لبعثات التمثيل المصرية والإشراف علي مختلف علاقات مصر بالخارج، والقيام بالاتصالات والمباحثات والمفاوضات لعقد جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية، والإشراف علي تنفيذها وتفسيرها ونقدها بالاشتراك مع الوزارات والمصالح المختلفة••كما تولت الاتصالات بين وزارات ومصالح ودوائر الحكومة المصرية، وبين الهيئات والحكومات الأجنبية وبعثاتها الدبلوماسية، ورعاية المصالح المصرية في الخارج واتخاذ الإجراءات لحمايتها في حدود القوانين واللوائح والمعاهدات والعرف الدولي• كما اسند لها استجماع جميع العناصر ذات الأثر في سياسة الدول الأجنبية من الوزارات والمصالح المختصة، وتزويد هذه فطائرها من الوزارات والمصالح بما تريده من معلومات ودراسات مختصة بعلاقات مصر الدولية• وفي عام 1979 أصدر د• بطرس بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية قرارا بتنظيم وزارة الخارجية من أجل التكيف مع مقتضيات مرحلة ما بعد عملية السلام• وفي العام التالي قام وزير الخارجية كمال حسن علي بإعادة تنظيم وزارة الخارجية لتطوير آليات العمل داخل الوزارة ورفع كفاءة المعهد الدبلوماسي• تطوير عقب تولي الرئيس حسني مبارك الحكم في عام 1981 شهدت الوزارة عملية إعادة تنظيم واسعة فقد تم تطوير قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي للمرة الأولي منذ حوالي ثلاثين عاما، وصدر القانون رقم 45 لسنة 1982 الخاص بالسلك الدبلوماسي والقنصلي بهدف التكيف مع اتساع نطاق العلاقات الدبلوماسية والقنصلية لمصر واتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية التي كانت مصر قد انضمت إليهما في أوائل الستينيات• ومع مطلع التسعينيات، حدثت عملية إعادة هيكلة للعمل الدبلوماسي المصري• وقد تأثرت عملية إعادة التنظيم بالمناخ الدولي الجديد الذي شاع في العلاقات الدولية مع بداية التسعينيات وذلك في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وهو ما دعا إلي الاهتمام بتطوير مؤسسة الخارجية لمواكبة المتغيرات الدولية والإقليمية المتعلقة بالثورة التكنولوجية وثورة المعلومات وتنامي ظاهرة التكتلات الدولية وبروز دور المنظمات غير الحكومية في العلاقات الدولية بالإضافة إلي صعود ظاهرة العولمة الاقتصادية• كما استهدفت عملية التنظيم هذه، تحديث عملية صنع قرار السياسة الخارجية وتعزيز قدرات الدبلوماسيين في مختلف مجالات العمل الدبلوماسي• وانعكس هذا التطوير التنظيمي في هيكل العمل بالوزارة حيث بدأت إنشاء وتطوير إدارات للتعامل مع القضايا ذات الأولوية علي الساحة الدولية• ولعل من المفيد في هذا الصدد أن نذكر ما تم إنشاؤه من إدارات للتعامل مع نوعية محددة من القضايا كالإدارات الخاصة بالتعامل مع القضايا المتعلقة بسباق التسلح والتنمية وحقوق الإنسان والبيئة وعدم الانحياز بالإضافة للإدارات المتعلقة بالتعامل مع الأممالمتحدة سواء من خلال أجهزتها المختلفة أو الفروع والمنظمات التابعة لها، التعاون مع باقي أجهزة الدولة في إطار صيغة جديدة من العمل الجماعي لمزج الممارسة التطبيقية للدبلوماسيين والمعرفة الأكاديمية من خارج الوزارة• بالإضافة إلي تطوير معهد الدراسات الدبلوماسية بهدف تدريب وإعداد الدبلوماسيين وتأهيلهم للعمل الدبلوماسي• وفي 51 مارس من كل عام تحتفل الدبلوماسية المصرية بذكري إنشاء أول وزارة للخارجية في عام 2291، التي تتوافق مع ذكري إعلان استقلال مصر بعد إلغاء الحماية البريطانية ، فمنذ هذا اليوم أصبحت الاتصالات الأجنبية بمصر تتم بشكل مباشر من خلال وزارة الخارجية عبر ممثلين دبلوماسيين، بدلاً من الممثلين القنصليين الذين كانت قد تعودت علي استقبالهم في ظل الدولة العثمانية والخضوع للحماية البريطانية، لذلك فإن وزارة الخارجية أتخذت من هذا اليوم عيدا لها وإذا حاولنا أن نؤرخ للدبلوماسية المصرية نجد أن تاريخ إيفاد المبعوثين الرسميين من مصر يعود إلي الدولة المصرية الحديثة عندما اتسعت إمبراطوريتها التي ضمت، إلي جانب السودان، كلا من شبه الجزيرة العربية والشام وكريت، فسعت الدول الأوروبية إلي إيفاد مبعوثيها إلي مصر لإقامة العلاقات مع الحكومة المصرية رغبة في التعامل مع الأقطار الواسعة التي تحكمها مصر• ويذكر أنه كان من الملاحظ دائمًا احتفاظ رئيس الوزراء بمنصب وزير الخارجية، حتي يتمكن من ممارسة العلاقات السياسية الدولية في إطار مطالب مصر الوطنية التفاوض مع الإنجليز، ومن خلال تلك المفاوضات تمكنت مصر من إبرام معاهدة الصداقة المصرية البريطانية في عام 1963، وتبع ذلك إلغاء الامتيازات الأجنبية في عام 73 التي كانت تمنح الأجانب مزايا ابتعدت بهم عن سيطرة القوانين المصرية، بالإضافة إلي إلغاء المحاكم المختلطة المختصة بمحاكمة الأجانب داخل مصر، كل هذه الأمور كانت تنتقص من السيادة المصرية انتهت جميعها خلال المفاوضات التي كانت الخارجية تقوم بها ثم تغيرت الظروف الدولية بقيام الحرب العالمية الثانية، حيث أعلنت مصر الحرب علي ألمانيا ودول المحور بعد انضمامها إلي الحلفاء فاشتركت بعد انتهاء الحرب في تأسيس منظمة الأممالمتحدة وأصبحت عضوًا بها• الأقربون أولي••! وطوال عهد النظام الملكي كانت وزارة الخارجية بأعضائها الدبلوماسيين تمثل ، وتعكس شكل النظام القائم بالدولة، حيث كانت الأسس التي تحكم اختيار النخبة الدبلوماسية هي الولاء للنظام الملكي التي كانت تتم بشكل مباشر اعتمادًا علي معايير شخصية، بالإضافة إلي ضرورة الانتماء للطبقة الارستقراطية وأيضًا درجة العلاقة أو القرابة مع الأسرة المالكة ومساحة الملكية الزراعية أو من كبار المثقفين بثقافات أجنبية ميزتهم عن غيرهم، وتعد فترة تولي عبد الخالق حسونة باشا كوزير للخارجية أقصر الفترات في مصر حيث تولي الوزارة في 12 يوليو 52 وأقيل في 14 يوليو من الشهر نفسه، أي بعد توليه الوزارة بيومين فقط، حيث كانت المرة الثانية في تاريخه الوزاري بالخارجية، كما يعد بطرس غالي باشا هو أطول الوزراء قبل الثورة تعميرًا، حيث جلس علي الكرسي لمدة 16 عامًا من 16 أبريل 1849 وحتي 12 فبراير 1910• بعد قيام الثورة تغير الوضع حيث طرأ تغيير كبير علي شكل الدبلوماسية المصرية وعلي الدولة بجميع مؤسساتها ونظامها الدستوري والاقتصادي والاجتماعي لتعكس بذلك شكل النظام الجديد، وتسعي إلي تحقيق أهدافه، وبنفس درجة التغيير الذي أحدثته الثورة تغير الشكل العام للدبلوماسية المصرية، حيث تم إنهاء خدمة غالبية رؤساء البعثات الدبلوماسية وكبار أعضاء السلك السياسي الذين كانوا ضمن رموز عهد ما قبل الثورة، وتلا ذلك ملء المواقع التي خلت بعناصر من رجال الثورة عام 25 بغية التوصل إلي تمثيل دبلوماسي يعكس الفكر والاتجاهات الجديدة للثورة المصرية• ومع اتساع دائرة العمل السياسي للثورة المصرية لتشمل الدوائر العربية والإسلامية والإفريقية كان لابد من زيادة عدد الدبلوماسيين المصريين الذين لم يكن عددهم يتجاوز 10، أعضاء ثم انتقلت الوزارة إلي عمارة سكنية في محافظة الجيزة بجوار كوبري عباس مكونة من 11 طابقا لتسع الأعداد الجديدة من الموظفين وتم تكريس مبدأ تكافؤ الفرص في عملية اختيار الأعضاء الجدد علي حساب مصالح الطبقة الواحدة التي كانت سائدة في عهد ما قبل الثورة وحرب 48، وتعددت بعد ذلك المعارك فكانت معركة كسر احتكار السلاح 56 وتحرير إفريقيا وإقامة منظمة الوحدة الإفريقية وحركة عدم الانحياز ثم حرب 67 وحرب 73• ومع الطفرة العددية لأعضاء السلك الدبلوماسي الذين بلغ عددهم أكثر من ألف دبلوماسي انتقلت الوزارة من مقرها القديم في الجيزة إلي مقرها الجديد بماسبيرو• وسط هذا التطور السريع، لتحديث الدبلوماسية المصرية نشأ رعيل من الدبلوماسيين الذين مارسوا العمل الدبلوماسي في فترات سابقة وصاغوا العلاقات الدولية لمصر بفكرهم وجهودهم بعد أن عاشوا المعارك والأحداث•