مازال مسلسل الإهمال داخل المستشفيات مستمراً حتي بعد الانتفاضة التي اجتاحت جميع القطاعات في مصر، خاصة القطاع الطبي، والذي لطالما عاني منه المواطنون البسطاء في عهد الحكومة والنظام السابقين، والذي تعدد خلال حقبة حكمهما وقائع الإهمال الجسيم والتقصير الذي أصبح سمة غالبة داخل المستشفيات الحكومية العامة والعيادات الخارجية ليتنقل إلي مرحلة التسبب في الموت أو إحداث عاهات مستديمة .. ولم تزل الصورة القائمة تخيم علي المشهد حتي بعد تولي د. أشرف حاتم منصب وزير الصحة، ولعل الغريب في الأمر أن الصورة التي تم التقاطها من داخل مستشفي قصر العيني ذلك الصرح الطبي العريق والضخم الذي كان يتولي سيادة الوزير إدارته قبل منصبه الحالي .. من داخل المستشفي قصر العيني في التعبير عن أزمة هؤلاء المرضي خلال لقاء "صوت البلد" بهم . ويحتضن المبني بداخله آلافاً من المصريين البسطاء غير القادرين لتحمل مصاريف المستشفيات العامة والتي من المفترض أنها مجانية . تقول حمدية عويس إبراهيم 40 سنة إحدي الحالات المرضية داخل المستشفي إنها دخلت قصر العيني للعلاج من بعض المتاعب في القلب، ومع التشخيص المبدئي لأحد الأطباء أرسلها إلي معهد القلب حيث وصف حالتها بأنها تعاني من قصور في عضلة القلب وانسداد في صمامين الأمر الذي يستدعي جراحة عاجلة، إلا أن المعهد رفضها لعدم وجود أوراق رسمية معها، لتخرج من المعهد لإحدي العيادات الخاصة التي عجز زوجها عن دفع رسوم الكشف بها، لتعود مرة أخري إلي قصر العيني لترجأ ضمن كثير من الحالات، ولا تجد حتي جهازاً للتنفس الصناعي أو العناية الطبية ورعاية غير موجودة وتضيف: حتي عينة الدم التي أخذت منها تجلطت في الطريق إلي القصر العيني الفرنساوي، فأرسلوا سيارة إسعاف لأخذ الحالة مرة أخري لأخذ عينة دم أخري وتطورت الحالة ليطلب الطبيب المعالج للحالة بتر قدمها لتدهور حالتها الصحية الأمر الذي رفضه أقاربها في البداية وبمجرد رضوخهم بسبب تدهور الحالة الصحية لها والموافقة، لم يجدوا غرفة عمليات خالية أو عناية طبية وفي ظل ذلك كله يفتقد المريض لإنسانيته وكرامته وإسعاف الحالات بسرعة قبل تدهور مستواها الصحي . وفي سياق آخر، تقول والدة حمدية أنها فوجئت بهذا المستوي من التعامل غير الآدمي من الأطباء والممرضات اللاتي لا يمنحن رعايتهن للمرضي والتي من المفترض أنهم يتقاضيون عنها رواتبهم إلا ب"الفلوس" حتي عندما توجهوا لعمل مسح ذري داخل أحد أقسام الأشعة بالقصر الفرنساوي علي ساق المريضة لم يقبل الممرضات والعاملين السماح لهم بالدخول إلا عن طريق دفع "الإتاوة"، الأمر الذي دفع أحد الأطباء لامتصاص الحالة المضطرية بين أهل المريضة التي تدنت حالتها لدرجات بين الحياة والموت والممرضات بأن هددهن بالتحويل إلي التحقيق . وتضيف أمها إن الأطباء أيضا في مستشفي بني سويف العام قد تسببوا في تأخير حالة المريضة لهذا الحد حيث أصروا في البداية ألا تخرج من المستشفي بعد نظرة ذات بعد قصير لتشخيص الحالة بقولهم أنها لا تستدعي وأن مستشفي "ببا" بإمكانياته البسيطة سوف يتكفل بعلاجها، إلا أن بعد تدهورها أرسلها الطبيب المعالج بمستشفي "ببا" إلي معهد القلب بالقاهرة الذي رفض استقبالها . وتتابع أنهم بعد النجاح في إدخالها قصر العيني بعدما أجبرت القوات المسلحة رؤساء الأقسام بمتابعة الحالة، تموت ابنتهم 50 مرة في اليوم الواحد بسبب الإهمال الذي تعانيه داخل القصر العيني واعتماد الأطباء علي المسكنات لتتدهور الحالة المرضية للحد الذي استلزم بترساقها . وبالانتقال إلي حالة أخري، يحكي عوض عبد الملك 30 عاماً من الفيوم . معاناته ، قائلا إنه أثناء التظاهرات تعدي أحد البلطجية علي جراج لسرقته بالآلات الحادة وكان خاله أحد حراس الجراج الذي أشعل فيها البلطجية النيران، ليتوفي الحارس الأول، وبذهابهم إلي القصر الفرنساوي بعد إسعافه أولياً كي تتم معالجته رفض الأطباء استقباله بحجة عدم التأكد من خلفيات الحادثة التي تعرض فيها للحرق وبطلب مساعدة الجيش لإجبار المسئولين استقباله بالمستشفي وبعد ارغام الأطباء بقبول الحالة، يضيف عوض، كانت المفاجأة تلك التي فجرها الطبيب المعالج قائلا لنا: "انتم واهمين أنفسكم أن يدخل صاحبكم العمليات لعلاجه" . وأثناء متابعة المزيد من الشكاوي من داخل صرح القصر العيني الطبي، لم تستطع "صوت البلد" الوصول لمزيد من الحالات الأخري بسبب احتجاز مندوبيها الصحفيين من قبل رجال أمن المستشفي والذين وجهوا سيلاً من الاتهامات والتهديدات لهم بسبب ما قاما به من نقل الوقائع الحية لمسلسل الإهمال الجسيم داخل مستشفي حيوي كان يرأس إدارته وزير الصحة الحالي قبل أيام من توليه المنصب الجديد . وعلي خلفية مشهد آخر، استطاعت عدستنا أن ترصده افتراش عشرات المرضي للأراضي لعدم وجود أسرة لهم داخل القصر العيني فضلا عن غياب الرعاية الصحية والأمنية والطبية لهم، حتي الأعمال الأولية لنظافة "عنابر المرضي" قد غابت عن المشهد لتتطاير الحشرات حول المرضي الذين حوصروا كذلك بالمخلفات الغذائية والطبية من حولهم وسط لا مبالاة من طاقم التمريض بكل الأقسام، الأمر الذي دفع بعض أقارب المرض من الزائرين والمرافقين لهم إلي معاقبة الممرضات والعاملين علي هذه الصورة السلبية الأمر الذي لم يتقبله الطاقم الطبي بصورة خرجت عنها المعاتبة بالحديث إلي ارتفاع الأصوات داخل المستشفي بالتشاجر ليفقد أيضا المبني الطبي السمة الأساسية اللازمة لراحة المرضي وهي الهدوء ويخترق هذا المشهد المحتدم رجل يحمل علي كتفه "صندوقاً يبيع منه بعض المأكولات المحظورة علي المرضي، ويبقي الحال متردياً داخل مستشفي هو الأكثر ازدحاما بمختلف المرضي علي مستوي محافظات الجمهورية ممن يتردي وضعهم الصحي يوما بعد يوم.