قال مستشار اقتصادي إن الاقتصاد السعودي لا يزال يعاني خللاً هيكلياً وتشوها واضحا في قاعدته الإنتاجية، مبيّناً أنه رغم مرور تسع خطط تنموية لا تزال مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 12 في المائة فقط. وأوضح الدكتور خالد البسام الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز والمستشار الاقتصادي في غرفة جدة، أن السعودية تعاني حالياً "التضخم الزاحف"، محذراً أن استمرار الوضع بهذه الوتيرة يُنتج "عواقب وخيمة على المدى الطويل". وكان البسام يتحدث في محاضرة ألقاها البارحة الأولى في ديوانية جدة عن التضخم في السعودية والإجراءات اللازمة لاحتوائه، مشيراً إلى أن ظاهرة التضخم تعد من أبرز القضايا الاقتصادية التي حظيت باهتمام كافة المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية نظرا لآثارها السلبية في مختلف الأصعدة. وعرّف البسام "التضخم" بأنه عبارة عن الارتفاع في المستوى العام للأسعار. كما عرج على خصائص الاقتصاد السعودي ومنها أنه اقتصاد مفتوح، حيث لا توجد فيه قيود على حركة السلع والأموال، ومحدودية القاعدة الإنتاجية المحلية وتنامي الطلب على السلع المستوردة، كما لا يزال يعتمد نمو الاقتصاد السعودي إلى حد كبير على نمو القطاع البترولي، وتشكل الإيرادات البترولية نسبة كبيرة في إجمالي إيرادات الحكومة. ويعد الإنفاق الحكومي الأداة الرئيسية والفعالة لصانعي السياسة المالية، ويعتبر نمو الإنفاق الحكومي أحد أهم مصادر نمو السيولة المحلية، الذي يؤدي حتما إلى ارتفاع معدلات التضخم، ومحدودية سيطرة السلطة النقدية متمثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي على سعر الفائدة للريال والسيولة المحلية. وعن إجراءات السيطرة على التضخم، ذكر الدكتور خالد البسام منها إزالة عدد من الضرائب وتخفيض أخرى، وتخفيض سعر الكهرباء، ودعم بعض السلع الضرورية مثل الحليب و الأدوية، ورفع قيمة الريال بالنسبة للدولار. وعن الأسباب الداخلية لظهور التضخم حديثاً، أوضح البسام أن النمو المتسارع للطلب الكلي من خلال نمو مكوناته المتسارع (طلب استهلاكي واستثماري بشقيه المحلي والأجنبي وطلب على الواردات بما يتضمنه من مكون مستورد للتضخم) لم يواكب النمو المتسارع للطلب الكلي نمو كاف في جانب العرض. وأضاف: "كذلك ضيق وعدم تنوع الطاقة الإنتاجية المتوافرة للاقتصاد السعودي، والنمو المتسارع للسيولة المحلية بسبب نمو الإنفاق الحكومي والقروض المصرفية للقطاع الخاص، ولا تتمتع أسواق الكثير من السلع بدرجة كافية من المنافسة تساهم في استقرار الأسعار، أي أن هناك احتكار القلة". وأردف: "إضافة إلى الاختناقات التي تسود الأسواق المحلية وبصورة خاصة سوق العمل، وتحول جزء كبير من سيولة الأسواق المالية لتشكل ضغطا أكبر على جانب الطلب الكلي، وقوى الدفع الذاتي للتضخم التي تعمل من خلال التوقعات، وسياسة ربط الريال بالدولار أدت إلى الانخفاض المتواصل في سعر صرف الريال نتيجة للانخفاض المتواصل لسعر صرف الدولار، وكذلك الارتفاع المتواصل لأسعار البترول والارتفاع العالمي لأسعار السلع الأساسية، وارتفاع التضخم في الدول التي تشكل واردات السعودية منها نسبة كبيرة من إجمالي وارداتها، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان". الآثار الاقتصادية للتضخم أوضح الدكتور خالد البسام أن التضخم يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للنقود، الأمر الذي يؤدي إلى خفض معدلات الادخار ما يترتب على ذلك خفض معدلات الاستثمار في الاقتصاد، وفي حالة التضخم الجامح يقدم الكثير على التخلص من العملة المحلية نتيجة انخفاض قوتها الشرائية، كما أن التضخم لا يهيئ بيئة مناسبة للاستثمار المحلي والأجنبي، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية، الأمر الذي يفقدها القدرة التنافسية مما يترتب على ذلك زيادة الواردات وانخفاض الصادرات غير النفطية. وتابع: "يؤدي التضخم في الأمد الطويل إلى حدوث ركود اقتصادي، وتوقع المجتمع باستمرار التضخم يؤدي إلى زيادة مطردة بمعدلات الاستهلاك، وبما أن الواردات تشكل نسبة عالية من الاستهلاك في السعودية فإن ذلك يعني زيادة مطردة في معدلات الواردات ولهذا أثر سلبي في الميزان التجاري للسعودية". كما يخلق التضخم - وفقا للبسام - عدم استقرار نقدي، وهذا بدوره يؤدي إلى خلق عدم استقرار اقتصادي بصفة عامة وعدم استقرار الأسواق المالية بصفة خاصة، ويؤدي التضخم إلى سوء وعدم عدالة في توزيع الدخل والثروة في المجتمع عن طريق توسيع الهوة بين الجماعات ذات الدخول المرتفعة من جانب وبين الجماعات ذات الدخول المتوسطة والمنخفضة في جانب آخر، وأكثر الجماعات تأثرا بالتضخم هم أصحاب الأجور والمرتبات الثابتة، وهم الشريحة الكبرى في المجتمع. وشدد الدكتور خالد البسام على أن التضخم يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، وزيادة معدلات الجريمة، ويمهد الطريق للمنازعات الاجتماعية والسياسية، ويؤدي إلى مضاعفة أعباء التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتشويه مسارها، وانحسار الثقة بمؤسسات الدولة بين أوساط المتضررين، كما يؤثر التضخم في الاستقرار الأسري. إجراءات احتواء التضخم وضع المستشار الاقتصادي خالد البسام بعض النقاط التي يرى أنها قد تحتوي التضخم، ومن أهمها خفض الإنفاق الحكومي، وقيام مؤسسة النقد بالحد من قدرة المصارف على منح القروض ما يحد من تسارع نمو السيولة المحلية، ورفع سعر صرف الريال مقابل الدولار أو ربط الريال بسلة من العملات، وتخفيض الرسوم والتعرفة الجمركية. وكذلك التشجيع على زيادة حدة المنافسة في كثير من أسواق السلع وخاصة الرئيسية منها، والتشجيع على قيام جمعيات استهلاكية على إطار واسع، ودعم بعض السلع سواء أكانت وسيطة أو نهائية، كما يمكن دعم بعض المواد الخام. وأضاف: "كذلك إيجاد هيئة أو جمعية أو وكالة لحماية المستهلك تكون من أهم أهدافها مراقبة الأسعار ومعرفة أسباب ارتفاعها ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لخفض الأسعار ومكافحة الاحتكار، ويجب العمل على ترشيد السلوك الاستهلاكي، والتشجيع على الادخار في المجتمع السعودي من خلال وضع سياسات ادخارية فعالة لرفع معدلات الادخار ومن ثم خفض معدلات الاستهلاك".