في ظل التناحر الرهيب الذي ولد من مخاض الإخوان العنيف بتوالي أعمالهم التفجيرية و التخريبية منذ تركهم الحكم بمصر و تهديد شبح الإخوان بمصر باقي التنظيم في العالم العربي بالوصول لنفس المصير تتوالى علينا صورًا متعددة من صفحات الإسترجاع التاريخية بتأرجح المصير للقوى المختلفة ما بين الصعود و الهبوط ، البقاء في الحكم و الإزاحة من كرسيه حيث تناثر الإستفهامات عن نهاية الصفيح الساخن المؤجج لأرض الوطن. ما أكثر الأحزاب و الجماعات التي قامت على أسسٍ دينية و طبقية من أجل اللعب على أوتار المحتاجين للوصول الفوري إلى السلطة حيث العزف على آنين الشعب الذي وضع عبر السلطة الحاكمة لتقوم الثورات و الإنقلابات من أجل الحرية و الكرامة الإنسانية و العدالة و المساواة و كل هذه الكلمات تذوب ذوبان التيه في الوادي لإعتلاء قواد الثورة السلطة ليصابوا بعدوى السابقين. قامت ثورة القرامطة على شعار الدين و ثورة الزنج على شعار الدين و تم مزجهما بشعارات طبقية إجتماعية أرادت حشد الناس بيسر و سهولة عبر أجراس الدين و التكافل الإجتماعي لترتكب الجرائم و تجري بحور الدماء باسم الوصول إلى الحرية المفقودة و تستنسخ من تلك الثورات ثورات أخرى عبر العصور و تخرج جماعات ترفع شعار الحرية و المساواة و إقصاء الطبقية بين الناس كما حدث للشيوعيون بمختلف مدارسهم ليكون الإنجاز في بداية حكم الشيوعية و تسير الشيوعية بأثوابها المتنوعة على نهج حكم الفرد من أجل كفالته و توفير الخبز و العمل بشكل فيه نبرة المن و التكرم و الإذلال ليصاب الفكر الشيوعي بالوهن و الهزائم الخفية خلف ستائر السيطرة المشتركة على قيادة العالم مع المعسكر الغربي ليبدأ الإنهيار في العام 1978 بإختيار البابا يوحنا الثاني البولندي الأصل بابا للفاتيكان كأول واحد غير إيطالي يصل للمنصب كمساومة للقضاء على الشيوعية ببولندا و التي تمت نهائيًا عبر ليخ فاونسا الرئيس البولندي أول من دق مسماره على نعش الشيوعية و تقاوم الشيوعية في البلاد الأخرى مقاومة واهنة تفتقد للتفعيل و المتابعة لتتساقط أوراقها الخريفية ما بين رومانيا و بلغاريا و المجر التي حاولت في الخمسينات و فشلت لكن محاولة البداية عادت من جديد في التسعينات لتختتم صفحات بقاء الشيوعية في العام 1992 في ختام هذا العام قبل إسدال ستاره بتفكك تشيكوسلوفاكيا إلى (التشيك) و (السلوفاك). تتوالى الأيام و تكرر نفسها بأثواب مختلفة الألوان لكنها نفس الخامة في تفاصيلها مع جماعة الإخوان المسلمين التي تأرجحت حسب تدابير الأقدار و التي قامت على نهج دعوي ظهرت من خلف ستائرها الدعوية أحلامًا سلطوية مصبغة بنكهة الحق الإلهي المقدس و مزودةً بحاكمية سيد قطب عبر (معالم على الطريق) منوفستو الإخوان الذي أحيا الجماعة بعد سقوطها الأول في العام 1954 بالإعداد لإنقلاب ضد الحقبة الناصرية في العام 1965 و لكن أجهض الجنين قبل نضجه ليخرج للحياة بصرامة ناصرية لا تقل عن صرامة 1954 لتنقسم الجماعة كما إنقسم الشيوعيون ما بين تروتسكية و لينينية و ستالينية و ماوية بتقسيم الإخوان إلى بناويين و قطبيين بعد أن إنقلب السواد الأعظم من الإخوان على فكر البنا الإصلاحي الذي لا يصلح مع الحكومة المحتاجة إلى قوة رادعة توفرت في تعاليم قطب التكفيرية التي أخرجت و أفرزت جماعات تكفيرية كانت القوام الجديد لإعادة الإخوان للحياة من جديد في السبعينات من خلال أبو العلا ماضي و عبد المنعم أبوالفتوح و عصام العريان و غيرهم من أقطاب النشاط الطلابي الإخواني و تصاعد التيار الطلابي الديني على حساب التيار الطلابي اليساري و الذي تأرجح عقب نكسة 1967. تم إختبار قوة بعث الإخوان الثانية في حادث المنصة عبر جماعات متفرقة كما كان الشيوعيون يفعلون مع خصومهم و أصبح للإخوان أكثر من ذراع رادع نضح من قوام التنظيم الخاص بتشعبات مختلفة كالشبكة العنكبوتية حتى تجهض كل من يحاول أن يقف أمامهم و وضحت الرؤية على صلاح فكر البنا في الأربعينات و عدم صلاحيته في الخمسينات و الستينات لتتحول الجهة تجاه فكر قطب الذي سخر بنفسه من إصلاحية البنا ليكتب لها العودة من جديد و تظل المقاومة إلى أن وصلت لحكم مصر و تأتي ذكرى حسن البنا فلا يزور أحد من تلامذته قبره و تأتي ذكرى سيد قطب فيتم الإحتفاء به إعلاميًا كمكافأة له على نجاح روشته في إعتلاء السلطة. تتوالى الأيام و تأتي كلمة (و تقدرون فتضحك الأقدار) فارضة نفسها على الإخوان يوم إقصائهم يوم 3 يوليه من العام 2013 ليتحول نجاح وصفة قطب إلى لعنة أصابت الإخوان في مقتل بعد نصف قرن من سريان منهجه ليعلن هذا العام وفاة قطب فكريًا كوفاته جسديًا وسط تكهنات بموت الجماعة نهائيًا قد تكون خاطئة نوعًا ما بعد ورود توصيات مؤتمر بازل الأخير و الذي دعا للجوء إلى المرحلة الهضيبية نسبةً لحسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة متجهين نحو دعوته المطموسة المتسمة بالتوازن بين القوة و الإصلاح في سفره الشهير (دعاة لا قضاة) الذي قد يكون في نكهته ديمومة الإخوان المفقودة في ظل صراع البقاء فهل سينجح الهضيبي في إحياء الجماعة من جديد؟