تشهد تونس الآن مرحلة هامة في تاريخها الحالي منذ إندلاع ثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي و تحولها من العلمانية إلى الإسلامية بعد إحتلال حزب النهضة الإسلامي أغلبية مقاعد المجلس التأسيسي يوم 28 أكتوبر من العام 2011 و تحول تونس من الانفتاح إلى الإنغلاق و من الفرنسة إلى البدونة . كل ذلك إتضح بالأمس بعد تفجيرات مدينة سوسة أمام فندق رياض النخيل و محاولة التفجير الفاشلة بمدينة المنستير الحاملة لجثمان أول رئيس لتونس الحبيب بورقيبة و ذلك بمحاولة تفجير ضريحه في مشهد يفسر نفسه بكل وضوح. بعد إستقلال تونس من الإستعمار الفرنسي العام 1956 و ذلك من خلال الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس بعد خلع الملك محمد الأمين باي و إعلانه الجمهورية ليكون أول رئيس في العام 1957 و حتى العام 1987 و ذلك بعد الإطاحة به بالإنقلاب الأبيض الذي وقع على يد نائبه في ذلك الوقت زين العابدين بن علي و يُعد بورقيبة مؤسس تونس الحديثة على قوام العلمانية ليُطلق عليه لقب (أتاتورك تونس) أو (أتاتورك العرب) لتأثره الشديد بالفرنسة التي سادت تونس وقت الإستعمار لمدة خمسة و سبعون عامًا من العام 1881 حتى العام 1956 و لحياته التعليمية بباريس حاصلاً على شهادة الحقوق و العلوم السياسية العام 1927. في العام 1965 سأل التليفزيون الفرنسي الرئيس التونسي بورقيبة: بماذا تحلم و أنت رئيس؟ فرد قائلاً: أحلم بأن أرى تونس على نطاق عالي من المدنية و التنوير. أخذ بورقيبة يقوم بعلمنة تونس لمدة ثلاثون عامًا و أستمر النهج في عهد بن علي من العام 1987 حتى العام 2011 أي لمدة خمسة و ستون عامًا من العلمانية لنرى تونس نموذجًا تركيًا بالنسخة العربية علاوة على إلغاء الحجاب في العام 1966 بقرار جمهوري لبورقيبة و تصوير التليفزيون له و هو يقوم بخلع الحجاب من على رؤؤس السيدات بشكل حتمي و كان هذا الزي يسمى بالسفساري كثورة على الموروث و دعوة لكسر أصنام القديم من أجل إدخال الحداثة بتونس على النطاق الغربي ليكون بحق أتاتورك تونس. هنا كانت الرغبة في تفجير قبره بالمنستير من قِبل السلفيين و الذي فشل بعد إحتوائه أمنيًا و هنا أحدثت القوة السلفية صداعًا مزمنًا بتونس حيث التعصب و التشدد و الإنتقال من نقيض إلى نقيض أو من تطرف إلى تطرف أو من الإنفتاح إلى الإنغلاق لتكون تونس بين فكي اليمين و اليسار كحال دول الربيع العربي. أصبح الآن المواطن التونسي في حيرة شديدة ما بين الماضي و الحاضر بإستفهاماتهما و تساؤلاتهما حول من الأفضل لتونس حسب طبيعتها الأيديولوجية و الاجتماعية مع التحول من العصرنة المفرطة إلى البدونة الكاملة وسط حالة من الرفض بين الفريقين دون النظر لوسطية تونس المطلوبة لبلوغ تلك الأزمة الطاحنة و التي تربك الحسابات التونسية حول إستعادة الأمن و الإستقرار في ظل نشاط القوة السلفية و الجهادية اللاهبة للعقل التونسي. هنا يأتي السؤال: هل محاولة تفجير قبر أبو تونس الحديثة دعوة نارية بإلغاء تاريخ تونس قبل حزب النهضة؟! (الحبيب بورقيبة يخلع زي السفساري أو الحجاب من رأس التونسيات العام 1966)