بمُجَردِ أنْ يهِلَّ علينا شهرُ رمضان المبارك كل عامٍ حتَّى تظهرَ لنا شخصياتٌ فارغةُ العقولِ، ليس وراءَها كل عام سوى الظهورِ في برامجَ لا تفيدُ المشاهدَ في شيْءٍ، بل إنَّها تلوثُ سَمْعَهُ بقائمةٍ من السبابِ علانية على الشاشِة ولا يخفيها حتى ذلك الصوت المزعج الذي اعتدناه مُشوِّشًا على الكلام الخارج عن النَّص. وإنَّني أتساءَلُ: كيف يليقُ بقنواتٍ محترمةٍ وذات سمعة كبيرة أن تُضَحِّيَ بنفسها وبسمعتها في هذا الوَحلِ المُسَمَّى "برامج المقالب". عزيزي المُمثل التافه الذي ليس وراءك سوى المقالب، اعلم أنَّكَ تقوم بأكبر مقلبٍ في حياتك؛ فالناس جميعًا تقذفُكَ بنظراتِهم الحَاقِدَةِ، كما أنَّهم يودُّون الإتيانَ بك، وضربك كما يفعل ضيوفك الذين لا نعلم إنْ كانوا على عِلْمٍ بما يجري أم لا! وسريعًا ما تنزلُ مكانتُكَ في أعينِ الناس. كانت برامجُ المقالب قديما لا تُمَثِّلُ أكثرَ مِنْ شيءٍ بسيطٍ لمجردِ إضفاءِ الفكاهةِ على وجوهِ النَّاسِ، وبمنتهى البساطة.. أمَّا الآن فما أبشعَ ما نَرَاهُ مِنْ أفعالِ (رامز جلال) و(هاني رمزي) وغيرهما! ماذا يستفيدُ الناسُ مِنْ تلكَ البرامجِ سوى أنَّهم يُشاهدون حقيقتَكَ التافهةَ، وحقيقةَ ضيوفِك الذين ينهالون عليك بوابلٍ من الشتائم بمجرد أن يُدركوا أنَّهم وقعوا في فخٍّ كبيرٍ؟! إنَّ (رامز جلال) وأمثاله اكتسبوا براعةً في التمثيل، وخفة الظل، ولا غُبَارَ على ذلك، ولكن لماذا تهجرون فنَّكم وموهبتكم لتحصروها في هذه الأشياء التافهة، فما بين مقالب في البر والبحر والجو لا تجدُ قيمةً واحدةً غير أنَّك تكاد تشفق على هؤلاء الضيوف، وإنْ كان بعضُهم لا يستحقُّ الشفقة، فكل عام هم ضيوف البرامج ذاتها وكأنهم يقومون بتمثيل دَور معين، فليس مِن المعقولِ أنْ يكونَ هناكَ أحدٌ بهذا الغباءِ الكبيرِ تتكررُ عليه المقالب، وهو لا يفهم أبدا بل يكاد يتقن دوره وكأنه فَرِحٌ بما سيناله مِنْ أجرٍ كبيرٍ.. تجهيزاتٌ .. وأناسٌ يعملون بل ويجتهدون ويُفنُون أوقاتهم .. وأموالٌ طائلةٌ تُنْفَقُ بالملايين .. وقنواتٌ تُنتِجُ وتعرضُ وتردُّ أموالها أضعافًا .. وكل هذا في النهاية من أجل (مقلب). يامَنْ تنفقُ هذه الأموالَ الطائلةَ بلا فائدةٍ لنْ أقولَ لكَ تَصَدَّقْ بها، ولكنِّي سأقولُ لكَ إنَّ بلادَنا بحاجةٍ إلى مشاريعَ كبيرةٍ تحتاجُ أموالك ليعمل بها آلاف الشباب في ظلِّ الظروفِ القاسيةِ التي تمر بها البلاد من فَقْرٍ وغَلاءٍ فَاحِشٍ، وبَطَالَةٍ وضَيَاعٍ. وأينَ الرقابةُ في كلِّ ذلك؟! هل تَعِي جيدًا أنَّ هذه البرامجَ بلا فائدةٍ تُذْكَرُ؟! أم أنَّها تعلمُ ذلكَ وتسكت مقابل مبلغ كبير من المال يُسَمَّى رشوة؟! أم أنَّ الزمانَ الذي نحياهُ الآن أصبحَ لا يهمُّهُ الفنُّ الحقيقيُّ والقيمةُ وصار منقادًا وراءَ التفاهةِ والسطحيةِ الواضحةِ؟! رجائي من كلِّ القائمين على هذه البرامجِ أنْ تشغلوا أنفسكم بما يفيدُ، وتستثمروا أموالكم فيما ينفع؛ فبلادنا أحوجُ ما تكون إلى ترسيخِ الأخلاقِ والقيمِ، استثمروا أموالكم في البرامجِ الهادِفةِ، حاولوا أنْ تبتدعوا أفكارًا تنتشلُ الناسَ من الفسادِ، وتقضي على تفاهتهم بدلا من أن تزيدوهم تفاهة وسطحية. ** أحبُّ الاستماع إلى آرائكم قرائي الأعزاء على البريد الإلكتروني الخاص بي وعلى صفحتي على الفيس بوك بنفس العنوان : [email protected]