مأزق دستورى يتنظر البرلمان المقبل، المفترض انعقاده قبل نهاية العام الجارى، حيث نصت المادة 156 من الدستور الجديد، على إلزام المجلس المرتقب بمراجعة كل القوانين الصادرة فى عهد الرئيسين منصور والسيسى، والتى تجاوزت 400 قانون، فى 15 يوما من الانعقاد، وإقرارها وإلا أصبحت هذه القوانين ملغاة بأثر رجعي. بمقتضى هذه المادة كل القوانين الصادرة عقب إقرار الدستور فى يناير 2014، يجب إقرارها وإلا ألغيت، بما فيها قوانين الانتخابات، والتظاهر، والإرهاب، وقوانين إقرار الموازنة العامة وغيرها.. عدد من الخبراء القانونيين والسياسيين، وضعوا تصورا للخروج من المأزق الدستورى واختلف بعضهم فى تفسير هذه المادة. البرلمان غير مختص بمراجعتها الدكتور صلاح فوزي، عضو لجنة الإصلاح التشريعي وعضو لجنة الخبراء التى صاغت مسودة الدستور – لجنة 10 – يرى أن البرلمان المقبل لن ينظر هذه القوانين؛ لأن التشريعات التى يصدرها الرئيس حاليا ليست من باب الضرورة، ولكنها تتسم بصفة "اليومية". وأضاف فوزى، ل"مصر العربية"، أن مفسري المادة 156 من الدستور بإلزام المجلس بمراجعة كل القوانين لم يحالفهم التوفيق؛ لأن المادة تبيح للرئيس التشريع وقت غياب البرلمان، وتتحدث عن فترات اكتمال مؤسسات الدولة، بدليل أنها قالت "تعرض على المجلس الجديد"، وأقرت أن هناك برلمانا جديدا وآخر قديم. وأردف: "الحالة القائمة منذ 3 يوليو 2013 حتى الآن هى أن مؤسسات الدولة لم تكتمل، وبالتالي فالقوانين والقرارات التى اتخذها الرئيس السيسي لن تعرض على البرلمان القادم، لأنها لم تخرج وقت الضرورة، بل خرجت فى التشريعات اليومية وتسيير أعمال الدولة". وتساءل: "ماذا لو نظر البرلمان قانون تقسيم الدوائر مثلا ورفضه، سيترتب على ذلك إلغاء كل الإجراءات التي سبقت انعقاد المجلس ويحل". واستدل فوزى على حديثه بأن "المحكمة المصرية العليا التي كانت قبل المحكمة الدستورية العليا عرض عليها مجموعة من المراسيم والقرارات التى اتخذها مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، وكانت الثورة عطلت العمل بدستور 23، ورأت المحكمة وقتها أن هذه المراسيم لا تعرض على البرلمان". الحل فى إقرارها جميعا يختلف معه المستشار محمد حامد الجمل، نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، فيقول ل"مصر العربية" إن الدستور الجديد حمل المجلس المرتقب ما لا يحتمل، وأكثر العقبات الموجودة بالمادة هي تحديد وقت لمراجعة هذه التشريعات ب15 يوما، وهذا لم يكن موجودا بالمجالس النيابية قبل ذلك. ويرى الجمل أن الخروج من هذا المأزق لن يتم إلا من خلال إقرار الأغلبية البرلمانية لكل التشريعات الصادرة قبل انعقاده بشكل مؤقت، ثم إعادة النظر فيها لاحقا. وتابع: عدم إقرار هذه القوانين سيتسبب فى حل المجلس نفسه، لأن الدستور يقول إذا لم تراجع القوانين تصبح ملغاة بأثر رجعى. 3 تحديات وطريقتان للحل المأزق الدستورى كان محل نقاش دراسة أعدها باحثون بالمركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية، والتى وضعت تصورا لما يمكن أن تتسبب فيه المادة وسبل الخروج من هذا المأزق. تحدد الدراسة ثلاثة تحديدات يمكن أن تحول دون مراجعة القوانين الصادرة فى غياب السلطة التشريعية، أولها عامل الوقت، الذى ألزم البرلمان بمناقشة ما يقرب من 300 قانون خلال مدة لا تتجاوز 15 يومًا، وهو ما سيجعله مضطرا إما لإقرار جميع تلك القوانين دون مناقشة، أو مراجعة وإقرار بعضها فقط خاصة ما يرتبط منها بإدارة مفاصل الدولة، وبذلك يناقش ما يقرب من 20 قانونًا يوميًّا. التحدى الثانى أمام المجلس المرتقب، بحسب الدارسة التى حملت عنوان" كيف يتعامل البرلمان المصري المقبل مع مأزق المادة 156 من الدستور؟"، هو تشكيلة البرلمان المقبل، وتوحد المجلس تحت أغلبية برلمانية تتحالف ضد القوانين، لكن لو كان المجلس مفتتا فسيلعب ذلك دورًا مهمًّا في تجاوز تلك الأزمة؛ لأن انقسام البرلمان إلى كتل صغيرة لا يزيد عدد نواب إحداها عن 30 نائبًا، سيجعله تابعا للسلطة التنفيذية، وبالتالي قد لا تتشدد في المناقشة التفصيلية للقوانين ولا تأخذ موقف الرفض من إقرارها. أما لو سيطرت أغلبية حزبية لها أجندات سياسية وتشريعية فى المجلس، ولديها اعتراضات على هذه القوانين، فسيجعلها ذلك تنقح كل المشروعات الصادرة فى عهد السيسى ومنصور، وهذا مستحيل، لجانب تحدٍ آخر ملزم للبرلمان وهو إقرار لائحته الداخلية، قبل أن يبدأ عمله التشريعي والرقابي، والتى تتضمن كيفية ممارسته لاختصاصاته، والمحافظة على النظام داخله، وتصدر بقانون. الدارسة توقعت مسارين يمكن أن يسير فيهما البرلمان المقبل، الأول وهو الصدام مع السلطة التنفيذية، وبالتالى تُصبح القوانين التي لم تُعرض أو لم تقر كأنها لم تكن، ويزول تأثيرها بأثر رجعى، ويُمثل ذلك خطورة كبيرة؛ لأن كثيرا من هذه القوانين يرتبط بإدارة مفاصل الدولة، وغيابها يضع البلد فى فراغ قانونى، يؤثر سلبيا على استقرارها. والثانى، بحسب الدراسة، أن يقر البرلمان كل القوانين الصادرة، على أن يعاد النظر فيها وفقا لجدول زمنى، وهذا المسار يتطلب أن تكون داخل البرلمان أغلبية متفقة تدرك مخاطر تلك المرحلة، أو أن يكون البرلمان عبارة عن كتل صغيرة متناثرة، ويمثل نواب الخدمات الأكثرية داخل البرلمان، وبالتالي يسهل السيطرة عليهم.