إن مخطط التقسيم نجح بالفعل في عدة دول عربية، وأن نجاحه كان بسبب "غباء بعض الحكام العرب وظلمهم"، أن مخطط التقسيم غير وارد حدوثه ونجاحه في مصر؛ لأن شعبها لا يوجد فيه انقسام عرقي أو جغرافي، بل هناك حياة ورؤية مشتركة بين المصريين جميعًا فنعلم ان أمريكا والغرب لن تترك مصر تفلت من قبضتها بسهولة كما يتخيل البعض، كما أن غرف العمليات الموجودة في مصر تستخدم كل أدواتها من إعلام ومجموعات مدربة وسياسيين تم تجنيدهم، لافشال استرداد الشعب المصري لحقه في تشكيل نظام الحكم المستقل لمستقبلي الذي يليق بالشعب المصري… ولا يظن أحد أن معركتنا ضد المخطط الأمريكي أقل ضراوة من المعارك الحربية، فمعركة مصر تختلف عن أي معركة… لأن مصر لو استطاعت أن تتغلب على المكر المعادي فإن الأمة كلها ستتحرر.. الجيش المصرى له عقيدة ثابتة لا يحيد عنها، له دور طبقا للدستور وللقانون وللمهام التى تولاها من سنين وهو الحفاظ على الأمن القومى المصرى. الناس الذين يدعون للجيش أن يتولى، الجيش المصرى فطن وقياداته المتوالية من جيل لجيل على درجة من الذكاء العالية ودرسوا التخطيط الإستراتيجى والأزمات المحلية والإقليمية والدولية وعلى درجة علمية وثقافية ومعرفية حتى بالعمل السياسي ولكنهم لا يقدمون على العمل السياسى لأن عليهم واجبا أساسيا. فإذا اجتاحت مصر ثورة عارمة لا تبقى على الأخضر واليابس، فعلى القوة المتماسكة (الجيش)، هذا أمر لا مفر منه، فعليها أن تضبط الأمور وتحافظ عليها وإن فشل المصريون وانهزموا في هذه المعركة لا قدر الله فقل على مصر والأمة السلام… لكننا وبكل يقين سننتصر بإذن الله على العدو.. وستخسر أمريكا الصهيونية وحلفاؤها وستعود مصر كما كانت دولة رائدة.. وقائدة لأمتها وطليعة الانعتاق من الهيمنة الأمريكية الصهيونية والغربية… فما نواجهه اليوم ليس قصفا من الطائرات المقاتلة والصواريخ.. وإنما نواجه أسلحة من نوع جديد تعتمد بشكل أساسي على تنظيم دولي متطرف تم تدريبه على كل انوع الارهاب وحروب العصابات ودعمه بالمال والسلاح.. وهو تنظيم مشارك في امبراطورية لعمليات السوداء في العالم.. وعلى طيف من الشباب والسياسيون والأكاديميون الذين باعوا ضمائرهم ودينهم مقابل حفنة من الدولارات… تم تربيتهم في معاهد ومراكز في أمريكا والغرب وتدريبهم كجيوش للخداع والتمكين لأمريكا ومخططها في المنطقة.. ورغم إنفاق المليارات على هذه الطوابير التي تم تدريبها وبخاصة لقيادة الحروب الإعلامية والتزييف وقلب الحقائق… فإن الشعب المصري نجح حتى الآن في إفشال المكر الأمريكي المعادي.. وبدأت خطوط المؤامرة تتضح جلية لدى غالبية الشعب المصري.. لكن لازال البعض لم يحسم أمره وينفصل عن المخطط الأمريكي بسبب الخلط الذي يسببه الإعلام الذي هو رأس الحربة في تشكيلة الأسلحة المعادية مستغل الثقافة الضحلة لدى فئات متعددة من الشعب… ولا ينأى عن حساباتنا ذلك الدور المستهدف للجيش المصري من البداية.. فكما نعلم أن الجيش المصري هو العقبة الوحيدة التي تقف في وجه المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد… لما له من قدرات هائلة عدة وعتادا ويعتبر من أقوي الجيوش في العالم وقادته ذوو إدارة عالية .. وأن أي مساس بالجيش المصري كفيل بدخول المنطقة في نقطة لا يحمد عقباها الأمة العربية.. فالجيش المصري هو الوتد الذي ترتكز عليه… وبحسب المحللون فإن الجيش المصري يساوي 5 جيوش عربية مجتمعين وأن الدعم الأمريكي للفوضى في مصر أساسه الإطاحة بأي وجود عسكري يهدد المشروع الأمريكي في المنطقة.. وذلك بعد النجاح في تدمير الجيش العراقي و الليبي و انقسام السودان وتفتيت الجيش السوري.. فلم يتبقي إلا الجيش المصري كعقبة أساسية ومعادلة صعبة… خطوات عملية فى التنفيذ ومع صمود نظام بشار الأسد فى سوريا ونجاحه فى التصدى لمخططات التخريب واستثماره الذكى لتحالفه القوى مع إيران وروسيا والصين وحزب الله كذلك علاقاته الطيبة مع النظام العراقى بقيادة نورى المالكى مما جعله يغير مخطط الشرق الأوسط الكبير وساعده على ذلك نجاح ثورة 30 يونيو فى مصر وسقوط حكم الإخوان ونسف المخطط الأمريكى من جذوره ومع تغير الصورة قرر أهل الشر الصهيونى فتح جبهتين جديدتين فى كل من لبنانوالعراق لقطع الامدادات عن الدولة السورية بقيادة الأسد وكان التنفيذ فى انفجارات وخطف واغتيالات فى لبنان. أما فى العراق فاتخذ الأمر شكلا أكثر دموية وعنفا وسقطت مئات من القتلى والآلاف من الجرحى وشملت الانفجارات جميع انحاء العراق استغلالا لحالة غضب من أهل العراق السنة ضد حكم المالكى وهى حالة الغضب المتواجدة منذ اكثر من عام لكن التواطؤ الصهيونى الأمريكى مع الدعم المالى الخليجى للأسف أدى لاشتعال الموقف وتحويل العراق لجبهة جديدة لنزيف الدم العربى وإشعال حرب وهمية بين السنة والشيعة فى العراق وهو نفس الشكل الذى يراد ترسيخه فى لبنانوسوريا، لأن حرب السنة والشيعة ركن اساس فى مخطط الشر الأمريكى للوطن العربي، ومن هنا جاءت سلسلة الانفجارات الدموية فى العراق فى إطار فتنة طائفية مزعومة يراد تعميمها فى الوطن العربى كله وفى القلب منه مصر. "مشروع الشرق الأوسط الكبير" والتي اعتمدها الكونجرس الأمريكي في عام 1983 فكانت تقضي بتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة طائفية يسهل التحكم فيها، وبحيث تكون في نهاية الأمر تابعة أو تدور في فلك الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. وبالرجوع الي المخطط الذي اقترحه د.برنارد لويس بطريرك الاستشراق الامريكي الصهيوني الي تقسيم الدول العربية والاسلامية الي عده دويلات ، وذكر منها مصر وكان تقسيمها الي دويلات اربع منها دويلة اسلامية فى الشرق، ودويلة مسيحية فى الصعيد، ودويلة نوبية فى جنوب مصر مع حدود السودان، ودويلة فى سيناء ويتم طرد الفلسطينيين من قطاع غزة اليها . وكان لويس فى تقسيمه للوطن العربي والدول الاسلامية قد نجح سيناريو في تنفيذ التقسيم فى دولة السودان، عندما اقترح ثلاث دويلات جنوب السودان ودافور وشمال السوادان، وهو مابدا يتحقق بنسبة كبيرة بعدما استقلت بالفعل جنوب السودان كدولة برئاسة سيلفا كير، ودولة الشمال برئاسة البشير، ويدور الحديث الآن عن استقلال دافور. وربما ينجح مخطط لويس فى دولة العراق عندما قدم تقسيمها الي دويلة شيعية في الجنوب، ودولة سنية فى وسط العراق، ودولة كردية فى الشمال والشمال الشرقي. جدير بالذكر أن مخطط التقسيم تمت الموافقة عليه باجماع الكونجرس الامريكي عام 1983، و بدأت بالفعل دراسات هذا التقسيم، للوصول إلى مرحلة التطبيق العملي لضرورات الإدارات الأمريكية المختلفة والمتعاقبة مع اختيار الوقت المناسب لبدء التطبيق الفعلي. و بدأ التمهيد له بما يُحقق له النجاح المأمول لتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات تابعة للولايات المتحدة . ولم يكن مخطط برنارد لويس هو الاوحد ، ولكن قام المجلس العسكري بالتأكيد بان القوات المسلحة وصلت اليها مستندات ووثائق لمخطط تقسيم مصر الي ثلاث دويلات وهي "دولة نوبية في الجنوب ، وأخرى مسيحية فى الصعيد ،وثالثة اسلامية فى شرق البلاد ". تحتل مصر موقعا مركزيا فى استراتيجية الحركة الصهيونية لتفتيت العالم العربى. فرغم قيام «ينون» بكتابة دراسته بعد حوالى خمس سنوات من زيارة الرئيس السادات للقدس، وأربع سنوات من توقيع مصر على اتفاقيتى كامب ديفيد وثلاث سنوات من دخول معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية حيز التنفيذ، ورغم علمه التام بأن التوقيع على معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل كلف مصر تضحيات هائلة وتسبب فى عزلتها عن العالم العربى وفقدانها جزءاً كبيراً من هيبتها الدولية ومن مكانتها بين الأمم، إلا أن ذلك كله لم يشفع لمصر عند الحركة الصهيونية أو يجنبها شر ما كانت تحيكه لها من مخططات. ويبدو واضحا تماما من هذه الدراسة أن صورة مصر لدى الحركة الصهيونية لم تتغير بعد معاهدة السلام عما كانت عليه قبلها. أدرك ينون أن أى استراتيجية لتفتيت العالم العربى لن تنجح إلا إذا كانت قادرة على إضعاف الدولة التى تضم ثلث سكانه والمرشحة الطبيعية لزعامته، لذا كان من الطبيعى أن يحاول إثبات أن مصر دولة ضعيفة وقابلة للتفكيك وعاجزة بالتالى عن حماية العالم العربى من التفكك والسقوط. ولإثبات نظريته قدم ينون ثلاث أطروحات: الأولى: تتعلق بطبيعة النظام السياسى المصرى. فقد حاول إثبات أنه نظام عقيم، ومفلس، ويتمتع بدرجة عالية من عدم الكفاءة، وأن البيروقراطية تمكنت من جهاز الدولة فى مصر إلى درجة جعلته يبدو عاجزا تماما عن القيام بأى مبادرة أو تحقيق إنجاز يذكر فى أى مجال. ورغم تسليم «ينون» بأن الجيش المصرى يمثل حالة استثنائية، وأن بمقدوره الإفلات من قبضة البيروقراطية الرهيبة مثلما حدث فى حرب أكتوبر 1973، إلا أنه أصر على أن بقية قطاعات الدولة المصرية أصبحت فى حالة يرثى لها ولم يعد يشغلها سوى المحافظة على بقائها وإعادة إنتاج نفسها. الثانية: تتعلق بطبيعة النظام الاقتصادى والاجتماعى. فقد ادعى أن مصر دولة غزيرة السكان، شحيحة الموارد، متخلفة علمياً وتكنولوجياً، وتكاد لا تجد ما يسد رمق سكان مازالوا يعيشون بأعداد هائلة على رقعة محدودة من الأرض الزراعية لا تتجاوز سوى نسبة ضئيلة جداً من إجمالى المساحة الكلية للبلاد. صحيح أن المعونة الأمريكية تساعد مصر على التخفف من أعبائها، لكنها معونة ترتبط عضوياً بعملية السلام، وبالتالى فهى مؤقتة بطبيعتها ومن الصعب ضمان استمرار بقائها طويلا. على صعيد آخر، اعتبر أن النظام الاجتماعى فى مصر يقوم على أسس طبقية وينطوى على مظاهر تمييز عديدة تمكن شريحة محدودة جدا من السكان من مضاعفة ثرواتها بسرعة والاستحواذ على النسبة الأكبر من إجمالى الدخل القومى فى الوقت الذى يزداد فيه فقر الأغلبية الساحقة من السكان يوما بعد يوم! ولأن النظام الخدمى، خصوصا التعليمى والصحى يبدو متهالكا بدوره، فليس من المتوقع أن يتيح لمصر انطلاقة تنموية فى المدى المنظور. الثالثة: تتعلق بحال الاستقرار والتعايش الطائفى، والتى ادعى ينون أنها سيئة بسبب وجود أقلية قبطية كبيرة العدد مضطهدة أو مهمشة ومستبعدة من المشاركة فى العمل العام. ولأنها تبلغ فى تقديره ما يقارب 10% من إجمالى السكان وتشكل أغلبية فى جنوب البلاد، فقد أصبحت أكثر ميلا للعزلة وعدم الرغبة فى التعايش مع الأغلبية، خصوصاً فى ظل تنامى تيارات أصولية إسلامية، وربما أصبحت جاهزة للانسلاخ عن الوطن الأم والتفكير فى الاستقلال. واستناداً إلى هذه الأطروحات الثلاث، والتى تعامل معها بوصفها حقائق لا تقبل الجدل، توصل ينون إلى نتيجة مفادها أن مصر تبدو فى ظاهرها دولة قوية، لكنها فى حقيقتها ليست سوى دولة هشة، وهى حقيقة راحت تتكشف منذ عام 1956 وتأكدت عقب هزيمة 1967 التى أدت إلى خفض قدرات مصر الحقيقية بمقدار النصف على الأقل. وأن استعادة مصر لسيناء، بما تحتوى عليه من ثروات طبيعية خصوصاً فى مجال الطاقة والغاز، تمكن مصر من استعادة بعض عافيتها، يرى «ينون» أن على إسرائيل أن تحول دون ذلك وألا تسمح لمصر بالتقاط أنفاسها من جديد. فى سياق كهذا، لم يكن من المستغرب أن يقترح «ينون» أن تتبنى إسرائيل استراتيجية للتعامل مع مصر تقوم على خطين متوازيين: الأول يستهدف استعادة سيناء، والثانى يستهدف تشجيع قيام دولة ذات أغلبية قبطية فى صعيد مصر. وفيما يتعلق بالخط الأول، حذر «ينون» إسرائيل من تبنى سياسة تقوم على حلول وسط، خصوصاً إذا تضمنت انسحابا من أراض تحتلها، ويلاحظ هنا حرصه على تجنب اللجوء إلى حجج تاريخية واستبدالها بحجج ذات طابع اقتصادى تركز على ضرورة تأمين احتياجات إسرائيل المتزايدة من مصادر الطاقة المختلفة، خاصة النفط والغاز والمعادن الكثيرة التى تحتوى عليها سيناء. غير أنه بدا واضحا من تحليل «ينون» أنه يرمى إلى ما هو أبعد وينظر إلى سيناء باعتبارها منطقة خفيفة السكان وقابلة لتوسع وامتداد عمرانى يصلح لاستيعاب فلسطينيين قد يضيق بهم قطاع غزة المكتظ، أو باعتبارها منطقة صالحة لتوطين نسبة من اللاجئين الفلسطينيين فى إطار حل دائم لمشكلتهم، أو حتى لاستيعاب المزيد من المهاجرين اليهود المتوقع تدفقهم على إسرائيل من مختلف أنحاء العالم، خصوصاً فى ظل التحول التدريجى المتوقع لإسرائيل كقوة عظمى مهيمنة فى المنطقة. أما فيما يتعلق بالخط الثانى الذى يستهدف تعميق الخلافات بين المسلمين والأقباط والدفع فى اتجاه قيام دولة ذات أغلبية سنية فى الشمال وأخرى ذات أغلبية قبطية فى الجنوب، فيلاحظ أن ينون يؤسس قناعته بأهمية تحقيق هذا الهدف على أمرين على جانب كبير من الأهمية، الأول: أنه يمثل أحد أقصر الطرق وأضمنها لإضعاف الدولة المركزية فى مصر وحرمان العالم العربى من قوة كانت ولاتزال مرشحة دائما لقيادة المنطقة نحو التكامل أو الوحدة، والثانى: أنه أحد أقصر الطرق وأضمنها لخلق أجواء مواتية لتفتت الدولتين المجاورتين لمصر، وهما ليبيا والسودان، لأنهما «لن يصمدا أبداً إذا تفتتت مصر». فى سياق كهذا، يمكن القول إن خريطة الدولة المصرية بحدودها الحالية مرشحة للتغير، إذا ما نجحت إسرائيل فى تحويل استراتيجيتها لتفتيت العالم العربى إلى حقيقة واقعة، وذلك على النحو التالى: ■ فصل سيناء عن مصر ووضعها من جديد تحت الهيمنة الإسرائيلية. ■ دولة ذات أغلبية سنية فى شمال الدلتا. ■ دولة ذات أغلبية مسيحية فى صعيد مصر. ورغم أن «ينون» لم يطالب صراحة باستخدام القوة المسلحة، خصوصاً لتحقيق الهدف المتعلق بفصل سيناء عن مصر، إلا أنه يبدو على ثقة من أن السياسة المصرية سترتكب ما يكفى من الأخطاء لتمكين إسرائيل من استغلالها كأعذار تسمح لها بتحقيق أهدافها. ** كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية