مرصد الأزهر يستقبل وزير الشؤون السياسية لجمهورية سيراليون للتعرف على جهود مكافحة التطرف    شوبير ام الشناوي.. تعرف على حارس مرمى الاهلي في مباراة الترجي التونسي    الأرصاد تحذر من موجة حارة تبدأ من اليوم حتى الاثنين المقبل    بعد توقف مولدات الكهرباء.. خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة    هدوء حذر.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة وعيار 21 الآن يسجل هذا الرقم    سلمان رشدي: محاكمة ترامب في قضية منح أموال لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية قد تفضي لسجنه    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    تقسيم الأضحية حسب الشرع.. وسنن الذبح    اليوم، التشغيل التجريبي ل 5 محطات المترو الجديدة بالركاب (فيديو وصور)    "بنكنوت" مجلة اقتصادية في مشروع تخرج طلاب كلية الإعلام بجامعة جنوب الوادي (صور)    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    الإعلان عن أول سيارة كهربائية MG في مصر خلال ساعات    امرأة ترفع دعوى قضائية ضد شركة أسترازينيكا: اللقاح جعلها مشلولة    عرض فيلم Le Deuxième Acte بافتتاح مهرجان كان السينمائي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    المالية تزف بشرى سارة للعاملين بالدولة بشأن مرتبات شهر يونيو    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    سمسم شهاب يترك وصيته ل شقيقه في حال وفاته    وليد الحديدي: تصريحات حسام حسن الأخيرة غير موفقة    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    عاجل - مبTHANAWYAاشر.. جدول الثانوية العامة 2024 جميع الشعب "أدبي - علمي"    شوبير: الزمالك أعلى فنيا من نهضة بركان وهو الأقرب لحصد الكونفدرالية    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    الأزهر يعلق على رفع مستوطنين العلم الصهيوني في ساحات المسجد الأقصى    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    بوتين: لدى روسيا والصين مواقف متطابقة تجاه القضايا الرئيسية    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا ممن تفاءل بخيرك فأكرمته ولجأ إليك فأعطيته    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    مواعيد الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق قبل ساعات من بدء التشغيل التجريبي للمحطات الجديدة    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    «أفريقية النواب» تستقبل وفد دولة سيراليون في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن :حرب تحطيم الأصنام
نشر في الزمان المصري يوم 14 - 10 - 2023

كأنه جرى مسح نصف قرن كامل من تاريخ الصراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلى ، وكأنه جرى ويجرى وصل ما انقطع مع حرب أكتوبر 1973 ، فقبل خمسين سنة ، وفى ظهر 6 أكتوبر، كان الجيش المصرى الذى أعاد تكوينه جمال عبدالناصر قبل رحيله ، كان يجترح معجزة عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف بالكامل ، وبعد الخمسين سنة ، وفى اليوم التالى مباشرة للسادس من أكتوبر ، كانت قوات المقاومة الفلسطينية تخترق سياج المليار دولار صباح 7 أكتوبر 2023 ، وتعبر بجسارة هائلة من فلسطين إلى فلسطين ، من "غزة" التى كانت احتلت فى عدوان 1967 ، إلى مستوطنات ومدن غلاف "غزة" فى الأراضى المحتلة منذ نكبة 1948 ، وفى الحالتين ، كانت أساليب الخداع الاستراتيجى والمفاجأة المذهلة هى ذاتها ، مع الوعى طبعا باختلاف الظروف والسياق وحجم الحدث ، وقد يكون الحدث الأخير أقل حجما ، لكن مغزاه يبدو أعمق بمراحل ، وفيه معنى إعادة النجوم لمداراتها الأصلية ، واستعادة قضية تحرير فلسطين لصباها الأول .
وعلى مدارج ومنحنيات الخمسين سنة الفائتة ، كان نصر 1973 العظيم يتعرض للتجريف ، وكانت السياسة تخذل السلاح ، وكان "الذين هبروا" يدوسون على دماء الذين عبروا ، وكان النصر يجرى استثماره فى اتجاه معاكس لمغزاه الجليل ، صحيح أن سيناء عادت لمصر فى النهاية ، ومساحتها وحدها أكثر من ثلاثة أرباع مجموع الأراضى العربية المحتلة فى هزيمة 1967 ، وهو إنجاز لا يملك أحد التقليل من قدره وقيمته ، لكن القيود الثقيلة التى فرضت على مصر فيما أسمى "معاهدة السلام" ، ذهبت بالسياق كله إلى مكان آخر ، وبدا أن النصر العسكرى تبدد سياسيا وحضاريا ، ودخلنا إلى أجواء هزيمة شاملة فى السياسة والاقتصاد والثقافة ، وانقلب النهوض المصرى إلى انهيار ، وكان خروج مصر من معادلة الصراع جحيما على المنطقة كلها ، وفى قلب مصر قبلها ، وإلى أن كان ما نعرف فى السنين الأخيرة ، واستعادت مصر عافية فى سيناء ، وأزالت قيد "نزع السلاح" الذى كان مفروضا ، وعاد الجيش المصرى إلى مواقعه الأمامية على الحدود مع فلسطين المحتلة ، وهو ما جعل "تحرير سيناء" واقعا فعليا ، وليس صوريا كما كان ، لكن قيود سياسة السلام إياها ظلت تعيق ، وتحاصر السياسة المصرية فى خانة الوساطات المعروفة ، كلما جرى صدام بالسلاح بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال ، وهو سلوك لم يعد يليق ولا يكفى ، وبالذات بعد اندلاع حرب أكتوبر الثانية فى عملية "طوفان الأقصى" ، فقد عادت أساطير "إسرائيل" تتحطم من جديد ، من نوع الجيش الذى لا يقهر ، وأجهزة المخابرات "الإسرائيلية" فائقة القدرة والتكنولوجيا ، وإلى غيرها من مبالغات وفجاجات التخويف ، وقد سقطت بالجملة بساعة الصفر فى الدقيقة العشرين بعد السادسة صباح 7 أكتوبر 2023 ، وثبت أنها كلها بالونات هواء و"خيالات مآتة" ، أخافت الدول العربية الأخرى بعد خروج مصر التاريخى ، ودفعت آخرين للتقليد ، كما فى اتفاقية "وادى عربة" الأردنية ، وكما فى اتفاق "أوسلو" الفلسطينى ، أو فى اتفاقات "إبراهيمية" وضيعة الذكر ، عقدها البعيدون عن خطوط الدم التاريخية ، وكانوا يستعدون لتتويجها باتفاق تطبيع سعودى مع كيان الاحتلال ، وبتنفيذ اتفاق "الممر التجارى" إلى موانئ إسرائيلية كيدا لقناة السويس ، وقد سقطت هذه الأصنام كلها ، لحظة سقوط مئات القتلى "الإسرائيليين" فى عملية "طوفان الأقصى" ، وكان حجر الأساس فى صناعة هذه الأصنام كلها ، هو اتفاق "كامب ديفيد" مع مصر ، وقد راجت من بعده أوهام الخوف من قوة "إسرائيل" المتخيلة بالأوهام ، وإلى حد شيوع مرض "التوحد بالمعتدى" ، وانتفاخ الرغبات فى الاحتماء بقوة إسرائيل "الإلهية" ، وجعل إسرائيل صنما يتعبدونه ، قبل أن تسقط "أصنام العجوة" فى غمضة عين ، وعلى يد ألف من المقاتلين القادمين من "غزة" الصغيرة المحاصرة المعتصرة لمدة 16 سنة ، واجهوا ويواجهون جيشا بقوته العاملة المكونة من ربع مليون جندى ، وباحتياطى جرى استدعاؤه يقارب 300 ألفا ، يحاربون الآن للانتقام المهووس من "غزة" ، التى أذلتهم وداست رقاب ضباطهم وجنرالاتهم بالأحذية ، وقد دمروا "غزة" بأكثر مما فعلوا لمرات من قبل ، بعد أن اضطر الجنرال "شارون" ملك إسرائيل للجلاء عنها مرغما قبل نحو عشرين سنة ، وكان رفيقه فى الوحشية "الإسرائيلية" الجنرال "اسحق رابين" ، قد أطلق من قبله الصرخة الملتاعة ، وقال قولته الذائعة "أتمنى أن أصحو من النوم . فأجد غزة غرقت فى البحر" ، وراح "شارون" إلى سكرة الموت الطويلة من دون أن تسقط "غزة" ، وذهب "رابين" إلى يوم اغتياله من دون أن تغرق "غزة" ، وربما لا يكون مصير "بنيامين نتنياهو" أفضل ، وهو الذى يهدد اليوم بإفناء "غزة" ، ويدكها بقصف جوى ومدفعى وبحرى مجنون ، ويهدم أبراجها السكنية ويزيل أحياءها ، ويخير جيشه أهلها بين المقتلة الجماعية أو الفرار إلى مصر (!) ، ولن يهرب أهل "غزة" أبدا إلى أى مكان .
ما نقوله لا يعنى طبعا ، أن أحدا عاقلا ، بوسعه الاستهانة بحجم وخطر العدوانية الإسرائيلية الهمجية ، لكن الجديد ، أن الثقة صارت أعظم فى المقدرة المقابلة على منازلتها بالسلاح ، وبالذات بعد الهزيمة المذلة التى لحقت بها فى طوفان غزة ، والتى جعلتها تلجأ لطلب إغاثة عسكرية صريحة من الغرب ومن واشنطن ، فإسرائيل التى حلم حكام عرب فى الاستظلال بحمايتها الموهومة ، صارت تستجدى الحماية من أساطيل أمريكا ، ومن جسور جوية أمريكية عاجلة تزودها بالسلاح الطازج ، ومن أكبر حاملات طائرات واشنطن "جيرالد فورد" و"أيزنهاور" ، والرئيس الأمريكى الصهيونى "جو بايدن" لا يملك سوى الاستجابة الفورية ، ربما على ظن أنه قد يردع آخرين من الالتحاق بحرب قوات المقاومة الفلسطينية ضد كيان الاحتلال ، وما من أحد يعقل ، عاد يرتعب من قوة أمريكا ، التى هى و"إسرائيل" كيان واحد ، فإسرائيل هى أمريكا ، وبينهما اندماج استراتيجى ، وقد جرت "مرمطة" إسرائيل فى ساعات الحرب الأولى ، وكل محاولات "إسرائيل" وأمريكا لترميم صورة الهيمنة المفترضة ، سوف تنتهى إلى بوار ، فهم يتخوفون اليوم من التحاق "حزب الله" بالحرب ، بينما يدفعونه إليها باستفزازاتهم وبحشودهم ، وعلى الأمريكيين أن يتذكروا واقعة إذلالهم قبل أربعين سنة فى "بيروت" ، وقتها كان "حزب الله" لايزال جنينا يتشكل فى رحم المعاناة ، وبضربة استشهادية من مقاتل واحد ، قتل 241 وجرح 128 من مشاة البحرية الأمريكية ، وقتها كان "رونالد ريجان" رئيسا لأمريكا ، وسحب ما تبقى من حشوده وأساطيله فور المقتلة الدامية ، فما بالك اليوم ، وقد صار "حزب الله" أقوى جيش مهدد لوجود الاغتصاب الإسرائيلى من الشمال ، وقد تدافعت نذر إمكانية دخوله إلى الحرب ، ربما عند اللحظة التى تقرر فيها "إسرائيل" اقتحام "غزة" بريا ، وصواريخ "حزب الله" أكثر وأقوى وأدق بمراحل من صواريخ "حماس" ، ومقاتلوه أفضل تدريبا ومراسا على الحرب المباشرة مع جيش العدو ، وعبوره الحدود إلى فلسطين وارد جدا إذا دعت الحاجة ، وإذا حدث ذلك ، فسوف يلقى كيان الاحتلال جحيما وحريقا مستعرا مروعا ، لا تنجو منه ولا فيه أى مستوطنة أو منشأة "إسرائيلية" ، من المفاعلات النووية إلى أكبر مصانع "الأمونيا" ، فلسنا هذه المرة بصدد حرب قصيرة الأيام ، من تلك التى تعود عليها ويفضلها كيان الاحتلال ، بل بصدد حرب متطاولة الأماد ، ومن الشمال والجنوب معا ، فى استعادة رمزية لما كان قبل خمسين سنة فى حرب أكتوبر الأولى ، وإن كان الخطر على الكيان أكبر هذه المرة وبما لا يقاس ، فالتكنولوجيا الحربية التى تملكها "إسرائيل" ، جرى تعويض فجواتها ، أو جلب بدائل لمواجهتها ، بينما يظل تفوق أطراف المقاومة العربية الجديدة غلابا فى عقيدة المحاربين ، وهم يقاتلون دفاعا عن وطن أو طلبا لاستعادته ، بينما لا يملك عنصر الجيش الإسرائيلى عقيدة قتال ، ويفر من الميدان عند أول لحظة خطر على حياته ، وهنا أصعب أسئلة الامتحان الحربى الذى تواجهه "إسرائيل" ، فالمذعور "نتنياهو" يقول أنه سيغير خرائط الشرق الأوسط بحرب دموية طويلة ، وهو لا يملك فيها غير هدم الحجر ، بينما البشر الذى يقاتلونه لا ينهدمون ولا تفنيهم تضحيات ، والشرق الأوسط سيتغير فعلا ، ولكن فى الاتجاه المعاكس لآمال كيان الاحتلال ، وفى الاتجاه المعاكس لفرص بقائه أصلا ، وقد صار وجوده فى ذاته رهينة لضربات المقاومة ، تماما كما المئات من نسله ونسل الأمريكيين الأسرى المحتجزين فى "أنفاق غزة" ، وإن لم تطو أيام الحرب الراهنة سريعا ، فعلى "نتنياهو" المتبجح ، أن ينتظر طى أوراق كيانه المهتز فى سنوات مريرة مقبلة بإذن الله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.