سلم الأنبا باخوميوس قائم مقام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية امس الاحد عصا الرعاية إلى البابا تواضروس الثاني في حفل تنصيب كبير في الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة. وأقيم حفل تنصيب البابا الجديد بعد يوم من قيام الكنائس المصرية الرئيسية الثلاث بسحب ممثليها في جمعية تأسيسية تكتب مسودة دستور جديد لمصر التي تمر باضطراب سياسي منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية شارك فيها نشطاء مسيحيون مطلع العام الماضي وباركتها الكنيسة بعد نجاحها. ولم يحضر الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين حفل التنصيب وسط مخاوف مسيحيين من تهميشهم وتعرضهم لمضايقات إسلاميين متشددين في عهده لكنه قال إنه رئيس لكل المصريين وسيحافظ على مصالح الجميع. وناب عن مرسي في الحفل رئيس ديوان رئيس الجمهورية محمد رفاعة الطهطاوي وناب عن محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عضو مكتب الإرشاد عبد الرحمن البر. لكن قيادات السلفيين الذين يمثلون ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد قاطعت الحفل. وحضر حفل التنصيب رئيس مجلس الوزراء هشام قنديل وعدد من الوزراء ومئات الشخصيات العامة المصرية وضيوف أجانب بارزون. ويخلف البابا تواضروس الثاني البابا شنودة الثالث الذي توفي في آذار (مارس) بعد نحو 40 عاما من رعاية الأقباط الأرثوذكس وهم معظم مسيحيي مصر الذين يقدر عددهم بثمانية ملايين يمثلون أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط. وبعد تسليمه مقاليد الكنيسة جلس البابا تواضروس الثاني مرتديا ملابس كنسية بيضاء وسط الصلوات والترانيم. وقال الأنبا باخوميوس وهو يسلم عصا الرعاية للبابا تواضروس الثاني قبيل إلباسه رداء البطريرك وتجليسه على كرسي الكنيسة 'تسلم عصا رعاية راعي الرعاية الأعظم يسوع المسيح... فقد ائتمنك على نفوس رعيته'. وبعد أن جلس البابا الجديد قال الأنبا باخوميوس 'أجلسنا الأنبا تواضروس الثاني بابا وبطريركا على كرسي مرقس الرسول' ثم سلمه الكتاب المقدس وقبل يده مفتتحا تقديم التهاني له. وقبل طابور من قادة الكنيسة صليبا أمسك به البطريرك الجديد كما قبلوا يده وبادلهم قبلات على وجناتهم. وتلقى البطريرك الجديد تهنئة رئيس الوزراء الذي صافحه وعانقه. وسالت دموع البابا تواضروس الثاني أكثر من مرة خلال حفل التنصيب وبدا خاشعا مستشعرا مسؤوليات رعاية أتباع الكنيسة. وبكى كثيرا حين قال الأنبا باخوميوس الذي قاده للخدمة الكنسية 'أقولها من كل قلبي سأكون له ابنا وخادما تحت قدميه... ليس هناك صراع على السلطة في المجمع المقدس... نحن لا نهدف إلا لمجد ربنا يسوع المسيح وخدمة وطننا'. واختير الأنبا تواضروس بطريركا في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني في قرعة بين ثلاثة ووافق اختياره عيد ميلاده الستين. وفي ختام الحفل تلا الأنبا باخوميوس كلمة البابا الجديد قائلا إنه أمره بتلاوتها وجاء فيها 'الدين للديان والوطن للإنسان. نضع أيدينا معا في تعاون صادق ومحبة حقيقية... في عالم جائع إلى القيم الروحية التي نشترك في كثير منها مع إخوتنا المسلمين'. وأضاف 'نشارك إخوتنا في غزة آلامهم'. وقدم التعازي لأسر ضحايا نحو 50 تلميذا في معهد أزهري قتلوا أمس السبت في حادث اصطدام قطار بحافلتهم في محافظة أسيوط بجنوب مصر. وفي كلمته التي سبقت تلاوة كلمة البابا تواضروس الثاني توقع الأنبا باخوميوس دورا كبيرا للبابا الجديد قائلا 'سوف يقدم فكرا وتراثا ممتلئا عبرا... لمصر وشعبها.. مسلميها وأقباطها.. كبارها وصغارها.. أئمتها وكهنتها. هو سوف يقدم لمصر الكثير'. وفي بداية حفل التنصيب قال الأنبا باخوميوس 'استجاب الله لصلواتنا ولم يشأ أن يتركنا أيتاما فترة طويلة' بعد وفاة البابا شنودة الثالث. وصفق الحاضرون مرات كثيرة خلال المراسم خاصة وقت التشديد في كلمات المتحدثين على وحدة المسلمين والمسيحيين في مصر. ولد تواضروس الثاني بمدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية بدلتا النيل وانتقل للعيش في محافظة سوهاج بصعيد مصر في سن الخامسة وأقام هناك سنوات قبل أن ينتقل مع أسرته الى دمنهور عاصمة محافظة البحيرة ليتتلمذ على يد الأنبا باخوميوس مطران البحيرة الذي قاد الكنيسة في الفترة الانتقالية بين وفاة البابا شنودة الثالث وتنصيب البابا تواضروس الثاني. وتواضروس واسمه بالميلاد وجيه صبحي باقي حاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الإسكندرية عام 1975 وحصل أيضا على بكالوريوس الكلية الإكليريكية ونال زمالة هيئة الصحة العالمية من انجلترا عام 1985. وعمل بعد التخرج مديرا لمصنع حكومي للأدوية وسيم راهبا عام 1988 في دير الأنبا بيشوي بصحراء وادي النطرون ثم أصبح أسقفا عاما لمحافظة البحيرة بدلتا النيل عام 1997. ويعرف تواضروس الذي ألف 13 كتابا بمهاراته الإدارية وشخصيته الهادئة وإجادته للغة الإنجليزية. وسيواجه العديد من التحديات أغلبها يتعلق بمواكبة تغيرات العصر التي تؤثر على كنيسته وأتباعه والتغيرات المتسارعة في مصر منذ إسقاط مبارك الذي حرصت الكنيسة على توافق معه خلال ولايته التي استمرت 30 عاما. وقال جورج سمير (32 عاما) الذي شارك في تنظيم حفل التنصيب إن البابا تواضروس الثاني رجل رقيق الحاشية وقائد متواضع وإنه سعيد به راعيا وزعيما روحيا للأقباط الأرثوذكس.