أدى الدكتور يحيى الجمل اليمين الدستورية نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للشئون القانونية، وقد بذل على مدار الأيام الماضية مجهودا كبيرا حتى تخرج حكومة أحمد شفيق بهذا الشكل المتوازن، وربما يعود له الفضل الأكبر في بقاء رئيس الوزراء لأيام أخرى قادمة، بعدما خرجت المظاهرات مطالبة برحيله هو الأخر مع الرئيس مبارك ونائبه عمر سليمان، ورغم حالة عدم الرضا الموجودة بالشارع المصري تجاه أي شخص ينتمي للنظام السابق، لكن وجود شخص بحجم يحيى الجمل ربما يهدأ الرأي العام ويجعله يحتمل وجود بعض شخصيات النظام القديم في ظل تطمينات المؤسسة العسكرية بالحفاظ على مكتسبات الثورة وضمانها تحقيق أهدافها. وافق يحيى الجمل على المنصب من أجل مصر كما قال وأكد والحقيقة أنه ليس في حاجة إلى التصريح بذلك فالرجل يحظى بمكانة مرموقة في مصر، وجاء قبوله لهذا المنصب في تلك الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد ليضيف إلى تلك المكانة لا لأن يأخذ منها فلا خلاف على وطنيته ومكانته الأدبية فهو فقيه دستوري عمل في العديد من الهيئات والمراكز المرموقة. يحمل يحيى الجمل وراءه تاريخ وطنيا تشهد به جميع التيارات السياسية والفكرية في مصر، ولم يتوان لحظة في قول كلمة الحق وتقديم المساعدة من أجل مصر ، ولو تم الاستماع إليه من قبل النظام السابق لما كان قد وصل إلي نهايته السيئة ، فالرجل وقبل عامين ونصف وجه رسالة للرئيس السابق حسنى مبارك عبر رئيس ديوانه وكاتم أسراره زكريا عزمي طالبا منه إصدار قرار جمهوري بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد يقوم علي مبدأ أساسي هو الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوي فيها كل المواطنين دون أي استثناء ، ووصف فيها تعديل المادة 76 من الدستور ب"المسرحية الهزلية التي لا مثيل لها في أي دستور في العالم". وقال له إن كل البلاد التي زرتها لها لم تلتق فيها برئيس واحد مرتين، الناس هناك يعرفون تداول السلطة ويعرفون أن في ذلك خيراً كبيراً، ويعرفون أن وجود رئيس سابق يمشي في الأسواق بين الناس هو علامة من علامات الديمقراطية الحقيقية. كما كان جريئا مع الرئيس لأبعد مدى ، وتحدث له عن نجله ، وقال له: "نجلك الذي يعد منذ وقت لتولي الحكم قد يكون شاباً مثقفاً متفتحاً رأي العالم من حوله، وقد يري البعض أنه فرصة لانتقال الحكم من العسكريين إلي المدنيين وهذا في حد ذاته صحيح، ولكن أصدقك يا سيدي القول، إن ابنك جمال لا يتمتع بأي قدر ولو ضئيلاً من القبول الشعبي بل إن الشعب المصري عن بكرة أبيه، فيما عدا مجموعة المنتفعين وأظنهم فيما بينهم مختلفين، يراه شاباً مغروراً، هكذا خلقه الله ولم يمنحه ذرة واحدة من قبول، هذه حقيقة لن يجرؤ كثيرون - ولا حتي قليلون - أن يقولوها لسيادتك ولكن من أجل مصر أقولها". وختم الجمل رسالته لمبارك بأنه لا يبغى من هذا الحديث إلا وجه الله ووجه مصر،ولا يبغي جاهاً ولا مغنما ولا منصباً، فهو يعلم جيداً أن الطريق إلي الجاه والمغنم والمنصب في هذا الزمن هو غير طريق الصدق والصراحة والوضوح، وانه بلغ من العمر ما يدرك معه جيداً أنه لا يصلح لأي منصب ولا يصلح له أي منصب ولكنها كلمة حق يقولها لوجه الله ووجه مصر. ولد يحيى عبد العزيز عبد الفتاح الجمل، في محافظة المنوفية عام 1930م، وحصل على ليسانس الحقوق في عام 1952، عمل عقب تخرجه معاونا للنيابة في عام 1953، ثم وكيلا للنائب العام 1954، ثم انتقل بعد حصوله على درجة الدكتوراة في القانون عام 1963 للعمل الأكاديمي حيث عمل مدرسا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم أستاذا مساعدا، فأستاذا للقانون العام، فعميدًا لكلية الحقوق بجامعة القاهرة. وتم تعيينه وزير دولة لشئون مجلس الوزراء، ووزيرا للتنمية الإدارية. للجمل عدد من المؤلفات القانونية منها: الأنظمة السياسية المعاصرة، والنظام الدستوري المصري، ونظرية التعددية في القانون الدستوري، كما له العديد من المقالات في العديد من الدوريات والصحف. وحصل الجمل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1998. وإلى جانب أن الدكتور الجمل أحد ألمع وأبرز الأسماء في مجالات القانون الدستوري والقانون الدولي، انتمى إلى العديد من الهيئات والمراكز المتنوعة والمرموقة، حيث كان عضوا بالمجلس القومي للتعليم والبحث العلمي، وعضوا بمحكمة التحكيم الدولية بباريس، وعضوا بمجلس أمناء جامعة 6 أكتوبر، وعضوا سابقا بمجلس الشعب، وعضوا بمجلس جامعة الزقازيق، وعضوا بلجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة. وقد قام الجمل مؤخرًا بالتعاون مع الدكتور أسامة الغزالي حرب ومجموعة من السياسيين والمفكرين بتأسيس حزب الجبهة الديمقراطية. كما تم اختياره عضوا في اللجنة التي شكلها الرئيس السابق حسني مبارك لتعديل الدستور، قبل أن يتنحى الرئيس مبارك ويعهد بزمام السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي قام بتشكيل لجنة جديدة لإجراء التعديلات الدستورية برئاسة المستشار طارق البشرى.