بعد جدل "تكوين".. الأزهر يكشف حقيقة إنشاء وحدة "بيان" لمواجهة الإلحاد    عيار 21 الآن بعد ارتفاع كبير.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة    بعد التخفيضات.. تعرف علي أسعار الأضاحي بمنافذ وزارة الزراعة 2024    تربط شرق القاهرة بغربها.. محطات مترو الخط الثالث وموعد تشغيلها (من عدلي منصور لجامعة القاهرة)    الاتحاد الأوروبي يحتفل بالقاهرة بمرور 20 عامًا على تأسيسه    «فايننشال تايمز»: الاتحاد الأوروبي يتخلف عن الولايات المتحدة في إنتاجية العمل    «نيوزويك»: وضع القوات المسلحة الأوكرانية فى دونباس مستمر فى التدهور    تين هاج: ماونت تعرض لإصابة جديدة.. وانتكاسة ل شو قبل مواجهة أرسنال    مباشر مباراة الأهلي والزمالك الثالثة في دوري السوبر لكرة السلة    استدعاء ثلاثي ناشئي المقاولون لمنتخب مواليد 2005    "الجيزاوي" يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على الخدمة الصحية    الحرارة الآن بالقاهرة 33.. "الأرصاد": فرص لسقوط الأمطار بهذه المناطق    أول تعليق من تعليم الدقهلية على تطابق امتحان العلوم للصف الثاني الإعدادي وتسريبه    أبرزهن هند رستم وتحية كاريوكا.. هدى الإتربي تكشف عن نجمات أثرن في حياتها (فيديو)    ميرفت أمين ودنيا سمير غانم تشاركان في تشييع جنازة والدة يسرا اللوزي (صورة)    المفتي: من أهم حيثيات جواز المعاملات البنكية التفرقةُ بين الشخصية الاعتبارية والفردية    محافظ الأقصر ورئيس هيئة الرعاية الصحية يناقشان سير أعمال منظومة التأمين الشامل    خلال 24 ساعة.. تحرير 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    جامعة «أريزونا» تطرد أستاذا جامعيا بعد تعديه على امرأة مسلمة داعمة لفلسطين    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    19 عرضا مسرحيا مجانيا لقصور الثقافة بأسيوط    "مبروك يا صايعة".. الشرنوبي يثير الجدل بتهنئته ل لينا الطهطاوي بزفافها (صور وفيديو)    "الأوقاف" تكرم عضوا ب الأعلى للشئون الإسلامية" لمشاركته بالأنشطة الرمضانية بالمساجد    محافظ أسيوط: مواصلة تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمدينة منفلوط    وكيل صحة الشرقية يفاجئ العاملين بمستشفى الحسينية المركزي ( صور )    ترغب في التخسيس؟- أفضل الطرق لتنشيط هرمون حرق الدهون    «المشاط»: 117 مشروعًا لدفع مشاركة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا    تشييع جثمان عقيد شرطة ضحية تصادم سيارة مع جمل ببني سويف    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    محافظ بني سويف يوجه بمتابعة استمرار التسهيلات في تلقى طلبات التصالح بالقانون الجديد 187    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    بيرسي تاو يحصد جائزة أفضل لاعب في اتحاد دول جنوب إفريقيا    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    تشكيل هيئة مكتب نقابة أسنان القليوبية    خطيب الجمعة ب "الأزهر": الحضارة الإسلامية حوربت عبر تشكيك المسلمين في تراثهم    نقيب الفلاحين يعلن دعمه لاتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    عادات يومية للتحكم في نسبة السكر بالدم.. آمنة على المرضى    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“الزمان المصرى” تنفرد بنشر بحث عن “دور الأمن الانساني في تحقيق التعايش السلمي” يكتبه الباحث الدكتور عادل عامر
نشر في الزمان المصري يوم 19 - 10 - 2018


**بحث مقدم الي المؤتمر العاشر للتسامح والسلام
العيش المشترك
(التنوع والتكامل)
24 نوفمبر 2018 بالقاهرة
الملخص: تناولت هذه الدراسة موضوعا حيويا جديدا، لم يطرق من سابق – في مجتمع الدراسة – سواء بالبحث او المعالجة.
وعلية ري الباحث اهمية تناول هذا الموضوع بوصفة إحدى الازمات المحلية والاقليمية والدولية التي يواجها المجتمع الدولي والمحلي والإقليمي. فإن قضية التعايش من أهم القضايا التي تشغل العلماء والمفكرين المسلمين والغربيين، “ولقد شعر بأهميتها المسلمون وغير المسلمين، فقامت مجامع وندوات وتعالت نداءات تطالب بمزيدٍ من التعايش الحسن” وقد تباينت مذاهب الناس فيها، بين رفض لها وبين قابل بها بجميع صورها، وبمذاهبها الفكرية المختلفة، فكان لزاماً على المفكرين النظر في المقاصد من هذا المصطلح
إذا تتمحور الدراسة في توضيح واظهار اهميه موضوع “العيش المشترك” في ضوء لأهمية المجتمع الدولي في تحقيق ذلك الذي ينهض على فعل جماعي يراهن من جهة أولى، على تدبير واقع ندرة الموارد المادية والرمزية ومحدوديتها، وهنا تنطرح مشكلة توزيع الموارد وعدالة هذا التوزيع. في تحقيق الامن الاجتماعي الذي يهدف الي استقرار التعايش السلمي.
كما يراهن من جهة ثانية، على تدبير وتكييف واقع التنوع والاختلاف الديني، والثقافي، والطائفي، والمذهبي، والعرقي، والاقليمي. ذلك أن سياق العيش المشترك يتراوح ما بين ظروف الرخاء والوفرة والغنى، وهنا يكون العيش المشترك متحصلا بطريقة شبه تلقائية لا تستوجب كبير جهد وتدبير، وبين ظروف الندرة والمسغبة، حيث تستشري الأزمة، ويخيم واقع عدم الاستقرار، وهنا يحتاج العيش المشترك إلى الكثير من الجهد والعنت.
أما أبعاد العيش المشترك فتتحدد أولا من الوجهة المجالية؛ ما بين إطار وطني داخلي ضمن مكونات الجماعة الوطنية، وهو البعد الذي يتحدد بنظريات العقد الاجتماعي والسياسي، وبالطبيعة المدنية للإنسان وحاجته إلى غيره.
وإطار دولي خارجي ضمن الجماعة الدولية. كما تتحدد ثانيا من الوجهة المرجعية؛ ما بين مرجعية قرآنية إسلامية تقوم على منظومة قيم؛ التعارف، والاختلاف، والمساواة، والحرية، والعدالة، والكرامة الإنسانية، والتعاون والتدافع.
اذ تم تسليط الضوء على الزامية وجود مرجعية أممية تعبر عن الإرادة الدولية للمجتمع الإنساني، مع ما قد يعتري هذه الإرادة من خضوع لمنطق موازين القوة التاريخية الفعلية، ولمنطق الازدواجية والكيل بأكثر من مكيال واحد.
ومع ذلك فلا يتعين افتراض التعارض الكلي بين المرجعية الأممية الكونية، وهي مرجعية أسهمت فيها كل الحضارات التاريخية، وكل الثقافات القائمة بنصيب.
فالحضارة الإنسانية الواحدة والمشتركة لا يمكن تصورها إلا بفضل تعدد الثقافات، وهو تعدد يقتضي التعايش والحوار بدل التنابذ والصراع. على أن يكون هذا الحوار بين جماعات ومجتمعات إنسانية من لحم ودم؛ لها مشاعر مشتركة، وبناء عاطفي وذهني إنساني مشترك. وليس حوارا بين كيانات حضارية وثقافية مغلقة.
فالعيش المشترك، انسجاما مع ما سلف، يرتكز فضلا عن البنية التعاقدية القانونية الدستورية في صلتها العضوية بالبنية المؤسسية، على منظومة متكاملة للقيم. وكما أن للعيش المشترك مستلزماته في إطار الجماعة الوطنية، فإن له كذلك، مقتضيات في إطار العلاقات الدولية.
وعلية بنيت نتائج الدراسة: أن التعددية الثقافية الليبرالية ترتكز على افتراض أن سياسات الاعتراف ومساندة التنوع الثقافي من شأنها أن “توسع مجال الحرية البشرية” و”تقوي الحقوق الإنسانية”، وتخفف من الهيراركية العرقية والعنصرية وتعمق الديمقراطية والعيش المشترك. ومع ذلك، فإن التعددية الثقافية من منظور ليبرالي تعد ظاهرة أكثر تعقيدا مما يعتقد الكثيرون، وهي ليست مبدأ واحدا أو سياسة واحدة، وإنما هي مظلة تستوعب أساليب تختلف بشكل كبير من تجربة إلى أخرى، كما أن كل واحد من هذه الأساليب يتميز بتعدد وتعقد أبعاده[12].
فمع أن التعددية الثقافية تعد، من وجهة نظر البعض، بمثابة أيديولوجيا؛ أي “نسقا من المعتقدات المترابطة والمنظمة”، إلا أنها تظل قابلة، مع ذلك، للتشكيك والدحض. فهي تركز اهتمامها تحديدا على كيفية التعامل مع التنوع الثقافي داخل الدولة، وطبيعة علاقة الدولة بمكوناتها الثقافية، وماهية المرجعية الفكرية التي ينبغي الركون إليها لضمان شرط المعاملة العادلة مع سائر مكوناتها. فهي بإيجاز من قبيل النظريات السياسية لا الأيديولوجيات.
ومن جهة أخرى فإن التعددية الثقافية تعد في عمقها تجربة حياة، وتجربة عيش في كنف مجتمع أقل انعزالية وضيقا في الأفق، وأكثر حيوية وتنوعا ولو كان أقل تجانسا تستخدم الأدبيات المعاصرة مصطلح “التعددية الثقافية” كمصطلح شامل يغطي مساحة واسعة من السياسات التي تستهدف توفير مستوى معين من الاعتراف العام، ومساندة مختلف الثقافات الفرعية الأمر الذي يستوجب بلورة أنواع مختلفة من السياسات لأنواع مختلفة من الجماعات الثقافية الفرعية.
وهكذا يتصل مفهوم التعددية الثقافية اتصالا وثيقا بمفهوم “سياسة الاختلاف”، وهو المفهوم الذي بمقتضاه يتعين “معاملة الأشخاص المختلفين بشكل مختلف نسبيا وفقا لثقافتهم المميزة[10].” وفي هذا السياق، يوظف المفهوم باعتباره مفهوما جامعا يستبطن مجموعة كبيرة من السياسات المعنية بتوفير مستوى معين من الاعتراف الرسمي والدعم للجماعات الفرعية غير المهيمنة، سواء أكانت تلك الجماعات من المهاجرين أو الأقليات القومية أو السكان الأصليين[11].
وأظهرت الدراسة:
أن الإسلام من خلال أهدافه ومبادئه وقيمة يسعي لتحقيق الأمن والاستقرار والمحافظة على النظام وتطبيق الحدود الشرعية بحيث لم يترك الإسلام أي ثغرة ينفذ من خلالها الإرهابيون والمخربون لتنفيذ أعمالهم وتحقيق مأربهم كما أن نشوء إدارة لشؤون المجتمع العالمي تمثل بعدا أصيلا من أبعاد تطور الجهود الإنسانية لتنظيم الحياة على هذا الكوكب، وتلك عملية ستظل دوما مستمرة. غير أن مفهوم “إدارة شؤون المجتمع العالمي” لا يفيد السعي لإقامة حكومة عالمية، وإنما يسعى إلى تحقيق التوازن بكيفية تغدو معها إدارة شؤون المجتمع محققة لمصالح كل الشعوب في مستقبل مستديم، مسترشد بالقيم الإنسانية الأساسية، وقادرة على تكييف التنظيم العالمي لواقع التنوع الذي يزخر به عالمنا[2].
ذلك أن مبدأ التعددية لا يتحقق إلا من خلال الإيمان بوجود العديد من طرق الحياة العقلانية التي تسمح لنا بأن نعيش حياة كريمة. كما يتحقق من خلال القدرة على الاختيار الحر لنمط الحياة الإنسانية الذي يناسبنا. علما أن التعددية والتنوع إنما يكونا في إطار الوحدة الجامعة والروابط المشتركة؛ “فالشرائع المتعددة، على سبيل المثال، لا تتأتى تعدديتها إلا في إطار الدين الواحد، والحضارات المتعددة لا تتأتى تعدديتها إلا في إطار المشترك الإنساني العام. وبذلك، فإن التعددية هي تنوع قائم على تميز وخصوصية، فهي لا يمكن أن توجد إلا بالمقارنة بالوحدة وضمن إطارها، فلا يمكن إطلاق التعددية على التشرذم والقطيعة التي لا جامع لآحادها، ولا على الأحادية التي لا أجزاء لها[9].
وخلصت الدراسة:
الي ان تنامي اهتمام الشعوب بحقوق الإنسان والمساواة، والديمقراطية، وتلبية الاحتياجات المادية الأساسية، والحماية البيئية، ونزع الطابع العسكري، إلى تبلور العديد من القوى (إلى جانب الدولة) التي تسعى إلى الإسهام في تدبير العيش المشترك من خلال إدارة شؤون المجتمع العالمي (محليا وإقليميا ودوليا).
غير أن أهم تغيير يمكن أن يقوم به الناس هو تغيير طريقتهم للنظر إلى العالم بما يعزز قيم العيش المشترك. وتفسير ذلك؛ أن العيش المشترك (وطنيا أو دوليا) لن يتحقق إلا من خلال الالتزام المشترك بمجموعة من القيم الأساسية التي من شأنها التوحيد بين الناس رغم اختلاف انتماءاتهم الثقافية والسياسية والدينية والفلسفية. وفي مقدمة هذه القيم؛ القيم الأساسية المتعلقة باحترام الحياة، والحرية، والعدالة، والإنصاف، والاحترام، وأخلاق الرعاية، والأمانة.
وبفضل هذه القيم يمكن لعيشنا المشترك أن يتأسس على أساس أخلاقي إنساني يستوعب روابط الجوار والمصلحة والهوية والانتماء والعيش الكريم. خاصة إذا علمنا أن “من شأن المعايير الأخلاقية العالمية التي نتوخاها أن تساعد على إضفاء الطابع الإنساني على الأنشطة الموضوعية للنظم البيروقراطية والأسواق، والحد من الغرائز التنافسية، وخدمة المصالح الذاتية الضيقة للأفراد والجماعات، أو بتعبير آخر، ستسعى إلى ضمان أن يكون المجتمع الدولي مشبعا بالروح المدنية[6].”
لذلك يجب أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش في سلام وحسن جوار.” إزاء الشعور المتزايد بعجز الدول الوطنية على مواجهة ومعالجة الكم الكبير والمعقد من التحديات والقضايا التي تواجهها، وجدت الدول والشعوب التي ترغب وتراهن على السيطرة على مصيرها أنها لا تقوى على ذلك إلا بالعمل معا جنبا إلى جنب مع الآخرين، وأنه يتعين عليها أن تؤمّن مستقبلها من خلال الالتزام بالمسؤولية المشتركة، والجهد المشترك[1].
” ذلك أن الذي استجد هو أن الاعتماد المتبادل بين الأمم قد ازداد اتساعا وعمقا، وكذلك دور الشعوب حيث جرى تحويل بؤرة الاهتمام من الدول إلى عموم الناس من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ومن هنا، فإن نمو المجتمع المدني الدولي يمثل مظهرا من مظاهر هذا التغيير. لان الإجراءات والترتيبات التي يتبعها العالم في تدبير وتصريف أموره يتعين أن ترتكز على منظومة من القيم المشتركة، وأن البناء المؤسسي والقانوني مهما كانت عقلانية الإجرائية فلا يستمد قوته وفاعليته وجدواه إلا من خلال استناده على قيم مشتركة وعلى إحساس عال بالمسؤولية المشتركة. أنه وجدت على ساحة العمل التطوعي العربي ثلاثة أنواع من المنظمات تتباين في أهدافها وفي العلاقة بينهما وبين الدولة:
المجتمع المدني الديني والإرثي وهو أقدم أشكال المنظمات غير الحكومية في المنطقة العربية ويعتبر من الناحية العددية ممثلا لأكبر عدد من الأعضاء الذين يقدرون بالآلاف وفي بعض البلدان بالملايين، ويشمل هذا النمط الجمعيات الدينية والجماعات الصوفية والجمعيات الخيرية وجمعيات البر والإحسان. وقد زادت النمط الديني للمجتمع المدني العربي في العقود الأخيرة بسبب تصاعد قوة التيارات الدينية والطائفية في المجتمعات العربية.”
المدخل: –
إن روح التعاون والمساعدة، وجدت منذ وجود البشرية، فالإنسان اجتماعي بالفطرة، والعمل الاجتماعي كان يتم عبر التاريخ في أشكال مختلفة، فردية أو جماعية، إلا أن دور المنظمات غير الحكومية أخذ يتبلور مع بروز دور الحكومات وتحديد مهامها، أي في البيئة الأوروبية الصناعية خلال القرن التاسع عشر، كما أن اندلاع الحروب وما ولدته من ويلات ومآس، كل ذلك شجع على تأسيس الجمعيات الطوعية وتأدية دور لا تمارسه الحكومات، كتنفيذ أعمال إنسانية بخاصةٍ في فترات الحروب، تهدف بشكل مباشر إلى تخفيف المآسي عن بني البشر.
لقد حكم هذا النوع من العمل في سياقه الزمني ثقافتان مختلفتان، الأولى تعتمد على الإغاثة والاحسان والثانية على التضامن والتعاون، وفي ظل التطورات السياسية المتلاحقة في العالم، أخذت روحية التضامن والإنماء تحل مكان العمل الاحساني.
إن تعاظم دور المنظمات غير الحكومية وازدياد نشاطها وحضورها على الصعيد العالمي جعلها تنال اعتراف منظمة الامم المتحدة كشريك أساس وفعّال في تقرير مصير البشرية ومستقبلها وفي الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايته، حيث باتت هذه المنظمات تعتبر السلطة الثالثة في العالم بعد الحكومات والأحزاب السياسية.
ذلك أن المؤسسات العامة تجمع المنتمين إلى شتى الجماعات الفرعية، فتكون هذه المؤسسات ذات امتدادات متشعبة شاملة المجالين الشخصي والسياسي لأعضائها؛ فعلى الصعيد الشخصي، تعنى هذه المؤسسات بتلاقي الناس من مختلف الانتماءات، فيوطدون، بذلك، علاقاتهم المتبادلة التي ترتبط على نحو وثيق الصلة بحياة هذه الجماعات في بيئاتها وأماكن تواجدها.
أما على الصعيد السياسي، فتعنى تلك المؤسسات بتعليم الناس كيفية التعامل والتعايش والتفاوض مع بعضهم البعض، رغم اختلافاتهم. وهكذا، سيُفضي بالاندماج المؤسساتي، بفعل عامل الزمن، إلى بلورة مِزاج عام يوحد الجماعات الثقافية التي تعيش على رقعة جغرافية معينة، بحيث يتحول إلى ثقافة مشتركة تتعايش بموجبها الجماعات الثقافية. فيتكون لدى أعضائها حِسُّ الانتماء إلى وطن مشترك ومؤسسات سياسية مشتركة.
ومع ازدياد نطاق هذه الهوية المشتركة ورسوخها، ستختفي بمرور الزمن وضعية الأكثرية الأقلية، لنكون أمام واقع قائم على أساس الهوية المشتركة التي تعبر عن جميع مكوناتها دون فقدان الأخيرة لخصوصياتها الثقافية[14].
من هنا يأتي أهمية الأمن الإنساني الذي يشتمل على نزعة جديدة، تبعد عن النزعة التقليدية المتعلقة بتحليل الأمن الانساني العالمي، والتي تعطي الدولة الجهة الوحيدة والمرجعية المطلقة في المحافظة على الأمن الإنساني، بالمقابل فإن البشرية وتجمعاتهم المعقدة، وعلاقاتهم الانسانية لهم الاولوية ضمن الدولة أو فوقها، فالأمن الانساني هو القدرة على حماية الناس، كما أنه القدرة على تحصين الدول وفي بعض معادلات الأمن الانساني خاصة تلك التي تقوم على أن الأمن الانساني هو فوق أمن الدولة.
يمثل العدل صمام أمان للتعددية الثقافية؛ وتفسير ذلك أن من شأن مبادئ العدالة وإجماع الأفراد عليها في المجتمع الجيد التنظيم أن يؤديا إلى استمرارية تماسك هذا المجتمع واستقراره وعيشه المشترك، بالرغم من تنوع معتقدات الأفراد وانتماءاتهم.
مشكلة الدراسة: –
أتاحت التحولات الديمقراطية في موجاتها السابقة أو الحالية في أكثر من بلاد، رغم تعثرها أحيانا، فرصة ثمينة للنخب السياسية والفكرية لاكتشاف وإعادة اكتشاف المجتمع المدني. في تحقيق الامن الإنساني والتعايش السلمي في ضوء عقلانية المطالب المرفوعة والممارسات المستحدثة مع قيم الديمقراطية، ويُعتبر النوع الاجتماعي، بالفعل، عاملاً مميزاً في المساهمة في رصد جذور المواطنة وتحديدها في أية “دولة-وطن” أو “دولة أمة” (Nation-state) لأنه يعالج موضوع المواطنة انطلاقاً من بعده الإنساني ويسلِّط الأضواء من ثم على التفاوت الحاصل تاريخياً بين الثقافات والشرائع والعقائد المتعددة وفي الإطار القانوني الحديث الذي شكلته الدولة الوطنية في القرن العشرين.
وإذا كان الكلام عن التعايش المشترك يتسم بالعمومية لأنه يتجاهل العقبات الحقيقية التي تعترض تمتع جميع المواطنين في الدولة بحقوقهم المدنية والسياسية كاملة ويتخذ منحى حقوقياً قد يكون أجوف أو فارغاً من كل مضمون فعلي، فإن التركيز على النوع الاجتماعي يؤكد شمولية مفهوم التعايش السلمي وبالتالي ضرورة تذليل العقبات وإزالة الفروق القائمة بين مختلف فئات المواطنين إزاء ممارسة حقوقهم في المجتمع الوطني.
فتتحول القوانين المتطورة إلى مجرد إعلان بل إعلان نوايا، في حين يبقى الواقع محكوماً بتشريعات غير متطورة وغير منسجمة مع مبدأ المساواة في الإنسانية بين الشرائع السماوية كافة في ظل الوطنية التي تحبو الجميع. وحتى إن وجدت القوانين فما زالت هناك فجوة كبيرة بين النص والتطبيق الفعلي لإزالة التمييز وتحقيق المساواة.
ومن ثم فان اهمية الدراسة الراهنة تكمن كما هو جلي من الدلالة الظاهرة لعنوانها، إلى محاولة الوقوف على أهم المحددات المفاهيمية والمرجعية التي تحكم عملية العيش المشترك، بحسبانها عملية اجتماعية وحضارية لا يتصور تحققها إلا في كنف مجتمع مدني قائم على التعاقد والوفاق بين مختلف مكوناته، ومحاط بمنظومة من القيم الاجتماعية في التسامح، والغيرية، والتعارف، والاعتراف، والاحترام المتبادل. في إطار من الإيمان الراسخ بشرعية الاختلاف.
وهي المنظومة التي تتعزز كلما وجدت لها سندا مرجعيا في منظومتها العقدية الدينية والتراثية وخبراتها التاريخية والحضارية، وكلما اغتنت بانفتاحها على الكسب الكوني لمختلف الديانات التوحيدية، ومختلف الثقافات، والفلسفات ذات المنزع الإنساني.
من التمييز بين مستوى التعايش؛ باعتباره فعلا اجتماعيا محكوما بمنطق الحاجة والضرورة، بحيث لا يعدو كونه نوعا من التساكن القائم على التحمل والتفضل، والصبر على أذى “الآخر”، واختلافه، وبين مستوى العيش المشترك، المبني على فعل اجتماعي قصدي وواع، وعلى تعاقد سياسي واجتماعي صريح، وعلى قبول وتمثل واعتراف بوجود الآخر وإقرار بكينوته، وحقه في التميز والاستقلالية والحرية والاختلاف.
كما تنطلق هذه الدراسة الي الحديث عن المحددات المفاهيمية والمرجعية لفعل التعايش والعيش المشترك، بصيغة الجمع، يفضي بنا إلى توسيع دائرة المقاربة لتشمل المنظور الديني والفلسفي، والتاريخي، والسوسيولوجي، والسيكولوجي. وإن الاختلاف والصراع نتاج طبيعي لحركة البشر وتفاعلهم اليومي وعليه فان الصراع لا يمكن معالجته بل يمكن إدارته، وفي هذا الإطار، تستهدف هذه الدراسة، بشكل أساسي، مقاربة هذا الموضوع انطلاقا من مقترب ومفهوم “التعددية الثقافية” والشرائع المتعددة الذي لا يمكن تصور “العيش المشترك” في ظل المجتمعات الحديثة إلا في كنفهما.
ومن ثم فان الدراسة الراهنة تحاول ان تبين عمق التعايش السلمي والتنوع الفكري والثقافي في ضوء الشرائع السماوية الي تهدف جميعها الي تحقيق الأمن الإنساني الشامل يهدفان إلى حماية الإنسان من المخاطر وتحقيق أعلى درجات الرفاهية في العيش الآمن الكريم.
وتلك مهمة للمجتمع بأسره، ولكن المجتمع المدني الدولي والمحلي يعتبر أحد الفاعلين الأساسيين في تحقيق هذه المهمة.
ولقد حاولنا في البحث أن نناقش بعض القضايا المرتبطة بدور المجتمع المدني في تحقيق الأمن الإنساني أو التنوع الثقافي والشرائع السماوية والعقائد المختلفة.
وقد يحق لنا أن نختم بالقول بأن هذه المهام تتطلب شروطًا اجتماعية وثقافية عامة؛ أهمها وجود إجماع اجتماعي على هذا الدور وأهميته؛ وتبني الدولة لأهداف تنموية تقوم على رؤية للشراكة مع استبعاد التسلط والقهر والتهميش؛ وقدرة النخب السياسية والمدنية على أن تتجاوز خلافاتها وأن تعمل يدًا بيد من أجل الصالح العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.